المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

علوم اللغة العربية
عدد المواضيع في هذا القسم 2764 موضوعاً
النحو
الصرف
المدارس النحوية
فقه اللغة
علم اللغة
علم الدلالة

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
أنـواع اتـجاهـات المـستهـلك
2024-11-28
المحرر العلمي
2024-11-28
المحرر في الصحافة المتخصصة
2024-11-28
مـراحل تكويـن اتجاهات المـستهـلك
2024-11-28
عوامـل تكويـن اتـجاهات المـستهـلك
2024-11-28
وسـائـل قـيـاس اتـجاهـات المستهلـك
2024-11-28

الشعراء في العصر العباسي الثالث
24-03-2015
تقليد الموحد وتقليد المشرك
9-11-2014
فضل سورة عبس وخواصها
3-05-2015
عبد الكريم بن علي بن كاظم الجزائري.
27-7-2016
Intransitive and defective clauses
2023-02-15
الانجذاب الكهربائي Galvanotaxis
28-5-2018


الضمائر  
  
31071   02:57 صباحاً   التاريخ: 16-10-2014
المؤلف : عباس حسن
الكتاب أو المصدر : النحو الوافي
الجزء والصفحة : ج1/ ص217- 285
القسم : علوم اللغة العربية / النحو / الضمائر /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 16-10-2014 3445
التاريخ: 16-10-2014 1881
التاريخ: 16-10-2014 31072
التاريخ: 16-10-2014 1674

تعريفه؛ اسم جامد يدل على: متكلم، أو مخاطَب، أو غائب. فالمتكلم مثل: أنا, ونحن، والتاء، والياء، ونا، في نحو: أنا عرفتُ واجبى -نحن عرفنا واجبنا... وأدّيناه كاملًا.

والمخاطب مثل: أنتَ... أنت أنتما، أنتم، أنتن، والكاف وفروعها في نحو: إن أباكَ قد صانكَ...
والغائب مثل: هي، هو، هما، هم، هن، والهاء فى مثل: يصون الحر وطنه بحياته... وكذا فروعها....

ص217

ويسمى ضمير المتكلم والمخاطب: "ضميرَ حضور"؛ لأن صاحبه لا بد أن يكون حاضرًا وقت النطق به.
والضمير بأنواعه الثلاثة لا يثنى، ولا يجمع. إنما يدل بذاته على المفرد، المذكر أو المؤنث، أو على المثنى بنوعيه المذكر والمؤنث معًا، أو على الجمع المذكر، أو المؤنث، كما يتضح من الأمثلة السالفة. ومع دلالته على التثنية أو الجمع فإنه لا يسمى مثنى، ولا جمعًا.

ص218

أقسامه:
ينقسم الضمير إلى عدة أقسام بحسب اعتبارات مختلفة:
أ- ينقسم بحسب مدلوله إلى ما يكون للتكلم فقط، وللخطاب. فقط، وللغَيْبة كذلك. وقد سبقت الأمثلة، ولما يصلح للخطاب حينًا، وللغَيبة حينًا آخر؛ وهو ألف الاثنين، وواو الجماعة، ونون النسوة. فمثال ألف الاثنين: اكتبا يا صادقان، والصادقان كتبا. ومثال واو الجماعة: اكتبوا يا صادقون، والصادقون كتبوا. ومثال نون النسوة: اكتبْن يا طالبات. الطالبات كتبْن...
ب- وينقسم بحسب ظهوره في الكلام وعدم ظهوره إلى: بارز ومستتر؛ فالبارز: هو الذى له صورة ظاهرة في التركيب، نطقًا وكتابة، نحو: أنا رأيتك في الحديقة. فكل من كلمة: أنا، والتاء، والكاف، ضمير بارز.
والمستتر، ما يكون خفيًّا غير ظاهر في النطق والكتابة؛ مثل: ساعد

ص219

غيرك يساعدْك؛ فالفاعل لكل من الفعلين ضمير مستتر تقديره فى الأول: "أنت" وفي الثاني: "هو".
والبارز قسمان، أولهما: المتصل؛ وهو: "الذى يقع في آخر الكلمة، ولا يمكن أن يكون في صدرها ولا في صدر جملتها"؛ إذ لا يمكن النطق به وحده، بسبب أنه لا يستقل بنفسه عن عامله؛ فلا يصح أن يتقدم على ذلك العامل مع بقائه على إعرابه السابق قبل أن يتقدم، كما لا يصح أن يَفْصل بينهما -فى حالة الاختيار- فاصل من حرف عطف، أوأداة استثناء؛ كإلا، أوغيرهما.
ومن أمثلة الضمائر المتصلة بآخر الأفعال؛ التاء المتحركة، وألف الاثنين، وواو الجماعة، ونون النسوة، وذلك كله في مثل: سمعتُ النصح، والرجلان سَمِعا، والعقلاء سمعوا، والفاضلات سمعْنَ. فليس واحد من هذه الضمائر بممكن أن يستقل بنفسه فيقع أول الكلمة قبل عامله، ولا يتأخر عنه مع وجود فاصل بينهما.

ص220

ثانيهما: المنفصل؛ وهو الذى يمكن أن يقع في أول جملته، ويبتدئ الكلامُ به؛ فهو يستقل بنفسه عن عامله؛ فيسبق العامل، أو يتأخر عنه مفصولًا بفاصل؛ مثل؛ أنا، ونحن؛ وإياك... في مثل: أنا نصير المخلصين. ونحن أنصارهم، وإياك قصدت، وما النصر إلا أنا، وما المخلصون إلا نحن.
هذا، وقد سبق حكم الضمائر، وأنها : أسماء، جامدة ، مبنية الألفاظ- سواء في هذا ما ذكرناه وما سنذكره بعد. وأنها لا تثنى ولا تجمع.
وينقسم المتصل بحسب مواقعه من الإعراب إلى ثلاثة أنواع:
أولها: نوع يكون في محل رفع فقط؛ وهو خمسة ضمائر: التاء المتحركة للمتكلم؛ نحو: صدقتُ. وكذلك فروعها. وألف الاثنين: نحو: المتعلمان

ص221

صَدَقا، وواو الجماعة، نحو: المتعلمون صدقوا. ونون النسوة؛ نحو: الفتيات صَدَقْنَ، وياء المخاطبة، نحو: اصدقى يا متعلمة.
ثانيها: نوع مشترك بين محل النصب ومحل الجر، إذ لا يوجد ضمير متصل خاص بمحل النصب؛ ولا ضمير متصلٌ خاص بمحل الجر. وهذا النوع المشترك بينهما ثلاثة ضمائر؛ ياء المتكلم، وكاف المخاطب بنوعيه؛ وهاء الغائب بنوعيه.

ص222

فأما ياء المتكلم فمثل: ربي أكرمني "فالياء الأولى في محل جر؛ لأنها مضاف إليه، والياء الثانية في محل نصب؛ لأنها مفعول به".
وأما كاف المخاطب فيهما فمثل: لا ينفعك إلا عملك. "فالكاف الأولى فى محل نصب، لأنها مفعول به؛ والكاف الثانية فى محل جر، لأنها مضاف إليه".
وأما هاء الغائب بنوعيه المذكر والمؤنث فمثل: من يتفرغ لعمله يحسنه.

ص223

أو؛ من تتفرغ لعملها تحسنه "فالهاء الأولى في المثالين في محل جر؛ لأنها مضاف إليه، والثانية في محل نصب؛ لأنها مفعول به".
ثالثها: نوع مشترك بين الثلاثة: وهو؛ "نا" نحو: {ربَّنا لا تؤاخذْنا إن نَسِينا أو أخْطْأنا} فالأولى في محل جر، لأنها مضاف إليه؛ والثانية في محل نصب، لأنها مفعول به -كما سبق- والثالثة والرابعة في محل رفع؛ لأنها فاعل.
ومما سبق نعلم أن للرفع ضمائر متصلة تختص به، وليس للنصب وحده أو الجر وحده شيء خاص به.

ص224

زيادة وتفصيل:
روى أبو عليّ القالي في كتابه: "ذيل الأمالي والنوادر" ص 105 عن بعض الأعراب قول شاعرهم:
فها أنا لِلعاشق يا عَزُّ قائد ... وبى تُضرب الأمثالُ فى الشرق والغرب
والشائع دخول: "ها" التي للتنبيه على ضمير الرفع المنفصل الذى خبره اسم إشارة؛ نحو: "هأنذا" المقيم على طلب العلوم. وغير الشائع دخولها عليه إذا كان خبره غير اسم إشارة، نحو: هأنا ساهر على صالح الوطن. وهو -مع قلته- جائز، لورود نصوص فصيحة متعددة تكفي للقياس عليها. منها قول عمر بن الخطاب يوم "أحُد" حين وقف أبو سفيان بعد المعركة يسأل: أين فلان، وفلان... من كبار المسلمين؟. فأجابه عمر. هذا رسول الله عليه السلام، وهذا أبو بكر، وهأنا عمر... ومنها بيت لمجنون ليلى، ونصّه:
وعُروةُ مات موتًا مستريحًا ... وهأنا ميّتٌ فى كل يوم
كما روى صاحب الأمالي أيضًا البيت التالي لعوف بن مُحَلِّم، ونصّه:
وَلُوعا؛ فَشَطَّتْ غُربةً دارُ زينبٍ ... فهأنا أبكى والفؤاد جريح
وقول سُحَيْمِ من شعراء صدر الإسلام:
لو كان يَبغي الفِداءَ قلت له ... هأنا دون الحبيب ياوَجَعُ
ويترتب على الحكم الشائع ما صرحوا به من جواز الفصل بين: "ها" التي للتنبيه واسم الإشارة بضمير المشار إليه مثل: هأنذا أسمع النصح، وهأنتذا تعمل الخير، وهأنتم أولاء تصنعون ما يفيد.
وقد يقع الفصل بغير الضمير قليلا -مع جوازه - كالقسم بالله فى مثل: ها -والله- ذا رجل محب لوطنه، و"إنْ" الشرطية في مثل: ها إنْ ذي حسنةٌ

ص225

تَتَكَرَّر يضاعفْ ثوابها. وقد تعاد "ها" التنبيه بعد الفاصل للتقوية...، نحو: هأنتم هؤلاء تخلصون.
وينقسم المنفصل بحسب مواقعه من الإعراب إلى قسمين: أولهما؛ ما يختص بمحل الرفع، وثانيهما ما يختص بمحل النصب.
فأما الذي يختص بمحل الرفع [فاثنا عَشَر] ، موزعة بين المتكلم، والمخاطب، والغائب، على الوجه الآتي:
أ- للمتكلم ضميران، "أنا" للمتكلم وحده، و"نحن" للمتكلم المعظِّم نفسه، أو مع غيره. "و"أنا" هو الأصل و"نحن" هو الفرع".
ب- للمخاطَب خمسة؛ أولها؛ وهو الأصل: "أنتَ"، للمفرد المذكر، ثم الفروع: "أنتِ" للمخاطَبة المؤنثة، "وأنتما" للمذكر المثنى المخاطَب، أو المؤنث المثنى المخاطَب، "وأنتم" لجماعة الذكور المخاطَبين، "وأنتن" لجماعة الإناث المخاطبات.
ج- للغائب خمسة؛ أولها وأصلها: "هو" للمفرد الغائب. ثم فروعه: "هي"، للمفردة الغائبة، و"هما" للمثنى الغائب: و"هم" لجمع الذكور الغائبين، و"هن" لجمع الإناث الغائبات؛

ص226

فمجموع الضمائر المنفصلة المرفوعة اثنا عشَر على التوزيع السالف.
وأما الضمائر التى تختص بمحل النصب فاثنا عشر ضميرًا أيضًا، كل منها مبدوء بكلمة: إيَّا.
فللمتكلم: "إياي"، وهو الأصل، وفرعه: "إيانا" للمتكلم المعظِّم نفسه، أو معه غيره.
وللمخاطَب المفرد: "إياكَ"، وهو الأصل، وفروعه: "إياكِ"، للمخاطَبة، و"إياكما"، للمثنى المخاطَب، مؤنثًا، أو مذكرًا، و"إياكم"؛ لجمع الذكور الخاطَبين، و"إياكن" لجمع الإناث المخاطَبات.
وللغائب: "إياه" للمفرد الغائب، وفروعه: "إياها" للمفردة الغائبة، و"إياهما" للمثنى الغائب بنوعيه، و"إياهم" لجمع الذكور الغائبين، و"إياهن" لجمع الإناث الغائبات.
فللمتكلم اثنان، وللمخاطَب خمسة، وللغائب خمسة. وليس هناك ضمائر منفصلة تختص بمحل الجر.
هذا وجميع الضمائر المنفصلة تشارك نظائرها المتصلة في الدلالة على التّكلم، أو الخطاب، أو الغيبة، فلكل ضمير منفصل نظير آخر متصل يماثله في معناه: فالضمير "أنا" يماثل التاء، والضمير "نحن" يماثل "نا"، وهكذا. .....

وينقسم المستتر إلى قسمين:

ص227

أولهما: المستتر وجوبًا، وهو الذى لا يمكن أن يحل محله اسم ظاهر، ولا ضمير منفصل؛ مثل: إني أفرح حين نشترك في عمل نافع. فالفعل المضارع: "أفرح"، فاعله ضمير مستتر وجوبًا، تقديره: أنا. ولا يمكن أن يخلفه اسم ظاهر ولا ضمير منفصل، إذ لا نقول: أفرح محمد -مثلا- ولا أفرح أنا، على اعتبار "أنا" فاعلًا، بل يجب اعتبارها توكيدًا للفاعل المستتر الذى يشابهها في اللفظ والمعنى. كذلك الفعل المضارع: "نشترك" فاعله مستتر وجوبًا تقديره: "نحن" ولا يمكن أن يحل مكانه اسم ظاهر ولا ضمير منفصل؛ إذ لا نقول: "نشترك محمد" ولا نقول: "نشترك نحن" على اعتبار كلمة: "نحن" فاعلًا؛ لأنها لو كانت فاعلًا لوجب استتارها حتمًا. ولكنها تعرب توكيدًا لضمير مستتر يشابهها في اللفظ والمعنى.
وثانيهما: المستتر جوازًا، وهو الذى يمكن أن يحل محله الاسم الظاهر أوالضمير البارز؛ مثل: الطائر تَحَرّكَ. النهر يتدفق. فالفاعل فيهما ضمير مستتر جوازًا تقديره: هو، إذ من الممكن أن نقول: الطائر تحرك جناحه، والنهر يتدفق ماؤه: بإعراب كلمتي "جناح" و"ماء" فاعلًا للعامل الموجود وهو: "تحرك" و"يتدفق". ومن الممكن كذلك أن نقول: الطائر ما تحرك إلا هو: والنهر ما يتدفق إلا هو... بإعراب الضمير البارز: "هو" فاعلا للعامل الموجود. والمستتر بنوعيه لا يكون إلا مرفوعًا متصلًا كما سبق.
مواضع الضمير المرفوع المستتر وجوبًا. أشهر هذه المواضع تسعة:

ص228

1- أن يكون فاعلًا لفعل الأمر المخاطب به الواحد المذكر، مثل: أسرعْ لإنقاذ الصارخ، وبادرْ إليه. بخلاف الأمر المخاطب به الواحدة، نحو: قومي، أو للمثنى؛ نحو: قومًا، أو الجمع، نحو: قوموا، وقمن. فإن هذه الضمائر تعرب فاعلًا أيضًا، ولكنها ضمائر بارزة.
2- أن يكون فاعلًا للفعل المضارع المبدوء بتاء الخطاب للواحد؛ مثل: يا بُنَيَّ، أتعرف متى تتكلم ومتى تسكت؟ بخلاف المبدوء بتاء الخطاب للواحدة؛ مثل: تتعلمين يا زميلة، أو للمثنى بنوعيه، مثل: أنتما تتعلمان، أو للجمع بنوعيه مثل: أنتم تتعلمون وأنتن تتعلمن؛ فإن هذه ضمائر رفع بارزة، وبخلاف المبدوء بتاء الغائبة، فإنه مستتر جوازًا؛ مثل: الأخت تقر.
3- أن يكون فاعلًا للفعل المضارع المبدوء بهمزة المتكلم؛ مثل: أحُسنُ اختيار الوقت الذى أعملُ فيه، وقول الشاعر:
لا أَذُودُ الطيرَ عن شجرٍ ... قد بَلَوْتُ المُرَّ من ثَمرِه
4- أن يكون فاعلا للفعل المضارع المبدوء بالنون؛ مثل نحب الخير،.

