المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر



الهجرة واحكامها  
  
2455   10:18 صباحاً   التاريخ: 24-1-2016
المؤلف : الشيخ حسان محمود عبد الله
الكتاب أو المصدر : مشاكل الاسرة بين الشرع والعرف
الجزء والصفحة : ص410-421
القسم : الاسرة و المجتمع / المجتمع و قضاياه / الوطن والسياسة /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 9-12-2021 3729
التاريخ: 24-1-2016 1537
التاريخ: 24-1-2016 1429
التاريخ: 20/10/2022 885

إن السفر العادي الذي يغيب فيه الإنسان عن بلاده فترة محدودة من الزمن مقدرة بالزمن اللازم لأداء تجارته , أو لأداء مهمته , أو لأداء واجب كحج , أو زيارة لا إشكال فيه كونه محدودا بزمن محدد , ولكن المشكلة الكبيرة تقع في المصطلح عليه في أيامنا هذه بالهجرة ويعني بها ترك وطنك نهائيا , أو لفترة من الزمن بقصد التوطن في بلد آخر , أو البقاء فيه لفترة تتجاوز الوقت اللازم للسفر المعتاد .

والإشكال في هذا الموضوع ينشأ من ان غالب البلدان التي يهاجر إليها المسلمون في هذه الأيام هي بلاد الغرب التي لا يستطيع الإنسان أن يحافظ فيها على دينه إلا بالمعاناة والتعب , هذا ما يصطلح عليه في الإسلام بالتعرب بعد الهجرة , الذي يعتبر من الكبائر التي يوجب الله سبحانه وتعالى على فاعلها النار , وقد ورد في ذلك ما رواه محمد بن مسلم رضي الله عنه عن الإمام الصادق (عليه السلام) حيث قال:(سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول : الكبائر سبع : قتل المؤمن متعمدا , وقذف المحصنة , والفرار من الزحف , والتعرب بعد الهجرة وأكل مال اليتيم ظلما , وأكل الربا بعد البينة , وكل ما اوجب الله عليه النار)(1) .

وفي تعريف التعرب بعد الهجرة  ورد في الكافي ما نصه:(التعرب بعد الهجرة هو ان يعود الى البادية ويقيم مع الأعراب بعد أن كان مهاجرا وكان من رجع بعد الهجرة الى موضعه من غير عذر يعدونه كالمرتد كذا قال ابن الأثير في نهايته ولا يبعد تعميمه لكل من تعلم آداب الشرع وسنته ثم تركها وأعرض عنها ولم يعمل بها)(2) .

فإذا كان السفر الى تلك البلاد يؤدي الى نقصان الدين فهو عين التعرب بعد الهجرة فكما كان يحرم على المسلمين الأوائل أن يعودوا الى البادية ليقيموا مع الأعراب الذين كانوا على غير دين الإسلام فيؤدي الاختلاط بهم الى اكتساب عاداتهم من جديد ونقصان الدين , أو ضياعه فكذلك لا يجوز السفر الى البلاد التي يعلم المؤمن أنه سيكون فيها عرضة لنقصان الدين أو ضياعه .

وهذا ما عبر عنه بوضوح الإمام الصادق (عليه السلام) حيث روى عنه حذيفة بن منصور:(قال : سمعت أبا عبد الله يقول : التعرب بعد الهجرة التارك لهذا الأمر بعد معرفته)(3) .

لذلك لا بد لمن أراد الهجرة لضرورة خاصة أولئك الذين يهربون من ظلم الحكام , أو الذين يهاجرون هربا لحفظ دينهم من أن يحرزوا من أنفسهم القدرة على عدم التأثر بعادات تلك البلاد فإذا خاف عدم القدرة على ذلك لم يجز له الهجرة الى تلك البلاد , بل عليه أن يختار من البلاد ما يأمن فيها على دينه وتقواه , ويحفظ فيها أهله من الانحراف وضياع الدين . لذلك ورد في هذا الموضوع أي اختيار البلد الذي تقيم فيه ما قال أمير المؤمنين علي (عليه السلام):(ليس بلد بأحق بك من بلد , خير البلاد ما حملك)(4) .

