دخول الوقت شرط في صحة التيمم‌ ، فلا يصح قبله إجماعا من علماء أهل البيت : ـ وبه قال الزهري ، والشافعي ، ومالك ، وأحمد ، وداود (1) ـ لأنها طهارة اضطرارية لا يصح إلاّ عند العجز ولا يتحقق قبل الوقت ، ولأنها طهارة ضرورية قدمت على وقت الفريضة فلا يجوز كالمستحاضة.

وقال أبو حنيفة : يجوز قبل دخول الوقت لأنها طهارة تستباح بها‌ الصلاة فجاز تقديمها كالوضوء (2) والفرق أنه ليس للضرورة.

فروع :

أ ـ ذهب الصدوق إلى صحته حال السعة (3) ـ وهو قول الجمهور (4) ـ لقوله تعالى {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا } [المائدة: 6] وقوله صلى الله عليه وآله : ( أينما أدركتني الصلاة تيممت وصليت)(5).

وقال أكثر علمائنا بوجوب التأخير إلى آخر الوقت (6) ـ وبه قال الزهري (7) ـ لما رووه عن  علي عليه السلام في الجنب : « يتلوّم ما بينه وبين آخر الوقت ، فإن وجد الماء وإلا تيمم » (8) والتلوّم : الانتظار (9).

ومن طريق الخاصة قول أحدهما عليهما السلام : « إذا لم يجد المسافر الماء فليطلب ما دام في الوقت ، فإذا خاف أن يفوته الوقت فليتيمم وليصلّ في آخر الوقت ، فإذا وجد الماء فلا قضاء عليه » (10)، ولأنها طهارة ضرورية بدل من الماء عند العجز ، ولا يتحقق العجز إلا عند خوف الفوت ، فإن توقع‌ الوجدان مع السعة يرفع العجز.

وقال ابن الجنيد منّا : إن كان التيمم لعذر لا يمكن زواله في الوقت ـ كالمرض والجرح ـ جاز حال السعة ، وإن كان لعذر يمكن زواله ـ كعوز الماء وفقد الآلة أو الثمن ـ وجب التأخير إلى آخره (11) وهو المعتمد.

ب ـ إذا تيمم في آخر وقت الحاضرة وصلى ثم دخلت الثانية احتمل وجوب التأخير لوجود المقتضي وهو تجويز وجود الماء ، والعدم لأنه متيمم فصح أن يصلي.

ج ـ يتيمم للفائتة وإن لم يكن وقت فريضة ، وللنافلة بعد دخول وقتها دون الأوقات المنهي عنها إذا لم يكن لها سبب : ويدخل به في الفرائض عندنا ـ وسيأتي خلاف الجمهور ـ  لقوله عليه السلام : ( الصعيد طهور المسلم إذا لم يجد الماء عشر سنين ) (12).

والأقرب جواز أن يتيمم لنافلة مبتدأة لعدم التوقيت ، وتعجيل الثواب مطلوب لإمكان فواته بالعجز.

د ـ إن سوغناه في أول الوقت فتيمم بعد الطلب وأخّر الصلاة إلى آخر الوقت أجزأه لأنه تيمم في وقت يمكنه فعل الصلاة فيه ، فإن سار بعد تيممه إلى موضع آخر ، أو حدث ركب يجوز أن يكون معهم ماء احتاج إلى تجديد طلب ، وفي إعادة التيمم إشكال ، وأوجبه الشافعي (13).

هـ ـ إذا شرطنا الضيق فالتعويل فيه على الأمارة لتعذر العلم ، فإن ظنه‌ لأمارة فتيمم وصلّى ثم بان غلطه ظاهر كلام الشيخ الإعادة (14) لوقوعها قبل وقتها ، ويحتمل الصحة لأنها مأمور بها.

ونمنع كون الضيق شرطا بل ظنه وقد حصل ، ويؤيده قول الباقر والصادق عليهما السلام في رجل تيمم وصلى ثم بلغ الماء قبل خروج الوقت : « ليس عليه إعادة ، إن رب الماء وربّ التراب واحد » (15).

و ـ يتيمم لصلاة الخسوف بالخسوف ، ولصلاة الاستسقاء باجتماع الناس في الصحراء ، ولصلاة الميت بحضوره لها ، وللفائتة بذكرها ، والنوافل الرواتب لا يتأقت تيممها ، وفيه للشافعي وجهان (16).

ز ـ لو تيمم لفائتة ضحوة ولم يؤدها حتى زالت الشمس فله أن يصلي الظهر ، وللشافعي وجهان(17) ، وكذا لو تيمم لنافلة ضحوة جاز أن يؤدي به الظهر عند الزوال ، وللشافعي وجهان(18).

__________________

(1) الام 1 : 46 ، المجموع 2 : 243 ، كفاية الأخيار 1 : 33 ، السراج الوهاج : 30 ، القوانين الفقهية : 42 ، تفسير القرطبي 5 : 233 ، المنتقى للباجي 1 : 111 ، المغني 1 : 268 ، الشرح الكبير 1 : 267 ، بدائع الصنائع 1 : 54 ، أحكام القرآن للجصاص 2 : 381 ، التفسير الكبير 11 : 173.

(2) بدائع الصنائع 1 : 54 ، أحكام القرآن للجصاص 2 : 381 ، المجموع 2 : 243 ، المغني 1 : 268 ، الشرح الكبير 1 : 267 ، بداية المجتهد 1 : 67 ، تفسير القرطبي 5 : 233 ، المنتقى للباجي 1 : 111 ، التفسير الكبير 11 : 173.

(3) حكاه عنه نقلا عن المقنع ، المحقق في المعتبر : 105.

(4) الام 1 : 46 ، المغني 1 : 276 ، المدونة الكبرى 1 : 42 ، اللباب 1 : 33.

(5) سنن البيهقي 1 : 222.

(6) منهم : المفيد في المقنعة : 8 ، والشيخ الطوسي في النهاية : 47 ، وابن حمزة في الوسيلة : 70 ، والمحقق في المعتبر : 105.

(7) المغني 1 : 276.

(8) سنن البيهقي 1 : 232 ـ 233 ، سنن الدار قطني 1 : 186 ـ 5.

(9) انظر الصحاح للجوهري 5 : 2034 « لوم ».

(10) الكافي 3 : 63 ـ 2 ، التهذيب 1 : 192 ـ 555 و 203 ـ 589 ، الاستبصار 1 : 159 ـ 548.

(11) حكاه المحقق في المعتبر : 106.

(12) سنن أبي داود 1 : 90 ـ 91 ـ 332 ، سنن الترمذي 1 : 211 ـ 212 ـ 124 ، مسند أحمد 5 : 155 و 180 ، سنن البيهقي 1 : 212 ، سنن الدار قطني 1 : 186 و 187 ـ 1 و 3.

(13) الام 1 : 48 ، المجموع 2 : 259 ، فتح العزيز 2 : 337 ، المغني 1 : 305 ، الشرح الكبير 1 : 305.

(14) النهاية : 48 ـ 49.

(15) التهذيب 1 : 194 ـ 562 و 195 ـ 564 ، الاستبصار 1 : 160 ـ 552 و 554.

(16) المجموع 2 : 242 ، الوجيز 1 : 23.

(17) المجموع 2 : 242 ، الوجيز 1 : 23.

(18) المجموع 2 : 242 ، الوجيز 1 : 23.