سلطة محكمة الموضوع في إصلاح الأخطاء المادية وتدارك السهو في عبارة الاتهام |
9620
08:16 صباحاً
التاريخ: 10-5-2017
|
أقرأ أيضاً
التاريخ: 31-1-2016
12513
التاريخ: 9-5-2017
11724
التاريخ: 2023-07-27
1268
التاريخ: 1-2-2016
6139
|
حتى يكتمل بحث موضوع مدى تقيد محكمة الموضوع بالنطاق الشخصي والعيني للدعوى الجزائية وبيان السلطات الاستثنائية التي تبيح للمحكمة التعامل مع مضمون الاتهام المحال لها من المحاكم أو الجهات التحقيقية، فإن محكمة الموضوع لها من السلطة ما يمكنها من تصحيح الأخطاء المادية التي قد ترد في قرار الإحالة أو أي شكل تكون عليه وثيقة الاتهام . لذلك سنقسم هذا الموضوع على فرعين : سنخصص الفرع الأول لدراسة مفهوم الخطأ المادي والسهو في عبارة الاتهام ، أما الفرع الثاني فسنتناول فيه قاعدة تنبيه المتهم وأثرها في سلطات المحكمة الثلاث .
الفرع الأول
مفهوم الخطأ المادي والسهو في عبارة الاتهام
أولاً : تحديد مدلول الخطأ المادي والسهو في عبارة الاتهام
الخطأ المادي هو العيب الذي قد يشوب النص القانوني . سهواً عند تحريره ولا يترتب عليه أي أثر قانوني، ولا يختلف بشأنه اثنان ، ولا يمكن أن تستهدفه إرادة عاقلة(1) . والخطأ لا يتحقق إلا بتوافر عنصرين مادي وهو عدم القيام بالواجب على الوجه الصحيح ، والثاني معنوي وهو نسبة هذه الواقعة إلى المكلف بهذا الواجب(2). واذا كان الخطأ بصورة عامة هو الإخلال بالتزامات(3) إذا كان المتقدم هو المعنى المدني للخطأ فإن الخطأ المادي في المجال الإجرائي الجنائي هو كل إغفال لا يترتب عليه البطلان ولا يترتب على تصحيحه تعديل أساسي في الإجراءات(4). وهنا يتضح أن الخطأ المقصود بسلطة المحكمة الجنائية تصحيحه هو ليس الخطأ الجوهري الذي يؤدي ارتكابه الى إغفال علم المتهم بجانب متهم من أوجه الدفاع والذي يترتب عليه بطلان الإجراءات الآتية بعده بشكل كامل مثال ذلك حالة عدم ذكر المادة المحال عليها والتي سوف يتم محاكمته عليها في ورقة التهمة وبتالي فهو خطأ مؤيد في حق الدفاع( 5) .
بخلاف الخطأ غير الجوهري إو الذي يؤثر على حقوق الدفاع كذكر اليد اليمنى للمجنى عليه في حالة الضرب بينما هي اليد اليسرى أو ذكر أسم المتهم بالخطأ أو الخطأ في وصف أسم الآلة المستخدمة في الضرب فبدل (الفأس) يذكر (سكين) . وهنا المحكمة غير ملزمة بتنبيه المتهم عند إصلاح تلك الأخطاء وطالما لا يؤدي هذا الخطأ أو السهو الى تضليل المتهم(6) . كذلك الحال كعدم ذكر أمر القضاء خاصة وأن هناك بعض الحالات التي يحل فيها قاضيٍ محل قاضي آخر في بعض الإجراءات(7) أو عدم توقيع القائم بالتحقيق أو عدم ذكر أسماء أعضاء الادعاء العام وهناك العديد من صور الأخطاء غير الجوهرية التي يمكن للمحكمة تصحيحها.
تتعدد أنواع الخطأ المادي وفق الآتي:
1 . من حيث آثاره :
ينقسم الخطأ من حيث آثاره الى :
أ . الخطأ الجوهري :
ويظهر هذا الخطأ عندما يتعلق الأمر بالخطأ في تفسير أو تطبيق نصوص القانون ويتمثل بالذات في مخالفة قواعد الإجراءات المتعلقة بالنظام العام أو بمصلحة أطراف الدعوى الجزائية إذ يترتب على مثل هكذا أخطاء بطلان الإجراءات بل حتى الطعن بها وبالحكم الصادر بناءا عليها لكونها مؤثرة في الحكم(8). وعلى العكس إذ ما كان الخطأ غير جوهري حيث لا يؤثر في الدفاع وبتالي لا يُعتد به(9) . ولا يعد من قبيل الأخطاء الجوهرية . وتناقض منطوق قرار الإحالة مثلاً او خلو قرار الإحالة من إحدى البيانات الجوهرية الواجب توافرها(10).
ب . الخطأ غير الجوهري :
إذا كان الخطأ الجوهري يستوجب الطعن والبطلان فإن الخطأ غير الجوهري هو الذي يدور حوله محور السلطة الاستثنائية الخاصة بالمحكمة الجنائية كونه لا يمثل إهدار المبدأ المهم في المحاكمة بقدر تعلق الأمر بأمور فرعية يمكن للمحكمة إصلاحها، مثال الخطأ في بيانات قرار الإحالة غير الجوهرية التي لا يؤثر إغفالها على صحته (أي قرار الإحالة) ، كبيان مكان ارتكاب الجريمة ، أو الباعث ما لم يكن عنصراً أو ركنا في الجريمة أو ظرفاً مشدداً للعقوبة، أو ذكر تفاصيل قانونية خطأ عن تفاصيل الواقعة مثل ذكر ان السلاح كان سكيناً في حين انه فأس(11).
2 . من حيث تعمد الخطأ :
أ . الخطأ المقصود :
يتحقق هذا الخطأ من خلال التصرفات العمدية التي يهدف بها القاضي المحكمة لتحقيق اغراضاً شخصية كقيامه بفعل من أفعال التدليس أو الغش كتغيير أقوال الشهود وإخفاء المستندات الصالحة للحكم وغير ذلك مما يتضمنه سير الدعوى وإصدار الحكم فيها بحيث يكون سبباً لصدور الحكم خلافاً للحقيقة.
ب . الخطأ غير المقصود :
يتجسد هذا الخطأ في صورة الإهمال وعدم الانتباه إذ لا تتوفر فيه المحاباة او الانتقام إذ يتمثل بالخطأ المهني الناتج عن عدم تبصر أو عدم الحرص من قبل القاضي أو القائم بالتحقيق(12). وبالنظر لاختلاف الزاوية التي ينظر منها إلى ذلك الخطأ فيمكن تصور أنواع متعددة له فمنه الخطأ السلبي يتمثل بترك أو الامتناع عن القيام بعمل يلزمه القانون أو العرف. وآخر خطأ ايجابي يتمثل في القيام بعمل كان الأجدى عدم القيام به قانوناً وأيضاً يقسم الخطأ إلى مدني وجنائي بحسب طبيعة المجال المرتكب فيه.
ثالثاً : طبيعة الخطأ المادي ومعياره :
إن فكرة الخطأ واسعة الحدود وعميقة المعنى والأخطاء التي تشوب أي قرار قضائي سواء في مرحلة التحقيق أو الحكم يمكن ان تكون ذات طبيعة مادية أو قانونية أو واقعية. إن الدعوى الجزائية تتألف عادة من مسائل واقعية تتضمن الوجود المادي لوقائع الدعوى، كما تتألف من العناصر القانونية وعمل محكمة الموضوع لا يقتصر على اختيار القاعدة القانونية وتطبيقها فحسب، وإنما له جانب موضوعي أو واقعي يكون اثباته واستخلاصه داخل في سلطتها، وفضلاً عن ذلك فقد تقع أخطاء في مرحلة التحقيق ذات طبيعة مادية لا تؤثر في صحة هذا الحكم إذ يمكن تصحيحها من قبل محكمة الموضوع ، وعلى هذا الأساس فالخطأ إما ان يكون ذا طبيعة مادية أو قانونية أو واقعية.(13) وعلى أساس أن الخطأ المادي يعد خطأ موضوعياً متعلقاً بأمر لا يؤثر في الدعوى أو الأساس المستخلص من وقائع تلك الدعوى أي ان الاغفال الذي لا يترتب عليه البطلان ولا يترتب على تصحيحه تعديل اساس في الاجراءات أو حتى الحكم، فإنه يشترط حتى يعبر عنه بـ ( الخطأ مادي ) شرطان :
1- أن لا يؤدي إلى البطلان أو الخطأ في القانون، سواء كان ذلك الخطأ كتابياً أو حسابياً، أي لا يؤثر في صحته، ويتحقيق الخطأ المادي بعدم الذكر أو الخفاء في إحدى البيانات للقرار الصادر، كعدم ذكر رقم القضية، وعدم التوقيع عليه من قبل كاتب الضبط(14) ، أو الخطأ في ذكر اسم أحد القضاة الحكم أو قاضي التحقيق أو عدم ذكر اسم عضو الادعاء العام، أو عدم ذكر اسم المتهم بشكل كامل أو الخطأ فيه أو بعمره. أو عدم ذكر أداة الجريمة ما لم تكن عنصراً من عناصر الجريمة مثل القتل باستخدام المواد المتفجرة(15) بل حتى الخطأ في ذكر المواد التي تشتمل على تعريف الجريمة أو عدم ذكرها لا يؤدي إلى بطلان الحكم(16).
