أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-10-05
126
التاريخ: 9-3-2016
1444
التاريخ: 14-10-2014
1960
التاريخ: 14-10-2014
1491
|
هـو ابـو بـكر احمد بن علي الرازي المشهور بالجصاص ، توفي سنة (370هـ) كان امام الحنفية في وقـتـه وإلـيه انتهت رئاسة الاصحاب صاحب التآليف الكثيرة ، منها : أحكام القرآن ، كتبه على مباني مـذهـب ابـي حـنيفة ، ويعد من اهم الكتب المدونة في الموضوع ، ولعله ابسط الكتب في ذلك ، وقد تعرض فيه لجوانب كثيرة من معاني آيات الاحكام بصورة مسهبة ، ومستوعبة كل جوانب الكلام (1) ، بـعـيـداً عن التعصب المذهبي في غالب ما يكتبه ، وان كان الاستاذ الذهبي قد رماه بالتعصب لمذهب ابي حنيفة ، وتحامله على سائر الائمة . لكنا لم نر تحاملاً منه ولا تعصبا اعمى وانما هو بيان الحق ، حسبما يراه .
مثلا عند ما تعرض لقوله تعالى : {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187] نجده يحاول ان يجعل الآية دالة على ان من دخل في صوم التطوع لزم إتمامه (2) .
وقد عد الذهبي ذلك منه تعسفا وتعصبا لراي ابي حنيفة في ذلك (3) .
قـلـت : لا تعسف ولا تعصب ، بعد ظهور الآية في ذلك ، نظراً لإطلاق لفظها ، وهو مذهب المالكية ايضاً وعند الشافعي وأحمد الاتمام مسنون (4) .
والاخـتـلاف فـي قـضـا صـوم الـتـطـوع اذا لـم يكن عن عذر ، ناشئ عن اختلاف الاحاديث في ذلـك (5) . و لجصاص رجح القضاء استناداً الى ظاهر اطلاق الآية ، فلم يكن هناك تعسف ، لأنه استناد الى ظاهر الدليل ، كما لم يكن تعصباً لمذهب أبي حنيفة بعد ذهاب مالك اليه ايضاً.
وامـا عـنـد الـشـيـعـة الامـامية فهو بالخيار في صوم التطوع ما بينه وبين الزوال ، ويكره بعد الزوال (6) .
وعـنـدمـا تعرض لقوله تعالى : {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} [البقرة: 232] قـال الذهبي : نجده يحاول ان يستدل بالآية من عدة وجوه ، على ان للمرأة ان تعقد نفسها بغير الولي وبغير اذنه (7) .
وهـذا ايـضاً استظهار لطيف من الآية الكريمة ، ولعل الاخرين غفلوها ، على ان مسألة الولاية انما تـكون على الأبكار غير المتزوجات ، وذلك على القول به ، والمشهور عدم الولاية اطلاقاً . نعم هو مندوب اليه .
وعـنـدما تعر ض لقوله تعالى : {وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ} [النساء: 2] و قـولـه : {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء: 6] قال الذهبي : نجده يحاول ان يأخذ من مجموع الآيتين دليلاً لمذهب ابي حنيفة ، القائل بوجوب دفع المال لليتيم اذا بلغ خمساً وعشرين سنة ، وان لم يؤنس منه الرشد (8) .
نعم هنا تعسف في الرأي ، لأنه أخذ بإطلاق الآية الاولى وحملها على ما بعد هذا السن ، وذلك لاتفاق الفقها على الاشتراط بإيناس الرشد قبل ذلك ، فما لم يبلغ خمساً وعشرين ، لا يدفع اليه ما لم يؤنس منه الرشد ، واما اذا بلغها فيُدفع اليه مطلقاً ، وذلك عملاً بالآيتين .
وهذا تعسف في الاستدلال ، لأنه حمل للظاهر على بعض صوره من غير دليل ، على ان الاطلاق في الآية الاولـى يجب تقييده بالآية الثانية ، وحمل المطلق على المقيد ليس ابطالاً للمطلق ، كما زعمه الجصاص .
ومـمـا أخـذ عـليه الذهبي حملته على مخالفيه ، بحيث لا يعف لسانه عنهم قال : ثم ان الجصاص مع تعصبه لمذهبه وتعسفه في التأويل ، ليس عف اللسان مع الامام الشافعي ، ولا مع غيره من الائمة .
وكثيرا ما نراه يرمي الشافعي وغيره من مخالفي الحنفية بعبارات شديدة ، لا تليق من مثل الجصاص ، فمثلا عندما تعرض لآية المحرمات من النساء نجده يعرض الخلاف الذي بين الحنفية والشافعية ، في حكم من زنى بامرأة ، هل يجوز التزويج ببنتها او لا؟.
وتـمـسك الشافعي بأن الحرام لا يحرم الحلال ، ثم ذكر مناظرة له مع سائل سأله : كيف تحرم بنت الـمـنـكـوحة ولا تحرم بنت المزني بها؟ فأجابه الشافعي بان ذاك حلال وهذا حرام ، ولم يزد في الـفـرق بينهما على ذلك وهنا يقول الجصاص : فقد بان أن ما قاله الشافعي وما سلمه له السائل كلام فارغ لا معنى تحته في حكم ما سئل عنه ثم يقول : ما ظننت ان احداً ممن ينتدب لمناظرة خصم ، يبلغ به الافلاس من الحجاج ، الى ان يلجأ الى مثل هذا ، مع سخافة عقل السائل و غباوته (9).
وفي هذا الكلام اهانة بموضع الشافعي ، وفرضه فيمن لا يعتد بشأنهم .
قـلـت : لا شـك ان استدلال الشافعي هنا ضعيف ، اذ كثير من المحرمات حرّمن المحلات ، كما في مـسـألة اللواط يحرم أخته وأمه وبنته على اللاطي ، وكالعقد على المعتدة والدخول بها ، و الزنى بذات البعل .
وحديث (الحرام لا يحرم الحلال ) وارد فيمن أحل له فرج ثم زنى بأمها او بنتها (10) فهو نـاظـر الى السابق ، اي الحلال الفعليّ لا الحلال الشأني ومن الغريب ان الشافعي هنا اخذ بالقياس مع الفارق .
وهكذا اخذ عليه الذهبي ميله الى مذهب الاعتزال ، وكذا تحامله على معاوية .
امـا مـيـلـه الـى الاعـتـزال فـلأنـه نـفى امكان رؤيته تعالى ، وحمله أخبار الرؤية على العلم لو صحت (11).
قلت : وهذا من كمال فضله ، حيث حكم العقل على النقل ، وهو دأب المحصلين .
واما تحامله على معاوية فمن ثبات عقيدته وصلابته في دينه . ان معاوية بغى على إمام زمانه وخرج عليه بالسيف ، فعلى كل مسلم منابذته والتحامل عليه بالسيف ، فضلاً عن اللسان وسكوت بعض السلف في ذلك مراوغة خبيثة .
يـقـول الذهبي : اننا نلاحظ على الجصاص انه تبدو منه البغضاء لمعاوية ، ويتأثر بذلك في تفسيره ، فـمثلاً عند تفسيره لقوله تعالى : {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ – الى قوله - الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ } [الحج: 39 - 41] يقول : وهذه صفة الخلفاء الراشدين الذين مكنهم اللّه في الأرض ... وفيه الدلالة الواضحة على صحة إمامتهم ، لإخبار اللّه تعالى بـأنـهم اذا مُكنوا في الارض أقاموا بفروض اللّه عليهم ، وقد مُكنوا في الارض ، فوجب ان يكونوا ائمـة قـائمـين بأوامر اللّه ، منتهين عن زواجره ونواهيه .
ولا يدخل معاوية في هؤلاء ، لأن اللّه انما وصـف بـذلـك الـمـهـاجـريـن الذين اخرجوا من ديارهم ، وليس معاوية من المهاجرين ، بل هو من الطلقاء (12).
وعـنـد قـولـه تـعـالـى : {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ} [النور: 55] يـقـول : وفـيـه الدلالة على امامة الخلفاء الاربعة ايضا ، لأن اللّه استخلفهم في الارض ومـكـن لـهـم كـمـا جاء الـوعـد ، ولا يـدخـل فـيـهم معاوية ، لانه لم يكن مؤمنا في ذلك الوقت (13) .
وعـنـد قوله : {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} [الحجرات: 9] نجده يجعل علياً (عليه السلام) هو المحق في قتاله ، ومعه كـبـراء الـصـحـابـة وأهل بدر من قد علم مكانهم ، وكان معاوية من الفئة الباغية ، لحديث عمار ، ولـم يـنكره معاوية ، بل حاول تأويله (14) . قال الذهبي : فجعل علياً هو المحق واما معاوية ومن معه فهم الفئة الباغية ، وكذلك كل من خرج على عليّ (عليه السلام ).
قال : وما كان اولى بصاحبنا ان يترك هذا التحامل على معاوية الصحابي! ويفوض أمره الى اللّه ، ولا يلوي مثل هذه الآيات الى ميوله وهواه (15) .
قلت : ولعل نحوسة الدفاع عن معاوية قد أخذت صاحبنا الذهبي فانجرفت به الى مهاوي الضلال ، واخيراً الى شر قتلة ، حشره اللّه مع مواليه (16) .
________________________
1- خذ لذلك مثلاً ما ذكره ذيل آية التيمم من سورة المائدة ، حيث استخرج منها أحداً وسبعين فرعاً في المسألة ، مما يدل على عمق نظر وقوة استنباط ، فلما يوجد في نظائره (أحكام القرآن للجصاص ، ج2 ، ص392 – 396) .
2- أحكام القرآن للجصاص ، ج1 ، ص274 – 285 .
3- التفسير والمفسرون ، ج2 ، ص440 .
4- الفقه على المذاهب الأربعة ، ج1 ، ص558.
5- راجع : الخلاف لابن رشد الأندلسي ، ج1 ، ص322.
6- راجع : الخلاف للشيخ الطوسي ،ج1 ، ص400 ، م83 .
7- أحكام القرآن للجصاص ،ج1 ، ص400.
8- أحكام القرآن للجصاص ، ج2 ، ص49 .
9- المصدر نفسه ، ص118.
10. راجع : العروة الوثقى ، المسألة (28) من أحكام المصاهرة .
11. أحكام القرآن للجصاص ،ج3 ، ص 4- 5.
12. أحكام القرآن للجصاص ، ج3 ، ص 246.
13. أحكام القرآن للجصاص ، ج3 ، ص329.
14. أحكام القرآن للجصاص ،ج3 ، ص400.
15. التفسير والمفسرون ،ج2 ، ص443.
16. إنه في أخريات حياته صانع حكومة مصر في مسالمتها مع أعداء الإسلام ، ومن ثم اغتالته أيدي مسلمة مصر دفاعاً عن حريم الإسلام . وذلك في شعبان عام 1397 هـ الموافق 1977م و1356ش .
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
لحماية التراث الوطني.. العتبة العباسية تعلن عن ترميم أكثر من 200 وثيقة خلال عام 2024
|
|
|