ص229

ونكره الأذى، فنفوز برضا الله والناس.
5- أن يكون فاعلًا للأفعال الماضية التي تفيد الاستثناء؛ مثل: خلا، عدا، حاشا. تقول: حضر السياح خلا واحدًا - أو: عدا واحدًا - أو: حاشا واحدًا. ففاعل خلا وعدا وحاشا ضمير مستتر وجوبًا تقديره: ه....
6- أن يكون اسمًا مرفوعًا لأدوات الاستثناء الناسخة؛ "وهى: ليس، ولا يكون" تقول: انقضى الأسبوع ليس يومًا. انقضى العام لا يكون شهرًا. فكلمة "يومًا" و"شهرًا" خبر للناسخ، وهى المستثنى أيضًا. أما اسم الناسخ فضمير مستتر وجوبا تقديره: هو.
7- أن يكون فاعلا لفعل التعجب الماضى؛ وهو: "أفعَلَ"؛ مثل: ما أحسنَ الشجاعةَ. "فأحسن" فعل ماض للتعجب، وفاعله ضمير مستتر وجوبًا تقديره؛ هو. "يعود على: ما".
8- أن يكون فاعلا لاسم فعل مضارع، أواسم فعل أمر، مثل: أفّ من الكذب، "بمعنى: أتضجر جدا". وآمينَ. "بمعنى: استجب."
9- أوفاعلا للمصدر النائب عن فعله الأمر؛ مثل؛ قيامًا للزائر. فقيامًا: مصدر، وفاعله مستتر وجوبًا، تقديره: "أنت"؛ لأنه بمعنى: قُمْ.
فهذه تسعة مواضع، هى أشهر المواضع التى يستتر فيها الضمير وجوبًا، ولا يكون إلا مرفوعًا متصلا - كما أشرنا من قبل. - أما الضمير المستتر فى غيره تلك المواضع فاستتاره في الأشهر جائز، لا واجب.

ص320

زيادة وتفصيل:
1 يعرب الضمير المرفوع المستتر جوازًا:
أ- إما فاعلا، أو نائب فاعل، أو اسما لفعل ناسخ، إذا كان الفعل في كل ذلك لغائب أو غائبة، مثل: آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان. ومثل قول شوقي عن الصلاة: لو لم تكن رأس العبادات لعدت من صالحة العادات، وقولهم رب كلمة تجلب نعمة، وأخرى تجر نقمة.
ب- وإما فاعلا لاسم فعل ماض؛ مثل: البحر هيهات، بمعنى: بَعُد جدًا، أى: هو.
ومن أمثلة ذلك أيضًا: شتان الصحة والضعف، بمعنى: افترق الحال بينهما جدًا. فالصحة فاعل. وتقول الصحة والضعف شتان. أى: هما، فالفاعل ضمير، تقديره: هما. وتقول هيهات البحر هيهات. وشتان الصحة والضعف شتان. ففاعل "هيهات" الثانية ضمير مستتر جوازًا تقديره: "هو" يعود على البحر، بشرط أن تكون الجملة المكونة من: "هيهات" الثانية وفاعلها توكيدًا للجملة التى قبلها، فيكون الكلام من توكيد الجمل بعضها ببعض. أما لوجعلنا لفظة: "هيهات" الثانية وحدها توكيدًا للأولى فإنها لا تحتاج إلى الفاعل، ويكون الكلام من نوع توكيد اسم الفعل وحده بنظيره. واسم الفعل؛ كالفعل إذا وقع أحدهما - وحده بدون فاعل - توكيدًا لفظيًّا فإنه لا يحتاج لفاعل، وكذلك يقال فى: "شتان" فى الحالتين.
جـ- وإما مرفوعًا لأحد المشتقات المحضة: "كاسم الفاعل، واسم المفعول، والصفة المشبهة، نحو: على نافع، أومكرَم، أوفَرِحٌ"؛ ففى كل واحدة من هذه الصفات المشتقة ضمير مستتر جوازًا، تقديره: "هو" ويكون الضمير المرفوع بها فاعلا، إلا مع اسم المفعول، فيكون نائب فاعل.

ص231

أما المشتقات غير المحضة "وهي التي غلبت عليها الاسمية المجردة من الوصف بأن صارت اسمًا خالصًا لشيء" فإنها لا تتحمل ضميرًا؛ كالأبطح، والأجرع أسماء أماكن، ومثلهما: الأبيض، والأرحب، والمسعود، والعالي، أسماء قصور، والمفتاح، والمِلعقة، والمَلعب... ، ...
ومن المشتقات المحضَة: "أفعل التفضيل". والغالب فيه أنه يرفع الضمير المستتر، ولا يرفع الظاهر - قياسًا - إلا فى المسألة التى يسميها النحاة مسألة: "الكحل" وقد يرفعه نادرًا - لا يقاس عليه - فى مثل: مررت برجل أفضل منه أبوه باعراب كلمة: "أبو" فاعلا. وكذلك يرفع الضمير البارز نادرًا فى لغة من يقول: مررت برجل أفضل منه أنت، بإعراب "أنت" فاعلا، حملا لها على الفاعل الظاهر فى مسألة "الكحل". ولوأعرب "أنت" مبتدأ، خبره: أفضل، لجاز ولم يكن أفعل التفضيل رافعًا للضمير.
بناء على ما تقدم لولاحظنا أنه لا يرفع الظاهر إلا قليلا ولا الضمير البارز إلا نادرًا فإن الضمير المستتر فيه يكون من نوع المستتر وجوبًا مع الإغصاء عن تلك القلة والندرة، وإن لاحظنا الواقع من غير نظر للقلة والندرة قلنا: إنه مستتر جوازًا.
تلخيص ما سبق من أنواع الضمائر:
أ- ينقسم الضمير باعتبار مدلوله إلى ثلاثة أقسام: متكلم، ومخاطَب، وغائب.
ب- ينقسم الضمير باعتبار ظهوره فى الكلام وعدم ظهوره إلى قسمين بارز، ومستتر.

ص232

أقسام البارز:
ينقسم الضمير البارز إلى قسمين: "منفصل، ومتصل".
أ- ينقسم الضمير البارز المنفصل باعتبار محله الإعرابي إلى:
1- بارز منفصل فى محل رفع، وهو: اثنا عشر ضميرًا، للمتكلم اثنان، هما: "أنا" وفرعه "نحن". وللمخاطب: "أنت" وفروعه الأربعة. وللغائب: "هو" وفروعه الأربعة.
2- بارز منفصل فى محل نصب، وهواثنا عشر ضميرًا؛ للمتكلم اثنان "إياى" وفرعه "إيانا". وللمخاطب "إياك" وفروعه الأربعة. وللغائب "إياه" وفروعه الأربعة.
ولا يوجد ضمير بارز منفصل فى محل جر.
ب- ينقسم الضمير البارز المتصل باعتبار محله الإعرابى إلى ما يأتى:
1- بارز متصل فى محل رفع؛ وهوخمسة: التاء المتحركة - ألف الاثنين - واوالجماعة - ياء المخاطبة - نون النسوة.
2- بارز متصل صالح لأن يكون فى محل نصب حينًا، وفى محل جر حينًا آخر، وهوثلاثة: ياء المتكلم، والكاف، والهاء. .....
3- بارز متصل، صالح لأن يكون فى محل رفع، أونصب، أوجر، هو: "نا".
ولا يوجد ضمير بارز متصل فى محل نصب فقط، أوفى محل جر فقط.
أقسام الضمير المستتر
أ- مستتر وجوبًا وله جملة مواضع، وأشهرها: تسعة.

ص233

ب- مستتر جوازًا وله مواضع غير السالفة.
ويتضمن الاسم الآتي كل ما سبق.
تقسيم آخر للضمير بحسب محله الإعرابي:
ينقسم إلى خمسة أقسام.
1- مرفوع متصل.
2- مرفوع منفصل.
3- منصوب متصل.
4- منصوب منفصل.
5- مجرور، ولا يكون إلا متصلا.

ص234

الضمير المفرد، والضمير المركب
الضمير المفرد ، والضمير المركب:
الغرض من الضمير -كما عرفنا- الدلالة على المتكلم، أو المخاطب، أو الغائب، مع الدلالة على الإفراد، أو التثنية، أو الجمع، والتذكير، أو التأنيث في كل حالة.
أ- غير أن بعض الضمائر يقوم بهذه الدلالة مستقلا بنفسه، معتمدًا على تكوينه وصيغته الخاصة به، غير محتاج إلى زيادة تلازمه آخره، لتساعده فى أداء مهمته، فصيغته مفردة "بسيطة" وذلك كالياء، والتاء، والهاء، في نحو: إني أكرمت من أكرمتَ. فالياء وحدها تدل على المتكلم المفرد مطلقًا، وكذلك التاء في: "أكرمت" الأولى. أما التاء الثانية فتدل على المخاطب المفرد، المذكر أو المؤنث على حسب ضبطها، وأما الهاء فتدل على المفرد المذكر الغائب.
فكل ضمير من الثلاثة -وأشباهها- كلمة واحدة، انفردت بتحقيق الغرض منها؛ وهو التكلم، أو الخطاب، أو الغَيبة، مع التذكير أو التأنيث، ومع الإفراد، دون الاستعانة بلفظ يلزم آخرها.
ومثلها: "نحن" في: نحن نسارع للخيرات، فإنها لفظة واحدة في تكوينها، وصيغة مستقلة بنفسها في أداء الغرض منها؛ وهو: "التكلم مع الدلالة على الجمع، أو على تعظيم المفرد، ولم يتصل آخرها اتصالًا مباشرًا بما يساعدها على ذلك الغرض.
ب- وبعضًا آخر من الضمائر يقوم بتلك الدلالة؛ ولكن من غير أن يستقل بنفسه في أدائها، بل يحتاج لزيادة لازمة تتصل بآخره: لتساعده على أداء المراد؛ فصيغته مركبة، وتكوينه ليس مقصورًا على كلمة واحدة. وذلك

ص235

مثل الضمير: "إيًا" فإنه لا يدل على شىء مما سبق إلا بعد أن تلحقه زيادة فى آخره؛ تقول: إياى - إياكَ - إياكما، إياكن... ولولا هذه الزيادة ما أدى مهمته، ومثله: أنت، نقول: أنتما، أنتم، أنتن... وهكذا.
كيفية إعراب الضمير بنوعيه: المستتر والبارز
قلنا: إن الضمائر كلها مبنية؛ فعند إعرابها لا بد أن نلاحظ أمرين:
أولهما: موقع الضمير من الجملة، أهو في محل رفع؛ كأن يكون مبتدأ في مثل: أنت أمين، أم في محل نصب، كأن يكون مفعولًا به في مثل: زاركَ الصديق، أم في محل جر؛ كأن يكون مضافًا إليه في مثل: كتابي مثل كتابكَ؟
ثانيهما: حالة آخر الضمير؛ أساكنة هي؛ مثل: أنا، أم متحركة مثل: التاء في: أحسنْتَ؟.
فإذا عرفنا هذين الأمرين أمكن إعراب الضمير بعد ذلك؛ فإذا كان الضمير مبنيًّا على السكون فقد يكون في محل رفع؛ لأنه مبتدأ في مثل: أنا مسافر، أو لأنه فاعل في مثل: "نا" من "سافرْنا" وقد يكون فى محل نصب؛ لأنه مفعول به. مثل: "نا" فى حامد "أكرَمنا". وقد يكون فى محل جر فى مثل: "نا" من أقبِلْ علينا... وهكذا باقى مواضع الرفع، والنصب والجر.
وإذا كان الضمير متحركًا فإنه يبنى على نوع حركة آخره؛ فيبنى على الضم، أوالفتح، أوالكسر، على حسب تلك الحركة. ويكون معها فى محل رفع، أونصب، أوجر، على حسب موقعه من الجملة - كما سبق -، أهومبتدأ، أم فاعل، أم مفعول، أم مضاف إليه، أم غير ذلك، فكلمة: "نحنُ" فى مثل: نحنُ أصدقاء، مبنية على الضم فى محل رفع؛ لأنها مبتدأ. والكاف فى مثل: أكرمكَ الوالد، مبنية على الفتح فى محل نصب، لأنها مفعول

ص236

به. والهاء في مثل: محمد قصدتُ إليه؛ مبنية على الكسر في محل جر... وهكذا يقال في كل ضمير يتكون من لفظة واحدة لا يتصل بآخرها زيادة، كالتي أشرنا إليها من قبل.
فإن كان الضمير غير مقتصر على نفسه بل في آخره تلك الزيادة اللاّزمة مثل: "إياكَ، إياكما، إياكم، إياكن، أنتَِ، أنتما، أنتم، أنتن" فإن الأنسب اليوم إدماج الضمير والزيادة الحتمية معًا عند الإعراب، وعدّهما بمنزلة كلمة واحدة، بحيث لا نعتبر أن الضمير في "إياكما" و"أنتما" هو كلمة: "إيا" وحدها، "وأنْ" وحدها... وأن الكاف، أو التاء، حرف خطاب مبني على الفتح لا محل له لمن الإعراب، وما بعدها حرف دال على التثنية، أو على جمع المذكر، أو جمع المؤنث. فمن المستحسن رفض هذا التجزؤ رفضًا قاطعًا، وأن نتبع النحاة الداعين إلى اعتبار كلمة: "إيا" مع ما يصحبها لزومًا هما معًا: "الضمير"، وأنهما في الإعراب كلمة واحدة. وكذلك: "أنتما" وباقي الفروع.
وهذا الرأي الحسن يناسبنا اليوم؛ لما فيه من تيسير وتخفيف، واختصار، وليس فيه ما يسيء إلى سلامة اللغة وفصاحتها؛ فنقول في كل من: أنتَِ، أنتما، أنتم، أنتن، إياكَِ، إياكما، إياكم، إياكنْ، ونظائرها، إن الكلمة كلها بملحقاتها ضمير مبني على كذا في محل كذا.

ص237

زيادة وتفصيل:
أ- وقوع الكاف حرف خطاب منصرف:
قد يتعين أن تكون "الكاف" حرف خطاب مبنيًّا؛ فلا محل له من الإعراب. أي: أنها لا تكون ضميرًا. وذلك فيما يأتي: وفي هذه الحالة يتعين أن يكون منصرفًا على حسب المخاطب تذكيرًا، وتأنيثًا، وإفرادًا، وتثنية، وجمعًا .... وفيما يلي أشهر المواضع غير التي سبقت.
1- فى مثل: أرأيتَك الحديقَة، هل طاب ثمرها مبكرًا؟ أرأيتَك الزراعةَ؛ أتغنى عن الصناعة؟ ومعنى "أرأيتَك": أخِبرْنى، الحديقة... أخبرنى الزراعة... وإليك الإيضاح:
كاف الخطاب الحرفية قد تتصل بآخر الفعل: "رأى" فيصير "رأيتَ" بشرط أن تسبقه همزة الاستفهام، وأن يجيء بعد الكاف اسم منصوب، ثم جملة استفهامية. وهو فعل ماض، فاعله التاء المتصلة بآخره، المبنية على الفتح دائمًا، في محل رفع؛ لأنها فاعل. وتقع بعدها "الكاف" حرف خطاب؛ يتصرف وجوبًا على حسب المخاطَبِين، ولا تتصرف التاء... فنقول للمخاطبة: أرأيتَكِ، وللمثنى بنوعيه: أرأيتَكما"، وللجمع المذكر: أرأيتَكم، وللجمع المؤنث: أرأيتَكن. ومعنى "أرأيتَكَ: أخبرْني"، كما سبق. وهي إما منقولة من: رأيتَ، بمعنى: "عرفتَ" أو بمعنى: أبصرتَ، فتحتاج لمفعول واحد في الحالتين، وإما منقولة من: "رأيت" بمعنى: عَلمْت؛ فتحتاج إلى مفعولين. وسواء أكانت منقولة من هذه أم من تلك فإنها في أصلها جملة خبرية بمعنى ما تقدم، ثم صارت بعد النقل وبعد أن لازمتها همزة الاستفهام

ص238

جملة إنشائية. طلبية، لها معنى جديد؛ هو؛ أخْبِرني، أي: طلب الاستخبار، وهو: طلب معرفة الخبر. وعلى أساس هذين الاعتبارين يكون إعراب ما يأتي بعدها؛ فإن لاحظنا أن أصلها: "عرفتَ، أوأبصرت" - كان الاسم المنصوب بعدها مفعولًا به لها، وتكون الجملة الاستفهامية بعدها مستأنفة. وعلى اعتبار أن أصلها: "علمت" يكون ذلك الاسم المنصوب بعدها مفعولا به أول، وتكون جملة الاستفهام التي بعده في محل نصب، تغني عن المفعول الثاني. وإن لاحظنا حالتها الحاضرة، وأنها الآن جملة إنشائية طلبية؛ بمعنى "أخْبِرني"، ولم نلتفت إلى الأصل الأول، فإن الاسم المنصوب بعدها يكون منصوبًا على نزع الخافض، والجملة الاستفهامية بعده مستأنفة؛ فكأنك تقول في الأمثلة السابقة وأشباهها: أخبرني عن الحديقة؛ هل طاب ثمرها مبكرًا؟ أخبرني عن الزراعة؛ أتغني عن الصناعة؟
وجدير بالتنويه أن الاستعمال السابق لا يكون إلا حين نطلب معرفة شيء له حالة عجيبة؛ وأن يكون بالصورة المنقولة عن فصحاء العرب؛ فيبدأ الأسلوب -كما قلنا- بهمزة الاستفهام؛ يتلوها جملة: "رأيتك"؛ فاسم منصوب؛ فجملة استفهامية تبين الحالة العجيبة التى هي موضع الاستخبار. فلا بد أن يشتمل الأسلوب على هذه الأمور الأربعة، مرتبة على حسب ما ذكرنا. غير أن الاستفهام في الجملة المتأخرة قد يكون ظاهرًا كما مثل؛ وقد يكون مقدرًا هو وجملته؛ كما في قوله تعالى: {أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ} ...إلخ، فالتقدير: "أرأيتك هذا الذي كرمت عليّ، لِمَ كرمته علي؟.
وقد يحذف الاسم المنصوب الذي بعده: "أرأيتك" إذا كان مفهومًا، نحو قوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّه} . أي: قل أرأيتكم المعارضين إن أتاكم عذاب الله.
هذا إن قصد الاستخبار والتعجب - أما إن بقي الفعل "رأى" من "رأيت"

ص239

على أصله اللغوي الأول بمعنى: "عرفت" أو بمعنى: "أبصرت" أو بمعنى: "علمت" وجاءت قبله همزة الاستفهام في الحالتين فإن التاء اللاحقة به تتصرف، وتعرب فاعلا، وتعرب الكاف المتصلة به ضميرًا مفعولا به، وتتصرف على حسب حال المخاطب؛ فتقول: "أرأيتكَ ذاهبًا، أرأيتكِ ذاهبة" أرأيتكما ذاهبين، أرأيتكم ذاهبين، أرأيتكن ذاهبات - فتكون "الكاف" وحدها، أو هي وما اتصلت به من علامة تثنية أوجمع - ضميرًا مفعولا به أول، والاسم المنصوب بعد ذلك هو المفعول الثاني. هذا إذا كانت. "رأى" بمعنى: "عَلِم" التي تنصب مفعولين. أما إذا كانت "رأى" تنصب مفعولًا واحدًا فالضمير هو مفعولها، والاسم المنصوب بعده حال.
وسيجيء في أول الجزء الثاني تفصيل الكلام على الفعل: "رأى" من ناحية معناه وتعديته إلى مفعول أو أكثر.
2- في اسم الفعل الذى يقوم معنى وعملًا مقام فعل لا ينصب مفعولا به، مثل: حَيَّهَل؛ بمعنى: أقبِلْ. والنَّجاء. بمعنى: أسْرعْ، ورُوَيدَ، بمعنى تمهلْ...؛ فقد ورد عن العرب قولهم: حَيَّهلك، والنَّجاءك، ورُوَيْدك، فالكاف هنا حرف خطاب؛ ولا يصح أن يكون ضميرًا مفعولا لاسم الفعل؛ لأن أسماء الأفعال هذه لا تنصب مفعولا به؛ لأنها تقوم معنى وعملا مقام أفعال لا تنصب مفعولا به. وكذلك لا يصح أن تكون الكاف ضميرًا فى محل جر مضافا إليه؛ لأن أسماء الأفعال مبنية، فلا يكون واحد منها مضافاً.
3- فى بعض أفعال مسموعة عن العرب يجب الاقتصار عليها؛ مثل: "أَبصرْ" فى: أَبْصِرْك محمدًا، بمعنى: أَبصِرْ محمدًا. ولا يمكن أن تكون الكاف هنا مفعولا به؛ لأن هذا الفعل لا ينصب إلا مفعولا واحدًا؛ وقد نصبه؛ ونَعنى به: "محمدًا" ولأن فعل الأمر لا ينصب ضميرًا للمخاطب الذى يتجه إليه الأمر. ومثل: "ليس" فى لَسْتَك محمدًا مسافرًا.
ومثل: نِعْم وبئس فى: نعمك الرجل محمود، وبِئسك الرجل سليم .....،

ص240

لأن كلا من الفعلين وذلك "نِعم" "وبئس" لا ينصب مفعولا به.
ومثل: حَسِبَ فى قولهم: جئتَ، وما حسبتك أن تجئ؛ لأن الكاف لوأعربت ضميرًا لكانت المفعول الأول "لحسب"، ولكان المفعول الثانى هوالمصدر المؤول "أن تجئ" ويترتب على ذلك أن يكون المصدر المؤول خبرًا عن الكاف، باعتبار أن أصلهما المبتدأ والخبر "لأن مفعولى: حسب؛ أصلهما المبتدأ والخبر" وإذا وقع المصدر المؤول هنا خبرًا عن الكاف ترتب عليه الإخبار بالمعنى عن الجثة؛ وهوممنوع عندهم فى أغلب الحالات.
4- بعض حروف مسموعة يجب الاقتصار عليها؛ مثل: كَلاًّ، بَلَى، تقول: كَلاَّك، أنت لا تخالف الوعد؟. ويسألك سائل: ألستُ صاحب فضل عليك؟ فتجيب: بَلاَك. أى: بلى لك. "أنا موافق لك فى أنك صاحب فضل".
ب- كيف نعرب الضمير الواقع بعد: "لولا" إذا كان من غير ضمائر الرفع؟ وكيف نعرب الضمير الواقع بعد: "عسى" إذا كان من غير ضمائر الرفع أيضًا؟
أشرنا في رقم2 من ص211 إلى أن "ياء" المتكلم، و"كاف" الخطاب، و"هاء" الغائب، ضمائر مشتركة بين محلي النصب والجر، ولا تكون في محل رفع. فما إعراب كل منها إذا وقع بعد كلمة: "لولا" الامتناعية التى لا يقع بعدها إلا المبتدأ؛ مثل: لولاي ما حضرت - لولاك لسافرتُ - الطائرة سريعة؛ لولاها لتأخرتُ، وفضل الطيران عظيم؛ لولاه لاحتملنا مشتقات عظيمة... فما إعراب هذا الضمير الواقع بعد: "لولا" فى الأمثلة السابقة وأشباهها؟
نعيد ما سبق، وهو أن أيسر وأوضح ما يقال في الضمائر الثلاثة أنها - وإن كانت لا تقع فى محل رفع - تصلح بعد "لولا" خاصة أن تقع فى محل رفع، فيعرب كل ضمير منها مبتدأ مبنيًّا على الحركة التى في آخره في محل رفع،

ص241

وخبره محذوف. وهذا الرأي فوق يسره ووضوحه يؤدي إلى النتيجة التي ترمي إليها الآراء الأخرى، من غير تعقيد - وفي مقدمتها رأي: سيبويه الذي يجعل: "لولا" في هذه الأمثلة وأشباهها حرف جر شبيه بالزائد، وما بعدها مجرور بها لفظًا مرفوع محلا؛ لأنه مبتدأ، ونكتفي بالإشارة إلى تعدد الآراء من غير تعرض لتفاصيلها المرهقة المدونة فى المطولات.
وكذلك قلنا فيما مضى: إذا وقع ضمير من تلك الثلاثة بعد "عسى" التى للرجاء، والتى هى من أخوات كان، ترفع الاسم وتنصب الخبر، نحو: عساى أن أدرك المراد، أو: عساني، أو: عساك أن توفق فى عمل الخير. وعساه أن يرشد إلى الصواب... فخير ما يقال في إعرابها: أن "عسى" حرف رجاء؛ بمعنى: "لعل" تنصب الاسم وترفع الخبر، وليست فعلا من أخوات كان. وهذا أيسر وأوضح من باقى الآراء الأخرى الملتوية.
حـ- ضمير الفصل:
من أنواع الضمير نوع يسمى: "ضمير الفصل". وهو من الضمائر السابقة، ولكن له أحكام خاصة ينفرد بها دون سواه. وإليك أمثلة توضحه.
1- "الشجاع الناطق بالحق يبغى رضا الله". ما المعنى الأساسي الذي نريده من هذا الكلام، بحيث لا يمكن الاستغناء عنه؟ أهو: الشجاع يبغي رضا الله؟ فتكون جملة: "يبغي رضا الله" ركنًا أساسيًّا في الكلام؛ لأنها خبر، لا يتحقق المعنى الأصلي إلا بوجودها، وانضمامها إلى المبتدأ، كلمة: "الشجاع" وما عداهما فليس أساسيًّا، وإنما هو زيادة تخدم المعنى الأصلي وتكمله "فتعرب الناطق: صفة"... أم المعنى الأساسى هو: "الشجاع، الناطق الحق"؟ فكأننا نتحدث عن الشجاع ونعرفه بأنه: الناطق بالحق؛ فتكون كلمة: "

ص242

جزءًا أصيلا في تأدية المعنى؛ "لأنها خبر ليس" وما عداها تكملة طارئة.
الأمران جائزان، إلا إذا قلنا ليس المحسن -هو- المنافق؛ فيتعين المعنى الثاني وحده لوجود الضمير؛ "هو"، القاطع في أن ما بعده هو الأصيل وهو الأساسي؛ لأنه خبر.
4- يقول النحاة في تعريف الكلام: "الكلام اللفظ المركب المفيد..." أتكون كلمة: "اللفظ" أساسية فى المعنى المراد؛ لأنها خبر، أم غير أساسية؛ لأنها بدل من الكلام، وما بعدها هو الأساسي؟ الأمران متساويان. فإذا أتينا بكلمة -هو- تعين أن تكون كلمة "اللفظ" خبرًا لا بدلا.
فالضمير -هو- وأشباهه يسمى: "ضمير الفصل"؛ لأنه يفصل في الأمر حين الشك؛ فيرفع الإبهام، ويزيل اللبس؛ بسبب دلالته على أن الاسم بعده خبر لما قبله؛ من مبتدأ، أو ما أصله المبتدأ، وليس صفة، ولا بدلا، ولا غيرهما من التوابع والمكملات التي ليست أصيلة في المعنى الأساسي، كما يدل على أن الاسم السابق مستغن عنها، لا عن الخبر. وفوق ذلك كله يفيد في الكلام معنى الحصر والتخصيص "أي: القصر المعروف في البلاغة".
تلك هي مهمة ضمير الفصل؛ لكنه قد يقع أحيانًا بين مالا يحتمل شكًّا ولا لَبسًا؛ فيكون الغرض منه مجرد تقوية الاسم السابق، وتأكيد معناه بالحصر. والغالب أن يكون ذلك الاسم السابق ضميرًا؛ كقوله تعالى: {وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ} . وقوله: {كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِم} ، وقوله: {إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا، فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ} ففى المثال الأول قد توسط ضمير الفصل "نحن" بين كلمتي "نا" و"الوارثين"، مع أن كلمة: "الوارثين" خبر كان منصوبة بالياء ولا يصح أن تكون صفة2، إذ لا يوجد موصوف غير "نا" التي هي ضمير، والضمير لا يوصف. وفي المثال الثاني توسط ضمير الفصل "أنت" بين "التا" و"الرقيب"، مع أن كلمة: "الرقيب" منصوبة؛ لأنها خبر "كان" ولا تصح أن تكون صفة للتاء، لأن الضمير لا يوصف

ص244

كما قلنا، وكذلك الشأن في المثال الثالث الذي توسط فيه ضمير الفصل "أنا" بين "الياء" وكلمة: "أقل" التي هي المفعول الثاني للفعل: "ترى" ولا يصح أن تكون صفة للياء؛ لأن الضمير لا يوصف. و. و. وهكذا وقع ضمير الفصل قبل مالا يصلح صفة، بل قبل ما لا يصلح صفة، ولا تابعًا من التوابع أو المكملات.
وإذا كان البصريون يسمونه: "ضمير الفصل" فالكوفيون يسمونه بأسماء أخرى تتردد أحيانًا في كتب النحو: فبعضهم يسميه: "عمادًا"؛ لأنه يعتمد عليه في الاهتداء إلى الفائدة، وبيان أن الثاني خبر لا تابع. وبعضهم يسميه: "دعامة"؛ لأنه يَدْعَم الأول، أي: يؤكده، ويقويه؛ بتوضيح المراد منه، وتخصيصه وتحقيق أمره بتعيين الخبر له، وإبعاد الصفة، وباقي التوابع وغيرها؛ إذ تعيين الخبر يوضح المبتدأ ويبين أمره؛ لأن الخبر هو المبتدأ في المعنى.
شروط ضمير الفصل:
يشترط فيه ستة شروط: "اثنان فيه مباشرة. واثنان في الاسم الذي قبله، واثنان في الاسم الذى بعده" فيشترط فيه مباشرة:
1- أن يكون أحد ضمائر الرفع المنفصلة.
2- أن يكون مطابقًا للاسم السابق في المعنى، وفي التكلم، والخطاب، والغَيبة، وفي الإفراد، والتثنية والجمع،. وفي التذكير، والتأنيث، كالأمثلة السابقة. ومثل: "العلم هو الكفيل بالرقي، يصعد بالفرد إلى أسمى الدرجات. والأخلاق هي الحارسة من الزلل، تصون المرء من الخطل"، "النَّيران هما المضيئان فوق كوكبنا، يَسْبَحان في الفضاء"، "العلماء هم الأبطال يحتملون في سبيل العلم ما لا يحتمله سواهم"، "الأمهات هن البانيات مجد الوطن يُقِمْنَ الأساس ويرفعن البناء"... وهكذا. فلا يجوز: كان محمود أنت الكريم، ولا ظننت محمودًا أنت الكريم: لأن الضمير "أنت" ليس بمعناه معنى الاسم السابق "محمود"، ولا يدل عليه؛ فلا يكون فيه التأكيد المقصود من ضمير

ص245

الفصل، ولا يحقق الغرض. وكذلك لا يجوز كان المحمودان أنت الكريمان. ولا إن هندًا هو المؤدبة، وأمثال هذا مما لا مطابقة فيه...
ويشترط فى الاسم الذى قبله:
1- أن يكون معرفة.
2- وأن يكون مبتدأ، أو ما أصله المبتدأ؛ كاسم "كان" وأخواتها؛ واسم "إن" وأخواتها، ومعمول "ظننت" وأخواتها. كالأمثلة السابقة، ومثل: "الوالد هو العامل على خير أسرته يراقبها، والأم هي الساهرة على رعاية أفرادها لا تغفُل"، "كان الله هو المنتقم من الطغاة لا يهملهم"، "إن الصناعة هي العماد الأقوى في العصر الحديث تنمو عندنا"، "وما تفعلوا من خير تجدوه عند الله هو خيرًا وأعظم أجرًا".
وسبب اشتراط هذا الشرط أن اللبس يكثر بين الخبر والصفة؛ لتشابههما في المعنى؛ إذ الخبر صفة في المعنى، بالرغم من اختلاف كل منهما في وظيفته وإعرابه، وأن الخبر أساسي في الجملة دون الصفة. فالإتيان بضمير الفصل يزيل اللبس الواقع على الكلمة، ويجعلها خبرًا، وليست صفة؛ لأن الصفة والموصوف لا يفصل بينهما فاصل إلا نادرًا. نعم قد يقع اللبس بين الخبر وبعض التوابع الأخرى غير الصفة، ولكنه قليل، أما مع الصفة فكثير.
ويشترط في الاسم الذى بعده:
1- أن يكون خبرًا لمبتدأ، أو لما أصله مبتدأ -كالأمثلة السالفة.
2- أن يكون معرفة، أو ما يقاربها في التعريف "وهو: أفعل التفضيل المجرد من أل والإضافة، وبعده: مِنْ" فلا بد أن يتوسط بين معرفتين، أو بين معرفة وما يقاربها. ومن أمثلة ذلك غير ما تقدم.
1- العالِمُِ هو العامل بعلمه؛ ينفع نفسه وغيره.
2- إن الثروة هي المكتسبة بأشرف الوسائل؛ لا تَعرِف دنسًا، ولا تَقْرُب خِسة.
3- ما زالت الكرامة هي الواقية من الضعة، تدفع صاحبها إلى المحامد، وتجنبه مواقف الذل.

ص246

ومن أمثلة توسطه بين معرفة وما يقاربها:
1- النبيل هوأسرع من غيره لداعى المروءة، يُلبى من ينادي.
2- الشمس هى أكبر من باقى مجموعتها؛ لا تغيب.
3- الموت في الحرب أكرم من الاستسلام، والاستسلام هو أقبح من الهزيمة، لا يُمحَى عاره.
فلا يصح كان رجل هو سباقًا؛ لعدم وجوده المعرفتين معًا. ولا كان رجل هو السباق؛ لعدم وجود المعرفة السابقة؛ ولا كان محمد هو سباقًا؛ لعدم وجود المعرفة الثانية، أو ما يقاربها.
أما اشتراط أن يكون ما بعده معرفة فلأن لفظ ضمير الفصل لفظ المعرفة، وفيه تأكيد؛ فوجب أن يكون المدلول السابق الذى يؤكده هذا الضمير معرفة، كما أن التأكيد كذلك، ووجب أن يكون ما بعده معرفة أيضًا؛ لأنه لا يقع بعده -غالبًا- إلا ما يصح وقوعه نعتًا للاسم السابق. ونعت المعرفة لا يكون إلا معرفة. ولكل ما سبق وجب أن يكون بين معرفتين.
أما ما قارب المعرفة، وهو أفعل التفضيل المشار إليه، فإنه يشابه المعرفة في أنه مع "مِنْ" لا يجوز إضافته، ولا يجوز دخول "أل" عليه؛ فأشبه العلم من نحو: محمد، وصالح، وهند، فى أنه -في الغالب- لا يضاف، ولا تدخل عليه أل. هذا إلى أن وجود "مِنْ" بعده يفيده تخصيصًا، ويكسبه شيئًا من التعيين والتحديد يقربه من المعرفة.
إعراب ضمير الفصل:
أنسب الآراء وأيسرها هو الرأي الذي يتضمن الأمرين التاليين:
1- أنه في الحقيقة ليس ضميرًا "بالرغم من دلالته على التكلم، أو الخطاب، أو الغَيبة"؛ وإنما هو حرف خالص الحرفية؛ لا يعمل شيئًا؛ فهو مثل "كاف" الخطاب في أسماء الإشارة، وفي بعض كلمات أخرى؛ نحو: ذلك، وتلك، والنجاءك  فمن الأنسب أيضًا تسميته: "

ص247

حرف الفصل"، ولا يحسن تسميته "ضمير الفصل" إلا مجازًا: بمراعاة شكله، وصورته الحالية، وأصله قبل أن يكون لمجرد الفصل.
2- أن الاسم الذى بعده يعرب على حسب حاجة الجملة قبله، من غير نظر ولا اعتبار لحرف الفصل الموجود؛ فيجرى الإعراب على ما قبل حرف الفضل وما بعده من غير التفات إليه؛ فكأنه غير موجود؛ لأنه حرف مهمل لا يعمل، والحرف لا يكون مبتدأ ولا خبرًا، ولا غيرهما من أحوال الأسماء. وإذا كان غير عامل لم يؤثر في غيره. تأثيرا إعرابيا، على الرغم من فائدته التي اقتضت وجوده.
لكن هناك حالة واحدة يكون فيها اسمًا، ويجب إعرابه وتسميته فيها: ضمير الفصل؛ وهى نحو: "كان السَّباقُ هو عليّ" "برفع كلمة: السبَّاق، وكلمة: عليّ".
لا مفر من اعتبار: "هو" ضميرًا مبتدأ مبنيًّا على الفتح في محل رفع وخبره كلمة: "عَليٌّ" المرفوعة، والجملة من المبتدأ والخبر في محل نصب خبر: "كان". وبغير هذا الاعتبار لا نجد خبرًا منصوبًا لكان. ومثل هذا يقال في كل جملة أخرى لا يمكن أن يتصل فيها الاسم الثاني بالأول بصلة إعرابية إلا من طريق اعتبار الفاصل بينهما ضميرًا مبتدأ على نحو ما تقدم أو غيره.
وإن اتباع ذلك الرأي الأنسب والأيسر لا يمنع من اتباع غيره. لكنه يريحنا من تقسيم مرهق، وتفصيل عنيف يردده أصحاب الآراء، والجدل، متمسكين بأنه ضمير، وأنه اسم إلا في حالات قليلة، من غير أن يكون لآرائهم مزية تنفرد بها دون سواها، وسنعرض بعض تفريعاتهم ليأخذ بها من يشاء، ولنستعين بها على فهم الأوجه الإعرابية الواردة في صور قديمة مأثورة مشتملة على ذلك الضمير.
إنهم يقولون إن ضمير الفصل اسم؛ فلا بد له -كباقى الأسماء- من محل إعرابي، إلا إذا تعذر الأمر؛ فيكون اسمًا لا محل له من الإعراب كالحرف، أو هو حرف. ويرتبون على هذا الأصل فروعًا كثيرة معقدة، ويزيدها تعقيدًا كثرة

ص248

الخلاف فيها، وإليك بعض هذه التفريعات. "ونحن فى غنى عن أوضحها وغير الأوضح بما اقترحناه من التيسير المفيد":
1- "العقل هو الحارس": إذا كان الاسم الواقع بعد ضمير الفصل مرفوعًا جاز في الضمير أن يكون مبتدأ خبره الاسم المتأخر عنه: "الحارس" والجملة منهما معًا خبر المبتدأ الأول "العقل".
ويجوز عندهم إعراب آخر: أن يكون ضمير الفصل اسمًا لا محل له من الإعراب –أو حرفًا- فكأنه غير موجود في الكلام، فيعرب ما بعده على حسب حاجة الجملة من غير اعتبار لوجود ذلك الضمير؛ فتكون كلمة: "حارس" هنا مرفوعة خبر المبتدأ. وهم يفضلون الإعراب الأول؛ لكيلا يقع الضمير مهملًا لا محل له من الإعراب من غير ضرورة.
ومثل ذلك يقال مع إن وأخواتها؛ مثل: إن محمدًا هو الحارس؛ لأن الاسم الذي بعد الضمير مرفوع.
2- "كان محمد هو الحارسَ" "ظننت محمدًا هو الحارسَ".
إذا وقع ضمير الفصل بعد اسم ظاهر مرفوع، وبعده اسم منصوب -لم يجز في الضمير عندهم إلا اعتباره اسمًا مهملًا، لا محل له من الإعراب، كالحرف، أو هو حرف وما بعده خبر كان أو مفعول ثان للفعل: "ظننت" أو أخواتهما. أما إذا كانت كلمة: "الحارس" وأشباههما مرفوعة "لأنه يجوز فيها الرفع" فالضمير عندئذ مبتدأ، وما بعده خبر له، والجملة منهما في محل نصب خبر: "كان"، أو مفعولا ثانيًا للفعل: "ظننت"، أو لأخواتهما.
3- "كنت أنت المخلصَ". إذا توسط ضمير الفصل بين اسمين، السابق منهما ضمير متصل مرفوع، والمتأخر اسم منصوب -جاز في ضمير الفصل أن يكون اسمًا لا محل له من الإعراب، كالحرف أو هو حرف، وما بعده يعرب على حسب حاجة ما قبله، فهو هنا منصوب خبر كان. وجاز في ضمير الفصل أن

ص249

يكون توكيدًا لفظيًّا للتاء "لأن الضمير المنفصل المرفوع يؤكد كل ضمير متصل كما سبق" وتكون كلمة: "المخلص" خبرًا لكان منصوبًا.
4- إذا كانت كلمة "المخلص" فى المثال السابق مرفوعة وليست منصوبة وجب فى ضمير الفصل أن يكون مبتدأ خبره كلمة: "المخلص"، والجملة منهما فى محل نصب خبر "كان". ومثل هذا يقال فى كل ما يشبه الفروع السابقة.
وهناك فروع وأحوال أخرى متعددة، نكتفي بالإشارة إليها، إذ لا فائدة من حصرها هنا بعد أن اخترنا رأيًّا سهلًا يريحنا من عنائها. فمن شاء أن يطلع عليها فليرجع إليها في المطولات.
د- ضمير الشأن، أو: ضمير القصة، أو ضمير الأمر، أو ضمير الحديث... أو ضمير المجهول...
من الضمائر نوع آخر له اسم من الأسماء السالفة، وأحكام محدودة؛ والاسم الأول أشهر فالذى يليه. وبيانه:
كان العرب الفصحاء -ومن يحاكيهم اليوم- إذا أرادوا أن يذكروا جملة اسمية، أو فعلية، تشتمل على معنى هام، أو غرض فخم؛ يستحق توجيه الأسماع والنفوس إليه -لم يذكروها مباشرة، خالية مما يدل على تلك الأهمية والمكانة؛ وإنما يقدمون لها بضمير يسبقها؛ ليكون الضمير- بما فيه من إبهام وتركيز، وبخاصة إذا لم يسبقه مرجعه، مُشيرًا للشوق، والتطلع إلى ما يزيل إبهامه، باعثًا للرغبة فيما يبسط تركيزه؛ فتجيء الجملة بعده؛ والنفس متشوقة لها، مقبلة عليها، في حرص ورغبة. فتقديم الضمير ليس إلا تمهيدًا لهذه الجملة الهامة. لكنه يتضمن معناها تمامًا، ومدلوله هو مدلولها؛ فهو بمثابة رمز لها، ولمحة أو إشارة مُوَجّهة إليها.