2- إمكانية تصحيح الخطأ دون إجراء تعديل أساس في الإجراءات الجزائية وبالتالي الحكم على المتهم كما لو انتحل المتهم صفة شخص آخر خلال مرحلة التحقيق فتعديل اسم المتهم لا يؤثر على أساس الدعوى أو تغيير تاريخ الواقعة المرتكبة.
وبالتالي فإن عدم توفر هذين الشرطين يعدمان الطبيعة المادية للخطأ ومن ثم إمكان أعمال سلطة المحكمة عليه بل يعد والحاله تلك خطأ قانونياً مؤثراً، بمعنى أن الطبيعة المادية للخطأ مستمدة من هذين الشرطين، وبالتالي هما الفيصل في التمييز بين الخطأ المادي وغيره من الأخطاء كالخطأ القانوني والواقعي.
ورب سائل يسأل هنا عن دواعي ارتباط موضوعي الطبيعة الخاصة بالخطأ المادي مع معياره، هنا يمكن توضيح الآتي ان الطبيعة المادية للخطأ بشرطيها المتقدمين، تتمثل في الوقت ذاته بالمعيار الذي يعمل به لمعرفة الخطأ التي يمكن للمحكمة ان تقوم بتصحيحها أي طالما كان الخطأ لا يؤدي في جميع الأحوال إلى بطلان إجراء معين سابق عليه أو حتى لاحق كما انه لا يؤدي إلى الخطأ في القانون سواء في تفسيره أو تطبيقه على النزاع المعروض، وطالما ان الخطأ يمكن تصحيحه وتعديله دون إجراء تعديل أساسي او جوهري في الدعوى بالتالي فهو خطأ مادي يمكن للمحكمة الجزائية تصحيحه، وبالتالي دخوله ضمن السلطات الاستثنائية التي ترد على قاعدة التقييد بنطاق الدعوى الشخصي والعيني. إذ أن الطبيعة المادية للخطأ بشرطيها هي في الوقت ذاته المعيار للقاضي المتصدي لتصحيح الخطأ وهي أيضاً تمثل ذاتية الخطأ المادي لتمييزه عن الخطأ في القانون أو الوقائع. أما من حيث أثار الخطأ المادي يمكن القول بأن الخطأ المادي لا يترتب عليه أي اثر منتج في الدعوى وهذا ما يبين عدم حاجة المحكمة لتنبيه المتهم عنه(17) .
رابعاً : سلطة المحكمة في تصحيح الخطأ المادي :
لمحكمة الموضوع المعروض عليها الأمر إصلاح الخطأ المادي سواء ورد في قرار الإحالة او تدارك السهو في عبارة الاتهام الذي يدخل ضمن معنى الخطأ الحاصل في محل الاتهام ويشترط حتى تمارس المحكمة تلك السلطة التي يدور حولها البحث لكونها تمثل الخروج عن التقيد بنطاق الدعوى الشخصي والعيني ان يتقيد بما يلي:(18)
1 . أن لا يكون تصحيح الخطأ المادي أو السهو من شأنه ان يرتب عليه بطلان ورقة التكليف أو قرار الإحالة، وهذا الشرط مستمد من الطبيعة المادية للخطأ المادي كما مر ذكره. بمعنى أنه لو كان تصحيح الخطأ يترتب عليه أثر البطلان أو تعديل مهم في الإجراءات الجزائية لعُد ذلك الخطأ خطأً قانوني وليس مجرد خطأ مادي .
2 . أن لا يترتب على تصحيح الخطأ تعديل في الواقعة المنسوب صدورها إلى المتهم كأن يذكر بالأمر أو التكليف ان التهمة هي سرقة أموال الغير بينما الواقعة الحقيقية هي إتلاف مال الغير بعد التصحيح.
