المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر



صفيّ الدين الحلي  
  
10618   01:54 صباحاً   التاريخ: 27-1-2016
المؤلف : عمر فرّوخ
الكتاب أو المصدر : تأريخ الأدب العربي
الجزء والصفحة : ج3، ص772-777
القسم : الأدب الــعربــي / تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 29-09-2015 11414
التاريخ: 29-06-2015 2143
التاريخ: 13-08-2015 2185
التاريخ: 26-06-2015 4692

هو صفيّ الدين أبو الفضل أبو المحاسن عبد العزيز بن سرايا بن علي ابن أبي القاسم بن أحمد بن نصر بن سرايا الحلّيّ الطائيّ، ولد في الحلة (قرب الكوفة) ، في خامس ربيع الثاني 677 ه‍ (27/8/1278 م) ، و نشأ فيها. اتّصل صفيّ الدين بالملك المنصور نجم الدين غازي الأرتقيّ صاحب ماردين (692- 712 م) و حظي عنده و عند ابنه و خليفته نجم الدين صالح (ت 765 ه‍) . و في سنة 726 ه‍ (1326 م) ذهب الى الحجّ فعرّج في طريقه على السلطان الناصر قلاوون الذي كان قد جاء الى عرش المماليك البحرية في مصر للمرّة الثالثة (697 ه‍) و مدحه. ثم عاد الى ماردين.

و كانت وفاة صفيّ الدين في بغداد، في أوائل سنة 750 ه‍ (1349 م) .

كان صفيّ الدين الحلّيّ شاعر عصره و أشهر شعراء زمانه برغم تقليده للشعراء العبّاسيين في المعاني و الأغراض و الأسلوب. و قد كان حسن الصناعة بارعا في الصياغة مجيدا في القصائد الطوال و في المقطّعات. ثم إنه نظم في معظم أنواع الشعر من القصيد و المشطّر و المخمّس و الموشّح، و كان أحيانا يتكلّف في الصناعة تكلّفا بعيدا. و اذا نحن استثنينا البوصيريّ كان صفيّ الدين أول من قصد نظم البديعيّات (القصائد في مدح الرسول) أو جعل منها فنّا قائما بنفسه على الأصحّ. و له القصائد الأرتقيّات في مديح الملك المنصور (من آل أرتق) جعل أوائل حروفها مثل رويّها، نحو:

حمراء لو ترك السقاة مزاجها... أمست لنا عوضا عن المصباح

حقّ الصبا دين عليك فوفّه... بالشرب بين خمائل و رداح

و عدد هذه القصائد تسع و عشرون بعدد حروف المعجم. ثم له قصيدة كلّ كلمة من كلماتها مصغّرة:

نقيط من مسيك في وريد... خُويلك أو وسيم في خُديد

مختارات من آثاره:

- مدح صفيّ الدين السلطان الناصر قلاوون بقصيدة وازى بها قصيدة المتنبّي في كافور: «بأبي الشموس الجانحات غواربا» .

أسبلن من فوق النهود ذوائبا... فتركن حبّات القلوب ذوائبا (1)

و جلون من صبح الوجوه أشعّة...غادرن فود الليل منها شائبا (2)

بيض دعاهنّ الغبيّ كواعبا... و لو استبان الرشد قال كواكبا (3)

أشرقن في حلل كأنّ أديمها... شفق تدرّعه الشموس جلاببا (4)

و غربن في كلل فقلت لصاحبي... بأبي الشموس الجانحات غواربا (5)

- و قال في الأمانة، و فيها إشارات إلى القرآن الكريم:

قلوبنا مودعة عندكم... أمانة يعجز عن حملها (6)

ان لم تصونوها بإحسانكم... ردّوا الأمانات الى أهلها (7)

- و قال من الموشّح المضمّن، و هو من مخترعاته، و قد جعل خاتمة كلّ بيت من الموشّحة مختومة ببيت من المقطوعة المشهورة لأبي نواس:

و حقّ الهوى، ما خلت يوما عن الهوى... و لكنّ نجمي في المحبّة قد هوى (8)

و من كنت أرجو وصله قتلي نوى... و أضنى فؤادي بالقطيعة و الجوى (9)

ليس في الهوى عجب... إن أصابني النصب (10)

(حامل الهوى تعب... يستفزّه الطرب) الخ الخ.

