أقرأ أيضاً
التاريخ: 24-6-2018
5889
التاريخ: 4-4-2017
17238
التاريخ: 15-6-2016
2557
التاريخ: 7-6-2016
9193
|
إذا كانت العقود الإدارية قد خضعت للقضاء الإداري في فرنسا ومصر فلا يعني ذلك إن كل عقد تبرمه الإدارة هو عقد إداري فهناك من العقود ما تخضع للقضاء العادي حيث إن دواعي التعامل تقتضي في بعض الأحيان أن تكون الإدارة طرفا في العقد كأي فرد من الأفراد العاديين وبالتالي فان المنازعات الناشئة عنه تفصل بها المحاكم العادية. ان وجود نوعين من العقود تبرمها الإدارة (عقود مدنية و عقود إدارية ) تبرز هنا مشكلة كيفية تمييز العقد الإداري عن العقد المدني وبالتالي تحديد القضاء المختص لا سيما في البلدان التي يختص القضاء الإداري فيها بالنظر في المنازعات الناشئة عن العقود الإدارية. إزاء هذه الإشكالية حاول المشرع الفرنسي و المصري تحديد العقود الإدارية بنصوص قانونية وقد أطلق الفقهاء على هذا الأمر تسمية العقود الإدارية بتحديد القانون . ويعتقد الأستاذ الطماوي في هذا الصدد (( إن إسباغ المشرع الصفة الإدارية على عقد يتضمن عناصر العقد الإداري من حيث طبيعته فان هذا النص يأتي مؤكدا له كعقد الأشغال العامة وعقد التزام المرفق العام))(1). ولكن المشكلة تثار عندما ينص المشرع على إدارية عقد ما تكون طبيعته مدنية من حيث هدفه وطريقة إبرامه وموقف المشرع هنا منتقد وذلك على أساس إن المشرع عندما يكيف تصرفا من تصرفات الإدارة عليه أن يأخذ بنظر الاعتبار طبيعة العقد من حيث هدفه وطريقة إبرامه ومضمونه (2).إزاء النقد الموجه إلى التحديد التشريعي للعقود الإدارية فقد ذهب غالبية فقهاء القانون الإداري إلى التعويل على المعيار القضائي في تمييز العقود الإدارية وان اختلف في بعض حيثياته.و إذا رجعنا إلى تعريف العقد الإداري الذي أورده القضاء الإداري الفرنسي أو المصري أو القضاء العادي في العراق و الذي يقول ان العقد الإداري هو الذي يبرمه شخص معنوي عام بقصد تسيير مرفق عام أو تنظيمه وتظهر فيه نية الإدارة بالأخذ بأساليب القانون العام , من خلال هذا التعريف نستخلص معايير تمييز العقد الإداري عن غيره وهي ثلاثة معايير:
الأول- معيار الإدارة طرفاً في العقد.
الثاني-معيار ارتباط العقد بالمرفق العام.
الثالث- معيار الشروط الاستثنائية.
و سنتناول هذه المعايير في ثلاثة نقاط:-
اولا - معيار الإدارة طرفاً في العقد
القاعدة العامة أن العقود الإدارية ومن ظاهر التسمية توجب أن تكون الإدارة أحد أطراف العلاقة القانونية وعليه فان العقد المبرم بين الأفراد العاديين لا يمكن أن يكون عقدا إداريا حتى وان كان احد المتعاقدين هيئة أو مؤسسة خاصة ذات نفع عام(3). ومصطلح الإدارة يدل عادة على السلطة التنفيذية التي تتولى تنفيذ القوانين فضلا عن إدارة مؤسسات الدولة و مرافقها العامة. والسؤال الذي يمكن أن يطرح هنا هو: هل إن اختصاص إبرام العقود الإدارية يقتصر على السلطة التنفيذية وحدها دون السلطات الأخرى كالسلطة التشريعية و القضائية؟ بالنسبة للهيئة التشريعية المتمثلة بالبرلمان فان اختصاصها الأصيل هو سن القوانين و إقرار الميزانية والمصادقة على المعاهدات , و كذلك إجازة إبرام بعض العقود الإدارية المهمة كعقود الامتيازات النفطية وعقود القرض العام فان هذه العقود لا تبرمها السلطة التشريعية ولكن تجيزها فهي لا تعتبر طرفا فيها (4).و الجهة التي تقوم عادة بإبرام العقود كعقود أشغال عامة تتعلق بإصلاحات قاعات البرلمان أو إبرام عقود توريد أدوات مكتبية هي سكرتارية الهيئة التشريعية باعتبارها الجهاز الإداري للهيئة التشريعية (5). وكذلك الحال بالنسبة للسلطة القضائية فاختصاصها الأصيل هو الفصل في المنازعات فهي لا تبرم عقوداً بل تصدر أحكاما قضائية , و الجهة التي تبرم العقود هي وزارة العدل أو الجهاز الإداري بالمحكمة. و إذا كان وجود الإدارة طرفا في العقد الإداري يعتبر أمرا بديهيا فان القضاء الإداري لم يعد يتشدد في شرط إبرام الشخص العام للعقد ذاته واخذ يقر بأمكان إبرامه من قبل شخص اخر بالوكالة(6). وبذلك لا يكفي أن يكون احد أطراف العلاقة العقدية شخصا من أشخاص القانون العام لعده عقداً إداريا و إنما يستلزم توافر العنصرين الآخرين أو أحدهما .
ثانيا - معيار ارتباط العقد بالمرفق العام
يقصد بهذا المعيار أن العقد الذي تبرمه الإدارة مع الأفراد لا يمكن أن يكون إداريا إلا إذا ارتبط بالمرفق العام سواء وجدت معه عناصر أخرى أم لا . وهناك قرارات قضائية أصدرها مجلس الدولة الفرنسي اكتفت بمعيار المرفق العام وحده لتمييز العقد الإداري, فقد جاء في قضية الزوجين (بيرتان ) الصادر في 20/4/1956 – حيث كان الزوجان مكلفين بإطعام الرعايا السوفيت الذين جمعوا في احد المراكز لإعادتهم إلى بلدهم – انه((.. ولما كان هدف العقد منح المعنيين مهمة تنفيذ المرفق العام فذلك وحده يكفي لاعتبار العقد إداريا دون الحاجة للبحث عن احتوائه على شروط مخالفة...))(7). و قد جاء أيضا في قرار للمحكمة الإدارية العليا في مصر في 24 فبراير 1968 (( مناط العقد الإداري.... أن يتصل بنشاط المرفق العام من حيث تنظيمه وتسييره بغية خدمة أغراضه و تحقيق احتياجاته مراعاة للمصلحة العامة)) . (8). و ارتباط العقد بالمرفق العام يعني ارتباطه بالمفهوم الموضوعي للمرفق العام حيث إن للمرفق مفهوماً عضوياً يتمثل بالأجهزة الإدارية, و مفهوماً موضوعياً يتعلق بنشاط المرفق من حيث التنظيم والإدارة والاستغلال أو المعاونة , فالمفهوم العضوي للمرفق يعني أن الفرد عندما يرتبط بعقد مع مرفق عام يفيد في هذا الصدد أن الإدارة هي طرف في العقد, و بناءا على ذلك فان فكرة المرفق العام يجب أن تفهم في هذا المجال بالجانب الموضوعي (9). والمتتبع لأحكام القضاء الإداري في فرنسا و مصر يرى أن هناك تذبذبا و عدم استقرار على معيار محدد , فبعد أن سلم بإدارية العقد بمجرد ارتباطه بالمرفق العام نجد أحكاما قضائية توجب اقتران العقد بالشروط الاستثنائية فضلاً عن المرفق العام ومثال ذلك حكم محكمة القضاء الإداري المصري الصادر في 16 ديسمبر 1956 إذ جاء فيه ((... و من ثم فان المعيار المميز للعقود الإدارية عما عداها من عقود الأفراد وعقود القانون الخاص التي تبرمها الإدارة ليس هو صفة المتعاقد بل موضوع العقد نفسه متى اتصل بالمرفق العام على أية صورة من الصور ... مشتركا في ذلك وعلى درجة متساوية مع الشروط الاستثنائية غير المألوفة)) (10).
ثالثا - معيار الشروط الاستثنائية
لقد تبين أن وجود الإدارة طرفا في العقد الإداري لم يعد يكفي لكي يعتبر عقدا إداريا وكذلك الحال بالنسبة لارتباط العقد بالمرفق العام بل يلزم فوق ذلك أن يكون الطرفان قد اتبعا أسلوب القانون العام دون أسلوب القانون واهم وسيلة يعتمد عليها القضاء الإداري للكشف عن نية الإدارة في اختيار وسائل القانون العام هوان يتضمن العقد على شروط استثنائية غير مألوفة في القانون الخاص ومن ابرز الأمثلة على ذلك حكم مجلس الدولة الفرنسي في 19 يناير1973 حيث جاء فيه ((...أن العقود التي تبرمها كهرباء فرنسا تكون خاصة لنظام استثنائي وتبدو فيه خصيصة العقد الإداري ...))(11). وقد عرفت الشروط الاستثنائية بأنها(( تلك التي تمنح احد المتعاقدين حقوقا أو تحمله التزامات غريبة في طبيعتها عن تلك التي يمكن أن يوافق عليها من يتعاقد في نطاق القانون المدني أو التجاري ))(12). بينما عرفها آخرون (( بأنها الشروط التي تكون باطلة إذا ما وجدت في عقود القانون الخاص لمخالفته النظام العام))(13).و لعل التعويل على معيار الشروط الاستثنائية لتمييز العقد الإداري ناجم عن كون هذه الشروط تعتبر من مظاهر السلطة العامة التي ليس لها مثيل في عقود القانون الخاص وعند استعانة الإدارة بهذه المظاهر يفهم ضمنا نيتها بإخضاع العقد للقانون الإداري وليس للقانون المدني . والشروط الاستثنائية التي ترد في العقود الإدارية كثيرة فقد تكون هذه الشروط امتيازات تتمتع بها الإدارة في مواجهة المتعاقد كحق الإدارة في إجراء تعديلات على العقد دون موافقة المتعاقد معها وقد تصل هذه الامتيازات إلى فسخ العقد إذا رأت أن المصلحة العامة تقتضي ذلك وما للمتعاقد إلا طلب التعويض عن ذلك , ومن جانب آخر قد تمنح الإدارة
المتعاقد معها امتيازات لا نظير لها في عقود القانون الخاص كتخويلها للمتعاقد امتيازات السلطة العامة تجاه الغير كنزع الملكية للنفع العام وفرض الرسوم على المنتفعين أو بحرمان الغير من منافسة المتعاقد مع الإدارة أو غيرها من الأمور. والسؤال الذي يمكن طرحه هنا إذا كانت الشروط الاستثنائية التي يتضمنها العقد تعتبر قرينة على انصراف نية الإدارة بإخضاع العقد للقانون الإداري , وبالتالي اعتباره عقدا إداريا , فما هو الحكم في حالة خلو العقد من هذا الشرط؟ لقد جرى القضاء الإداري الفرنسي على اعتبار العقد إداريا إذا كان من شأنه إشراك المتعاقد نفسه في تسير المرفق العام(14).والحقيقة إن مجرد إشراك المتعاقد نفسه يعد في ذاته شرطا استثنائيا غير مألوف في عقود القانون الخاص وقد استقر الفقه على هذا الأمر(15). و من جانب آخر اعتبر بعض الفقهاء الشروط الاستثنائية هي المعيار الحقيقي والفعال في تمييز العقد الإداري , بعكس فكرة المرفق العام التي لم تعد فكرة منتجة لآثار قانونية(16). وهذا الرأي مغالى فيه كونه متأثر إلى حد بعيد بالاتجاه الداعي إلى اعتبار السلطة العامة أساس القانون الإداري ومعياره الوحيد وإذا كانت فكرة المرفق العام قد وجهت إليها بعض الانتقادات فإنها مع ذلك مازالت تعد من الأفكار
المؤسسة للقانون الإداري فضلا عن أن أحكام القضاء الإداري التي تجعل من الشروط الاستثنائية المعيار الوحيد تعد قليلة بالقياس إلى الأحكام التي تقرن المعيارين معا , المرفق العام والشروط الاستثنائية .خلاصة القول إن تميز العقد الإداري عن عقود القانون الخاص لا يمكن الاعتماد فيه على معيار دون المعايير الأخرى , فالمعايير جميعها تشكل شبكة مجتمعة يكمل بعضها البعض , و يمكن أن نشير بهذا الصدد إلى موقف القضاء العراقي المتمثل بمحكمة التمييز التي تبنت المعيار المزدوج في كثير من أحكامها, فقررت في حكمها الصادر في 28/7/1966 انه ((... تبين أن العقد الذي تبرمه الحكومة مع الشركة المميزة هو عقد إداري لأنه يستهدف إدارة مرفق عام من مرافق الدولة ويحتوي على شروط غير مألوفة وتجري فيه الحكومة على أسلوب القانون العام وتخضع فيه بحكم القوانين والأنظمة......))(17) .
