أقرأ أيضاً
التاريخ: 10-12-2015
1848
التاريخ: 28-09-2015
1313
التاريخ: 10-12-2015
3264
التاريخ: 17-09-2014
1661
|
بشكل عام إنّ الكثير من الامور التي تذكر على أنّها الأهداف من بعثة الأنبياء أو فلسفة وجودهم، تصدق بحق الإمام أيضاً.
لقد تطرق الخواجة نصير الدين الطوسي قدس سره إلى بيان فلسفة بعثة الأنبياء في فصل النبوة من كتاب تجريد الاعتقاد وأشار العلّامة الكبير الحلّي في شرح ذلك الكلام إلى تسع نقاط من هذه الفلسفة إجمالًا ندرجها كما يلي، ونضعها أمام القاريء الكريم، وكما سنلاحظ فإنّ الكثير منها يصدق على قضية تعيين الأئمّة المعصومين عليهم السلام أيضاً :
1- ترسيخ المعرفة العقلية عن طريق البيان النقلي، من هنا فإنّ الإنسان يدرك الكثير من الحقائق سواء في الاصول أو في فروع الدين من خلال القوة العقلية، إلّا أنَّ الوساوس قد تغزو قلبه أحياناً، وهذا الاضطراب يحول دون أدائها، أما إذا تم تأييد وترسيخ هذه الأحكام العقلية بكلام الأئمّة المعصومين فستزال جميع أشكال الغموض والاضطراب، ويسعى الإنسان لأدائها برباطة جأش.
2- في بعض الأحيان يحذر الإنسان من القيام ببعض الأعمال وذلك لخوفه من الإتيان بتصرف في حدود سلطة اللَّه وهيمنته مخالف لإرادته فيكون كلام الإمام رافعاً لذلك الحذر والخوف.
3- لا تجتمع اعمال الإنسان في حدود «الحسن والقبح العقليين»، وما أكثر الامور التي لا يدرك عقل الإنسان حسنها وقبحها، فهنا لابدّ من الاقتداء بالقادة الإلهيين، لإدراك حسنها وقبحها.
4- إنّ بعض الأشياء نافع وبعضها الآخر مضرٌ، ولا قدرة للإنسان على إدراك نفعها وضررها من خلال تفكيره فقط بدون إرشاد القادة الإلهيين، فهنا يشعر بالحاجة إليهم.
5- إنّ الإنسان موجودٌ اجتماعي، وهو عاجز عن حل مشاكل حياته بدون التنسيق والتعاون مع الآخرين، ومن المسلَّم به أنَّ المجتمع لن يستقيم ولن يبلغ الكمال المطلوب مالم يمتلك القوانين التي تحافظ على حقوق جميع الأشخاص، وتأخذ بأيديهم نحو الصراط المستقيم، فتشخيص هذه القوانين بشكل صائب ومن ثم تطبيقها لن يحصل إلّا عن طريق القادة الواعين والطاهرين والمعصومين.
6- إنّ الناس يتفاوتون في إدراك الكمالات وكسب العلوم والمعارف والفضائل، فالبعض يمتلك القدرة على السير في هذا الطريق، والآخر عاجزٌ، فالقادة الإلهيون يقومون بترسيخ الفئة الاولى، وإعانة الفئة الثانية كي تصل الفئتان إلى الكمال الممكن.
7- إنّ النوع الإنساني بحاجة إلى مستلزمات وصناعات وعلوم، ويستطيع القادة الربانيون تأمين هذه المستلزمات وذلك من خلال توجيه المجتمع نحو الحصول عليها.
8- إنّ المراتب الأخلاقية متفاوتة لدى الناس، والسبيل الوحيد لتنمية هذه الفضائل هو سبيل القادة الإلهيين الطاهرين والمعصومين.
9- إنّ الأئمّة مطلعون على الثواب والعقاب والأجر والجزاء إزاء الطاعة والمعصية، وعندما يُعلِّمون الآخرين هذه الامور فهم يخلقون لديهم حافزاً قوياً لأداء الواجبات (1).
ونظراً إلى أنّ الأئمّة ليسوا سوى استمرار لخط النبوة، فإنّ أغلب هذه الفلسفات بالإمكان تحقيقها بواسطة الأئمّة المعصومين عليهم السلام أيضاً.
وفي القرآن الكريم تتلخص هذه الامور بل وحتى أكثر منها في ثلاثة مواضيع وهي :
«التعليم» و «التربية» و «القيام بالقسط» التي اشير إليها في آيات عديدة، فيقول تعالى بشأن الفلسفة من بعثة النبي صلى الله عليه و آله {هُوَ الَّذِى بَعَثَ فِى الامّيّينَ رَسُولًا مِّنْهُم يَتْلُوا عَلَيهِم آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالحِكمَةَ وَانْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِى ضَلَالٍ مُّبِينٍ}. (الجمعة/ 2)
فقد تمّت الإشارة هنا إلى مسألة «التعليم» و «التربية» التي هي أهم أهداف الأنبياء والأئمّة المعصومين عليهم السلام.
وفي مكان آخر يقول تعالى : {لَقَدْ ارْسَلنَا رُسُلَنَا بالبَيِّنَاتِ وَانْزَلْنَا مَعَهُمُ الكِتَابَ وَالمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالقِسْطِ}. (الحديد/ 25)
وقد اشير هنا إلى العدالة الاجتماعية والقيام بالقسط الذي يوفر الأرضية المناسبة «للتعليم» و «التربية» الصحيحة.
نعم، فالزعماء العاديون في العالم يفكرون :
أولًا : بصيانة مكانتهم ومصالحهم الشخصية أو الحزبية، لهذا فهم دائماً يضحون بمصالح المجتمعات البشرية من أجل مصالحهم الخاصة، أمّا القادة الطاهرون والمعصومون واتباعهم فهم وحدهم الذين يستطيعون المحافظة على حقوق الإنسان والمصالح العامة للمجتمع الانساني كما ينبغي.
ثانياً : هَب أنّ الزعماء غير الربانيين يريدون تطبيق العدالة وقيادة المجتمعات البشرية نحو الكمال المطلوب، فإنّ تشخيص هذه الامور في الكثير من الحالات غير ممكن بالنسبة لهم، فهم يستطيعون في هذه الحالة أن يشخصوا الامور ولكنّ تشخيصهم ناقص وغير دقيق.
وهذا الأمر- التشخيص الدقيق- ممكن فقط بالنسبة للقادة الربانيين الذين يعتمدون على البحر اللامتناهي من العلم الإلهي.
وقد أثبتت تجربة السبعين سنة من الحكم الشيوعي على نصف سكان الكرة الأرضية هذه الحقيقة بوضوح، فلقد كرسوا أوسع وأعظم جهاز اعلاميّ لترسيخ دعائم الماركسية، وقدموا الملايين من الكتب والكراسات والمقالات والخطب على هذا الصعيد، وزعموا بأنّ الشيوعية هي الطريق الوحيد لحل مشاكل المجتمع البشري وتأمين العدالة الاجتماعية، وتكامل النوع الإنساني، وأفضل وسيلة للتفسير الصحيح للتاريخ والعلوم الاجتماعية، وقمعوا المعارضين لهم بشتى الأساليب، لكننا رأينا أنّها لم تجلب سوى التعاسة والتخلف والديكتاتورية، وفي خاتمة المطاف اضطر مفكروهم إلى الاعتراف بأنّ ما كانوا يتصورونه الطريق الحقيقي للسعادة لم يكن إلّا انحطاطاً وتخلفاً للمجتمع الإنساني! وربّما لم يشهد التاريخ نظيراً لهذه القضية، إذ تدافع طائفة كبيرة من المفكرين والعلماء واساتذة الجامعات عن عقيدة ما، وفي النهاية يتضح أنَّ ما كانوا يؤمنون به فارغٌ من أي محتوى.
فما الضمان لعدم حدوث مثل هذه الحالة في المستقبل، وعدم تلوث عقائد المجتمع الإنساني بهذه الأفكار المضلّة؟
ومن هنا تبرز ضرورة الاستفادة من أفكار الأنبياء والأئمّة المعصومين عليهم السلام المصانين من الزلل والخطأ من قبل اللَّه تعالى.
وخلاصة الكلام هي أنّ الإله الذي خلق النوع الإنساني وأمره بالسير في طريق الكمال والسعادة، وأرسل الأنبياء المعصومين الذين يتلقون الأوامر الإلهيّة بواسطة الوحي، من أجل «تبيين الطريق» و «الايصال إلى المطلوب»، فلابدّ أن يجعل أئمّة معصومين لخلافة الأنبياء بعد رحيلهم وذلك من أجل استمرار هذا الطريق، وليعينوا المجتمع البشري في الهداية إلى الطريق والايصال إلى المطلوب، ومن المسلم به أنَّ هذا الهدف سيبقى ناقصاً بدونهم للأسباب التالية :
أولًا : من المتيقن أنّ العقول البشرية لا تستطيع تشخيص جميع عوامل وأسباب التقدم والرّقي وحدها، وقد لا تشخص عُشر ذلك.
ثانياً : ربّما يتعرض دين الأنبياء بعد ارتحالهم لأنواع التحريف، فلابدّ من الحرّاس المعصومين والربانيين ليحافظوا عليه ويحولوا بين تحريف المبطلين وبين بلوغ مآربهم، وآراء الجهلة وتفسيرات أصحاب الأهواء والمآرب.
وهذا ما يشير إليه الحديث المعروف الوارد في اصول الكافي عن الإمام الصادق عليه السلام حيث يقول : «إنَّ فينا أهل البيت في كل خَلف عُدولًا ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين» (2).
وكذلك ما أشار إليه الإمام علي عليه السلام في احدى كلماته القيمة، إذ يقول : «اللّهم بلى لا تخلو الأرض من قائم للَّه بحجّة إمّا ظاهراً مشهوراً، وإمّا حافياً مغموراً لئلا تبطُل حجج اللَّه وبيناته» (3).
ثالثاً : من المتعذر اقامة الحكومة الإلهيّة التي توصل الإنسان إلى الغاية التي خلق من أجلها، إلّا عن طريق المعصومين، لأنّ الحكومات البشرية- ووفقاً لشهادة التاريخ- كانت غالباً ما تسير في خط المصالح الشخصية، أو الفئوية، وأنّ جميع مساعيها كانت في هذا الاتجاه، وكما جرّبنا مراراً وتكراراً أنّ شعارات «الديمقراطية» و «حكم الشعب للشعب» و «حقوق الإنسان»، وما شابه ذلك ماهي إلّا قناعٌ للوصول إلى أهدافهم الشيطانية عن طريق أسهل، فقد فرضوا أغراضهم على الشعوب بشكل خفي ومن خلال استغلال هذا المنطق وهذه الأدوات.
إنّ هذه الاصول الثلاثة أي «تبيين الطريق» الذي يعجز العقل عن تشخيصه، و «المحافظة على ميراث الأنبياء» و «إقامة حكومة العدل»، تمثل بالواقع الاسس الحقيقية لفلسفة وجود الإمام المعصوم.
ونختم هذا الحديث بكلام للإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام حيث يعتبر من أكثر الكلمات شمولية فيما يتعلق بفلسفة الإمامة، وحديث من نهج البلاغة لأمير المؤمنين عليه السلام :
الحديث الأول الذي تحدث به عليه السلام يوم الجمعة في المسجد الجامع في مدينة (مرو) بحضور حشد من الناس، يتناول مسائل كثيرة، نشير هنا إلى جانب منه، قال عليه السلام :
«إنّ الإمامة هي منزلة الأنبياء، وإرث الأوصياء، إنّ الإمامة خلافة اللَّه وخلافة الرسول ... الإمام البدر المنير، والسراج الزاهر، والنور الساطع، والنجم الهادي في غياهب الدجى، ... الإمام الماء العذبُ على الظماء والدال على الهدى والمنجي من الردى، ... الإمام السحاب الماطر، والغيث الهاطل، والشمس المضيئة ... الإمام أمين اللَّه في خلقه، وحجته على عباده، وخليفته في بلاده ... نظام الدين، وعز المسلمين، وغيضُ المنافقين، وبوار الكافرين» (4).
وفي عبارة قصيرة يصور أمير المؤمنين عليه السلام روح الإمامة، فيقول :
«ومكان القيّم بالأمر مكان النظام من الخرز، يجمعه ويضمه، فاذا انقطع النظام تفّرق الخرز والذهب ثم لم يجتمع بحذافيره أبداً» (5).
_______________________
(1) شرح التجريد، ص 271 (مع قليل من الاختصار والاقتباس).
(2) اصول الكافي، ج 1، ص 32، باب صفة العلم، ح 2.
(3) نهج البلاغة، كلمات القصار، الكلمة 147.
(4) اصول الكافي، ج 1، ص 200، باب نادر جامع في فضل الإمام.
(5) نهج البلاغة، الخطبة 46.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|