- و له في الحماسة:

سل الرماح العوالي عن معالينا... و استشهد البيض: هل خاب الرجا فينا (11)

و سائل العرب و الأتراك ما صنعت... في أرض قبر عبيد اللّه أيدينا (12)

يا يوم وقعة زوراء العراق و قد... دنّا الأعادي كما كانوا يدينونا (13)

بضمّر ما ربطناها مسوّمة... إلاّ لنغزو بها من كان يغزونا (14)

و فتية إن نقل أصغوا مسامعهم... لقولنا أو دعوناهم أجابونا

قوم إذا استخصموا كانوا فراعنة... يوما، و إن حكّموا كانوا موازينا

تدرّعوا العقل جلبابا، فإن حميت... نار الوغى خلتهم فيها مجانينا (15)

إذا ادّعوا جاءت الدنيا مصدّقة... و ان دعوا قالت الأيام: آمينا

إنّا لقوم أبت أخلاقنا شرفا... أن نبتدي بالأذى من كان يؤذينا

بيض صنائعنا، سود وقائعنا... خضر مرابعنا، حمر مواضينا (16)

- و قال يصف مجيء الربيع:

ورد الربيع، فمرحبا بوروده... و بنور بهجته و نور وروده (17)

و بحسن منظره و طيب نسيمه... و أنيق ملبسه و وشي بروده (18)

فصل إذا فخر الزمان فإنّه... إنسان مقلته و بيت قصيده (19)

يا حبّذا أزهاره و ثماره... و نبات ناجمه و حبّ حصيده (20)

و الغصن قد كسي الغلائل بعد ما... أخذت يدا كانون في تجريده (21)

نال الصبا بعد المشيب، و قد جرى... ماء الشبيبة في منابت عوده

و الورد في أعلى الغصون كأنّه... ملك تحفّ به سراة جنوده (22)

و السحب تعقد في السماء مآتما... و الأرض في عرس الزمان و عيده

- لصفيّ الدين رسالة تتضمّن قصّة قائمة على الفكاهة و الدعابة جارية على أسلوب المقامات، منها (23):

. . . هذه الدار المباركة أوّل تربة برّكم أترابها و أول أرض مسّ جسمكم ترابها (24)، فلا يكن على أيديكم خرابها. ألا و إنّها-منذ خلا مسكنها من ساكنها و تمكّن العفاء 4من أماكنها-جعلتموها ندوة نهاركم و ليلكم و حلبة رجلكم و خيلكم (25). و الآن قد انجابت عنها أيام البئوس و أفلت طوالع النحوس (26) و لحظها الدهر بعين الرضا و قضى بسعدها فصل القضا و تولاّها نعم المولى و ابتدر لسكناها الصفيّ الحلّي (27). و في يومكم هذا يرسل إليكم من يلمّ شعثها و يطهّر خبثها (28). و متى رآكم بها ساربين و في قراراتها راسبين كره مغناها (30) و اتّخذ لنفسه سواها. فعاد ربعها كالرمس. . . . . (31) و متى تقبّلها إذا قابلها أخصب ربعها و تعدّى إلينا نفعها. ألا و إنّ من استرشد بحكمتي أثبتّه في أمّتي و أتممت عليه نعمتي. . . . . . .

___________________

1) أسبل: ألقى، أنزل، غطى. ذوائب جمع ذؤابة: الضفيرة من شعر. ذوائب جمع ذائبة.

2) جلا: أزاح، أظهر، كشف، أبرز (رفعن اللثام عن وجوههن فظهرت وجوههن البيض كأنها الصبح) . الفود: الشعر المجاور للأذن. فود الليل: الليل. غادرن: تركن (لما كشفن عن وجوههن أصبح الليل منيرا- أبيض كأنه شائب) .

3) بيض (نساء جميلات) . الكاعب: التي كعب (استدار) ثدياها (في أول صباها) . دعاهن الغي كواعبا (سماهن نساء) . استبان: ظهر، وضح (لو ظهر له وجه الصواب لقال هن كواكب لكثرة جمالهن) .

4) الحلة (بضم الحاء) : الثوب الجميل النفيس. الأديم ظاهر الجلد (سطح الثوب) . الشفق: الحمرة التي تظهر على الأفق بعد غياب الشمس. الشموس )جمع شمس) ثم النساء الجميلات. الجلباب: ثوب يكسو الجسم كله )كل ما فيهن جميل) .

5) و غربن (استترن عنا، أخفين وجوههن عنا) في كلل (جمع كلة بضم الكاف) خلف أستارهن. بأبي الشموس (أفدي النساء الجميلات كأنهن الشموس) . الجانحات (المائلات) غواربا: غوارب، غاربات. مائلات الى المغيب للغروب وراء الأفق. الجانحات (النساء المتجهات) غوارب (بنصب الباء بلا تنوين) المتجهات نحو الغرب.

6) قلوبنا مودعة (وديعة، أمانة) عندكم (نحن نحبكم، عشاق لكم) . في القرآن الكريم أن اللّه تعالى عرض الأمانة (التبعة في الحياة) على كل موجود فخاف منها و لم يقبل أن يحملها (يكون مسئولا عن غيره) . و لكن الانسان قبلها و كان جاهلا بحقيقتها فأتعب نفسه بها كثيرا.

7) في القرآن الكريم في سورة النساء: «ان اللّه يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها» (4:58) . - ارددن قلوبنا الينا (لا توقعننا في حبكن) .

8) حال: مال، انتقل، تغير. نجمي في المحبة هوى (سقط، غاب) : حظي في حبكم سيء.

9) أضنى: أنحل، أضعف. الجوى: شدة الحب الى درجة المرض.

10) النصب التعب. و البيت التالي: حامل الهوى. . . (يستخفه) لأبي نواس.

11) العالية: صدر الرمح، النصل في أعلى الرمح. المعالي جمع معلاة )بفتح الميم) : الشرف و الرفعة. البيض )جمع أبيض) : السيوف.

12) عبيد الله بن زياد والي العراق أيام استشهاد الحسين في كربلاء، توفي في العراق (جنوبي العراق و قبره هناك) -كانت لنا معارك كثيرة في العراق!

13) دنا (حكمنا في، عاملنا) كما كانوا يدينوننا (يعاملوننا) .

14) الضمر (جمع ضامر) : نحيل (الخيل) . مسومة: معدة، مهيأة.

15) تدرعوا )لبسوا) العقل جلبابا )ثوبا واسعا سابغا على الجسم كله) : هم كثير و التعقل )في أيام السلم) .

16) الصنائع (جمع صنيعة) : الأعمال الخيرة الحميدة. الوقائع جمع واقعة: الحروب، المعارك. المربع: المسكن. الماضي: السيف.

17) ورد ورودا: جاء، حل. البهجة: الفرح. النور (بفتح النون) : الزهر الابيض. الورود (جمع ورد) : أنواع الزهر.

18) الأنيق: الجميل (الذي يعجب العين) . ملبس الربيع: النبات الأزهار (كأنها لباس) . غطاء على الارض. الوشي: الزخرف، التزيين. البرد (بضم الباء) : ثوب من حرير.

19) انسان المقلة (العين) : البؤبؤ (الجزء الذي تبصر العين به) . بيت القصيد: المقصود من الشيء، أجمل أبيات القصيدة.

20) الناجم: أول نجوم (بروز، خروج) النبات من الارض. حب الحصيد: الحبوب التي نضجت (كالقمح و الذرة، الخ) . كل شيء في الربيع جميل.

21) الغلالة (بضم الغين) : ثوب رقيق يلبس على البدن. كانون: شهر كانون (ديسمبر) الشتاء. تجريده (من الورق الذي عليه) .

22) السري: الشريف، العالي المقام.

23) هذه قطعة صغيرة من «رسالة الدار في محاورة الفار» ، كتبها صفي الدين على لسان داره التي كان يسكنها في ماردين ثم أرسلها الى الملك الصالح أبي المكارم شمس الدين يشكو فيها (رمزا) من مماطلة نائب له (للملك الصالح) بدين. و القطعة المختارة يخاطب الجرذ بها اخوانه الفئران و يقول لهم: ان الدار لما هجرها ساكنها (صفي الدين) ساءت حالهم (لأنها خلت من الطعام لخلوها من الساكنين) . أما و قد عزم صفي الدين على الرجوع الى الدار، فعلى الفئران أن يحسنوا استقباله و أن يكونوا شاكرين هادئين.

24) التربة: الارض. الأتراب جمع ترب (بكسر التاء) : الأشخاص الذين هم في سن واحدة. و الترب الذي ولد معك (في مكان واحد أيضا) . بركم: أحسن اليكم. مس جلدي ترابها (راجع، فوق،760) .

25) العفاء: الامحاء، الخراب.

26) الندوة: مجتمع كبار القوم للتشاور، مجمع. الحلبة: جماعة الخيل تجتمع للسباق، و صفي الدين يقصد بالحلبة «ميدان السباق» . الرجل (بفتح الراء) : المشاة. الخيل (الفرسان) . يقصد: أنتم، أيها الفئران، تسرحون و تمرحون و تسيرون و تتسابقون في هذا الدار كأنها لكم وحدكم.

27) انجابت: انقشعت، انجلت، زالت. البئوس جمع بؤس: شقاء. أفلت (غابت) طوالع (نجوم) .

28) قضى (حكم) بسعدها (بأن يعود اليها السعد و السعادة و السكنى) فصل القضاء. . . ابتدر: أسرع.

29) لمّ (جمع) شعثها (ما تفرق من الأمور) : وحد جهودها و آراءها. الخبث: النجاسة.

30) ساربين: سائرين في كل مكان منها. القرار: المكان المنخفض. راسب (للجناس مع سارب) : غارق (تحتلون كل مكان فيها ظهر أو خفي) . مغناها: البقعة المسكونة (سكناها) .

31) كذا في الاصل. و ينقص هنا جملة؛ و أعتقد أنا أن الجملة يجب أن تكون: «و خربت كأن لم تغن بالأمس» (كأن لم تكن مسكونة من قبل) .

 





دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) .


جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) .
وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً .


الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل.