المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17808 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
تـشكيـل اتـجاهات المـستـهلك والعوامـل المؤثـرة عليـها
2024-11-27
النـماذج النـظريـة لاتـجاهـات المـستـهلـك
2024-11-27
{اصبروا وصابروا ورابطوا }
2024-11-27
الله لا يضيع اجر عامل
2024-11-27
ذكر الله
2024-11-27
الاختبار في ذبل الأموال والأنفس
2024-11-27

ابن زمرك
24-3-2016
إسماعيل بن أُمية
5-9-2016
تفسير الصافي : تفسير بالمأثور
15-10-2014
ابن حَجَر العَسقَلاني
26-1-2016
وفاة المنتصر وبيعة المستعين
2-10-2017
حجّية الأمارات الظنّية
5-9-2016


كلام في معنى العهد وأقسامه وأحكامه  
  
2618   03:05 مساءاً   التاريخ: 22-10-2014
المؤلف : محمد حسين الطباطبائي
الكتاب أو المصدر : تفسير الميزان
الجزء والصفحة : ج9 ، ص152-158
القسم : القرآن الكريم وعلومه / مقالات قرآنية /

1 - قد لاح لك من تضاعيف الأبحاث المتقدمة في هذا الكتاب أن الإنسان في مسير حياته لا يزال يصور أعماله وما يتعلق به أعماله من المادة تصور الأمور الكونية ويمثلها بها ويجري بينها أحكام الأمور الكونية وآثارها من القوانين العامة الجارية في الكون بحسب ما يناسب أغراضه الحيوية كما أنه يأخذ مثلا أصواتا متفرقة هي الزاي والياء والدال ، ويؤلفها بشكل مخصوص ويعمل لفظ (زيد) ثم يفترض أنه زيد الإنسان الخارجي فيسميه به ثم كلما أراد أن يحضر زيدا في ذهن مخاطبه ألقى إليه لفظ (زيد) فكان ممثلا لعين زيد عنده ، وحصل بذلك غرضه.

وإذا أراد أن يدير أمرا لا يدور إلا بعمل عدة مؤتلفة من الناس اختار جماعة وافترضهم واحدا كالإنسان الواحد ، وفرض واحدا منهم للباقين كما يفرض الرأس لبدن الإنسان ويسميه رئيسا ، وفرض كلا من الباقين كما يفرض العضو من البدن ذي الأعضاء ويسميه عضوا ثم يرتب على الرأس أحكام الرأس الخارجي ، وعلى العضو آثار العضو الخارجي وعلى هذا القياس.

وإلى هذا يؤول جميع أفكار الإنسان الاجتماعية بلا واسطة أو بواسطة أو وسائط من التصورات والتصديقات إذا حللت تحليلا صحيحا كما تؤول إليه أنظاره الفردية فيما يرتبط بأعماله وأفعاله.

الإنسان شديد الاهتمام بعقد العقود وتمثيل العهود وما يرتبط بها من الحلف واليمين والبيعة ونحو ذلك ، والعامل الأولي في ذلك أن الإنسان لا هم له إلا التحفظ على حياته والوصول إلى مزاياها والتمتع بالسعادة التي تستعقبها لو جرت على حقيقة مجراها.

فأي بغية من مبتغياته وجدها وسلط عليها أخذ في التمتع منها بما يناسبها من التمتع كالأكل والشرب وغيرهما بما جهز به من أدوات التمتع ، ودفع كل ما يمنعه من التمتع لو عرض هناك مانع عارض ورأى أنه إنما وفق لذلك في ضوء ما أوتيه من السلطة.

وقد أوتي الإنسان سلعة الفكر وبذلك يدبر أمر حياته ويصلح شأن معاشه فيعمل ليومه ويمهد لغده ، وأعماله التي هي تصرفات منه في المادة أو عائدة إلى ذلك في عين أنها جميعا متوقفة على انبساط سلطته على الفعل وإحاطته بكل ما يتعلق به عمله ، مختلفة في أن بعضها يتم بالسلطة المقصورة على الفعل مقدار زمانه كمن صادف غذاء وهو جوعان فتناوله فأكله ، فإنه لا يتوقف على سلطة أوسع من زمان العمل ، ولا على تمهيد وتقدمة.

وبعضها - وهو جل الأعمال الإنسانية الاجتماعية - يتوقف على سلطة وسيعة تنبسط على العمل في وقته وعلى زمان قبله فقط أو على زمان قبله وبعده ، لحاجته إلى مقدمات يمهدها له ، وتدبير سابق يقدمه لوجوده ، فما كل عمل يعمله الإنسان بصدفة ، بل جل الأمور الحيوية من شأنها أن يتهيأ الإنسان له قبل أوانه.

و من التهيؤ له أن يتهيأ لجمع أسبابه ونظم الوسائل التي يتوسل بها إليه وأن يتهيأ لرفع موانعه التي من شأنها أن تزاحمه في وجوده وعند حصوله ، فالإنسان لا يوفق لعمل ولا ينجح في مسعاه إلا إذا كان في أمن من أن تفوته الأسباب أو تعارضه الموانع والمزاحمات.

والتنبه لهذه الحقيقة هو الذي بعث الإنسان إلى أن يأخذ أمنا من رقبائه في الحياة : أن يعينوه فيما يحتاج من الأمور إلى معين مشارك ، أو أن لا يمانعوه من العمل فيما يتوقف إلى ارتفاع الموانع وزوالها.

فالإنسان وهو يريد أن يتخذ لباسا يلبسه من مادة بسيطة كالقطن أو الصوف ، والأمر متوقف على أعمال كثيرة يعملها الغزال والنساج والخياط ومن يصنع لهم أدوات الغزل والنسج والخياطة ، لا يتم له ما يريده من اتخاذ اللباس ولا ينجح سعيه إلا إذا كان في أمن من ناحية هؤلاء الرقباء : أن يعملوا على ما يريده ولا يخلوه وحده فيخيب سعيه ويخسر في عمله.

وكذا الإنسان القاطن في أرض أو الساكن في دار لا يتم له سكناه إلا مع الأمن من ممانعة الناس ومزاحمتهم له في سكناه والتصرف فيه بما يصلح به لذلك.

وهذا هو الذي هدى الإنسان إلى اعتبار العقد وإبرام العهد ، فهو يأخذ ما يريده من العمل ويربطه بما يعينه عليه من عمل غيره ويعقدهما : يمثل به عقد الحبال الذي يفيد اتصال بعض أجزائها ببعض وعدم تخلف بعضها عن بعض ، ومثله العهد الذي يعهده إليه غيره أن يساعده في ما يريده من الأمر أو أن لا يمانعه في ذلك.

وإلى ذلك يؤول أمر عامة العقود لعقد النكاح وعقد البيع والشرى وعقد الإجارة ، ويصدق عليها العهد بمعناها العام وهو أن يعطي الإنسان لغيره قولا أو كتابا أن يعينه على كذا أو أن لا يمنعه من كذا إلى أجل مضروب أو لا إلى أجل.

والكلام في المقام في العهد الذي لم يختص باسم خاص كعقد البيع والنكاح وغيرهما من عقود المعاملات فهي خارجة من غرضنا ولها في المجتمعات الإنسانية أحكام خاصة وآثار وخواص مخصوصة بل الكلام في العهد بمعنى ما يعقده الإنسان لغيره من الإعانة أو عدم الممانعة في متفرقات المقاصد الاجتماعية ، وما يجعله لذلك من الآثار كمن يعاهد غيره أن يعطيه كل سنة كذا مالا ليستعين به على حوائجه ، ويأخذ منه كذا مالا أو نفعا ، أو يعاهده أن لا يزاحمه في عمله أو لا يمانعه في مسيره إلى أجل كذا أو لا إلى أجل ، وهو نوع إحكام وإبرام لا ينتقض إلا بنقض أحد الطرفين أو بنقضهما معا.

وربما زيد على إحكام العهد بالحلف وهو أن يقيد المعاهد ما يعطيه من العهد ويربطه بأمر عظيم شأنه يقدسه ويحترمه كأنه يجعل ما له من الحرمة والعزة رهنا يرهن به عهده يمثل به أنه لو نقضه فقد أذهب حرمته يقول المعاهد : والله لا أخوننك ، ولعمري لأساعدنك ، وأقسم لأنصرنك ، يمثل به أنه لو أخلف وعده ونقض عهده فقد أبطل حرمة ربه ، أو حرمة عمره أو حرمة قسمه فلا مروة له.

وربما أبرم العهد والميثاق بالبيعة والصفقة يضع المعاهد يده في يد معاهده يمثل به أنه أعطاه يده التي بها يفعل ما يفعل فلا يفعل ما يكره معاهده لأن يده قبضة يده.
2 - العهود والمواثيق كما تمسها حياة الإنسان الذي هو فرد المجتمع كذلك تمسها حياة المجتمع فليس المجتمع إلا المجتمع من أفراد الإنسان ، حياته مجموع حياة أجزائه ، وأعماله الحيوية مجموع أعمال أجزائه وله من الخير والشر والنفع والضر والصحة والسقم والنشوء والرشد والاستقامة والانحراف والسعادة والشقاوة والبقاء والزوال مجموع ما لأجزائه من ذلك.

فالمجتمع إنسان كبير له من مقاصد الحياة ما للإنسان الصغير ، ونسبة المجتمع إلى المجتمع تقرب من نسبة الإنسان الفرد إلى الإنسان الفرد فهو يحتاج في ركوب مقاصده وإتيان أعماله من الأمن والسلامة إلى مثل ما يحتاج إليه الإنسان الفرد بل الحاجة فيه أشد وأقوى لأن العمل يعظم بعظمة فاعله وعظمة غرضه ، والمجتمع في حاجة إلى الأمن والسلام من قبل أجزائه لئلا يتلاشى ويتفرق ، وإلى الأمن والسلام من قبل رقبائه من سائر المجتمعات.
وعلى هذا جرى ديدن المجتمعات الإنسانية على ما بأيدينا من تاريخ الأمم والأقوام الماضية ، وما نسمعه أو نشاهده من الملل الحاضرة فلم يزل ولا يزال المجتمع من المجتمعات الإنسانية في حاجة قائمة إلى أن يعاهد غيره في بعض شئون حياته السياسية والاقتصادية أو الثقافية أو غيرها ، فلا يصفو الجو للإقدام على شيء من مقاصد الحياة أو التقدم في شيء من مآربها إلا بالاعتضاد بالأعضاد والأمن من معارضة الموانع.

3 - الإسلام بما أنه متعرض لأمر المجتمع كالفرد ، ويهتم بإصلاح حياة الناس العامة كاهتمامه بإصلاح حياة الفرد الخاصة قنن فيه كليات ما يرجع إلى شئون الحياة الاجتماعية كالجهاد والدفاع ومقاتلة أهل البغي والنكث والصلح والسلم والعهود والمواثيق وغير ذلك.
والعهد الذي نتكلم فيه قد اعتبره اعتبارا تاما وأحكمه إحكاما يعد نقضه من طرف أهله من أكبر الإثم إلا أن ينقضه المعاهد الآخر فيقابل بالمثل فإن الله سبحانه أمر بالوفاء بالعهود والعقود ، وذم نقض العهود والمواثيق ذما بالغا في آيات كثيرة جدا قال تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة : 1] ، وقال : {وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ } [الرعد : 25] ، وقال : {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا} [الإسراء : 34] إلى غير ذلك.

ولم يبح نقض العهود والمواثيق إلا فيما يبيحه حق العدل وهو أن ينقضه المعاهد المقابل نقضا بالبغي والعتو أو لا يؤمن نقضه لسقوطه عن درجة الاعتبار ، وهذا مما لا اعتراض فيه لمعترض ولا لوم للائم ، قال تعالى : {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ } [الأنفال : 58] فأجاز نقض العهد عند خوف الخيانة ولم يرض بالنقض من غير إخبارهم به واغتيالهم وهم غافلون دون أن قال : {فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ} [الأنفال : 58] فأوجب أن يخبروهم بالنقض المتقابل احترازا من رذيلة الخيانة.

وقال : {بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (1) فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ} [التوبة : 1 ، 2] فلم يرض بالبراءة دون أن وسع عليهم أربعة أشهر حتى يكونوا على مهل من التفكر في أمرهم والتروي في شأنهم فيروا رأيهم على حرية من الفكر فإن شاءوا آمنوا ونجوا وإن لم يشاؤوا قتلوا وفنوا ، وقد كان من حسن أثر هذا التأجيل أن آمنوا فلم يفنوا.

وقد تمم سبحانه هذه الفائدة أحسن إتمام بقوله بعد إعلام البراءة : { وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ } [التوبة : 6].

وقال مستثنيا الموفين بعهدهم من المشركين : {كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (7) كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ } [التوبة : 7 ، 8] وقد علل الاستقامة لمن استقام بأنه من التقوى - ذاك التقوى الذي لا دعوة في الدين إلا إليه - وإن الله يحب المتقين ، وهذا تعليل حي إلى يوم القيامة.
وقال تعالى : {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة : 194] وقال : {وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ } [المائدة : 2].

وأما النقض الابتدائي من غير نقض من العدو المعاهد فلا مجوز له في هذا الدين الحنيف أصلا ، وقد تقدم قوله تعالى : {فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ} [التوبة : 7] الآية وقال : {وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [البقرة : 190].

وعلى ذلك جرى عمل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أيام حياته فقد عاهد بني قينقاع وبني قريظة وغيرهم من اليهود ولم ينقض إلا بعد ما نقضوا ، وعاهد قريشا في الحديبية ولم ينقض حتى نقضوا بإظهار بني بكر على خزاعة وقد كانت خزاعة في عهد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وبنو بكر في عهد قريش.

وأما النقض من غير نقض فلا مبيح له في الإسلام وإن كان الوفاء مما يفوت على المسلمين بعض منافعهم ، ويجلب إليهم بعض الضرر وهم على قدرة من حفظ منافعهم بالبأس والقوة أو أمكنهم الاعتذار ببعض ما تصور لهم الحجة ظاهرا وتصرف عنهم اللوم والعذل فإن مدار الأمر على الحق ، والحق لا يستعقب شرا ولا ضرا إلا على من انحرف عنه وآوى إلى غيره.

4 - المجتمعات الإنسانية سيما الراقية المتمدنة منها غير المجتمع الديني لا هدف لاجتماعهم ولا غرض لسننهم الجارية إلا التمتع من مزايا الحياة المادية ما قدروا عليه فلا موجب لهم للتحفظ على شيء أزيد مما بأيديهم من القوانين العملية الناظمة لشتات مقاصدهم الحيوية.

ومن الضروري أن الظرف الذي هذا شأنه لا قيمة فيها للمعنويات إلا بمقدار ما يوافق المقاصد الحيوية المادية فالفضائل والرذائل المعنوية كالصدق والفتوة والمروة ونشر الرحمة والرأفة والإحسان وأمثال ذلك لا اعتبار لها إلا بمقدار ما درت بها منافع المجتمع ، ولم يتضرروا بها لو لم تعتبر ، وأما فيما ينافي منافع القوم فلا موجب للعمل بها بل الموجب لخلافها.
ولذلك ترى المؤتمرات الرسمية وأولياء الأمور في المجتمعات لا يرون لأنفسهم وظيفة إلا التحفظ على منافع المجتمع الحيوية ، وما يعقد فيها من العهود والمواثيق إنما يعقد على حسب مصلحة الوقت ، ويوزن بزنة ما عليه الدولة المعاهدة من القوة والعدة ، وما عليه المعاهد المقابل من القوة والعدة في نفسه وبما يضاف إليه من سائر المقتضيات المنضمة إليه المعينة له.

فما كان التوازن على حالة التعادل كان العهد على حاله ، وإذا مالت كفة الميزان للدولة المعاهدة على خصمه أبطلت اعتبار العهد بأعذار مصطنعة واتهامات مفتعلة للتوسل إلى نقضه ، وإنما يراد بتقديم الأعذار أن يتحفظ على ظاهر القوانين العالمية التي لا عقبى لنقضها والتخلف عنها إلا ما يهدد حياة المجتمع أو بعض منافع حياتهم ، ولو لا ذلك لم يكن ما يمنع النقض ولو من غير عذر إذا اقتضته منافع المجتمع القوى الحيوية.

وأما الكذب أو الخيانة أو التعدي لما يتخذه الغير منافع لنفسه فليس مما يمنع مجتمعا من المجتمعات من حيازة ما يراه نافعا لشأنه إذ الأخلاق والمعنويات لا أصالة لها عندهم وإنما تعتبر على حسب ما تقدره غاية المجتمع وغرضه الحيوي وهو التمتع من الحياة.

وأنت إذا تتبعت الحوادث العامة بين المجتمعات سابقها ولاحقها وخاصة الحوادث العالمية الجارية في هذا العصر الأخير عثرت على شيء كثير من العهود الموثقة ونقوضها على ما وصفناه.

وأما الإسلام فلم يعد حياة الإنسان المادية حياة له حقيقية ، ولا التمتع من مزاياها سعادة له واقعية ، وإنما يرى حياته الحقيقية حياته الجامعة بين المادة والمعنى ، وسعادته الحقيقية اللازم إحرازها ما يسعده في دنياه وأخراه.

ويستوجب ذلك أن يبنى قوانين الحياة على الفطرة والخلقة دون ما يعده الإنسان صالحا لحال نفسه ، ويؤسس دعوته الحقة على اتباع الحق والاهتداء به دون اتباع الهوى والاقتداء بما يميل إليه الأكثرية بعواطفهم وإحساساتهم الباطنة قال تعالى : { فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} [الروم : 30] وقال : {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [التوبة : 33] ، وقال : {بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِالْحَقِّ} [المؤمنون : 90] ، وقال : {وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ} [المؤمنون : 71].

ومن لوازم ذلك أن يراعى حق الاعتقاد وفضيلة الخلق وصالح العمل جميعا فلا غنى للمادة عن المعنى ولا غنى للمعنى عن المادة فمن الواجب رعاية جانب الفضائل الإنسانية نفعت أو ضرت والتجنب عن الرذائل نفعت أو ضرت لأن ذلك من اتباع الحق ، وحاشا أن يضر إلا من انحرف عن ميزانه وتخطى ما يخط له الحق.

ومن هنا ما نرى أن الله سبحانه ينقض عهد المشركين لنقضهم عهده ويستعمل الرحمة بإمهالهم أربعة أشهر ، ويأمر بالاستقامة لمن استقام في عهده من المشركين وقد استذلهم الحوادث يومئذ وضعفوا دون شوكة الإسلام ، وكذا يأمر نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) إن خاف من قوم خيانة أن ينقض عهدهم لكن يأمره بإعلامهم ذلك ويعلله بأنه لا يحب الخيانة.




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .