أقرأ أيضاً
التاريخ: 19-7-2016
2197
التاريخ: 1-8-2016
7420
التاريخ: 19-7-2016
6202
التاريخ: 19-7-2016
23841
|
لون من ألوان الاختصار، ونوع من أنواع الاشتقاق عند المحدثين، والحديث عنه سيتناول ما يلي:
أولاً: تعريفه:
أ _ تعريفه في اللغة: هو مصدر الفعل نحت ينحت نحتاً، أي شقَّه وبراه، وهذبه.
قال ابن فارس رحمه الله: (النون والحاء، والتاء كلمة تدل على نجر شيء، وتسويته بحديدة.
ونحت النجار الخشبة ينحتها نحتاً.
والنحيتة: الطبيعة، يريدون الحالة التي نحت عليها الإنسان كالغريزة التي غرز عليها، وما سقط من المنحوت: نُحاته)(1).
وقال ابن منظور رحمه الله: (ونحت الجبل ينحته: قطعه، وهو من ذلك.
وفي التنزيل: [وَتَنْحِتُونَ مِنْ الْجِبَالِ بُيُوتاً فَارِهِينَ])(2).
ب _ تعريفه في الاصطلاح: أن يؤخذ من كلمتين فأكثر كلمة واحدة.
أو هو: استخراج كلمة واحدة من كلمتين أو أكثر(3).
ص269
ومعنى ذلك: أن يُعْمَدَ إلى كلمتين فأكثر، فيُجْعَلَ منهما كلمة واحدة تعبر عن الكلمتين.
مثال ذلك: عبشمي: نسبة إلى عبد شمس، وحيعل نسبة إلى حي على الفلاح، وسيأتي مزيد أمثلة للنحت.
ثانياً: شروط النحت: من خلال التعريف الماضي يتبين أنه يشترط للكلمة المنحوتة شروط وهي:
1_ أن تكون معبرة عن معنى الكلمات التي أُخذَتْ منها.
2_ أن تَجْمع بين حروف ما أخذتَ منه خصوصاً إذا كان من كلمتين فقط.
مثل: عبدري نسبة إلى عبد الدار، حيث جُمع بين حروف الكلمتين.
أما إذا كان من ثلاث كلمات فلا يشترط الأخذ من كل كلمة مثل: جعفدة من قولهم: جعلني الله فداك؛ فلفظ الجلالة لم يؤخذ منه شيء.
ثالثاً: أهم طرق النحت(4): هناك طرق يتم من خلالها النحت، ومن أهمها ما يلي:
إلصاق الكلمة بالأخرى دون تغيير شيء بالحروف والحركات، نحو: برمائي، واللاأدرية.
2_ تغيير بعض الحركات دون الحروف نحو: شَقَحْطَب، من: شق حطب.
3_ إبقاء إحدى الكلمتين كما هي، واختزال الأخرى نحو: مُشلْوَز منحوت من المشمش واللوز، ومُحَبْرَم من: حب الرمان.
ص270
4_ إحداث اختزال متساوٍ في الكلمتين؛ فلا يدخل في الكلمة المنحوتة إلا حرفان من كلٍّ منهما، نحو: تَعَبْشَم من: عبد شمس.
5_ إحداث اختزال غير متساوٍ في الكلمتين، نحو: سبحل من قال: سبحان الله.
6_ حذف بعض الكلمات حذفاً تاماً دون أن تترك في الكلمة المنحوتة أي أثر، نحو: طَلْبَق _ أي أطال الله بقاءك _وهلَّل_ قال: لا إله إلا الله _ فإن لفظ الجلالة (الله) حذفت منه الكلمتين، ولم يبق لها أي أثر في الكلمتين المنحوتتين، وقد مر ذلك في الفقرة الماضية عند الحديث عن شروط النحت.
رابعاً: النحت عند العلماء: كان النحت معروفاً عند العرب قديماً، ولكنهم لم يعنوا به، ويعد ابنُّ فارسٍ رحمه الله فارسَ هذه الفكرة، وإمامها المتوسع فيها.
وعلماء العربية قديماً وحديثاً يعدونه رائد هذا المضمار، والمطبق الفعليَّ له.
وقد بين ابن فارس أن العرب تعرف هذا، ونقل عن الخليل وغيره؛ ليبين أن هذه الفكرة ليست مبتدعة من قِبَلِهِ.
قال: رحمه الله في باب عقده في كتابه الصاحبي عنوانه (باب النحت): (العرب تنحت من كلمتين كلمة واحدة، وهو جنس من الاختصار، وذلك: (رجل عبشمي) منسوب إلى اسمين، وأنشد الخليل:
أقول لها ودمع العين جارٍ |
|
ألم تحزُنْك حيعلة المنادي |
ص271
وهذا مذهبنا في أن الأشياء الزائدة على ثلاثة أحرف فأكثره منحوت، مثل قول العرب للرجل الشديد: (ضِبَطْر) من ضبط وضبر.
وفي قولهم: (صهصلق) إنه من (صهل) و (صلق) وفي (الصِّلدم) إنه من (الصَّلْد) و (الصَّدْم).
وقد ذكرنا ذلك بوجوهه في كتاب مقاييس اللغة)(5).
وبهذا يتبين أن ابن فارس هو إمام هذا الفن، وأنه أول من أرجع كثيراً من الكلمات الرباعية والخماسية إلى النحت؛ حيث كان ذلك منهجه في كتاب (معجم مقاييس اللغة) في أبواب ما زاد على ثلاثة أحرف من الكلمات، وإن كان _كما سبق_ قد ذكر أن الفكرة كانت موجودة عند الخليل(6).
ومن أمثلة المنحوت التي أوردها من الرباعي قوله: (ومن ذلك قولهم: (بَلْطَحَ) الرجلُ إذا ضَرَب بنفسه في الأرض؛ فهي منحوتة من بُطِح وأُبلِط إذا لَصِق ببلاط الأرض.
ومن ذلك قولهم: (يزمخ) الرجل إذا تكبر، وهي منحوتة من قولهم: زَمخَ إذا شمخ بأنفه، وهو زامخ، ومن قولهم: بزخ إذا تقاعس، ومشى متبازخاً إذا تكلف إقامة صُلبه)(7).
وقال: (ومن ذلك (البِرْقِش) وهو طائر، وهو من كلمتين: من رقشتُ الشيء
ص272
_ وهو النقش _ وهو من البرَش وهو اختلاف اللونين، وهو معروف)(8).
ومما أورده من أمثلة الخماسي قوله: (ومن ذلك (الدَّلَهْمَس): وهو الأسد.
قال أبو عبيد: سمي بذلك لقوَّته وجرأته.
وهي عندنا منحوتة من كلمتين: من دَالَسَ، وهَمَسَ؛ فَدَالس: أتى في الظلام، وقد ذكرناه، وهمس: كأنه غمس نفسه فيه، وفي كل ما يريد، يقال: أسدٌ هموس)(9).
وقال: (ومن ذلك (دغمرت) الحديث: إذا خَلَطْته، قال: الأصمعي في قوله:
ولم يكن مؤتشباً دِغماراً
قال: المُدَغْمِر: الخفي.
وهذه كلمة منحوتة من كلمتين: من دغم يقال: أدغمت الحرف في الحرف إذا أخفيته، وقد فسرناه، ومن دغر: إذا دخل على شيء).
هذا وسيأتي مزيد أمثلة فيما بعد.
ومن العلماء الذين ألفوا في النحت الظهير العماني.
قال السيوطي رحمه الله: (وقد ألف في هذا النوع أبو علي الظهير بن الخطير الفارسي العماني كتاباً سماه (تنبيه البارعين على المنحوت من كلام العرب) ولم أقف عليه، وإنما ذكره ياقوت الحموي في ترجمته في كتابه معجم الأدباء.
ص273
قال ياقوت في معجم الأدباء: (سأل الشيخ أبو الفتحِ عثمانُ بن عيسى الملطيُّ النحوي الظهير الفارسي عما وقع في ألفاظ العرب، على مثال شَقَحْطَب فقال: هذا يسمى في كلام العرب المنحوت، ومعناه أن الكلمة منحوتة من كلمتين كما ينحت النجار خشبتين ويجعلهما واحدة؛ فـ: شقحطب منحوت من شِقّ حَطَب، فسأله الملطي أن يُثبت له ما وقع من هذا المثال إليه؛ ليعول في معرفتها عليه، فأملاها عليه في نحو عشرين ورقة من حفظه، وسماها كتاب (تنبيه البارعين على المنحوت من كلام العرب)(10).
خامساً: أقسام النحت: يمكن أن يقسم النحت باعتبار كلماته المنحوتة إلى أربعة أقسام وهي(11):
1_ النحت النِّسبي: وهو ما يكون لبيان نسبة الشخص إلى قبيلة أو مذهب أو غير ذلك، ومن أمثلته: عبدري نسبة إلى عبدالدار، وعبشمي نسبة إلى عبدشمس، وعبقسي نسبة إلى عبدالقيس، ومرقسي نسبة إلى امرئ القيس، وتيلمي: نسبة إلى تيم اللات.
ومن ذلك:حنفلتي، وشفعنتي نسبة إلى مذهب الإمام أبي حنيفة والشافعي _رحمهما الله_ .
2_ النحت الفعلي: وهو ما يكون في الأفعال، وهو ما ينحت من الجملة دلالة على منطوقها، وتحديداً لمضمونها، نحو: بسمل من قال: بسم الله، ومن
ص274
شواهده:
لقد بسملت ليلى غداة لقيتها |
|
فيا حبذا ذاك الحبيب المبسمل |
3_ النحت الوصفي: وهو أن تنحت من كلمتين كلمة على صفة بمعناها أو بأشد من هذا المعنى، ومن أمثلته: صهصلق: صفة للرجل الشديد الصوت الصخاب، يقال: امرأة صهصلق: صخابة.
قال ابن فارس رحمه الله: (وهذا منحوت من كلمتين: من صهل، وصلق)(12).
4_ النحت الاسمي: وهو أن تنحت من كلمين فأكثر اسماً، وهو أقل هذه الأنواع، مثل: جلمد من جلد وجمد، قال ابن فارس: (وهذا من كلمتين: من الجَلَد: وهي الأرض الصُّلبة، ومن الجَمُد: وهي الأرض اليابسة)(13).
ومن ذلك: الضرغام: الأسد، يقول ابن فارس: (فهذا منحوت من كلمتين: من ضغم وضرم، كأنه يلتهب حتى يَضْغَم)(14).
ومن ذلك عقابيل: من عقبى وعلة، وحبقر: من حب وقرَّ.
سادساً: أمثلة للنحت: مر فيما مضى ذكر لعدد من الأمثلة، وفيما يلي
ص275
ذكر لشيء منها(15):
1_ الضِّبَطْر: وهو الشديد، وهي منحوتة من كلمتين: ضبط وضطر(16).
2_ الحيعلة: حكاية عن قول المؤذن: حي على الصلاة حي على الفلاح.
3_ الدَّمْعَزة: حكاية قوله: أدام الله عزك.
4_ الحمدله: أي من الحمد لله.
5_ السبحلة: من سبحان الله.
6_ الحسبلة: قول: حسبي الله.
7_ المشألة: قول: ما شاء الله.
8_ الحيهلة: قول: حيهلاً بالشيء.
9_ السَّمعلة: قول سلام عليكم.
10_ الطلبقة: أطال الله بقاءك.
11_ الجعفلة أو الجعفدة: من جعلت فداك.
12_ مشأل: قا ل ما شاء الله.
13_ هيلل قال: لا إله إلا الله.
14_ ويَلَمَ: أي قال: ويلمه، ويلٌ لأمه.
15_ كبتع: قال: كبت الله عدوك.
سابعاً: النحت عند المُحْدَثين(17): لقد تنبه المحدثون إلى هذا الفن،
ص276
وربطوه بالاشتقاق، وجعلوه لوناً من ألوانه، ومن عوامل تنمية اللغة.
ولهذا نجد أن أكثر كتب المحدثين التي تناولت عوامل تنمية اللغة والاشتقاق تكلمت على النحت، حتى سماه بعضهم: الاشتقاق الكُبَّار _ كما مر_.
وبعضهم قال: النحت غير قياسي، بل هو مسموع نقله ابن فارس عن العرب، وقد تكون الكلمة رباعية، أو خماسية.
وما يذكر من الألفاظ كالحوقلة، والبسملة يعد من الألفاظ المولدة، وليست بحجة؛ فزعموا أنه من الألفاظ المركبة، وأنه غير قياسي.
ومع ذلك فقد أجاز النحتَ بعضُ العلماء، وأجازه المجمع اللغوي، بعد جدل طويل بين أعضائه؛ حيث توصلوا في نهاية المطاف إلى جوازه، وحددوه بشروط وهي:
1_ الضرورة: كأن يمر مصطلح من العلوم، أو الفنون، أو المخترعات وما إلى ذلك، فحينئذٍ يُلْجَأ إليه، بل الضرورة ههنا أعظم من الضرورة في باب التعريب؛ لأنهم قيدوه بالمصطلحات، وأن يكون معبراً عن المعنى، وأن تكون الألفاظ المنحوتة مركبة من أصلها، وأن تكون معبرة عن معانٍ متلاصقة لا يمكن أن ينهض بها التعريب، أو الاشتقاق.
2_ مراعاة أساليب العرب في النحت: وهذا عسير جداً؛ لأن العرب لم يسيروا
ص277
على قواعد معينة، وما روي عنهم لا يكاد يجتمع به نظام لغوي واحد؛ فهم _على سبيل المثال_ لا يشترطون الأخذ من كل كلمة، وخاصة إذا كانت أكثر من كلمتين.
مثل: جعفدة من: جعلني الله فداك؛ فلفظ الجلالة لم يؤخذ منه شيء.
3_ التناسب الصوتي: بحيث يراعى ألا يجمع بين الأصوات المتتنافرة؛ كالصاد والجيم في الكلمة المنحوتة.
وهكذا أجاز المجمع مثل ذلك، مع أن بعض أعضائه منعوه؛ بحجة أن العرب نحتوا؛ رغبة في استكمال اللغة، أما الآن فإن اللغة مستقرة، وكافية؛ فلا حاجة إلى ذلك.
ورُدَّ عليهم بأننا أشد حاجة من القدماء لمواجهة الجديد، وإلا حُكم على اللغة بأنها لغة جامدة، بخلاف ما هو معلوم من أنها لغة حية تستوعب الجديد، وتفي بالحاجات.
والطريف في الأمر أن المجمع ضم من بين أعضائه من ليس مختصاً باللغة العربية، فمنهم الأطباء، والمهندسون، وغيرهم.
وخلاصة القول أن المحدثين اهتموا كثيراً بالنحت، وألفوا فيه، بعكس القدماء، الذين لم يولوه اهتماماً عدا ابن فارس، وما ذكر في خبر الظهير العماني.
ثامناً: أسماء بعض الذين عنوا بالنحت من المحدثين، ونماذج مما وضعوه من الألفاظ المنحوتة(18):
ص278
أ _ إسماعيل مظهر: وله كتاب اسمه (تجديد العربية) وقد تحدث فيه عن مواجهة الجديد.
كما ألف قاموساً في جزأين (قاموس النهضة) وكله في المصطلحات العلمية، ويعتمد على الألفاظ المنحوتة في الطب، والهندسة، والكيمياء.
ومن الأمثلة التي ذكرها:
1_ كم أرضي: منحوت من: كيمائي أرضي.
2_ بي عضلي: منحوت من: بين العضل.
3_ بي جبل: منحوت من: بين الجبل.
4_ كربض: منحوت من: كريات الدم البيضاء.
5_ نزعق: من نزع الورق.
6_ زأكدة: من: إزالة الأكسيد.
7_ مقيهل: من: مقيء ومسهل.
8_ عنشم: من: عين شمس.
9_ بلغز: من: بلا غاز.
10_ قوزح: من: قوس قزح.
11_ شبهم: من: الأشياء المبهمة.
ب _ د. رمسيس نجيب: وهو طبيب معني بالنحت، وقد أتى ببعض الألفاظ المنحوتة المستعملة في ميدان الطب مثل:
1_ صلكلة: بمعنى: استئصال الكلية؛ فكلمة صل: بمعنى استئصال والذي
ص279
يركب معها يعبر عن الكلمة الأخرى.
2_ صلكد: استئصال الكبد.
3_ صلعد: استئصال المعدة.
4_ حلمأ: التحليل بالماء.
5_ حلكد: التحليل بالكحول؛ فكلمة حل بمعنى تحليل، وما ركب معها يعبر عن الكلمة الأخرى.
ج _ صلاح الدين الكواكبي: وهو أستاذ في الكيمياء، ويعد من أعلام سوريا، وقد حاول أن يضع مصطلحات في الكيمياء، كلها تعتمد على النحت.
ولا ريب أن مثل هذه الأعمال تدل على سعة اللغة، واستيعابها للجديد، وإن كان هناك من يرى أن هذه الألفاظ مولدة غير عربية، وأن فيها صعوبة.
ومهما يك من شيء فهذا أيسر من اللفظ الأجنبي.
ص280
________________
(1) معجم مقاييس اللغة 5/ 404.
(2) لسان العرب 2/ 97.
(3) انظر من أسرار اللغة لإبراهيم أنيبس ص86.
(4) انظر فقه اللغة د. إميل يعقوب ص213_214.
(5) الصاحبي ص209_210، وانظر المزهر 1/ 482.
(6) انظر دراسات في المعاجم العربية د. أمين فاخر ص111 و 112.
(7) معجم مقاييس اللغة 1/ 330_331.
(8) معجم مقاييس اللغة 1/ 331.
(9) معجم مقاييس اللغة 2/ 238.
(10) المزهر 1/ 482_483.
(11) انظر فقه اللغة د. إميل يعقوب ص210_211.
(12) معجم مقاييس اللغة العربية 3/ 351.
(13) معجم مقاييس اللغة 1/ 507.
(14) معجم مقاييس اللغة 3/ 401.
(15) انظر المزهر 1/ 482_185، ومن أسرار اللغة ص87_89.
(16) معجم مقاييس اللغة 3/ 401.
(17) محاضرات أ.د. علي البواب على طلاب كلية اللغة العربية، وانظر من أسرار اللغة لأنيس 90_94، وفقه اللغة د. وافي ص144_145.
(18) محاضرات أ. د. علي البواب على طلاب كلية اللغة العربية.
|
|
مخاطر عدم علاج ارتفاع ضغط الدم
|
|
|
|
|
اختراق جديد في علاج سرطان البروستات العدواني
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|