ص250

ومن أمثلة ذلك:
1- أن يتحدث فريق من الأصدقاء عن غني افتقر، فيقول أحدهم: وارحمتاه!! لم يبق من ماله شيء؛ فيقول الثاني: حسبه أن أنفقه في سبيل الخير. ويقول الثالث: من كان يظن أن هذه القناطير تَنْفَد من غير أن يدخر منها شيئًا يصونه من ذل الفاقة، وجحيم البؤس؟ فيقول الرابع متأوهًا: يا رفاقي، "هو: الزمان غدار، وهي: الأيام خائنة".
فالغرض الذي يرمى إليه الرابع من كلامه: بيان غدر الزمان، وخيانة الأيام. أو: تقلب الزمان. وهو غرض هام؛ لما يتضمن من عبرة وموعظة والتماس عذر للصديق. وقد أراد أن يدل على أهميته، ويوجه النفس إليها؛ فمهد له بالضمير؛ "هو" و"هي" من غير أن يسبقه شيء يصلح مرجعاً؛ فيثير الضمير بإيهامه هذا، وغموضه، شوق النفس، وتطلعها إلى ما يجيء بعده. وتتجه بشغف إلى ما سيذكر. ولن يزيل غموض الضمير ويوضح المراد منه إلا الجملة التي بعده؛ فهي التي تفسره؛ وتجليه. فهو رمز لها؛ أو كناية عنها، وهي المفسرة للرمز، المبينة لمدلول الكناية.
والرمز ومفسره، والكناية ومدلولها -من حيث المعنى شيء واحد "ولذلك يعرب الضمير هنا مبتدأ، وتعرب الجملة خبرًا عنه من غير رابط؛ لاتحادهما في المعنى". ومثل ما سبق نقول في بيت الشاعر:
هو: الدّهرُ ميلادٌ، فشُغْلٌ، فمأتمٌ ... فذِكْرٌ كما أبقَى الصَّدَى ذاهبَ الصوْتِ
2- أن تسير في حديقة، فاتنة، بهيجة؛ فتستهويك؛ فتقول: "إنه -الزهر ساحر" "إنها- الرياحين رائعة"، أو: "إنه -يسحرني الزهر" "إنها- تروعني الرياحين". فقد كان في نفسك معنى هام، وخاطر جليل -هو: "سحر الزهر"، أو: "روعة الرياحين". فأردت التعبير عنه بجملة اسمية أو فعلية، ولكنك لم تذكر الجملة إلا بعد أن قامت لها بالضمير "إنه... إنها..." لما في الضمير -ولا سيما الذي لم يسبقه مرجعه- من إبهام وإيحاء مُركزين؛ يثيران في النفس شوقًا وتطلعًا إلى استيضاح المبهم، وتفصيل المَركَّز. وهذا عمل الجملة بعده، فإنها تزيل إبهامه، وتفسر إيحاءه، وتبسُط تركيزه: فتقبل عليها النفس، متشوقة، متفتحة.

ص251

3- يشتد البرد في إحدى الليالي، وتعصف الريح؛ فيقول أحد الناس: هذا برد قارس، لم أشهده قبل اليوم في بلادنا، فيقول آخر: لقد شهدت مثله كثيرًا، ولكن عصف الريح لم أشهده. ويجادلهما ثالث، فيقول: "هو: نظام الكون ثابت" و"إنه؛ الجو خاضع لقوانين الطبيعة" و"إنها؛ الطبيعة ثابتة القوانين" فالضمير "هو... والهاء... وها" رمز وإيحاء إلى الجملة الهامة التالية التي هي المدلول الذى يرمي إليه، والغرض الذي يتضمنه. فكلاهما في المعنى سواء.
فكل ضمير من الضمائر التى مرت في الأمثلة السابقة -ونظائرها- يسمى: "ضمير الشأن" عند البصريين؛ ويسميه الكوفيون: "الضمير المجهول": لأنه لم يتقدمه مرجع يعود إليه. وهو: "ضمير يكون في صدر جملة بعده تفسره دلالته، وتوضح المراد منه، ومعناها معناه".
وإنما سمي ضمير الشأن لأنه يرمز للشأن، أي: للحال المراد الكلام عنها، والتي سيدور الحديث فيها بعده مباشرة. وهذه التسمية أشهر تسمياته، كما يسمى: "ضمير القصة"، لأنه يشير إلى القصة "أي: المسألة التي سيتناولها الكلام." ويسمى أيضًا: ضمير الأمر، وضمير الحديث؛ لأنه يرمز إلى الأمر الهام الذى يجيء بعده، والذى هو موضوع الكلام والحديث المتأخر عنه.
ولهذا الضمير أحكام، أهمها ستة، وهي احكام يخالف بها القواعد والأصول العامة؛ ولذلك لا يلجأ إليه النحاة إذا أمكن اعتباره في سياق جملته نوعًا آخر من الضمير.
أولها: أنه لا بد أن يكون مبتدأ، أو أصله مبتدأ، ثم دخل عليه ناسخ، كالأمثلة السابقة. ومثل: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ،} ، فقد وقع في الآية مبتدأ.

ص252

أو مثل قول الشاعر:
وما هو من يَأسو الكُلُوم ويُتَّقَي ... به نائباتُ الدهر، كالدائم البُخْل
فقد وقع اسمًا لـ"ما" الحجازية. ومثل قول الشاعر:
عَلمْتُه "الحقُّ لا يخفى على أحد" ... فكُنْ مُحِقًّا تَنَلْ مَا شِئْتَ مِن ظَفَرِ
ثانيا: أن يكون صيغته للمفرد؛ فلا يكون للمثنى، ولا للجمع مطلقًا. والكثير فيه أن يكون للمفرد المذكر، مرادًا به الشأن، أو: الحال، أو: الأمر. ويجوز أن يكون بلفظ المفردة المؤنثة عند إرادة القصة، أو: المسألة؛ وخاصة إذا كان فى الجملة بعده مؤنث عمدة؛ كقوله تعالى: {فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا} ، وكقوله تعالى: {فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} . ومثل: "هي؛ الأعمال بالنيات" و"هي؛ الأم مدرسة".
ثالثها: أنه لا بد له من جملة تفسره، وتوضح مدلوله، وتكون خبرًا له -الآن أو بحسب أصله4- مع التصريح بجزأيها؛ فلا يصح تفسيره بمفرد، وبخلاف غيره من الضمائر، ولا يصح حذف أحد طرفي الجملة، أو تقديره.
رابعها: أن تكون الجملة المفسّرة له متأخرة عنه وجوبًا ومرجعه يعود على مضمونها5 فلا يجوز تقديمها كلها، ولا شيء منها عليه؛ لأن المفسِّر لا يجيء قبل المفسَّر "أي: أن المفسِّر لا يجيء قبل الشيء الذى يحتاج إلى التفسير".
خامسها: أنه لا يكون له تابع؛ من عطف، أو توكيد، أو بدل، أما النعت

ص253

فهو فيه كغيره من أنواع الضمير؛ لا يكون لها نعت، ولا تكون نعتًا لغيرها.
سادسها: أنه إذا كان منصوبًا -بسبب وقوعه مفعولا به لفعل ناسخ ينصب مفعولين أصلهما المبتدأ والخبر- وجب إبرازه واتصاله بعامله؛ مثل: ظننته؛ "الصديقُ نافعٌ" -حسبته "قام أخوك"، فالهاء ضمير الشأن، في موضع نصب؛ لأنها المفعول الأول لظننت. والجملة بعدها في محل نصب، هي المفعول الثاني له.
أما إذا كان مرفوعًا متصلًا فإنه يستتر في الفعل، ويَسْتكِنّ فيه؛ مثل: ليس خَلَقَ الله مثله. ففي "ليس" ضمير مستتر حتمًا؛ لأنَ "ليس" و"خلق" فعلان من نوع واحد، لأنهما ماضيان. وقوع الفعل معمولًا تاليا مباشرة لعامله الفعل الذي من نوعه، قليل جدًّا في فصيح الكلام ... فلا بد من اسم يرتفع بالفعل ليس فلذلك كان اسمها ضميرًا مستترا فيها. ومثله قولهم: كان علي عادل. وكان أنت خير من محمد، ففي "كان" في الحالتين ضمير مستتر تقديره: "هو"، أي: الحال والشأن ويعرب اسما لها، والجملة بعدها خبر، ومفسرة له. وهكذا غير من المأثور، أو مما يجاريه،... ومنه قول الشاعر:
إذا مِتُّ كان الناسُ صنفان؛ شامتٌ ... وآخرُ مُثنٍ بالذى كنتُ أصنعُ
ومثله:
هي الشفاءُ لدائى لوظفرتُ بها ... وليس منها "شفاءُ الداء مبذولُ"
ففي "كان" و"ليس" ضمير الشأن، تقديره: "هو"، يفسره

ص254

الواقعة بعده خبرًا للناسخ، وهي: "الناس صنفان" و "شفاء الداء مبذول".
ومما يجب التنبه له أن الأساليب السالفة -ونظائرها- لا تكون صحيحة معدودة من الأساليب المشتملة على ضمير الشأن إلا إذا كانت صادرة من خبير بأصول اللغة، مدرك للفروق بين التراكيب، ولأثرها في المعاني المختلفة، وأنه صاغ هذا الأسلوب المشتمل على ضمير الشأن صياغة مقصودة لتحقيق الغرض المعنوي الذي يؤديه.
ولولا هذا لصارت اللغة عبثًا في تراكيبها، ينتهي إلى فساد في معانيها. ولا شك أن حسن استخدام هذا الضمير، وتمييزه من غيره لا يخلو من عسر كبير.
هـ- مرجع الضمير:
الضمائر كلها لا تخلو من إبهام وغموض -كما عرفنا- سواء أكانت للمتكلم، أم للمخاطب، أم للغائب؛ فلا بد لها من شيء يزيل إبهامها، ويفسر غموضها. فأما ضمير المتكلم والمخاطب فيفسرهما وجود صاحبهما وقت الكلام؛ فهوحاضر يتكلم بنفسه، أوحاضر يكلمه غيره مباشرة. وأما ضمير الغائب فصاحبه غير معروف؛ لأنه غير حاضر ولا مشاهد؛ فلا بد لهذا الضمير من شيء يفسره، ويوضح المراد منه. والأصل في هذا الشيء المفسِّر الموضِّح أن يكون

ص255

- فى غير ضمير الشأن -متقدمًا على الضمير، ومذكورًا قبله ليبين معناه أولًا، ويكشف المقصود منه، ثم يجيء بعده الضمير مطابقًا له.
- فيما يحتاج إلى مطابقة؛ كالتأنيث والإفراد وفروعهما.. -فيكون خاليًا من الإبهام والغموض. ويسمى ذلك المفسر الموضّح: "مَرْجع الضمير".
فالأصل فى مرجع الضمير أن يكون سابقًا على الضمير وجوبًا. وقد يُهْمل هذا الأصل لحكمة بلاغية ستجيء. ولهذا التقدم صورتان.

ص256

الأول: التقدم اللفظي أو الحقيقي؛ وذلك بأن يكون متقدمًا بلفظه وبرتبته معًا؛ مثل: الكتابُ قرأته، واستوعبت مسائله. والأخرى: التقدم المعنوي ويشمل عدة صور؛ منها:
1- أن يكون متقدمًا برتبته مع تأخير لفظه الصريح، مثل نسق حديقتَه المهندسُ. فالحديقة مفعول به، وفى آخرها الضمير، وقد تقدمت ومعها الضمير على الفاعل مع أن رتبة الفاعل أسبق. ومثل قول المتنبي يتغزل:
كأنها الشمس يعي كف قابضه ... شعاعها، ويراه الطرف مقتربا
والأصل: يعي شعاعها كف قابضه. فالضمير عائد على الفاعل المتأخر لفظًا لا رتبة.
2- أن يكون متقدمًا بلفظه ضمنًا، لا صراحة، ويتحقق ذلك بوجود لفظ آخر يتضمن معنى المرجع الصريح، ويرشد إليه؛ ويشترك معه في ناحية من نواحي مادة الاشتقاق. مثل قوله تعالى: {اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} فإن مرجع الضمير: "هو" مفهوم من "اعدلوا"؛ لأن الفعل يتضمنه، ويحتويه، ويدل عليه، ولكن من غير تصريح كامل بلفظه؛ إنه "العدل" المفهوم ضمنًا من قوله: {اعْدِلُوا} واللفظان: {اعْدِلُوا} و"العدل" مشتركان في المعنى العام. وفي ناحية من أصل الاشتقاق.
ومثل هذا: "من صدق فهو خير له، ومن كذَب فهو شر عليه" فمرجع الضمير في الجملة الأولى "الصدق"، وهذا المرجع مفهوم من الفعل: "صَدَق". كما أن مرجع الضمير في الجملة الثانية هو: "الكذب"، وهو مفهوم من الفعل: "كَذَب" وكلا الفعلين قد اشتمل على المرجع ضمنًا لا صراحة، لاشتراكهما مع المرجع الصريح في معناه وفي ناحية من أصل الاشتقاق... ومن ذلك أن تقول للصانع: أتقنْ؛ فهو سبب الخير والشهرة. أي: الإتقان، وتقول للجندي: اصبِرْ؛ فهو سبب النصر، أي: الصبر.

ص257

3- أن يسبقه لفظ ليس مرجعًا بنفسه ولكن نظير للمرجع "أي: مثيله وشريكه فيما يدور بشأنه الكلام"، مثل: لا ينجح الطالب إلا بعمله، ولا ترسب إلا بعملها. ومثل قوله تعالى: {وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ} ، أي: من عمر مَعَمَّر آخر.
4- أن يسبقه شيء معنوي "أي: شيء غير لفظي" يدل عليه، كأن تجلس في قطار، ومعك أمتعة السفر، ثم تقول: يجب أن يتحرك في ميعاده. فالضمير "هو" -فاعل المضارع: يجب- والضمير "الهاء" لم يسبقهما مرجع لفظي، وإنما سبقهما في النفس ما يدل على أنه القطار. وقد فهم من الحالة المحيطة بك، المناسبة لكلامك، وهذه الحالة التي تدل على المرجع من غير ألفاظ تسمى: "القرينة المعنوية" أو "المقام".
ومثل هذا أيضًا أن تقول لمن ينظر إلى مجلة حسنة الشكل: إنها جميلة وقراءتها نافعة. فالضمير "ها" راجع إلى المجلة، مع أن هذا المرجع لم يذكر بلفظ صريح، أو ضمني، أو غيرهما من الألفاظ، ولكنه عرف من القرينة الدالة عليه. ومثله أن تتجه إلى الشرق صباحًا فتقول: أشرقتْ، أو تتجه إلى الغرب آخر النهار فتقول: غَرَبتْ، أو: تَوارتْ بالحِجاب، تريد الشمس في الحالتين، من غير أن تذكر لفظًا يدل عليها. ومثله: أن تقف أمام آثار مصرية فاتنة، فتقول: ما أبرعهم في الفنون. تريد قدماء المصريين... وهكذا.
و- عود الضمير على متأخر لفظًا ورتبة:
عرفنا المواضع التى يكون مرجع الضمير فيها لفظًا متقدمًا تقدمًا لفظيًّا "أي:

ص258

غير أن هناك حالات يجب فيها عود الضمير على متأخر لفظًا ورتبة؛ لحكمة بلاغية. وتسمى: "مواضع التقدم الحكمي" وأهمها ستة:
1- فاعل نعم وبئس وأخواتهما، إذا كان ضميرًا، مستتراً، مفردًا، بعده نكرة تفسره؛ أي: تزيل إبهامه، وتبين المراد منه؛ "لأنه لم يسبق له مرجع ولذا تعرَب تمييزًا"؛ نحو: نعم رجلًا صديقنا. فنعم فعل ماض، فاعله ضمير مستتر تقديره؛ هو يعود على "رجلًا".
2- الضمير المجرور بلفظة: "رُبَّ". ولا بد أن يكون مفردًا، مذكرًا، وبعدهُ نكرة تفسره "أي: تزيل إبهامه الناشئ من عدم تقدم مرجع له، وتوضح المقصود منه، ولذا تعرب تمييزًا" نحو: ربه صديقًا؛ يعين على الشدائد. فالضمير "الهاء" عائد على "صديق". وإنما دخلت "ربّ" على هذا الضمير -مع أنها لا تدخل إلا على النكرات- لأن إبهامه بسبب عدم تقدم مرجعه مع احتياجه إلى ما يفسره ويبينه، جعله شبيهًا بالنكرة .....

ص259

3- الضمير المرفوع بأول المتنازعين؛ مثل: يحاربون ولا يَجْبُنَ العرب. فالضمير في: "يحاربون" "وهو الواو" عائد على متأخر "وهو العرب". "وأصل الكلام: يحارب ولا يجبن العرب": فكل من الفعلين يحتاج إلى كلمة: "العرب" لتكون فاعلًا له وحده، ولا يمكن أن يكون الفاعل الظاهر مشتركًا بين فعلين. فجعلناه فاعلًا للثاني، وجعلنا ضميره فاعلًا للأول.
4- الضمير الذي يبدل منه اسم ظاهر ليفسره؛ مثل: سأكرّمه... السَّبّاقَ فكلمة: "السَّبّاق" -بدل من الهاء، وجاءت بعدها لتفسرها. ومثل: احتفلنا بقدومه... الغائبِ. فالغائب بدل من الهاء؛ لتوضحها.
5- الضمير الواقع مبتدأ، وخبره اسم ظاهر بمعناه، يوضحه، ويفسر حقيقته؛ فكأنهما شيء واحد من حيث المعنى. مثل: هو النجم القطبي؛ أتعرف فائدته؛ فكلمة "هو" مبتدأ، خبره كلمة النجم المتأخره عنه.

ص260

6- ضمير الشأن، والقصة، مثل: إنه؛ المجد أمنية العظماء -إنها رابطة العروبة قوية لا تنفصم. فالضمير في "إنه" و"إنها" ضمير الشأن أو القصة...
ومن كل ما سبق نعلم أن ضمير الغائب لا بد أن يكون له مرجع؛ وهذا المرجع -إن كان لفظيًّا أومعنويًّا -يتقدم عليه وجوبًا. وإن كان حكميًّا يتأخر عنه وجوبًا.....
ز- تعدد مرجع الضمير:
الأصل في مرجع ضمير الغائب "أي: مفسِّره" أن يكون مرجعًا واحدًا، فإن تعدد الأصل في ما يصلح لذلك، واقتضى المقام الاقتصار على واحد تعين أن يكون المرجع الواحد هو: الأقرب في الكلام إلى الضمير. نحو: حضر محمد وضيف؛ فأكرمته. فمرجع الضمير هو "الضيف"؛ لأنه الأقرب في الكلام إليه، ولا يمكن عودته على المرجعين السابقين معًا؛ لأنه مفرد، وهما في حكم المثنى؛ فالمطابقة الواجبة مفقودة -وسيجيء الكلام عليها- ونحو: قرأت المجلة ورسالة؛ بعثت بها إلى صديق. فمرجع الضمير هو: "الرسالة"، لأنها الأقرب، وللسبب السالف أيضًا، وهو: فقْد المطابقة.
وإنما يعود الضمير على الأقرب فى غير صورتين؛ إحداهما: أن يوجد دليل يدل على أن المرجع ليس هو الأقرب؛ مثل: حضرت سعاد وضيفت فأكرمتها. ....
والثانية: أن يكون لأقرب مضافًا إليه؛ فيعود الضمير على المضاف،

ص261

بشرط ألا يكون كلمة "كُلّ"، أو "جميع"، مثل: زارني والد الصديق فأكرمته. أي: أكرمت الوالد. إلا إن وجد دليل يدل على أن المقصود بالضمير هو المضاف إليه لا المضاف؛ فيجب الأخذ بالدليل؛ مثل: عرفت مضمون الرسالة ثم طويتها؛ لأن تأنيث الضمير دليل على أن مرجعه هو المضاف إليه المؤنث، لا المضاف، ومثله قرأت عنوان الكتاب ثم طويته، أي: "الكتاب"؛ لأنه الذى يُطوَى. وحصدت قمح الحقل ثم سقيته؛ لأن الحقل هو الذى يُسقى، لا القمح المحصود. وأقبل خادم أخي فأمره بالرجوع إلى السوق؛ لشراء بعض الحاجات؛ لأن الخادم لا يأَمر، وإنما يُؤمر. وكذلك إن كان المضاف هو كلمة: "كل" أو "جميع" فالأغلب عودته على المضاف إليه.
وإذا تعدد المرجع من غير تفاوت في القوة -وهو التفاوت الذي يكون بين المعارف في درجة التعريف، وشهرته -وأمكن عود الضمير إلى مرجع واحد فقط، وإلى أكثر؛ من غير أن يقتضي الأمر الاقتصار على واحد، نحو: جاء الأقارب والأصدقاء وأكرمتهم -فالأحسن عود الضمير على الجميع، لا على الأقرب وحده.
ومما تجدر الإشارة إليه في هذا الموضع -وفي غيره، من سائر مسائل اللغة- أن الذي يجب الأخذ به أوّلًا، والاعتماد عليه؛ إنما هو الدليل الذي يعين مرجع الضمير ويحدده؛ فالدليل -أي: القرينة- لها وحدها القول الفصل في الإيضاح هنا، وفي جميع المواضع اللغوية الأخرى.
وإذا كان للضّمير مرجعان أوأكثر مع التفاوت في القوة -وجب أن يعود على الأقوى.
ح- التطابق بين الضمير ومرجعه:
عرفنا أن ضمير الغائب لا بد له من مرجع. وبقي أن نعرف أن التطابق

ص262

واجب بين ضمير الغائب ومرجعه. على الوجه الآتي: وهذا يراعى في التطابق المطلوب في صور كثيرة؛ كالتي بين المبتدأ وخبره، والنعت ومنعوته، والحال وصاحبها... ونحو هذا مما يقتضي المطابقة.
1- إن كان المرجع مفردًا مذكرًا أو مؤنثًا وجب -في الرأي الأصح- أن يكون ضمير الغائب مطابقًا له فى ذلك، نحو: النائم تيقظَ، أي: "هو". والغائب حضر أبوه، كذلك. والغريبة عادت سالمة، أي: "هي". والطالبة أقبل والدها... فضمير الغائب قد طابق مرجعه فى الأمثلة السابقة؛ إفرادًا وتذكيرًا وتأنيثًا.
وكذلك إن كان المرجع مثنى في الحالتين. تقول في الأمثلة السالفة: "النائمان تيقظا، والمسافران حضر أبوهما3. والغريبتان عادتا سالمتين. والطالبتان أقبل والدهما" وقد يعود الضمير مفردًا مؤنثًا مع أن السابق عليه أمران، أحدهما مذكر 
2- إن كان المرجع جمع مذكر سالم وجب -في الرأي الأغلب- أن يكون ضميره واو جماعة؛ مثل: المخلصون انتصروا. ولا يصح أن يكون غير ذلك، كما لا يصح -في الأفصح- أن يتصل بالفعل وشبهه علامة تأنيث؛ فلا يقال المخلصون فازت، ولا المخلصون تفوز، ولا فائزة، أي: "هي"؛ بضمير المفردة المؤنثة على إرادة معنى: "الجماعة" من المخلصين. فكل هذا غير جائز في الرأي الأعلى. الذى يحسن الاقتصار عليه اليوم.
3- إن كان المرجع جمع مؤنث سالم لا يَعْقِل فالأفضل أن يكون ضميره مفردًا مؤنثًا؛ مثل: الشجرات ارتفعت. أي: "هي". والشجرات سقيتها... وهذا أولى من قولنا: الشجرات ارتفعن، والشجرات سقيتهن، بنون الجمع المؤنث مع صحة مجيئها.
فمجيء واحد من الضميرين يفي بالغرض. ولكن أحدهما أفضل من الآخر.

ص263

وإن كان المرجع جمع مؤنث للعاقل فالأفضل أن يكون ضميره نون جمع المؤنث "أي: نون النسوة" في جميع حالاته "أي: سواء أكان المرجع جمع مؤنث سالمًا مثل: الطالبات حضرن، وأكرمهن العلماءُ، أم جمع تكسير للمؤنث؛ مثل: الغوانى تعلمن؛ فزادهن العلم جلالا" وكل هذا أولى من قولنا: الطالبات حضرتْ، وأكرمها العلماء، والغوانى تعلمتْ؛ وزادها العلم جلالا. حيث يكون الضمير مفردًا مؤنثًا، مع صحة مجيئه بدلا من نون النسوة.
4- إن كان المرجع جمع تكسير مفرده مذكر عاقل - جاز أن يكون ضميره واو جماعة؛ مراعاة للفظ الجمع، وأن يكون مفردًا مؤنثًا، مع وجود تاء التأنيث فى الفعل وشبهه؛ نحو: الرجال حضروا، أو: الرجال حضرت، أو الرجال حاضرة. ويكون التأنيث على إرادة معنى الجماعة. ومع جواز الأمرين يستحسن ضمير التأنيث إن كان عامل الفاعل قد اتصلت به علامة تأنيث، كما يستحسن ضمير التذكير إن لم توجد في عامله علامة التأنيث نحو جاءت الرجال كلها، وحضر الأبطال كلهم.
فإن كان مفرده مذكرًا غير عاقل، أومؤنثًا غير عاقل، جاز فى الضمير أن

ص264

يكون مفردًا مؤنثًا، وأن يكون "نون النسوة" الدالة على جمع الإناث. نحو: "الكتُب نفعت" أو: نفعْن، والزروع أثمرت، أو: أثمرْن، والليالى ذهبتْ؛ أو: ذهبْن.
ومع أن الأمرين - فى صورتى المفرد غير العاقل - جائزان فإن الأساليب الفصحى تؤْثر الضمير المفرد المؤنث إذا كان جمع تكسير دالاّ على الكثرة وتأتى بنون النسوة إذا كان دالاّ على القلة؛ فيقال: قضيت بالقاهرة أيامًا خلت؛ من شهرنا. إذا كان المنقضى هو: الأكثر. أو: خَلَوْنَ، إذا كان المنقضى هوالأقل. ويقولون: هذه أقلام تكسرت، وعندى أقلام سَلِمن إذا كان عدد المكسور هوالأكثر.
5- إن كان المرجع اسم جمع غير خاص بالنساء؛ مثل: "رَكْب وقوْم" جاز أن يكون ضميره واوالجماعة؛ وأن يكون مفردًا مذكرًا. تقول: الركب سافروا، أو: الركب سافر، أو: الركب مسافر - القوم غابوا، أو: القوم غاب، أو: القوم غائب. فإن كان خاصًّا بالنساء - مثل: نسوة، نساء - جرى عليه حكم المرجع حين يكون جمع مؤنث للعاقل. - وقد سبق فى رقم -
6- وإن كان المرجع اسم جنس جمعيًّا جاز فى ضميره أن يكون مفردًا مذكرًا أومؤنثًا، نحوقوله تعالى: {أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ} أى: "هو". وقوله تعالى: {أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ}، أى: هى.
7- إن كان مرجع الضمير متقدمًا، ولكنه يختلف فى التذكير أوالتأنيث مع ما بعده مما يتصل به اتصالا إعرابيًّا وثيقًا - جاز فى الضمير التذكير أو

ص265

التأنيث، مراعاة للمتقدم أوللمتأخر، مثل: الحديقة ناضرة الزرع، وهى منظر فاتن، أو: وهومنظر فاتن، ومثل: الزرع رعايته مفيدة، وهوباب من أبواب الغنى، أو: وهى باب من أبواب الغنى. وأسماء الإشارة تشارك الضمير فى هذا الحكم "كما سيجئ فى بابها، وفى باب المبتدأ..." نحو: الصناعة غنى وهذه مطلب حَيَوىّ أصيل، أو: وهذا...
8- إذا كان المرجع: "كم" جاز أن يرجع إليها الضمير مراعى فيه لفظها، أومراعى فيه معناها5.
بيان ذلك: أن لفظ: "كم" اسم مفرد مذكر، ولكن يعبَّر به عن العدد الكثير، أوالقليل، المذكر، أوالمؤنث: فلفظها من ناحية أنه مفرد مذكر - قد يخالف أحيانًا معناها الذى يكون مثنى مؤنثًا، أومذكرًا، وجمعًا كذلك بحالتيه. فإذا عاد الضمير إلى: "كم" من جملة بعدها جاز أن يراعى فيه ناحيتها اللفظية؛ فيكون مثلها مفردًا مذكرًا، وجاز أن يراعى فيه ناحيتها المعنوية إن دلَّت على غير المفرد المذكر؛ فيكون مثنى، أوجمعًا، مؤنثًا، أومذكرًا فيهما. تقول: كم صديق قدِم للزيارة! بإفراد الضمير وتذكيره، مراعاة اللفظ "كم". وتقول؛ كم صديق قَدِمًا، أو: قدِموا؛ بتثنية الضمير، أوجمعه؛ مراعاة لما يقتضيه المعنى. وكذلك تقول: كم طالبة نجح، بمراعاة لفظ: "كم"، أو: كم طالبة نجحت ونجحتا، ونجحن؛ بمراعاة المعنى.
وهناك كلمات أخرى تشبه "كم" فى الحكم السابق، منها: "كِلاَ" و"كلتا". وقد سبق الكلام عليهما من هذه الناحية. ومنها "منْ"، و"ما" و"كلٌّ" و"أىّ". وكذلك كلمة: "بعض" فى صور

ص266

معينة. تقول: من سافر فإنه يفرح، ومن سافرا...، ومن سافروا...، ومن سافرت، ومن سافرتا... ومن سافرْن... وكذلك: ما تفعلْ مِن خير يصادفْك جزاؤه -... ما تفعلا... ما تفعلوا... ما تفعلى... ما تفعلْن...
كل رجل سافَر، كل رجلين سافَر، أو: سافرا، كل الرجال سافَر، أو: سافروا. كل متعلمة سافَرتْ، أو: سافَر، كل متعلمتين سافَر، أو: سافرتا. كل المتعلمات سافَر، أو: سافَرْن. ومن مراعاة الجمع قول جرير:
وكلُّ قومٍ لهم رأىٌ ومختبرٌ ... وليس فى تَغْلِبٍ رأى ولا خبرُ
لكن الأغلب -وقيل الواجب- إذا وقعت كلمة: "كل" مبتدأ وأضيفت إلى نكرة مراعاة معنى النكرة في خبر المبتدأ: "كل" كقوله تعالى: {كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُون} ، وقول جرير السابق. فإن أضيفت لمعرفة صج اعتبار معنى المعرفة، أو اعتبار لفظ: "كل" المفرد المذكر. كقوله عليه الصلاة والسلام: "كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته" ، ومثل: "كلكم هداة للخير وكلكم داعون إليه"، وقول الشاعر:
كل المصائب قد تمر على الفتى ... وتهون، غير شماتة الحساد
أيّ رجل حضر. أيّ رجلين حضر، أو: حضرا... أيّ الرجال حضر، أو: حضروا، أيّ كاتبة حضر، أو حضرت، أيّ كاتبتين حضر، أو حضرتا، أيّ الكاتبات حضر، أو: حضرن.
بعض الناس غاب، في الصور المختلفة، مراعاة للفظ "بعض". ويصح مراعاة المعنى، فيقال: بعض الناس أو: غابت، أو، غابا، أوغابتا، أو: غابوا، أو: غبْن. وهكذا باقى الصور الأخرى التى تدخل تحت الحكم السالف وينطبق عليها.

ص267

وكذلك يجوز اعتبار اللفظ أو المعنى في المحكيّ بالقول، ففي حكاية من قال: "أنا قائم" يصح: قال محمود أنا قائم، رعاية اللفظ المحكي، كما يصحّ: "قال: محمود هو قائم"؛ رعاية للمعنى وحال الحكاية؛ لأن محمودًا غائب وقت الحكاية. وكذا لو خاطبْنا شخصًا بمثل: أنت بطل، وأردنا الحكاية فيصح: "قلنا لفلان أنت بطل"، كما يصح: "قلنا لفلان هو بطل".
ومع أن مطابقة الضمير للفظ المرجع أو لمعناه جائزة، وقياسية فى الحالات السابقة -فإن السياق أو المقام قد يجعل أحدهما أنسب من الآخر أحيانًا. والأمر في هذا متروك لتقديم المتكلم الخبير، وحسن تصرفه على حسب المناسبات التى قد تدعوه لإيثار اللفظ أو المعنى عند المطابقة على الرغم من صحة الآخر.
"ملاحظة": بمناسبة الكلام على مطابقة الضمير للفظ المرجع أولمعناه، نشير إلى ما سيجئ فى ص 314 وهامشها من صور هامة - غير التى سبقت - يجوز فيها الأمران، أويتعين أحدهما دون الآخر... أو...
9- إذا كان للضمير مرجعان أوأكثر مع التفاوت فى القوة، عاد على الأقوى. والمرد بالتفاوت فى القوة التفاوتُ الذى يكون بين المعارف فى درجة التعريف وشهرته؛ وهى التى أشرنا إليها عند بدء الكلام على المعرفة والنكرة. فالضمير أعرفُ من العلم، والعلم أعرف من الإشارة... وهكذا. بل إن الضمائر متفاوتة أيضًا؛ فضمير المتكلم أعرف من ضمير المخاطب، وضمير المخاطب أعرف من ضمير الغائب...
فإذا صلح للضمير مرجعان؛ أحدهما ضمير متكلم، والآخر ضمير مخاطب

ص268

- قُدِّم المتكلم -في الرّأي الأصح؛ مثل: أنا وأنت سافرنا؛ ولا يقال: أنا وأنت سافرتما؛ إلا قليلا، لا يحسن الالتجاء إليه في عصرنا. وإذا كان أحد المرجعين للمخاطب والآخر للغائب قُدِّم المخاطب، نحو: أنت وهو ذهبتما؛ ولا يقال: أنت وهو ذهبا، إلا قليلا يحسن البعد عنه.
وإذا كان أحدهما ضميرًا والآخر علمًا أومعرفة أخرى روعي الضمير، نحو: أنا وعلي أكلنا؛ ولا يقال -في الرأي الأفضل- أكلاَ، وتقول: أنا الذى سافرت ....، وهو أفضل من: أنا الذي سافر... وتتجه إلى الله فتقول: أنت الذي في رحمتك أطمع، وهو أفضل من: أنت الذي فى رحمته أطمع، وهكذا. ولا داعي لترك الأفضل إلى غيره وإن كان جائزًا هنا؛ لأن الأفضل متفق عليه؛ وفي الأخذ به مزية التعبير الموحَّد الذى نحرص عليه لمزاياه، إلا إن اقتضى غيره داع قويّ ......
10- إذا كان المرجع لفظًا صالحًا للمذكر والمؤنث -مثل كلمة: "الروح" جاز عود الضمير عليه مذكرًا أو مؤنثًا، فنقول: الروح هي من الأسرار الإلهية لم تعرف حقيقتها حتى اليوم ... أو هو من الأسرار الإلهية لم يعرف حقيقته حتى اليوم، وإذا عاد على ذلك اللفظ الصالح للأمرين ضميران جاز2 أن يكون أحدهما للتذكير والآخر للتأنيث، نحو: الروح هي من الأسرار التي لم يعرف حقيقته.
11- الغالب -وقيل الواجب- فى الضمير بعد: "أو" التى للشك أوللإبهام أن يكون مفردًا؛ مثل: شاهدت المرّيخ أوالقمر يتحرك. أما بعد "أو" التنويعية "التى لبيان الأنواع والأقسام"، فالمطَابقة، كقوله تعالى: {إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا} .
وبهذه المناسبة نذكر أن للضمير العائد على المعطوف والمعطوف عليه معا، أوعلى أحدهما، أحكامًا هامَّة لا يمكن الاستغناء عن معرفتها، وكلها مختص بالمطابقة

ص269

وعدمها،
"ملاحظة"
قال تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} .
فقد عاد الضمير مفردًا مؤنثًا مع أن السابق عليه أمران أحدهما مذكر، وهو الذهب، والآخر مؤنث، وهو الفضة.
ويقول أحد النحاة ما نصه: "أعاد الضمير على الفضة؛ لأنها أقرب المذكورين، أو لأنها أكثر وجودًا في أيدي الناس فيكون كنزها أكثر. ونظيره قوله تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ}.
"أو أنه أعاد الضمير على المعنى؛ لأن المكنوز دنانير ودراهم وأموال. ونظيره قوله تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} ؛ لأن كل طائفة مشتملة على عدد كبير. وكذا قوله تعالى: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِم} يعني المؤمنين والكافرين.
"أو أن العرب إذا ذكرت شيئين يشتركان في المعنى تكتفي بإعادة الضمير على أحدهما: استغناء بذكره عن ذكر الآخر؛ لمعرفة السامع باشتراكهما في المعنى ومنه قول حسان:
إن شرخ الشباب والشعر الأسـ ... ـود ما لم يُعَاص كان جنونًا
ولم يقل ما لم يُعَاصِيَا ... وقوله تعالى: {وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوه

ص270

إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ} ، قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ}
ط- اختلاف نوع الضمير مع مرجعه:
قد يختلف نوع الضمير مع مرجعه في مثل: أنا عالم فائدة التعاون، وأنا مؤمن بحميد آثاره، فالضمير في كلمتي: "عالم ومؤمن" مستتر يتحتم أن يكون تقديره: "هو" فما مرجعه؟
يجيب النحاة: إن أصل الجملة: أنا رجل عالم فائدة التعاون، وأنا رجل مؤمن بحميد آثاره، فالضمير للغائب وهوعائد هنا على محذوف حتمًا، ولا يصح عودته على الضمير "أنا" المتقدم، كما لا يصح أن يكون الضمير المستتر تقديره: "أنا" بدلاً من: "هو"؛ لأن اسم الفاعل لا يعود ضميره إلا على الغائب، وهذا يقتضي أن يكون الضمير المستتر للغائب أيضًا.
وقد يختلف الضمير مع مرجعه إذا كان الضمير هو العائد في الجملة الواقعة صلة.

ص271

حكم اتصال الضمير بعامله
تقدم أن للرفع ضمائر تختص به؛ بعضها متصل؛ كالتاء المتحركة؛ و"نا" في مثل: سعيتَُِ إلى الخبر، وسعينا. وبعضها منفصل، ولكنه يؤدي ما يؤديه المتصل من الدلالة على التكلم، أو الخطاب، أو الغَيبة؛ مثل: "أنا"؛ فإنها ضمير منفصل يدل على التكلم، كما تدل عليه تلك "التاء"، ومثل: "نحن"؛ فإنها ضمير منفصل يدل على المتكلم المعظم نفسه، أو جماعة المتكلمين؛ كما يدل عليه: "نا"، تقول: أنا أمين على السر، ونحن أمناء عليه...
وللنصب كذلك ضمائر تختص به، منها المتصل، كالكاف في مثل: صانك الله من الأذى، ومنها المنفصل الذى يؤدي معناه؛ مثل: إياك، في: نحو: إياك صان الله، ومنه: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِين} . أما الجر فليس له ضمائر تختص به -كما عرفنا. لكن هناك ضمائر متصلة مشتركة بينه وبين غيره؛ كالكاف، والهاء... إلى غير ذلك مما سبق إيضاحه وتفصيله، ولا سيما ما يدل على أن الضمير مع اختصاره وقلة حروفه يؤدي ما يؤديه الاسم الظاهر، وأكثر.
ونزيد الآن أن الكلام إذا احتاج إلى نوع من الضمير -كالضمير المرفوع، أو المنصوب- وكان منه المتصل والمنفصل، وجب اختيار الضمير المتصل، وتفضيله على المنفصل الذي يفيد فائدته؛ ويدل دلالته؛ لأن المتصل أكثر اختصارًا في تكوينه وصيغته، فهو أوضح وأيْسَر في تحقيقه مهمة الضمير، فتقول: بذلت طاقتي في تأييد الحقّ، وبذلنا طاقتنا فيه، ولا تقول: بذل "أنا"، ولا بذل "نحن". وتقول: كرّمك الأصدقاء؛ ولا تقول: كَرَّم "إياك" الأصدقاء. وتقول فرحت بك، ولا تقول: فرح أنا بأنت.

ص272

فالأصل العام الذي يجب مراعاته عند الحاجة للضمير هو: اختيار المتصل ما دام ذلك في الاستطاعة، ولا يجوز العدول عنه إلى المنفصل، إلا لسبب. هذا هو الأصل العام الواجب اتباعه في أكثر الحالات.
غير أن هناك حالتين يجوز فيهما مجيء الضمير "منفصلًا" مع إمكان الإتيان به "متصلًا".
الحالة الأولى: أن يكون الفعل -أو ما يشبهه- قد نصب مفعولين ضميرين، أولهما أعرف من الثاني؛ فيصح في الثاني أن يكون متصلًا وأن يكون منفصلًا. نحو: الكتابُ أعطيتنيه، أو: أعطيتني إياه، والقلمُ أعطيتكه، أو: أعطيتك إياه. فالفعل: "أعطى" هو من الأفعال التي تنصب مفعولين، وقد نصبهما في المثالين، وكانا ضميرين؛ ياء المتكلم، وهاء الغائب في المثال الأول، وكاف المخاطب وهاء الغائب في المثال الثاني. والضمير الأول في المثالين أعرف من الثاني فيهما؛ فصحّ في الثاني الاتصال والانفصال. ومثل ذلك. أن تقول: الخيرُ سَلْنيه وسلني إياه. والخيرُ سألتكه، وسألتك إياه.
وبهذه المناسبة نشير إلى حكم هامّ يتصل بما نحن فيه، هو: أنه إذا اجتمع ضميران، منصوبان، متصلان، وأحدهما أخصّ من الآخر "أي: أعرَفُ منه، وأقوى درجة في التعريف". فالأرجح تقديم الأخصّ منهما. تقول: المالُ أعطيتكه، وأعطيتنيه، فتقدم الكاف على الهاء فى المثال الأول؛ لأن الكاف للمخاطب، والهاء للغائب، والمخاطب أخصّ من الغائب. وكذلك تقدم الياء

ص273

في المثال الثاني على الهاء أيضًا؛ لأن الياء للمتكلم وهوأخصّ من الغائب. ومن غير الأرجح أن تقول أعطيتهوك وأعطيتهوني. فإن كان أحد الضميرين مفصولًا جاز تقديم الأخص وغير الأخص عند أمن اللبس؛ تقول: الكتابُ أعطيتكه أو أعطيته إياك، وأعطيتنيه أو أعطيته إياي. بخلاف: الأخ أعطيتك إياه، فلا يجوز تقديم الغائب؛ خشية اللبس، لعدم معرفة الآخذ والمأخوذ منهما؛ فيجب هنا تقديم الأخص؛ ليكون تقديمه دليلًا على أنه الآخذ. فكأنه في المعنى فاعل، والأصل في الفاعل أن يتقدم.
وقد اشترطنا في الحالة الأولى أن يكون الضميران منصوبين، وأولهما أعْرَفُ من الثاني.
أ- فإن لم يكن الضميران منصوبين؛ بأن كان أولهما مرفوعًا والثانى منصوبًا -وجب وصل الثاني بعامله إن كان عامله فعلًا؛ نحو: النظامُ أحببته.
ب- وإن كان أولهما منصوبًا والثاني مرفوعًا -وجب فصل المرفوع؛ إذ لا يمكن وصله بعامله مع قيام حاجز بينهما؛ وهو الضمير المنصوب. نحو: ما سمِعَك إلا أنا.
ج- وإن كانا منصوبين، وثانيهما أعرَفُ -وجب فصل الثاني، مثل: المالُ سلبه إياك اللص. وكذلك إن كان مساويًا للأول فى درجة التعريف بأن وقع كل منهما للمتكلم؛ مثل: تركتني لنفسي؛ فأعطيتَني إياي، أو: للخطاب،

ص274

مثل: أعطيتك إياك، أو للغائب مع اتفاق لفظهما؛ مثل؛ أعطيته إياه، ولا يجوز اتصال الثاني؛ فلا تقول أعطيتنيني، ولا أعطيتكك، ولا أعطيتهوه. إلا إن كانا لغائبين واختلف لفظهما؛ فيجوز وصل الثاني. تقول: سأل أخي عن القلم والكتاب فأعطيتهماه، ومنحتهماهُ، أوأعطيتهما إياه، ومنحتهما إياه...
الحالة الثانية: أن يكون الضمير الثاني منصوبًا بكان أو إحدى أخواتها4 "لأنه خبر لها" فيجوز فيه الوصل والفصل؛ نحو؛ الصديقُ "كنته" أو: كنت إياه، والغائبُ ليسه محمد أو ليس محمد إياه.

ص275

زيادة وتفصيل:
عرفنا أن الغرض من الضمير هو الدلالة على المراد مع الاختصار، ولذا وجب اختيار المتصل دون المنفصل الذى يؤدى معناه؛ كلما أمكن ذلك. إلا في حالتين سبق الكلام عنهما، يجوز فيهما الاتصال والانفصال.
لكن هناك حالات أخرى يتعذر فيها مجيء الضمير متصلًا؛ فيجيء منفصلًا وجوبًا. وتسمى حالات الانفصال الواجب. وأشهرها:
1- ضرورة الشعر؛ مثل قول الشاعر يتحدث عن قومه:
وما أصاحبُ منْ قومٍ فأذكُرَهُمْ ... إلا يزيدُهمُ حبًّا إِلَيَّ همُ
2- تقديم الضمير على عامله لداعٍ بلاغي، كالحصر "القصر" والضمير المتصل لا يمكن أن يتقدم بنفسه على عامله؛ فيحل محلَّه المنفصل الذي بمعناه. ففي مثل: نسبحك، ونخافك يا رب العالمين -لا نستطيع عند الحصر أن نقدم الكاف وحدها، لذلك نأتي بضمير منصوب بمعناها، وهو:

ص276

إياك" فنقول: إياك نسبح، وإياك نخاف.
3- الرغبة فى الفصل بين الضمير المتصل وعامله بكلمة "إلا"، لإفادة الحصر. وهذا الفصل لا يتحقق إلا إذا أتينا بالضمير منفصلًا؛ مثل: ربَّنا ما نعبد إلا إياك، ولا نهاب إلا إياك.
وقد يكون الحصر بغير "إلا" فلا يقع الفصل بكلمة توجب الانفصال، ولكن ينفصل الضمير؛ مثال ذلك، الحصر بإنما فى قول الشاعر:
أنا الذائد الحامي الذِّمَارَ وإنما ... يدافع عن أحسابهم أنا، أو: مثلي
ومن أمثلة الفصل للقصْر: إن الأبطالَ نحن، "فنحن" ضمير منفصل خبر إن، ولا يمكن اتصاله بعامله "إن"؛ وذلك لأن خبرها لا يتقدم على اسمها.
4- أن يكون عامله اللفظى محذوفًا؛ مثل: إياك والكذبَ. فأصل: "إياك" هو: أحذِّرك، أو: أخوِّفك. حذف الفعل وحده، وبقي الضمير "الكاف" وهو ضمير متصل لا يستقل بنفسه؛ فحذفناه، وأتينا مكانه بضمير منفصل يؤدي معناه، ويستقل بنفسه، وهو: إياك. وقد سبق بيان إعرابه، كما سبق أنه وفروعه كثير الاستعمال في أسلوب: "التحذير" بصوره المتعددة .
5- أن يكون عامله معنويًّا؛ مثل: أنا صديق وفيّ، وأنت أخ كريم. فالضمير: "أنا"، و"أنت"، مبتدأ مرفوع بالابتداء. والابتداء عامل معنوي، لا وجود له في اللفظ؛ فلا يمكن وصل الضمير به.

ص277

6- أن يكون عامله حرف نفي، مثل: الخائن غادر؛ فما هو أهلا للصداقة. فالضمير "هو" اسم "ما" الحجازية، وهى العاملة فيه الرفع؛ ولكنها من الحروف التي لا يتصل بآخرها الضمير ولا غيره:
7- أن يكون الضمير تابعًا لكلمة تفصل بينه وبين عامله؛ مثل: نحن نكرم العلماء وإياكم: فالضمير: "إياكم" معطوف؛ فهو تابع يتأخر عن متبوعه، والمعطوف عليه: "العلماء" هو المتبوع الذي يجب تقدمه عليه. وقد فصل المتبوع بين الضمير: "إياكم" وعامله: "نكرم". ومثله قوله تعالى: {يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُم}. وقول القائل في مدح عمر رضى الله عنه:
مُبَرَّأ من عيوب الناس كلِّهمُ ... فالله يرعى أبا حَفصٍ وإيَّانا
8- أن يقع الضمير بعد واو المصاحبة "وتسمى: واو المعية" مثل: حضر الرفاق، وسأسافر وإياهم إلى بعض الأقاليم.
9- أن يكون فاعلًا لمصدر مضاف إلى مفعوله "فيفصل المفعول به بين الضمير الفاعل وعامله"، مثل: بمساعدتكم نحن انتصرتم؛ فكلمة: "مساعدة" مصدر مضاف إلى مفعوله "الكاف". وفاعله كلمة: "نحن".
10- أن يكون مفعولًا به لمصدر مضاف إلى فاعله؛ مثل: سررت من إكرام العقلاء إياك.
11- أن يقع بعد إما، مثل كَتَبَ: إما أنت، وإما هو.

ص278

12- أن يقع بعد اللام الفارقة، مثل:
إنْ وجدتُ الصديقَ حقًّا لإيا
ك، فمُرْنى؛ فلن أزال مطيعًا
13- أن يكون منادى -عند من يجيز نداء الضمير- مثل: يا أنت. يا إياك.
14- أن يكون الضمير منصوبًا وقبله ضمير منصوب، والناصب لهما عامل واحد مع اتحاد رتبتي الضمير؛ مثل: عِلمْتُني إياي، علِمتك إياك، وعلِمته إياه.
15- أن يكون الضمير مرفوعًا بمشتق جار على غير من هو له، مثل: محمدٌ عليٌّ مكرُمه هو.

ص279

نون الوقاية 
من الضمائر المتصلة: "ياء المتكلم"، وتسمى -أحياناً: "ياء النفس" وهي مشترَكة بين محلي النصب والجر؛ مثل: زرتني في حديقتي. فإن كانت في محل نصب فناصبها إما فعل أو اسم فعل، أو حرف ناسخ؛ -مثل: "إن" أو إحدى أخواتها- وإن كانت في محل جر فقد تكون مجرورة بحرف جر، أو تكون مجرورة بالإضافة؛ لأنها مضاف إليه.
أ- فإن كانت منصوبة بفعل، أو باسم فعل، أو بالحرف "ليت" "وهو حرف ناسخ من أخوات إن" وجب أن يسبقها مباشرة نون مكسورة تسمى: "نون الوقاية". فمثال الفعل: ساعدَني أخي، وهو يساعدني عند الحاجة، فساعدْني فما أقدرك على المساعدة الكريمة. فقد توسطت نون الوقاية بين الفعل وياء المتكلم، ولا فرق بين أن يكون الفعل ماضيًا، أو مضارعًا، أو أمرًا. ولا بين أن يكون متصرفًا، أو جامدًا. ومثال اسم الفعل: "دَرَاكِ"، و"تَرَاكِ"، و"عليكَ" بمعنى: أدركْ، واتركْ، والزمْ. فيجب عند مجيء ياء المتكلم أن نقول: دراكني، وعليكَني. بمعنى أدركني؛ واتركني، والزمني. ومثال ليت: ليتني أزور أنحاء الدنيا -ليتنى أستطيع معاونة البائسين جميعًا. ....

ص280

هذا حكم نون الوقاية في الأحوال السابقة. وقد حذفت سماعًا من آخر بعض الأفعال، ومن آخر "وليت" حذفًا نادرًا لا يقاس عليه: مثل، هنا رجل ليسي؛ أي: غيري. وليتي أعاون كل محتاج؛ بمعنى ليتني. وقد تحذف فيهما للضرورة، مثل قول الشاعر:
عَدَدْتُ قومى كَعَدِيد الطَّيْسِ... إذْ ذَهَبَ القوْمُ الكرامُ ليْتي
وقول الآخر:
كُمنية جابرٍ إذ قال ليتي ... أصادفه، وأفْقِدُ كلَّ مالي
وإن كانت منصوبة بالحرف "لعل" جاز الأمران، والأكثر حذف النون نحو: لعلي أدرك آمالي، ولعلني أبلغ ما أريد.
وإن كانت منصوبة بحرف ناسخ آخر "غير: ليت، ولعلّ" جاز الأمران على السواء، تقول، تقول: إنني مخلص؛ وإنى وفيّ. لكنني لا أخلص للغادر. أو: لكني لا أخلص للغادر. وتقول.. سررت من أنني سباق للخير، أو: من أني سباق...: وهكذا الباقي من الأحرف الناسخة الناصبة التي تصلح للعمل في هذه الياء.
ب- وإن كانت ياء المتكلم مجرورة بحرف جر فإن كان حرف الجر "مِن" أو "عنْ" وجب الإتيان بنون الوقاية، وحذفها شاذ أو ضرورة؛ تقول منّي الصفح، ومنِّي الإحسان، وعنِّي يصدر الخير والإكرام، بخلاف "مِنِي"، و"عَنِي".
وإن كان حرف الجر غيرهما وجب حذف النون مثل: لي فيك أمل، وبي نزوع إلى رؤيتك، وفيَّ ميل لتكريمك.

ص281

ج- وإن كانت الياء مجرورة بالإضافة، والمضاف هو كلمة ساكنة الآخر؛ مثل: "لدن" "بمعنى: عند"، أو: كلمة "قدْ"، أو "قطْ" "وكلاهما بمعنى: حَسْب، أي: كافٍ" فالأصح إثبات النون؛ مثل: {قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا}. ومثل، قَدني من مواصلة العمل المرهق، وقَطْني من إهمال الرياضة المفيدة. ويجوز بقلة حذف النون في الثلاثة؛ تقول: لدُني، قَدِي، قَطي؛ وهو حذف لا يحسن بالرغم من جوازه.
فإنْ كان المضاف كلمة أخرى غير الثلاث السابقة وجب حذف النون، مثل: هذا كتابي أحمله معنى حينًا، وحينًا أدعه في بيتي فوق مكتبي.
الملخص:
يستخلص مما تقدم أن إثبات نون الوقاية وعدم إثباتها مرتبط بحالات ياء المتكلم المنصوبة محلًا، أو مجرورة محلًا. وبنوع العامل الذى عمل فيها النصب، أو الجر:
1- فإن كانت هذه الياء منصوبة، وناصبها فعل، أواسم فعل - وجب إثبات نون الوقاية قبلها.
2- وإن كانت هذه الياء منصوبة وناصبها حرف ناسخ هو: "ليت"

ص282

وجب في الأشهر إثبات النون. فإن كان الحرف الناسخ هو: "لعل" جاز الأمران، والأفصح الإثبات، وإن كان غيرهما مما يصح إدخاله على هذه الياء جاز الأمران على السواء.
2- وإن كانت الياء مجرورة بحرف وعامل الجر هو: "من"، أو: "عن" وجب إثبات النون. وإن كان حرفًا آخر غيرهما وجب الاستغناء عنها بحذفها.
4- وإن كانت مجرورة بالإضافة والمضاف أحد الكلمات الثلاثة: لدنْ - قدْ - قطّ - جاز الأمران، ولكن الأفصحُ إثبات النون. وفى غير هذه الثلاثة يجب الحذف.

ص283

زيادة وتفصيل:
أ- عرفنا مما سبق أن نون الوقاية واجبة في آخر الأفعال الناصبة لياء المتكلم. ومن تلك الأفعال المضارع، سواء أكان في آخره نون الرفع؛ "وهي: نون الأفعال الخمسة" أم كان مجردًا منها؛ مثل:
أنت تعرفني صادق الوعد، وأنتم تعرفونني كذلك. ولم تعرفوني مخلفًا. فإذا اجتمعت نون الأفعال الخمسة ونون الوقاية جاز أحد الأمور الثلاثة الآتية:
1- ترك النونين "نون الرفع ونون الوقاية" على حالهما من غير إدْغام؛ تقول أنتما تشاركاننى فيما يفيد - أنتم تشاركوننى فيما يفيد - أنتِ تشاركيننى فيما يفيد، وهكذا...
2- إدغام النونين، تقول فى الأمثلة السابقة: أنتما تشاركانِّى...، وأنتم تشاركُنِّى، وأنتِ تشاركِنى ...
3- حذف إحدى النونين؛ تخفيفًا، وترك الأخرى: تقول: أنتما تشاركانِى وأنتم تشاركوِنى...، وأنت تشاركينِى؛ بنون واحدة فى كل ذلك.
ب- هناك بعض أمثلة مسموعة، وردت فيها نون الوقاية فى آخر اسم الفاعل، واسم التفضيل؛ فمن الأول قوله عليه السلام لليهود: هل أنتم صادقونِي؟

ص284

ولو حذف النون لقال صادِقىَّ. ومثله قول الشاعر:
وليس الموافينى - ليُرْفَد - خائبًا ... فإنّ له أضعافَ ما كان أمَّلا
وقوله:
وليس بمُعْيينى -وفي الناس مُمْتعٌ ... صديقٌ إذا أعْيَا علىَّ صديقُ
ولوحذفت النون لقيل: الموافىَّ والمعيِىَّ، ومثال اسم التفضيل قوله عليه السلام: غيرُ الدجَّال أخوفُنى عليكم. وروى: أخْوَفِى عليكم "أى: غير الدجال أخوف الأمور التى أخافها عليكم..."
والشائع أن هذه الأمثلة لا يقاس عليها؛ لقلتها لكن الرأى السديد: أنه يجوز أحيانًا إذا وجد داعٍ.
"جـ" إذا كان الفعل مختومًا بنون النسوة لم يغير ذلك من لزوم نون الوقاية قبل ياء المتكلم؛ مثل: النساء أخبرننى الخبر، هن يخبرننى. أخبرننى يا نسوة.

ص285




هو العلم الذي يتخصص في المفردة اللغوية ويتخذ منها موضوعاً له، فهو يهتم بصيغ المفردات اللغوية للغة معينة – كاللغة العربية – ودراسة ما يطرأ عليها من تغييرات من زيادة في حروفها وحركاتها ونقصان، التي من شأنها إحداث تغيير في المعنى الأصلي للمفردة ، ولا علاقة لعلم الصرف بالإعراب والبناء اللذين يعدان من اهتمامات النحو. واصغر وحدة يتناولها علم الصرف تسمى ب (الجذر، مورفيم) التي تعد ذات دلالة في اللغة المدروسة، ولا يمكن أن ينقسم هذا المورفيم الى أقسام أخر تحمل معنى. وتأتي أهمية علم الصرف بعد أهمية النحو أو مساويا له، لما له من علاقة وطيدة في فهم معاني اللغة ودراسته خصائصها من ناحية المردة المستقلة وما تدل عليه من معانٍ إذا تغيرت صيغتها الصرفية وفق الميزان الصرفي المعروف، لذلك نرى المكتبة العربية قد زخرت بنتاج العلماء الصرفيين القدامى والمحدثين ممن كان لهم الفضل في رفد هذا العلم بكلم ما هو من شأنه إفادة طلاب هذه العلوم ومريديها.





هو العلم الذي يدرس لغة معينة ويتخصص بها – كاللغة العربية – فيحاول الكشف عن خصائصها وأسرارها والقوانين التي تسير عليها في حياتها ومعرفة أسرار تطورها ، ودراسة ظواهرها المختلفة دراسة مفصلة كرداسة ظاهرة الاشتقاق والإعراب والخط... الخ.
يتبع فقه اللغة من المنهج التاريخي والمنهج الوصفي في دراسته، فهو بذلك يتضمن جميع الدراسات التي تخص نشأة اللغة الانسانية، واحتكاكها مع اللغات المختلفة ، ونشأة اللغة الفصحى المشتركة، ونشأة اللهجات داخل اللغة، وعلاقة هذه اللغة مع أخواتها إذا ما كانت تنتمي الى فصيل معين ، مثل انتماء اللغة العربية الى فصيل اللغات الجزرية (السامية)، وكذلك تتضمن دراسة النظام الصوتي ودلالة الألفاظ وبنيتها ، ودراسة أساليب هذه اللغة والاختلاف فيها.
إن الغاية الأساس من فقه اللغة هي دراسة الحضارة والأدب، وبيان مستوى الرقي البشري والحياة العقلية من جميع وجوهها، فتكون دراسته للغة بذلك كوسيلة لا غاية في ذاتها.





هو العلم الذي يهتم بدراسة المعنى أي العلم الذي يدرس الشروط التي يجب أن تتوفر في الكلمة (الرمز) حتى تكون حاملا معنى، كما يسمى علم الدلالة في بعض الأحيان بـ(علم المعنى)،إذن فهو علم تكون مادته الألفاظ اللغوية و(الرموز اللغوية) وكل ما يلزم فيها من النظام التركيبي اللغوي سواء للمفردة أو السياق.