أقرأ أيضاً
التاريخ: 10-12-2015
3641
التاريخ: 28-09-2015
1205
التاريخ: 23-11-2014
1583
التاريخ: 23-11-2014
1599
|
التوقي من الخطأ والسهو والمعصية شرطٌ من الشروط العامة للأئمّة المعصومين، وفي الحقيقة أنّ القرائن كافّة التي تدل على عصمة الأنبياء عليهم السلام تدل على عصمة الأئمّة عليهم السلام أيضاً، لأنّ مسؤوليتهم تتشابه إلى حد كبير.
صحيح أنّ النبي الأكرم صلى الله عليه و آله الواضع لُاسس الشريعة ويتصل بعالم الوحي، أمّا الأئمّة فهم بمثابة الامتداد لوجود النبي صلى الله عليه و آله وهم حماة حراس الشريعة بالرغم من عدم نزول الوحي عليهم، لأنّهم يتبعون أثر النبي صلى الله عليه و آله في هداية الناس، والدفاع عن الأحكام والحدود الإلهيّة وجميع ما يتعلق بالشريعة، من هنا فهم يشتركون في الكثير من الصفات ويتشابهون فيما بينهم.
بناءً على ذلك فإنّ جميع الأدلة الرئيسة التي ذكرناها في بحث عصمة الأنبياء (1) تصدق فيما يتعلق بالائمّة أيضاً.
بعد هذه اللمحة المختصرة نرجع إلى بعض آيات القرآن الواردة بهذا الصدد ونبدأ بالكلام من القرآن :
1- {انَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجسَ اهْلَ البَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}. (الأحزاب/ 33)
في البحوث السابقة وأثناء تفسير الآية 124 من سورة البقرة، قرأنا ما يتعلق بعظمة مقام الإمامة والولاية في قصة إبراهيم عليه السلام حيث أنّ اللَّه تبارك وتعالى قد أخضع هذا النبي العظيم إلى العديد من الاختبارات المهمّة، ولما خرج منها ظافراً قال له : {انِّى جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ امَاما} (فالإمامة تعني الهيمنة على الجسم والروح، وتربية النفوس والمجتمعات البشرية).
وعندما سأل إبراهيم عليه السلام هذا المقام لبعض ذريته وأبنائه، جوبه بالرد الإلهي المشروط، فقال تعالى : {لَا يَنَالُ عَهدِىِ الظَّالِميِنَ}، أي (أنّ الرهط الطاهر والمعصوم من أبنائك يستحقون هذا المقام فقط).
وقد تبيّن في تلك البحوث كيف أنّ هذا المقطع من الآية دليل على عصمة الأئمّة، وأنّ الذين أمضوا عمرهم في طريق الكفر والشرك من ناحية الاعتقادات، أو من ناحية أعمالهم حيث ارتكبوا الظلم بحق أنفسهم أو الآخرين، لا يستحقون هذا المقام، لأنّ الظلم بالمعنى الشامل للكلمة يشمل الظلم والشرك والكفر والانحرافات العقائدية، وكذلك جميع أشكال التجاوز على الآخرين، وظلم النفس عن طريق ارتكاب المعصية.
وحيث إنّ هذه البحوث قد جاءت هناك بشكل مفصل ومستفيض فلا نرى حاجة للتكرار، وعليه فقد وضع القرآن الكريم الركيزة الأساسية لشرط عصمة الأئمّة في هذه الآية الكريمة.
والآن نعود إلى آية التطهير وبحث مسألة العصمة الواردة في هذه الآية :
صحيح أنّ هذه الآية تتوسط الآيات المتعلقة بنساء النبي صلى الله عليه و آله إلّا أنّها تحمل نغمة مختلفة عنها، وتشير إلى معنى آخر، فجميع الآيات التي سبقتها وتلتها جاءت بضمير «جمع المؤنث» بينما جاءت الآية محل البحث بضمائر «جمع المذكر»!
ففي مستهل هذه الآية خاطب تعالى نساء النبي صلى الله عليه و آله وأمرهنّ بالمكوث في بيوتهن، وأن لا يخرجن بين الناس كما كان سائداً في الجاهلية، ويحافظن على معايير العفة، وأن يقمن الصلاة ويؤتين الزكاة ويطعن اللَّه ورسوله {وَقَرنَ فِى بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجنَ تَبَرُّجَ الجَاهِليَّةِ الاولَى وَاقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَاطِعنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ}. (الاحزاب/ 33)
فجميع الضمائر الستة التي وردت في هذا المقطع من الآية هي على صورة جمع المؤنث (تأملوا جيداً).
ثم يتبدل لحن الآية، ويقول : {انَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذهِبَ عَنْكُم الرِّجسَ اهلَ البَيتِ وَيُطهرِّكُم تَطهِيراً}.
وقد استخدم في هذا المقطع من الآية ضميرين جمع بصورة جمع المذكر.
صحيح أنّ مطلع ونهاية كل آية يستهدف امراً واحداً، إلّا أنّ هذا الكلام يجري في المكان الذي لا تتوفر فيه قرينة على الخلاف، وعلى هذا فالذين رأوا أنّ هذا الجانب من الآية ناظرٌ إلىّ نساء النبي صلى الله عليه و آله أيضاً فقد نطقوا خلافاً لظاهر الآية والقرينة التي فيها، أي تباين الضمائر.
بالإضافة إلى ذلك نمتلك روايات عديدة فيما يتعلق بهذه الآية حيث نقلها أكابر علماء المسلمين سواء الشيعة أم السنّة عن النبي صلى الله عليه و آله وجاءت بشكل وآخر في أشهر كتب الفريقين التي تحظى بقبولهم.
هذه الروايات بأجمعها تفيد أنّ المخاطب في هذه الآية هو النبي صلى الله عليه و آله وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام (لا نساء النبي) ... ولكن قبل الدخول في البحث لابدّ من التطرق إلى تفسير العبارات :
إنّ التعبير ب «إنّما» الذي عادة ما يستعمل للحصر دليل على أنّ الموهبة الواردة في هذه الآية تخص آل النبي صلى الله عليه و آله ولا تشمل غيرهم.
وعبارة «يريد» إشارة إلى إرادة اللَّه التكوينية- أي أنّ اللَّه تعالى شاء من خلال أمر تكويني أن يطهركم ويحفظكم من كل قذارة- لا الإرادة التشريعية، فالإرادة التشريعية تعني تكليفهم بصيانة أنفسهم طاهرة، ونحن نعلم أنّ هذا التكليف لا يختص بآل الرسول صلى الله عليه و آله بل إنّ المسلمين جميعاً مكلفون بتطهير أنفسهم.
ربّما يتصور أنّ الإرادة التكوينية تفرض نوعاً من الجبر، وفي هذه الحالة لن تكون العصمة فضيلة وفخراً.
لقد ذكرنا الاجابة عن هذا السؤال بالتفصيل في الجزء السابع في بحث عصمة الأنبياء، ولابدّ من التعرض إليه باختصار : إنّ المعصومين يمتلكون نوعين من القابلية «قابلية ذاتية موهوبة» و «قابلية اكتسابية من خلال أعمالهم وملكاتهم الداخلية»، ومن مجموع هاتين القابليتين اللتين لا تخلو إحداهما على أقل تقدير من صبغة اختيارية لتحصيل هذا المقام السامي، وبتعبير آخر فإنّ المشيئة الإلهيّة توفر الأرضية للتوفيق من أجل بلوغ هذا المقام الشامخ، واستثمار هذا التوفيق يتعلق بإرادتهم (تأملوا جيداً).
فترك الذنب بالنسبة لهم محال عادي لا عقلي، فمثلًا، محال عاديٌ أن يصطحب إنسان عالم ومؤمن الخمر إلى المسجد ويحتسيه بين صفوف الجماعة، إلّا أنّه من المسلم به أنّ هذا الأمر ليس محالًا عقلياً، ولا يتعارض مع كون هذا الفعل اختيارياً، أو على سبيل المثال، أنّ الإنسان العاقل لا يخرج إلى الزقاق والشارع عارياً كما ولدته امه أبداً، فالقيام بهذا العمل ليس محالًا بالنسبة له، بل مستوى تفكيره ومعرفته لا يسمح له بالقيام بمثل هذا الفعل وإن كان فعله وتركه باختياره.
وهكذا حالة ارتكاب الذنوب بالنسبة للأنبياء والأئمّة، صحيح أنّ العصمة من الألطاف الإلهيّة، بَيدَ أنّ الألطاف الإلهيّة تخضع لحساب، كما يقول القرآن الكريم بشأن إبراهيم عليه السلام :
لن تنال منزلة الإمامة ما لم تفلح في الابتلاءات الإلهيّة {وَاذِ ابْتَلى ابْرَاهِيمَ ربُّه بِكَلِماتٍ ...} (2).
(البقرة/ 124)
وأمّا كلمة «الرجس» فتعني لغةً، الشيء القذر سواء من ناحية كونه قذراً ومقززاً لطبع الإنسان، أو بحكم العقل، أو الشرع، أو جميعها.
من هنا فبعد أن يفسر «الراغب» في «المفردات» الرجس بأنّه الشيء القذر، يذكر له أربع حالات (نفس الحالات الاربع التي ذكر ت أعلاه من ناحية طبع الإنسان، أو العقل، أو الشرع، أو جميعها)، وإذا ما فسّر الرجس في بعض تعابير العلماء بالذنب أو «الشرك» أو «العقيدة الباطلة» أو «البخل والحسد» فهو في الحقيقة بيان لمصاديق من هذا المفهوم الواسع الشامل.
على أيّة حال، نظراً لمجيء «الف ولام الجنس» في بداية هذه الكلمة «الرجس» والتي تفيد العموم، يكون مفهوم الآية : إن اللَّه شاء أن يبعد كل أنواع الرجس عنهم.
وفي عبارة : «ويطهركم تطهيرا»، فبما أنّ «التطهير» تعني التزكية فهي تمثل تأكيداً آخر على قضية نفي الرجس وكافة الاقذار التي وردت في العبارة السابقة، وكلمة «تطهيراً» التي هي بعنوان مفعول مطلق فهي تأكيد آخر على هذا المعنى.
والنتيجة : هي أنّ اللَّه تعالى شاء وبمختلف التأكيدات أن يُطهر ويُنزه آل النبي صلى الله عليه و آله من كل أشكال القذارة والرجس، ومن المسلم أنّه يشمل النبي صلى الله عليه و آله بالمرتبة الاولى باعتباره صاحب الدار ومن ثم البقية...
___________________
(1) للمزيد من الايضاح راجعوا ج 7، ص 145- 160 من هذا التفسير.
(2) للمزيد من الايضاح في مجال أنّ العصمة لا تتنافى واختيارية أفعال المعصومين راجعوا، ج 7، ص 155 وما بعدها من هذا التفسير.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|