ومعنى هذا الحديث أنه بالنسبة للمسلم كل البلاد بلاد الله سبحانه وتعالى وبالتالي لا فضل لبلد عن الآخر سوى قدرة هذا البلد على حملك ومعنى قدرته على حملك ليس مجرد جسدك وبطنك  بل قدرة البلد على حمل أخلاقك ودينك وفكرك وعقلك , فإذا وجدت هذا البلد الذي تأمن فيه على دينك جاز لك السفر والهجرة إليه والتوطن فيه , أما إذا لم تجد هكذا بلد لا يجوز أن تهاجر الى البلاد التي ينقص فيها الدين , بل عليه المبادرة للعودة الى بلاده التي يحفظ فيها دينه أو الى بلاد أخرى يأمن فيها على نفسه ودينه , هذا من جهة ومن جهة أخرى قد يصبح البقاء في نفس الوطن حرام من الناحية الشرعية , فلو كان بقاؤنا في وطننا سيؤدي بنا الى ترك ديننا او الاستسلام للحاكم الظالم فنفعل ما يريد منا مما حرم الله سبحانه وتعالى علينا فساعتئذ يصبح البقاء في الوطن حرام من الناحية الشرعية، وقد ورد في ذلك نص قراني صريح حيث قال الباري جل وعلا:{إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}[النساء: 97]، فان اولئك الذين بقوا في بلادهم التي يكرهون فيها على ترك الالتزام بأحكام الشريعة والبعد عن اخلاق الاسلام سيسألهم الله عزوجل يوم القيامة بقوله:{فِيمَا كُنْتُمْ}[آل عمران: 55] أي ما الذي جعلكم تقومون بما قمتم به من الاعمال المحرمة شرعا، او فيما لم تقوموا به من الاعمال الواجبة؟ فستجيب انك كنت مستضعفا على هذا الفعل فقمت به مكرها وهنا يرد الجواب الالهي المفحم بهذا السؤال الاستنكاري:{أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا}[النساء: 97] وعندئذ لن يكون لديك أي جواب على هذا السؤال المفحم وسيكون الحكم الالهي عليك:{جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}[النساء: 97]، لذلك يجب الفرار من البلاد التي يخاف فيها على الدين ولو كانت البلدة التي بجانبك في نفس الوطن فقد يكون السكن في العاصمة منقصا للدين في حين ان السكن في مدينة اخرى لا اشكال فيه فيجب عليك ساعتئذ السفر الى هذا البلد الاخر، وقد ورد في ذلك ما روي عن رسول الله(صلى الله عليه واله) انه قال:(من فر بدينه من ارض الى ارض وان كان شبرا من الارض استوجب الجنة وكان رفيق ابراهيم ومحمد (صلى الله عليهما وآلهما)(5) ومن الملاحظ أن الرسول (صلى الله عليه واله) قال إن هذا المهاجر الى البلد الآخر يكون رفيقا لإبراهيم الذي هاجر الى أرض مصر ثم الى فلسطين هربا من النمرود الذي حاول ان يكرهه على ترك دينه الذي اهتدى إليه , ورفيقا لمحمد (صلى الله عليه واله) الذي هاجر من مكة الى المدينة تاركا ظلم مشركي قريش الذين أرادوا أن يمنعوه من نشر الدين الذي أمره الله سبحانه وتعالى بنشره . فالمهاجر فرارا بدينه يكون على درب إبراهيم ومحمد صلى الله عليهما وآلهما نعم هناك فئة استثناها الله سبحانه وتعالى من وجوب الهجرة حفاظا على الدين وهم المستضعفون من النساء والولدان فقال (عز وجل) في كتابه الكريم:{إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا}[النساء: 98].

فهؤلاء المستضعفين الذين لا حول لهم ولا قوة ولا يمتلكون القدرة على مغادرة البلاد لسبب أو لآخر لا يسألون عن ذلك شرعا نعم عليهم الحفاظ على التزامهم بالخفاء واستعمال الوسائل التي تمكنهم من الجمع بين الواجبين حفظ النفس وعدم تعريضها للتهلكة , وحفظ الدين وعدم الاتجاه نحو الانحراف .

أما أولئك الذي يستطيعون التوصل الى طريقة وسبيل ووسيلة للهجرة من هذا البلد غير الآمن ولم يفعلوا ذلك فأولئك يتنزل عليهم لعنات الله (عز وجل) وقد ورد في ذلك ما قاله رسول الله (صلى الله عليه واله) :(إني بريء من كل مسلم نزل مع مشرك في دار حرب)(6) .

وهنا في الحديث السابق إلفات الى موضوع آخر وهو لا يقل أهمية عن ما عرضنا له سابقا  وهو ان يكون البلد الذي تهاجر إليه دار حرب بالنسبة الى الإسلام بأن يكون بين المسلمين كجماعة وأمة وبين المقيمين في هذا البلد وأهله قتال وحرب سواء بسبب الدين , أو بسبب طمع أصحاب هذا البلد بالسيطرة على أرض المسلمين , أو ثرواتهم ومقدراتهم , أو حتى بسبب بسط النفوذ السياسي عليهم , فساعتئذ لا يجوز أيضا الهجرة الى هذا البلد وإلا فإن رسول الله (صلى الله عليه واله) بريء ومن برئ منه باء بغضب الله (عز وجل) واستحق النار .

ـ المهمات المطلوبة من المهاجر :

إن الإنسان المسلم مطلوب منه أن يكون في كل شؤون حياته وحله وترحاله حاملا لرسالة الإسلام ساعيا لنشره من خلال عمله وقوله , حتى ينطبق عليه قول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم:{قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ}[الأنعام: 162، 163].

فيجب على المؤمن أن يكون في محياه ومماته عاملا لله رب العالمين , ولذلك فعندما يهاجر المؤمن الى بلاد الاغتراب يجب عليه أن يقوم بمهام ويحافظ على التزامات نحدد أهمها على الشكل التالي  :

1ـ الحفاظ على دينه ودين عياله :

في أي بلد من البلاد مسلما كان هذا البلد أم لم يكن يجب على المؤمن الحفاظ على دينه ودين اهله زوجته وأولاده , وقد قال الله سبحانه وتعالى عن ذلك في كتابه الكريم:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ }[التحريم: 6] .وحيث إن تلك البلاد يكون فها المسلم المؤمن عرضة لنقصان الدين وقلة الإيمان , وحيث إننا كلفنا الحفاظ على أهلنا والسعي لتقوية هذا الدين كي نقيهم كما نقي أنفسنا النار والتي وقودها الناس والحجارة , لذلك يجب أن يلتزم هذا المسلم في بلاده الاغتراب عدة امور منها :

أ‌- بناء مساجد وارتياد الموجود منها :

على المسلمين في تلك البلاد التركيز على ارتياد المساجد والصلاة فيها جماعة والحرص على أن يأخذ كل رب عائلة عائلته معه الى المسجد للاستماع الى خطبة , أو درس الشيخ هناك بشكل يسهم في تقوية إيمان العائلة وتأمين بديل لهم يرتادونه خاصة مساء كل يوم , أو في ظهر يوم الجمعة .

مشكلة بعض عوائلنا هناك أنهم يهملون ارتياد المساجد ما يؤدي الى أن يسعى أولادهم لتأمين بدائل لهم فيلجئون الى النوادي الليلية والحفلات الصاخبة ويلتقون هناك برفاق السوء ما يساهم في انحرافهم . في حين أن ارتيادهم للمسجد سيساهم في كسبهم اما لحكم شرعي يفيدهم او نصيحة تساعدهم , أو إرشاد في أمر دين , أو دنيا , وسيؤمن لهم ارتيادهم للمسجد رفاقا متدينين يساعدونهم في تأمين بديل عن رفاق السوء ويحصنونهم من الانحراف .

المشكلة أنه في بعض هذه البلاد قد لا يوجد مساجد لذا يجب على الجاليات الإسلامية هناك السعي لبناء مساجد تكون حصنا للمتدينين ومكانا لاجتماعهم على الخير , وقد عمل إخواننا في بلاد لم يستطيعوا فيها أن يؤسسوا مساجد على إقامة مصليات , أو استئجار شققا واسعة , أو مستودعات كبيرة كانت بمثابة مساجد لهم ولعبت دورا في تأمين تماسكهم وارتباطهم الوثيق مما حصن مجتمعهم .

ب‌- صلاة الجماعة في البيوت :

في الأوقات التي لا يستطيع فيها المؤمن الذهاب الى المساجد يجب على رب الأسرة أن يحرص على ان يحث أولاده على الصلاة وأن يؤمهم في صلاة جماعة فإن ذلك يعتبر مظهرا مساعدا لهذه العائلة في تقوية إيمانها , وكذا في حال عدم إمكان بناء مسجد , او كان عدد الجالية في ذلك البلد قليل بحيث لا يستطيع معه المؤمنون البناء فإنه في كل هذه الموارد الحث على إقامة صلاة جماعة في البيت .

ج- تأسيس مدارس إسلامية :

تعتبر المدرسة بيتا ثانيا بالنسبة للأولاد وهي تلعب دورا كبيرا في تربيتهم وتنشئتهم وفي تلك البلاد يعمل النظام التعليمي على إدخال مناهج تربوية في بعضها الأغلب محتوية على مفردات ومضامين لا تتناسب مع ديننا ونمط تربيتنا , لذلك فمن المهم للجاليات الإسلامية في المغتربات العمل على تأسيس مدارس تعلم العلم العصري وبجانب ذلك وفي نفس الوقت تؤمن العلم الديني وتقوي التزام الأولاد , إن هذه المدارس في الغرب تعتبر من اهم المعالم التي يجب الحفاظ عليها .

أ‌- تأمين مدرس دين :

يجب على رب الأسرة أن يؤمن لعائلته مدرس دين يعلمها أحكام الإسلام ومفاهيمه ويدلهم على ما فيه صالحهم وتشتد الحاجة الى مدرس الدين في حالة عدم وجود مدرسة إسلامية في ذلك البلد , وإذا لم يتوفر هكذا أستاذ في تلك البلاد فعلى الأب الذي هو رب الأسرة أن يمارس هذا الدور مستفيدا من الكتب المبذولة في الاسواق وطلب دروس مسجلة من وطنه ليعرضها على أولاده ليستفيدوا منها .

هـ - الدعاء الجماعي في المسجد او البيت :

الدعاء سلاح المؤمن وهو عامل مساهم في تقوية إيمان المرء لذا على رب الأسرة في حال وجود حلقات ذكر ودعاء في تلك البلاد أن يرتادها هو وأهله ويشاركوا فيها والحرص على الالتزام بالمداومة عليها , وإذا لم يتوافر مساجد في تلك البلاد فليكن الأمر في البيوت ويحرص المؤمن على أن يكون الدعاء جماعيا وإذا لم يتوفر ذلك أيضا فليحرص على الدعاء في بيتهم جماعة مع بعضهم البعض وبإمامة رب الأسرة .

2- الحفاظ على سمعة الدين :

يجب على المؤمنين في تلك البلاد أن يتحلوا بالصفات الحسنة التي أمرهم الله سبحانه وتعالى كي لا تؤثر تصرفاتهم على الدين فيساء إليه , وعليهم أن يعلموا أن نبينا محمد (صلى الله عليه واله) كان داعية للدين من خلال الأخلاق التي تحلى بها . فيجب على المؤمنين في تلك البلاد التحري بالصدق والامانة , فلا يكذبوا , ولا يسرقوا , وإذا التزموا بعقد وفوا به فالله (عز وجل) أمرنا بذلك بقوله:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ}[المائدة: 1]. فالله سبحانه وتعالى لم يحدد صنفا معينا يوفى معه بالعقود دون صنف آخر , بل أمرنا أن نفي بعقودنا مع الجميع والمؤسف أن شبابنا الذين يذهبون الى تلك البلدان يعتقدون أن عليهم أن لا يحترموا أهل تلك البلاد ولا يفوا بالتزاماتهم معهم وهذا ما يؤدي عادة الى النظرة السلبية للدين عن هؤلاء , وإذا ما التزم المؤمن بالتزام مع أي شخص واشترط على نفسه شرطا معينا يجب عليه الالتزام بهذا الشرط لأنه ورد عن رسول الله (صلى الله عليه واله):(المؤمنون عند شروطهم)(7) .

والأخطر من ذلك هو الصورة الخاطئة التي تسري في أذهان شبابنا المؤمن في تلك البلاد باعتبار أن اهل تلك البلاد كفارا يمكن لنا أن لا نحترم أموالهم , فتراهم يبتدعون آلاف الاساليب الشيطانية للسرقة , ويعتمدون لأجل ذلك الكذب والغش هذا من الناحية الشرعية حرام وغير جائز إذ حتى لو لم يكونوا على مثل ديننا إلا أنهم يعيشون معنا فيما يشبه عقد أمان لا يجوز لنا أن نخونه , ومسالة دولتهم لا تكن للإسلام المودة فهذا لا يعني أن نعتدي على حقوق المواطنين هناك طالما أنهم لا يعادوننا ولا يكنوا لنا نية سيئة ونعيش مع بعضنا في جوار واحد . وهذا ما اكدته الآية الكريمة بقول الله سبحانه وتعالى:{لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}[الممتحنة: 8]. فالله يدعوننا لأن نبر الذين لا يقاتلوننا ولم يعملوا على إخراجنا من ديارنا لأن الله سبحانه وتعالى يحب المقسطين وبالتالي فمن يقوم من شبابنا في تلك البلدان كما سمعنا عن بعضهم بالكذب والتحايل على الأنظمة وسرقة بطاقات الائتمان المسماة بـ (الكريدت كارت) , أو السرقة للمحال التجارية من خلال وسائل متعددة , أو بيعهم المخدرات وخلافا كل ذلك من الناحية الشرعية يعتبر حراما ولا يجوز وهو مخالف لما أمرنا به الله (عز وجل) .

3- الدعوة للإسلام :

يجب على كل مسلم يريد الاقتداء برسول الله (صلى الله عليه واله) وأتباعه المخلصين ان يكون داعية للإسلام في أي موقع  كان وفي أي بلد حل وذلك استنادا الى قول الله سبحانه وتعالى:{قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [يوسف: 108] .

واستنادا الى الآية الكريمة يجب على المؤمنين في بلاد الغربة التي حلوا فيها اغتنام الفرص للدعوة الى الدين وذلك من خلال شرح مفاهيمه وعرض عقيدته وتبيان أحكامه . ولا يكون ذلك فقط من خلال الدعوة باللسان , بل يكون أيضا من خلال الدعوة بالعمل الصالح , فإذا رأى الناس في تلك البلدان حسن المعاملة من قبلنا وصدق الحديث وأداء الأمانة وحسن الجوار تساءلوا عن الدين الذي يدعونا ويأمرنا بهذا الفعل ما يحثهم على النظر فيه وبأحكامه ما يوقع في قلبهم نور الإيمان ويدخلون الى الإسلام وهذا من أبلغ مصاديق الدعوة الى الله (عز وجل) وهذا ما أكد عليه الإمام الصادق (عليه السلام) عندما قال:(أوصيكم بتقوى الله والعمل بطاعته واجتناب معاصيه وأداء الأمانة لمن أئتمنكم وحسن الصحبة لمن صحبتموه وأن تكونوا لنا دعاة صامتين . فقالوا يا ابن رسول الله وكيف ندعوا إليكم ونحن صموت ؟ قال : تعملون بما أمرناكم به من العمل بطاعة الله , وتتناهون عن معاصي الله , وتعاملون الناس بالصدق والعدل  وتؤدون الامانة وتأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر , لا يطلع الناس منكم إلا على خير  فإذا رأوا ما أنتم عليه علموا فضل ما كان عندنا فتنازعوا إليه)(8) .

فعلى المؤمنين في تلك البلدان القيام بالواجب الملقى على عاتقهم بالدعوة الى سبيل الله سبحانه وتعالى من خلال بناء علاقة طيبة مع أهل تلك البلدان ومعاملتهم معاملة حسنة وهذه من المهام الأساسية التي يجب عليهم الحرص عليها , وليعلموا أن بلادا واسعة في آسيا تحولت الى الإسلام من خلال المعاملة الطيبة للتجار المسلمين مع اهل تلك البلاد واعتمادهم صدق الحديث معهم واداء الامانات إليهم . فليس صعبا عليهم مع الوسائل المتطورة في هذه الأيام من إدخال أعداد كبيرة من أهل الغرب في دين الحق .

_________________

1ـ الكافي الجزء 2 ص 277 .

2ـ الكافي الجزء 2 ص 277 .

3- معاني الأخبار الصفحة 265 .

4- نهج البلاغة الجزء 4 ص 103 .

5- بحار الانوار الجزء19 الصفحة31.

6- بحار الأنوار الجزء 72 ص 392 .

7- مستدرك الوسائل الجزء 13 ص 301 .

8- مستدرك والسائل الجزء 1 ص 116 .




احدى اهم الغرائز التي جعلها الله في الانسان بل الكائنات كلها هي غريزة الابوة في الرجل والامومة في المرأة ، وتتجلى في حبهم ورعايتهم وادارة شؤونهم المختلفة ، وهذه الغريزة واحدة في الجميع ، لكنها تختلف قوة وضعفاً من شخص لآخر تبعاً لعوامل عدة اهمها وعي الاباء والامهات وثقافتهم التربوية ودرجة حبهم وحنانهم الذي يكتسبونه من اشياء كثيرة إضافة للغريزة نفسها، فالابوة والامومة هدية مفاضة من الله عز وجل يشعر بها كل اب وام ، ولولا هذه الغريزة لما رأينا الانسجام والحب والرعاية من قبل الوالدين ، وتعتبر نقطة انطلاق مهمة لتربية الاولاد والاهتمام بهم.




يمر الانسان بثلاث مراحل اولها الطفولة وتعتبر من اعقد المراحل في التربية حيث الطفل لا يتمتع بالإدراك العالي الذي يؤهله لاستلام التوجيهات والنصائح، فهو كالنبتة الصغيرة يراقبها الراعي لها منذ اول يوم ظهورها حتى بلوغها القوة، اذ ان تربية الطفل ضرورة يقرها العقل والشرع.
(أن الإمام زين العابدين عليه السلام يصرّح بمسؤولية الأبوين في تربية الطفل ، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى ، وأن التقصير في ذلك يعرّض الآباء إلى العقاب ، يقول الإمام الصادق عليه السلام : « وتجب للولد على والده ثلاث خصال : اختياره لوالدته ، وتحسين اسمه ، والمبالغة في تأديبه » من هذا يفهم أن تأديب الولد حق واجب في عاتق أبيه، وموقف رائع يبيّن فيه الإمام زين العابدين عليه السلام أهمية تأديب الأولاد ، استمداده من الله عز وجلّ في قيامه بذلك : « وأعني على تربيتهم وتأديبهم وبرهم »)
فالمسؤولية على الاباء تكون اكبر في هذه المرحلة الهامة، لذلك عليهم ان يجدوا طرقاً تربوية يتعلموها لتربية ابنائهم فكل يوم يمر من عمر الطفل على الاب ان يملؤه بالشيء المناسب، ويصرف معه وقتاً ليدربه ويعلمه الاشياء النافعة.





مفهوم واسع وكبير يعطي دلالات عدة ، وشهرته بين البشر واهل العلم تغني عن وضع معنى دقيق له، الا ان التربية عُرفت بتعريفات عدة ، تعود كلها لمعنى الاهتمام والتنشئة برعاية الاعلى خبرة او سناً فيقال لله رب العالمين فهو المربي للمخلوقات وهاديهم الى الطريق القويم ، وقد اهتمت المدارس البشرية بالتربية اهتماماً بليغاً، منذ العهود القديمة في ايام الفلسفة اليونانية التي تتكئ على التربية والاخلاق والآداب ، حتى العصر الاسلامي فانه اعطى للتربية والخلق مكانة مرموقة جداً، ويسمى هذا المفهوم في الاسلام بالأخلاق والآداب ، وتختلف القيم التربوية من مدرسة الى اخرى ، فمنهم من يرى ان التربية عامل اساسي لرفد المجتمع الانساني بالفضيلة والخلق الحسن، ومنهم من يرى التربية عاملاً مؤثراً في الفرد وسلوكه، وهذه جنبة مادية، بينما دعا الاسلام لتربية الفرد تربية اسلامية صحيحة.