_______________________________________
1- د.سليمان الطماوي ,المصدر السابق , ص49.
2- د. محمود حلمي ,المصدر السابق ص208.
3- د. ثروت البدوي , المعيار المميز للعقد الإداري, بحث منشور في مجلة القانون والاقتصاد, القسم الثاني, العددان الثالث والرابع سنة1957, ص120.
4- د. محمود حلمي , المصدر السابق ص13 .
5- المصدر نفسه ,ص14.
6- د. ماهر صالح علاوي الجبوري , القانون الإداري, جامعة الموصل 1989 ص174 , و قد صدر حكم لمحكمة القضاء الإداري المصري في هذا الصدد في 24 ابريل سنة 1956 جاء فيه ((.. متى كان من الثابت أن وزارة التموين-بصفتها المشرفة على مرفق التموين في البلاد – تدخلت في أمر سلعة الشاي و اتخذت الإجراءات وأصدرت من التشريعات ما رأته كفيلا بتحقيق ما تهدف إليه من توفير سلعة من السلع .. وعهدت بذلك إلى لجنة توزيع الشاي ثم المعنيين الذين أصبحوا مسؤولين عن توصيل هذه السلعة بعد تعبئتها إلى التجار في مختلف أنحاء البلاد فان ذلك في تحقيقه يتضمن أمرا بتكليف هذه اللجنة بخدمة عامة و من ثم تكون الاتفاقات و العقود التي تعقدها هي عقود إدارية ملحوظة فيها دائما تغليب الصالح العام على المصلحة التجارية)) , القضية 83 لسنة 6 قضائية, مجموعة المبادئ التي قررتها محكمة القضاء الإداري , السنة العاشرة , مطبعة مخيمر ,ص307-308.
7- اورده د. حلمي مجيد الحمدي ,المصدر السابق ص212 .
8- د. عزيزة الشريف , المصدر السابق ص57 .
9- ينظر د. محمود محمد حافظ, نظرية المرفق العام, دار النهضة العربية, طبعة 1982, ص16,وكذلك د. ثروت بدوي, القانون الاداري , دار النهضة العربية1988, ص167.
10- القضية رقم 222 لسنة 10 قضائية, المجموعة ,السنة الحادية عشر,ص88.
11- نقلا عن د. علي الفحام, سلطة الإدارة في تعديل العقد الإداري, دار الفكر العربي,1976 ص34.
12- د. محمود حلمي, المصدر السابق, ص26.
13- د. منير محمود الوتري ,العقود الإدارية و أنماطها التطبيقية في إطار التحولات الاشتراكية , الجزء الأول , بغداد 1979, ص200.
14- فقد جاء في حكم لمحكمة المنازعات الفرنسية الصادر في 7 نوفمبر سنة 1922 في قضية (manon) ( .... فإذا اقتصر مؤجر السفينة على وضع سفينته تحت تصرف الدولة دون أي مشاركة من جانبه , فالعقد يعتبر عقد إيجار من عقود القانون الخاص ,أما إذا تولى بنفسه وببحارته نقل الجنود ,فان العقد يعتبر إداريا....) اورده د. الطماوي , المصدر السابق,ص87.
15- د. عزيزة الشريف , المصدر السابق,ص57.
16- د. ثروت بدوي, المصدر السابق ,ص141.
17- قرار رقم 158/ح / 1966 منشور في مجلة ديوان التدوين القانوني ,العدد الثاني, السنة الخامسة,1969, ص208 .
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|