أن غاية تصحيح الخطأ المادي وحقيقته هي منطلقة من أن تأثير ذلك الإخلال أو الإغفال المسبب للخطأ المادي لا يؤثر في حقيقته على سير إجراءات الدعوى الجنائية وبالتالي تنتفي الخشية منه ، وتصحيح هذه الأخطاء المادية التي قد ترد على إجراءات الدعوى، وتتمثل تلك الخشية في جانبين: أحدهما يمس مبدأ الشرعية في الجرائم المتمثل في قاعدة لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص وبالتالي فإن أي تغيير أو تصحيح للأخطاء هو في تلك الخطورة مع خطورة مصادرة حق المتهم في تحضير دفاعه عما يحاكم عليه، وهذا هو الجانب الثاني للخطورة المرافقة للقضاء(19).
وحتى يكون سير إجراءات محكمة الموضوع سليماً لا بد من مراعاة كون الخطأ المراد تصحيحه هو خطأ غير مؤثر أو غير جوهري، وإلا فإبطال الإجراءات والقرارات المبنية عليه أولى بها، كما ويجب عليها عدم إهدار حق المتهم في تحضير دفاعه لذلك المبدأ التالي يدخل أيضاً في صلب قاعدة التقييد بنطاق الدعوى أي عدم الوصول بتصحيح الأخطاء إلى الحد الذي يؤدي إلى تضليل المتهم أو عدم المساس بالوقائع المحال بها كونه يمس مسألة جوهرية في أساس الدعوى الجنائية، ألا وهي مسألة العينية كصفة للدعوى الجزائية ويعدم الغاية المتوخاة أو الفائدة من وجود تلك المرحلة التي سبقت التصحيح(20). وصفوة القول أن تصحيح الخطأ المادي هو سلطة محكمة الموضوع ترد كاستثناء على قاعدة عينية وشخصية الدعوى الجزائية لا بل ان هذه السلطة لا يستوجب التنبيه على استخدامها بالنسبة للمتهم لانعدام الغاية من التنبيه وهي استغلال الحالة المراد التنبيه عليها لكون الخطأ المراد تصحيحه أساساً هو خطأ غير مؤثر، وسوف تتم مناقشة موضوع التنبيه في الفرع القادم.
الفرع الثاني
قاعدة تنبيه المتهم وأثرها في سلطات المحكمة الثلاث
لقد أصبح واضحاً من خلال عرض السلطات الثلاث المتقدم شرحها استثناء يرد على قاعدة تقيد المحكمة بنطاق الدعوى الشخصي أو العيني أو ما يسمى ايضاً مبدا عينية وشخصية الدعوى الجزائية إن أهم ما تستند إليه القاعدة من دعائم هو الحفاظ على حق المتهم في الدفاع بما يحتويه ذلك الحق في أوجه تقصيره أو تعكس معناه منها ما هو متعلق بمعرفة التهم المنسوبة إليه والسماح له بحصر دفاعه من خلال توفير وقت مناسب لذلك الدفاع، والمتقدم بوصفها إلى عدم مفاجأته بوقائع منسوبه إليه اقتصر ذكرها وعرضها على مرحلة المحاكمة دون مرحلة التحقيق.
بمعنى آخر نرى أن لمعرفة المتهم بما نسب له من تهم أهمية كبيرة جداً لا بل قد يصل إلى حد يمكنه من إبطال أي أجراء يأتي بعدها إذا لم تحترم، وبالتالي فالمحكمة يجب ان تنبه المتهم في حال استخدمت أي من السلطات الثلاث ولكن هنا يجب التفرقة بين ما يجب على المحكمة التنبيه عليه وما يكون على باب الجواز عليه سوف نبحث التمييز هذا فضلاً عن موقف التشريعات من التنبيه فضلاً عن شكل ووقت التنبيه في هذا الفرع وبالشكل الآتي:
في جميع الأحوال التي تباشر فيها المحكمة سلطتها في تغيير الوصف القانوني للواقعة محل الدعوى أو تعدل أو تغير في التهمة الموجه إلى المتهم فالتنبيه واجب عليها كانعكاس لحق ا لمتهم في الدفاع، ومن هنا نصت أغلب التشريعات عليه ومثالها:
1- التشريع الفرنسي: نص التشريع الفرنسي على هذا الالتزام في المادة الثالثة من القانون الصادر في 8 ديسمبر سنة 1897 كما نصت عليه في المادة 114 من قانون الإجراءات الجنائية الحالي، كما يوجب القانون الفرنسي كصيغة اخرى تحتوي على مضمون التنبيه على المحكمة ان تعلم المتهم حول الوقائع التي تسوغ أو تسبب امر القبض عليه مع بيان طبيعة الاتهام والمواد التي ينطبق عليه وبالتالي فإن هذا التنبيه أو الاخطار ينبغي ان يتكرر في حالة إذا ما اكتشفت وقائع جديدة وأريد نسبتها إلى المتهم من خلال سير ا لمرافعات كما يمكن ملاحظته من خلال المادة 123 من قانون الإجراءات الجزائية الفرنسي(21)
2- التشريع المصري: ابتداءاً نص المشرع المصري على إلزام المحكمة أو قاضي تحقيق (جهة التحقيق) بأن يثبت للمتهم على ما ينسب إليه وفق ما جاء بنص المادة (123) من قانون الإجراءات الجنائية المصري، لكنه الزم المحكمة وبنص صريح مطلق بتنبيه المتهم على أي تغيير يصب في وصف الجريمة أو تعديل للتهمة بالنص لما جاء في المادة (308) في فقرتها الأخيرة حيث تنص (... وعلى ا لمحكمة ان تنبه المتهم إلى هذا التغيير وأن تمنحه أجلاً لتحضير دفاعه بناء على الوصف أو التعديل الجديد إذا طلب ذلك). وبالتالي فان اجراء أي تعديل أو تغيير للتهمة أو وصفها دون تنبيه يقع باطلا كل ما جاء تبعاً عليه.
3- التشريع العراقي: اما المشرع العراقي فقد عالج حالة التنبيه الذي تقوم به المحكمة الجنائية وما يتطلبه حق الدفاع من منح اجل يعطى للدفاع بنص المادة (190/ب) من قانون أصول المحاكمات الجزائية وأقرت مسألة منح الأجل عند الطلب.
ولكن من خلال استقراء نص المادة (190/أ) من قانون أصول المحاكمات الجزائية العراقي نرى أن مجال التنبيه وأحواله في القانون العراقي ينحصر في حالتين هما(22):
أ . عند سحب التهمة وتوجيه تهمة جديدة.
ب. عند انتهاء التحقيق وبدء المحاكمة من خلال تلاوة قرار الإحالة.
ومما تجدر الإشارة إليه ان المشرع العراقي أورد في نص المادة (191)، (192) التباين بسياق مهم وخطير ايضاً فقد جعل المشرع في تحول التهمة من الجريمة المركبة إلى جريمة بسيطة مسألة لا تستوجب التنبيه أو أن المتهم قد تنبه من خلال سير المرافعات والتحقيق فيها أن الجريمة تعد صغرى بالنسبة لما تم محاكمته عليه فهو لا يستوجب التنبيه ايضاً.
ونحن نرى ان هذا المسلك يحتوي على إخلال بحق الدفاع، فحق الدفاع لا يرتبط بجناية أو تفاهة الجريمة المنسوبة إليه، إنما هو يتلازم مع الاتهام الموجه إليه، بمعنى ان المتهم بأي جريمة يلزم على المحكمة ان توفر له كل متطلبات الدفاع أي ان اختلاف وصف الجريمة سواء بتحولها من مركبة إلى بسيطة أو حتى من كبرى إلى أخرى اصغر حتى إذا ما احتوى على معنى تغيير التهمة لا يعدم بأي شكل من الأشكال حق التنبيه في أن يبدي دفاعه عنه بعد أن ينبه.
وصفوة القول ان المحكمة ملزمة في جميع الأحوال في ان تقوم بتنبيه المتهم وفي أي حال طالما كان المركز القانوني العام للمتهم لم يتبدل كأن يتحول من متهم إلى شاهد فما دام ا لشخص متعرضاً في جميع الأحوال إلى العقوبة فالتنبيه واجب، وتستطيع القول ان التنبيه يدور وجوداً وعدماً مع التغيير واستمرار وجود العقاب.
ثانياً : سلطة المحكمة في التنبيه :
تختلف سلطة المحكمة في تنبيه المتهم بحسب الأحوال فمنها ما هو ثابت قضاءاً بإلزامية المحكمة ان تنبه المتهم ومنها ما هو جوازي لها أو غير وجوبي وكالآتي:
1 . التنبيه الوجوبي :
ذهب القضاء المصري الى جعل الحالات التالية من قبيل التنبيه الوجوبي الذي وافقه الفقه أيضاً:(23)
أ . عند تعديل التكييف القانوني للتهمة، بإحالة واقعة أو عناصر جديدة إلى الواقعة المرفوعة بها الدعوى :
أن أي تعديل للوصف أو تغيير للتهمة يوجب على المحكمة تنبيه المتهم حتى وإن أدى ذلك التعديل إلى تخفيف التهمة، كأن تعدل المحكمة تكييف التهمة من شروع في قتل إلى جنحة إصابة خطأ، حيث ينطوي هذا التعديل على إدخال عناصر جديدة أو من قتل عمد إلى اشتراك في قتل عمد، ومن باب أولى إلزامية التثبت عن إدخال عناصر تؤدي إلى تشديد في العقوبة.
ب. إدانة المتهم عن جريمة مختلفة في عناصرها القانونية وفي واقعتها المادية عن الجريمة التي رفعت بها الدعوى.
بمعنى أن هناك تغيير للجريمة بضمنها كأن تغير التهمة من جريمة باستغلال نفوذ إلى رشوة قائمة على الاتجار بالوظيفة.
ج . إضافة أي مواد جديدة غير واردة بقرار الإحالة تسيء إلى مركز المتهم أو حتى دون إضافة أي تغيير يسئ إلى مركز المتهم ويوجب التنبيه.
متى قامت المحكمة بتنبيه المتهم إلى التغير الذي أدخلته على التهمة أو التكييف القانوني للواقعة، فإنها لا تكون بعدها ملزمة بتأجيل النظر بالدعوى إلا إذا طلب المتهم أجلاً لتحضير دفاعه بناء على التكييف أو التعديل الجديد، وبطلبه يمنح ذلك الأجل وإلا عد باطلاً أي أجراء عدا ذلك، كما يوجب حق الدفاع على المحكمة إذا ما عدلت تكييفاً ما وترافع الدفاع على اساس التكييف الجديد فلا يجوز أن تحكم طبقاً للتكييف الأول، إلا إذا عادت إليه في مواجهة الدفاع ومكنته من المرافعة على أساسه أو طلب من الدفاع عن الوجهين (التكييفين)(24).
2 . التنبيه الجوازي :
هناك حالات يكون فيها تنبيه المتهم إلى ما اجرته المحكمة من تعديل على وجه الجواز بالتالي لا يحق للمتهم إثارة دعوى الإخلال بحق الدفاع وهي:
أ . تعديل التهمة عن طريق استبعاد بعض العناصر:
إن أي استبعاد دون إضافة لا يوجب التنبيه على المحكمة كتعديل التكييف من قتل عمد إلى ضرب مفضي الى موت وذلك باستبعاد نية القتل أو من جناية قتل مع سبق الاصرار إلى ضرب مقترن بهذين الظرفين(25).
والسبب فيما تقدم ان الدفاع حتماً يستوعب الجزء المتبقي ما دام عالماً بالأجراء السابق قبل الاستبعاد أي ان خطة الدفاع قد شملت الواقعتين معاً عوضاً عن التعديل في جميع الأحوال لمصلحة المتهم.
ب. إذا كان التكييف الذي أجرته المحكمة قد ترافع الدفاع على أساسه وتناوله بالتقييد:
وهذا الحال ينطلق من قاعدة (لا بطلان إذا ثبت تحقق الغاية من الإجراء) ، أي إن المتهم قد استخدم مرحلة المحاكمة في دفاعه حول الموضوع وبالتالي علم المتهم متحقق، كما لو طعن المتهم بالحكم لدى محكمة الاستئناف، فلا يمكن الادعاء بعدم التنبيه أمام محكمة الاستئناف وقد جرى النقاش امام المحكمة ذات الدرجة الأولى.
ج . إذا ما كان التكييف الجديد يتضمن التكييف المرفوعة به الدعوى :
والمعيار في ذلك عدم الإساءة الى مركز المتهم كما لو أقيمت الدعوى بقتل عمد مقترناً بجناية شروع في قتل فاذا لم تثبت الجناية الأصلية جاز للمحكمة التصدي للجناية المقترنة والحكم بها دون لفت نظر الدفاع(26).
د . إذا كان التعديل في مواد القانون فقط حيث لا يمكن الاحتجاج على تغيير المحكمة المواد الإدانة عن تلك المقررة من قبل جهة الاتهام أو التحقيق ما دام التكيف ذاته والوقائع ذاتها لم تتغير.
هـ . عند إصلاح الخطأ أو تدارك السهو في عبارة الاتهام :
أن التنبيه من قبل المحكمة يأتي بصفة جوازية وليست وجوبية . إذن أن قاعدة التنبيه هنا لا تلزم المحكمة في تعاملاتها .
ومن هنا يتبين لنا ان سلوك المحكمة قد يختلف من حيث الزاميتها من عدمه في تنبيه المتهم حول ما ينسب إليه سواء في مرحلة التحقيق وإن كان الاتهام مؤثراً التكييف بطبيعته ولا خوف من عدم ثقة المتهم أو في مرحلة المحاكمة، تلك المرحلة المهمة التي تهمنا حيث يوجب القانون بل المنطق ايضاً ان تنبه المتهم بغض النظر عن جسامة التهمة ما دام العقاب موجود فاللمتهم حق تفنيد الأدلة بل نفي التهمة غير المشروعة عن أفعاله بأن يثبت أن الوقائع لا تدخل تحت أي أنموذج تشريعي من نماذج التجريم والعقاب.
ثالثاً : شكل التنبيه ووقته :
1 . شكل التنبيه :
لم يتطلب القانون شكلاً معيناً يتخذه التنبيه إلا من حيث وصوله يقيناً إلى المتهم فهو يمكن أن يكون:(27)
ويستوي في ذلك ان يكون التنبيه ضمنياً أو صريحا في ارتباطه بمنح الأجل لتحضير المتهم لدفاعه .
2 . وقت التنبيه :
لا يلزم أن يكون ا لتنبيه قد وقع بعد صدور قرار المحكمة بالتعديل تحديداً ، إذ يكفي ان يكون قد حقق الغرض منه بتوجيه دفاع المتهم الوجهة التي تشمل ايضاً الوصف أو التعديل الجديد حتى ولو كان ذلك قبل صدور قرار المحكمة(28).
وبالتالي فإن معيار الوقت يتعلق بمدى الجدوى منه فيما يخص نية المتهم وفسح المجال لإبراز دفوعه عما ينسب إليه.
_____________________
1- ينظر : د . كاظم عبد الله الشمري ، تفسير النصوص الجزائية ، دراسة مقارنة بالفقه الإسلامي ، رسالة دكتوراه مقدمة الى كلية القانون جامعة بغداد ، 2001 ، ص110 .
2- إسماعيل غانم، في النظرية العامة للالتزام، ج2، أحكام الالتزام والاثبات، مكتبة عبد الله وهبة مصر، 1967، ص38. أشار إليه علي عبيد عودة ، النظرية العامة للالتزام ، رسالة ماجستير مقدمة إلى كلية القانون ، جامعة بغداد، 1977، ص23.
3- ينظر للالتزام في جانب القانون المدني على أنه سبب لما حصر بالامتناع عن التعسف تجاه الأشياء والأشخاص والامتناع عن الغش أو القيام بالشيء الذي يحتاج مهارة مع عدم تملكها . والتزام الشخص بتحمل مسؤولية الأشياء الخطرة التي يمتلكها . للتفصيل ينظر : سليمان مرقص، المسؤولية المدنية في تقنيات البلاد العربية ، ج1 ، الأحكام العامة ، ط2 ، معهد الدراسات العربية العالمية ، القاهرة ، 1971، ص25.
4- ينظر المادة (149) من قانون العقوبات الإيطالي اشار إليها د. كاظم عبد الله الشمري ، حدود الدعوى الجزائية أمام محكمة الموضوع. بحث منشور في مجلة جامعة بابل المجلد (8) العدد (6) تشرين الثاني 2003، ص20. د. عبد الحكيم فودة: محكمة الجنايات دراسة لنشاطها ودور الدفاع أمامها على ضوء قضاء النقض، دار المعارف، الاسكندرية، 1992، ص399.
5- يلاحظ قرار محكمة التمييز رقم (2216) الهيئة الجزائية الجنايات 1988 تاريخ القرار 22 / 6 / 1988 . ( غير منشور ) .
6- تنص المادة (193) من قانون أصول المحاكمات الجزائية العراقي على أن : ( لا يخل بالتهمة السهو أو الخطأ المادي الذي لا يخرج الواقعة عن وصفها القانوني ولا يؤثر في دفاع المتهم ) .
7- ينظر المادة (51) والمادة (161) من قانون أصول المحاكمات الجزائية العراقي .
8- تنص المادة (249/أ) من قانون أصول المحاكمات الجزائية العراقي على أن : (لكل من الادعاء.. ان يطعن لدى محكمة التمييز في الأحكام والقرارات ... إذ كانت قد بنيت على مخالفة للقانون أو خطأ في تطبيقه أو تأويله أو إذا وقع خطأ جوهري في الإجراءات الأصولية..) .
9- تنص الفقرة (ب) المادة (249) من قانون أصول المحاكمات الجزائية العراقي على أن : ( لا يُعتد بالخطأ في الإجراءات إذا لم يكن ضاراً بدفاع المتهم ) .
10- ينظر د. محمد ظاهر معروف ، المبادئ الأولية في أصول الإجراءات الجنائية ، ج1 ، دار الطبع والنشر الأهلية ، بغداد ، 1972 ، ص199، د. حسن صادق المرصفاوي ، شرح قانون الإجراءات الجنائية ، مشأة المعارف ، الإسكندرية ، 1996 ، ص501. د. رؤوف عبيد ، المشكلات العملية الهامة، المرجع السابق، ص317. سعيد حسب الله: شرح قانون أصول المحاكمات الجزائية، مطابع دار الحكمة، الموصل، 1990، ص463-464.
11- ينظر : د . جمال إبراهيم عبد الحسين ، تصحيح الخطأ في الحكم الجنائي ، رسالة دكتوراه مقدمة الى كلية القانون – جامعة بغداد ، 1997 ، ص8.
12- ينظر : د . جمال ابراهيم عبد الحسين ، المرجع السابق، ص9-10.
13- ينظر : د. جمال إبراهيم عبد الحسين ، المرجع السابق، ص16.
14- ينظر: د. حسن صادق المرصفاوي ، شرح قانون الاجراءات الجنائية، المرجع السابق، ص58.
15- ينظر د. جمال ابراهيم عبد الحسين ، المرجع السابق، ص19-22.
16- ينظر : د. رؤوف عبيد ، المشكلات العملية الهامة في الإجراءات الجنائية ، دار الفكر العربي ، القاهرة ، 1978 ، ص324.
17- تنص المادة (193) من قانون أصول المحاكمات الجزائية العراقي على أن : ( لا يخل بالتهمة السهو أو الخطأ المادي الذي لا يخرج الواقعة عن وصفها القانوني ولا يؤثر في دفاع المتهم ) .
18- ينظر: د. عبد الحميد الشواربي ، سلطة المحكمة الجنائية في تكيف وتعديل وتغيير وصف الاتهام ( فقهياً وقضائياً ) منشأة المعارف ، الإسكندرية م 1989 ، ص134.
19- وينظر بهذا الخصوص ما ورد في المادة (71) من قانون العقوبات البغدادي الملغي على أن : ( تلغي تعديلات لعام 1918معنية المعارف بغداد 1957 حيث جاء فيها ( لا تقام الدعوى الجزائية على مجرم لم يبلغ العمر سبع سنين كاملة ) . حيث اعتبر النص من لم يبلغ سن السابعة من العمر لا إدراك له وبتالي لا مسؤولية عليه ورغم ذلك استعمال لفظ (مجرم) حيث كان عليه أن يبدأ صياغته هذه المادة بعبارة ( لا يسأل جرائياً ) . للتفصيل ينظر : د . كاظم عبد الله الشمري ، تفسير النصوص الجزائية ، المرجع السابق ، ص111 .
20- للأمثلة على ذلك ينظر : د. عدلي أمير خالد ، الإرشادات العملية في الدعاوي الجنائية في ضوء ملاحظات التفتيش القضائي وتعليمات النيابة العامة والمستحدثات من أحكام النقض والمحكمة الدستورية، منشأة المعارف، الاسكندرية، 1999، ص377-380.
21- للمزيد من التفصيل ينظر : د. محمود عبد ربه القبلاوي ، التكييف في المواد الجنائية ، دار الفكر الجامعي ، الإسكندرية ، 2003 ص347.
22- ينظر بهذا الخصوص نص المادة (190/ب) من قانون أصول المحاكمات الجزائية العراقي السابقة الإشارة إليها .
23- ينظر: د. محمود عبد ربه القبلاوي ، المرجع السابق، ص352، وما بعدها
24- ينظر: د, عبد الحميد الشواربي ، المرجع السابق، ص66.
25- ينظر: د. كاظم عبد الله الشمري ، حدود الدعوى الجزائية، المرجع السابق، ص21 و د, عبد الحميد الشواربي ، المرجع السابق، ص67.
26- أنظر: د. أحمد فتحي سرور ، الوسيط في قانون الإجراءات الجنائية ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، (بدون سنة طبع) ، ص1043.
27- ينظر د. كاظم عبد الله الشمري ، حدود الدعوى الجزائية، المرجع السابق، ص23.
28- ينظر: د. غالب عبيد خلف ، التهمة توجيها وتعديلها ، رسالة دكتوراه مقدمة الى كلية القانون جامعة بغداد ، 1996 ، ص129.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|