المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17639 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
تنفيذ وتقييم خطة إعادة الهيكلة (إعداد خطة إعادة الهيكلة1)
2024-11-05
مـعاييـر تحـسيـن الإنـتاجـيـة
2024-11-05
نـسـب الإنـتاجـيـة والغـرض مـنها
2024-11-05
المـقيـاس الكـلـي للإنتاجـيـة
2024-11-05
الإدارة بـمؤشـرات الإنـتاجـيـة (مـبادئ الإنـتـاجـيـة)
2024-11-05
زكاة الفطرة
2024-11-05



معرفة صفات جمال وجلال اللَّه سبحانه‏.  
  
7034   09:50 صباحاً   التاريخ: 11-12-2015
المؤلف : الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
الكتاب أو المصدر : نفحات القران
الجزء والصفحة : ج4 , ص 7- 17.
القسم : القرآن الكريم وعلومه / العقائد في القرآن / أصول / التوحيد /

هناك ثلاث مسائل تعترضنا لدى‏ البحث عن معرفة اللَّه سبحانه وتعالى وهي : «البحث عن ذات اللَّه» و «إدراك وجود اللَّه» و «معرفة اللَّه».

ف (البحث عن ذات اللَّه) يشير إلى دوافع معرفة اللَّه.

و (ادراك وجود اللَّه) يشير إلى‏ مسألة إثبات وجود اللَّه.

و (معرفة اللَّه) يعني البحث عن صفاته عزّ وجلّ.

وكمثالٍ بسيط فإنّه يُمكن تشبيه البشر بالعطاشى‏ الذين يبحثون عن الماء في الصحراء، فبعد أن يعثروا على‏ عين الماء فإنّهم يحاولون التعرُّف على‏ صفات ذلك الماء الصافي.

«البحث عن ذات اللَّه» : أمرٌ فطري تدعمه وتقويه الدلائل العقلية، فكما أنّ العطاشى‏ ينطلقون للبحث عن الماء بدافعٍ غريزي وآخر عقليِّ نابعٍ من استدلالهم على‏ توقف حياتهم على‏ شرب الماء، فكذلك الإنسان يبحث عن الكمال المطلق المتمثل بذات الباري سبحانه وتعالى، وذلك لأنّه «أي الإنسان» مجبول على‏ عشق الكمال.

وكذلك بالنسبة إلى‏ «إدراك وجود اللَّه»، فإنّه بسبب دلائله الواضحة، وبالأخص الدلائل النابعة من التفكُر بأسرار الخلق، فليس بالأمر العسير أو المعقد.

أمّا العسير والمعقّد فهو «معرفة اللَّه»، لأنّ نفس مخلوقات الطبيعة التي تُعد أفضل دليلٍ ومرشدٍ للإنسان في مسير إدراك وجود اللَّه، يُمكنُها أن تخدعه في سلوكه إلى (معرفة اللَّه)، وتجرّه إلى‏ هاوية القياس والتشبيه الخطرة (كما سيأتي شرح ذلك فيما بعد).

ينبغي الإشارة إلى هذه النقطة أيضاً، وهي : أنّ صفات اللَّه هي عين ذاته غير متناهية وأسماؤهُ التي توضّح صفاته لا تُعد ولا تحصى‏ أيضاً، لأنّ كل اسمٍ من أسمائه عزّ وجل يدلّ‏ على‏ أحد كمالات ذاته المقدّسة، فذاته غير محدودة وكمالاته غير محدودة كذلك، ومن البديهي أنّ الصفات الكماليّة والأسماء التي تحكي عنها لا حصر لها أيضاً، لكن مع ذلك فإنّ قسماً من هذه الأسماء والصفات تعدّ أصولًا، وما سواها فهو فرعٌ من تلك الاصول.

فمثلًا كون اللَّه سبحانه وتعالى‏ «سميعاً» و «بصيراً»، فهذا يُعد فرعاً من علمه عزّ وجلّ، لأنّ المقصود هو اطلاعه على‏ المسموعات والمشهودات لا امتلاكه للعين والاذن.

وكذلك كونه تعالى‏ «أرحم الراحمين» و «أشدّ المعاقبين»، فهذه متفرّعة من حكمته، وذلك لأنّ الحكمة هي التي تقتضي أن يرسل رحمته في مكانٍ ونقمته في مكانٍ آخر.

طريقٌ مملوء بالورود والأشواك :

إنَّ من السهل معرفة اللَّه وإدراك وجوده عزّ وجلّ- وخاصةً عن طريق التفكُّر بعالم الوجود-، ولكن بقدر ما تكون معرفته تعالى‏ سهلةً، فإنّ فهم وإدراك صفاته صعب للغاية، وذلك لأنّنا نمتلك في مرحلة إدراك وجود اللَّه أدلّة بعدد نجوم السماء وأوراق الأشجار وأنواع النباتات والحيوانات، بل بعدد خلايا كل نباتٍ وحيوان، وبعدد ذرات الكون، وكلّها تدل على‏ أصل وجوده عزّ وجلّ.

وبما أنّ سلوك الطريق الصحيح المتمثّل بتنزيهه عزّ وجلّ عن صفات مخلوقاته وترك تشبيهه تعالى‏ بمخلوقاته هو الشرط الأول في معرفة صفاته، فإنّ الأمر يصبح معقداً.

والدليل على‏ ذلك واضحٌ أيضاً، فقد ترعرعنا في أحضان الطبيعة وتطبّعنا بطباعها، وكل ما رأيناه وسمعناه ينحصر في إطار الحوادث الطبيعيّة، وهذه الطبيعة بذاتها أعانتنا على‏ معرفة اللَّه أيضاً.

ولكننا عندما نصل إلى‏ بحث صفاته تعالى‏، فإننا لا نجد حتّى‏ صفة واحدة من صفاته يُمكن قياسها ومقارنتها بما رأيناه وسمعناه، وذلك لأنّ صفات المخلوقين ينقصها الكمال دائماً، وصفاته عزّ وجلّ منّزهة عن أي نقصٍ وهي عينُ الكمال.

وعليه فإنّ نفس هذه الطبيعة التي تعتبر أفضل معينٍ ومرشدٍ لنا في طريق معرفة وإدراك وجوده تعالى‏، فانّها تصبح أحياناً عائقاً لنا في طريق معرفة صفاته.

لذلك يجب علينا رعاية جوانب الاحتياط عند سلوك طريق معرفة صفات اللَّه قدر الإمكان كي نكون في مأمنٍ من الوقوع في محذور التشبيه والقياس.

إنّ ما ذكرناه يمثل لمحة خاطفة، ولننطلق الآن إلى مطالعة الآيات النازلة في هذا المجال :

1- {وَللَّهِ الأَسْمَاءُ الحُسْنَى فَادعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِى أَسْمَائِهِ}.

(الاعراف/ 180)

2- {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَى‏ءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}. (الشورى‏/ 11)

3- {فَلَا تَضْرِبُوا للَّهِ الأَمثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَانتُمْ لَاتَعْلَمُونَ}. (النحل/ 74)

4- {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً احَدٌ}. (الاخلاص/ 4)

5- {سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ}. (الصافات/ 159)

6- {مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ انَّ اللَّهَ لَقَوِىٌ عَزِيزٌ}. (الحج/ 74)

7- {يَعْلَمُ مَا بَينَ ايْديهِمْ وَمَا خَلْفَهُم وَلَا يُحيطُونَ بِهِ عِلْماً}. (طه/ 110)

شرح المفردات :

«مَثَلْ» : في الأصل من مادة (المُثُول)، وهو بمعنى‏ الوقوف باعتدال، ويُطلق على‏ الصور التي تلتقط أو ترسم من شى‏ء معين اسمهُ (التمثال‏)، أي وكأنه بنفسه واقفٌ هناك، ويُطلق على‏ أي شى‏ء مشابه لشي‏ء آخر (مثال)، وأمّا الحديث الذي يشابه حديثاً آخر ويوضّحه فَيُطلق عليه كلمة (مَثَل).

وقال جماعة : إنّ الفرق بين (المماثل) و (المساوي) هو أنّ الأول يُطلق على‏ الشيئين المتشابهين في الجنس، أمّا الثاني فيُطلق على‏ الشيئين المتشابهين في الكميّة والحجم، لكنّهما قد يكونان متشابهين وقد يكونان مختلفين في الجنس.

وقد وردت كلمة (مَثَلْ) بمعنى‏ (الصفة)، وقد تُطلق أحياناً على‏ الصفات الجذّابة والقصص العجيبة أيضاً، لذا فإنّ كلمة (أَمْثَل) تأتى بمعنى‏ (نموذج).

و «المُثْلَة» : تعنى قطع بعض أعضاء بدن شخص لتعذيبه ومعاقبته، وبالواقع إنّ من يرتكب هذا العمل (التمثيل بالغير)، يقصد إفهام الآخرين وتحذيرهم من ملاقاة نفس هذه العقوبة في حال ارتكابهم (مِثْلَ) ما ارتكب هذا الشخص، لذا فقد وردت كلمة (مَثُلات) بمعنى‏ (العقوبات)، العقوبات التي تصير عِبَراً للآخرين لكى لا يرتكبوا (مِثْلَ) أعمال الماضين‏ (1).

«كُفْو» : تعني الشباهة في المنزلة والمقام، و (المكافاة) أيضاً مأخوذة من نفس هذا المعنى‏ لأنّها بمعنى‏ المساواة والمقابلة بالمثل، (إكفاء) تأتي بمعنى‏ قلب الإناء رأساً على‏ عقب، أي وكأَنّ الظاهر والباطن يتشابهان.

وقد ورد في مقاييس اللغة بأنّ لهذه الكلمة معنيين، فأحياناً تأتي بمعنى‏ (المساواة) بين شيئين، وأحياناً أُخرى‏ بمعنى‏ (التمايُل والإنحراف)، في حين نجد أنّ الراغب أرجعهما إلى‏ معنىً واحد، وهو ما ذكرناه أعلاه.

«الصفة» : من مادة (وصف)، وهي في الأصل بمعنى‏ ذكر محاسن ومحسّنات شي‏ء معين، ويُطلق على‏ هذه الحالة كلمة (وصف).

وهي ذات معنىً أوسع فتُطلق على‏ كل ألوان التوصيف الصالح والطالح.

يقول (إبن منظور) في (لسان العرب) : (التوصيف) بمعنى‏ (التزيين)، و (الصفة) تعني (الزينة).

وقد ورد نفس هذا المعنى‏ في (مقاييس اللغة) أيضاً، لكنّه وكما ذكرنا أعلاه فقد استعملت بمعنى‏ أوسع فيما بعد.

وقد يُطلق أحياناً على‏ (الخادم) و (الخادمة) لفظ (الوصيف) و (الوصيفة)، وسبب ذلك هو أنّ الغلام أو الأمَة عندما كانا يُباعان ويُشتريان تُذكر صفاتهما ومزاياهما للزبائن.

جمع الآيات وتفسيرها

ليس كمثله شي‏ء :

تُشير الآية الاولى‏ إلى حالة المشركين الذين كانوا يُحرّفون أسماء اللَّه التي كانت تبيّن صفاته، وتحذّرهم من هذا العمل : {وَللَّهِ الأَسْمَاءُ الحُسْنَى} أسماءٌ تعكس صفاته كما هي :

{فَادُعُوهُ بِهَا وَذَرُوْا الَّذينَ يُلْحِدُونَ فِى أَسْمائِهِ}.

«إلحاد» : و (لَحْد) على‏ وزن‏ (مَهْدْ)، بمعنى‏ الانحراف عن حد الإعتدال (الحد الوسط) إلى أحد الجانبين، وسمِّي (اللّحد) الذي يحفر في القبر بهذا الاسم لأنّه يُحفَرُ في أحد جانبي القبر لتوضع الجنازة فيه حتى‏ لا يصلها التراب الذي يُهال على‏ القبر (2).

وأمّا معنى‏ «الالحاد في أسماء اللَّه تعالى‏» في هذه الآية، فالكثير من المفسّرين يرون بأنّه ذو مفهومٍ عام يشمل ثلاثة امور :

الأول : هو أنّ المشركين كانوا يشتقّون أسماء أصنامهم من أسماء اللَّه كاللات والعزّى‏ ومناة التي كانوا يعتقدون بأنّها مشتقّة من كلمة اللَّه، والعزيز، والمنّان على‏ الترتيب.

الثاني : هو أنّه ينبغي أن لا يُدعى‏ اللَّه بالأسماء التي لا يرتضيها لذاته ولا تليق به عزّ وجلّ أو مشوبة بالنقائص والعيوب الخاصّة بالممكنات (المخلوقات) مثل كلمة أب التي أطلقها المسيحيّون على‏ اللَّه تعالى‏.

الثالث : أن لا يُسمّى‏ اللَّه بالأسماء المبهمة.

وبتعبيرٍ آخر فإنّه لا يجوز تشبيه اللَّه بما سواه ولا تعطيل فهم صفاته ولا تسمية من سواه بأسمائه عزّ وجلّ.

كل ذلك يُشير بصورة واضحة إلى‏ وجوب ملازمة جانب الاحتياط التام في بحث صفات اللَّه والحذر من تسميته ووصف ذاته المقدّسة بأسماء وصفات هي من شأن الموجودات الناقصة.

لذا فقد اعتقد الكثير من العلماء بأنّ أسماء اللَّه توقيفيّة، أي لا يُمكن وصفه وتسميته إلّا بالصفات والأسماء الواردة في الآيات والروايات المعتبرة فقط. (وسيأتي شرح هذا الكلام في قسم التوضيحات إن شاء اللَّه تعالى‏).

أمّا الآية الثانية فقد نفت ولاية وربوبية وألوهية من سواه، وأكدّت خالقيته للسموات والأرض.

قال تعالى‏ : {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَى‏ءٌ وَهُوَ السَّميعُ البَصيرُ}.

ونظراً لكون كاف التشبيه في كلمة «كمثله» هي بذاتها تعني المثل فإنّها جاءت مع «مثله» للتأكيد (وقد عبّر عنها البعض بالحرف الزائد وهو يستعمل للتأكيد أيضاً).

على‏ هذا يكون معنى‏ الآية هو : ليس كمثله شي‏ء وما نعرفه وما لا نعرفه، فهو تعالى‏ ليس له نظير من أي جهة، وذلك لأنّه وجود مستقل بذاته ولا نهاية له وغير محدودٍ من جميع الجهات، لا في علمه، ولا في قدرته، ولا في حياته، ولا في إرادته و .....

وأمّا ما سواه من الموجودات فهي تابعة ومحدودة ومتناهية وناقصة. لذا لا يوجد وجه شبه بين وجوده الذي يمثّل الكمال المطلق وبين النقصان المطلق (أي الموجودات الإمكانيّة)، فهو الغني المطلق، ومن سواه فقير ومحتاج في كلّ شي‏ء.

وما نقله بعض المفسّرين من أنّ نفي التشبيه الوارد في الآية أعلاه يختص بنفي التشبيه في الذات، أي ليس كذاته المقدّسة شي‏ء، ولا يشمل الصفات، من حيث وجود بعض صفاته كالعلم والقدرة و ... في الإنسان أيضاً فهو خطأ كبير، فإنّه سيأتي في بحث العلم والقدرة وغيرهما بأنّ مثل هذه الصفات ليس بينها وبين علمنا وقدرتنا أي لونٍ من الشبه، فإنّ اللَّه تعالى‏ موجود، ونحن موجودون أيضاً، لكن الفرق شاسعٌ جدّاً بين الوجودين!؟ وهكذا صفاته وصفات مخلوقاته.

وعلى‏ أيّة حال فهذا أصلٌ أساسيُّ في بحث معرفة اللَّه ومعرفة صفاته، وهو أن ننزّهه تعالى‏ عن المثيل والشبيه ونُعِدّه أكبر من القياس والظن والوهم، وأن نلتفت إلى‏ أنّ الأوصاف‏ التي نصفه بها يجب أن تكون خالية من كل عيبٍ ونقصٍ وعارضٍ مادي وجسمانيٍ وإمكاني.

جَلَّ المُهَيمِنُ أنْ تُدرَى‏ حَقِيقَتُهُ‏             مَنْ لالَهُ المِثْلُ لا تَضْرِبْ لَهُ مَثَلًا

والآية الثالثة تُشير إلى نفس محتوى‏ الآية الثانية بشكلٍ آخر، فبعد أن سفهت الآية آلهة الوثنيين التي لا تستطيع أن تهب للبشر أيّ رزقٍ في السموات والأرض قالت : {فَلَا تَضْرِبُوا للَّهِ الأَمثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَانتُمْ لَاتَعْلَمُونَ}.

وبديهي فإنّ الوجود إذا كان واحداً متفرداً من جميع الجهات فانّه ليس له شبيه أو كفؤ لكي يكون له مثلًا.

ولقد جاء في بعض التفاسير بأنّ هذه الآية تُشير إلى‏ قول مشركي الجاهلية وحتى‏ بعض مشركي عصرنا الحاضر في أنّ اللَّه أكبر من أن نعبُدَهُ نحن، لذا فنحن يجب أن نعبد موجودات من سنخنا وفي متناول أيدينا، فهو بالضبط كالملك الكبير العظيم الذي لا يستطيع عامة الناس الوصول إليه، لذا تراهم يقصدون وزراءه وخواصّه ومقرّبيه الذين يُمكن الوصول إليهم.

القرآن الكريم يقول : لا تضربوا للَّه‏ مثلًا من قبيل هذه الأمثال، فهو أعزُّ وأجَلُّ من أن يشبه بالملك الضعيف، فهو موجودٌ في كل مكان، في قلوبكم وأقرب إليكم من أنفسكُم، علاوةً على‏ ذلك فهو لا شبيه له ولا مثيل لكي يعكس وجوده فتعبدوه، فالأصنام وجميع المخلوقات الاخرى‏ مثلكم مخلوقة وتابعة ومحتاجة إلى وجوده عزّ وجلّ.

ويُمكن أن تكون جملة : {إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَانتُمْ لَاتَعْلَمُونَ} إشارةً وتنبيهاً إلى أنّكم لا تعلمون كنه ذاته وصفاته، وضرب الأمثلة له ينبع من جهلكم هذا، فاللَّه تعالى‏ يحذّركم من ترديد هذا الكلام.

ومن هنا يتّضح أنّ ما ورد في قوله تعالى : {اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالأَرضِ} (النور/ 35)

أو في قوله تعالى : {وَنَحنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِن حَبلِ الوَرِيدِ}. (ق/ 16)

لا يتنافى‏ أبداً مع عدم وجود مثل له سبحانه، وذلك لأنّ المراد هو نفي وجود مثل أو مثال حقيقي له، فهذه جميعاً أمثلة مجازيّة أنتُقيت لتقريب تلك الحقيقة، التي لا مثيل لها، في الأذهان.

لذا فقد قال تعالى‏ في ذيل نفس هذه الآية : {وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَال لِلنَّاسِ}.

(النور/ 35)

ليدركوا الحقائق طبعاً.

وفي الآية الرابعة من بحثنا وهي الآية الأخيرة من سورة التوحيد، نفى‏ سبحانه وجود أي شبيه أو مثيل أو نظير أو كفؤ له حيث قال : {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً احَدٌ}.

نفى‏ اللَّه تعالى‏ عن ذاته أنواع الكثرة بقوله : (أحد)، ونفى‏ النقص والمغلوبية بلفظ (الصمد)، ونفى‏ المعلولية والعلّية ب {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَد}، ونفى‏ الأضداد والأنداد بقوله : {وَلَمْ يَكُن لَهُ كُفُواً أحَد}.

وبهذا فقد نفى‏ سبحانه عن ذاته المقدّسة جميع صفات المخلوقات وعوارض الموجودات المختلفة وأي لونٍ من المحدوديّة والنقص والتغير والتحول، التي هي من عوارض الممكنات.

ولقد جاء في تفسير الفخر الرازي بأنّ الآية الأولى‏ من سورة التوحيد نفى‏ بها اللَّه تعالى‏ عن ذاته أنواع الكثرة بقوله : {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحدٌ}، ونفت كلمة (صمد) النقص والمغلوبية، و : {لَمْ يَلِدْ وَلمْ يُولَدْ} المعلوليّة والعليّة : {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوَاً أَحَدٌ} الأضداد والأمثال عن ذاته المقدّسة، وذلك لأنّ الكفؤ بمعنى‏ النظير ويُمكن أن تشمل كلا المعنيين (المثل والضد) (3).

ويقول أيضاً : بأنّ الآية التي هي محلُّ بحثنا تُبطل مذهب المشركين حيث يزعمون بأنّ‏ الأصنام أكفاء له وشركاء، في الوقت الذي نفت الآيات التي سبقتها مذهب اليهود والنصارى‏ الذين جعلوا له ولداً، ومذهب المجوس الذين كانوا يعتقدون بإلهين (إله النور وإله الظلام) (4).

وفي الآية الخامسة نواجه تعبيراً جديداً في هذا المجال، حيث قال تعالى : {سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ}.

وبالرغم من أنّ هذه الجملة قد وردت بتفاوتٍ مختصر في ستِّ آياتٍ من القرآن الكريم‏ (5) تنفي الولد والصاحبة للَّه ‏تعالى‏ أو تنفي الكفؤ والنضير من الأصنام- بقرينة الآيات التي سبقتها، لكنها في الواقع تحتوي على‏ معنىً عميق يشمل كلّ ألوان التوصيف، لأنّ التوصيف الذي يصدر منّا عادة يكون شبيهاً لما في المخلوقات والممكنات، وآخر ما يمكن أن نصفه به سبحانه هو أن نقول : (اللَّه أكبر من أن يوصف) وأعلى‏ من الخيال والقياس والظن والوهم، وأعظم ممّا رأينا وسمعنا وقرأنا وكتبنا، أجل إنّه منزّهٌ عن الوصف.

ولو جئنا إلى الآية السادسة من بحثنا نلاحظ تعبيراً جديداً في هذا المجال أيضاً حيث يقول : «مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ» أي المشركون.

لأنّهم قد قاسوه بمخلوقاته وجعلوا له شريكاً وكفؤاً في حين أنّه ليس له كفؤاً أحد.

ومن سواه ضعيفٌ ومغلوب، ونقل بعض المفسّرين بأنّ هذه الآية نزلت بخصوص جماعة من اليهود الذين كانوا يقولون بأنّ اللَّه عندما فرغ من خلق السموات والأرضين تعب! واستلقى‏ على‏ ظهره واستراح! ووضع احدى‏ رجليه على‏ الاخرى.

فنزلت هذه الآية فوبختهم وخطّأتهم لأنّهم لم يقدّروا اللَّه عزّ وجلّ حق قدره وشبّهوه بمخلوقاته.

ومع أنّ الآية المذكورة تنفي كلام المشركين (عبدة الأوثان) إلّا أنّها ذات مفهوم عميق‏ وواضح، لذا فإنّ الإمام الصادق عليه السلام قال : «إنّ اللَّه لا يوصفُ وكيف يوصف وقد قال في كتابه : {إِنَّ اللَّهَ لَقَويٌ عَزيزٌ} فلا يُوصف بقدرٍ إلّا كان أعظم من ذلك» (6).

وكذلك فقد ورد في الخطبة 91 من نهج البلاغة :

«كَذَبَ العادِلُوْنَ بِكَ، إِذْ شَبَّهُوْكَ بأَصْنامِهِمِ، وَنَحَلُوْكَ حِلْيَةَ الْمخُلُوقينَ بِأَوْهامِهِم وَجَزَّأُوْكَ تَجْزِئَةَ المُجَسَّماتِ بِخَواطِرِهِمْ وَقَدَّرُوْكَ عَلَى‏ الخِلْقَةِ المُخْتَلِفةِ الْقُوَى‏ بِقَرائِحِ عُقُوْلِهِمْ» (7).

وفي الآية السابعة والأخيرة من بحثنا، نلاحظ أنّه تعالى‏ قال ضمن إشارته إلى حال المجرمين والمذنبين يوم القيامة ومثولهم في محكمة العدل الإلهيّة الكبيرة : {يَعْلَمُ مَا بَينَ ايْديهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً}.

لقد ذُكرت في تفسير هذه الآية عدا ما ذكرناه أعلاه احتمالات اخرى‏، من جملتها هي أنّها تعني بأنّ اللَّه عليم بأعمالهم وجزائهم، لكنهم ليس لهم علم واطلاع كامل لا على‏ أعمالهم ولا على‏ جزائها وما أكثر ما تناسوه منها، لكن التفسير الأول أقرب- حسب نظرنا.

وعليه فإنّ هذه الآية تقول : بأنّ البشر عاجزون عن الاحاطة العلمية بكنه ذاته المقدّسة أو بكُنه صفاته، وذلك لأنّه أعلى‏ وأعظم من ظنوننا وعقولنا، فكيف يمكن أن تحيط به الخلائق، في حين أنّ هذه الاحاطة تستلزم محدوديته تعالى‏ وهو منزّهٌ عن كل أنواعها!؟

نتيجة البحث :

يتبيّن ممّا ورد في الآيات أعلاه بأنّ صفات المخلوقين ليست لها أدنى‏ شبه بصفات ربّ‏ العالمين، وإنّ أي لون من قياسه بمن سواه يؤدّي إلى الضياع والضلال والسقوط في هاوية التشبيه.

فهو ليس كمثله شي‏ء.

وليس له كفؤٌ أو نظير.

ولا يسعه وصف.

ولا يستطيع أحد أن يُحيط به علماً.

وعليه يجب رعاية الاحتياط التام عند سلوك طريق معرفة صفاته.

أجل فإنّ كُنه وحقيقة صفاته لا تتجلّى‏ لأحد، وما يُمكن أن يحصل عليه البشر هو العلم الإجمالي بها بشرط نفي المحدوديات الموجودة في صفات المخلوقين عنه، وصياغة مفهومٍ جديد في قالب هذه الألفاظ.

ونختم الكلام بحديثٍ منقولٍ عن أمير المؤمنين علي عليه السلام ورد في تفسير الآية الأخيرة :

سأل رجلٌ أمير المؤمنين عليه السلام عن تفسير هذه الآية فأجابه عليه السلام : «لا يُحيطُ الخَلائقُ بِاللَّهِ عَزَّوَجَلَّ عِلْماً إذْ هُو تَبارَكَ وَتَعالى‏ جَعَلَ عَلَى‏ أبْصارِ الْقُلُوبِ الغِطاءَ، فَلا فَهْمَ يَنالُهُ بِالْكَيْفِ، وَلا قَلْبَ يُثْبِتُهُ بِالْحُدُوْدِ، فَلا تَصِفْهُ إلّاكما وَصَفَ نَفْسَهُ، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيى‏ءٌ وَهُو السَّميعُ البَصيرُ ...» (8).

_____________________________
(1) مفردات الراغب؛ مقاييس اللّغة؛ لسان العرب؛ ومجمع البحرين.

(2) مقاييس اللغة؛ ومفردات الراغب.

(3) تفسير الكبير، ج 32، ص 185.

(4) تفسير الكبير، ج 32، ص 185.

(5) تفسير الكبير، ج 32، ص 185.

(6) اصول الكافي، ج 1 (باب النهي عن الصفة بغير ما وصف به نفسه)، ح 81- لاحظوا أنّ الآية أعلاه قد وردت في ثلاث مواضع من القرآن الكريم هي : الأنعام، 91؛ الحج، 74؛ الزمر، 67، وفي موردين منها بحرف واو.

(7) نهج البلاغة، الخطبة 91 (خطبة الأشباح).

(8) تفسير نور الثقلين، ج 3، ص 394.




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .