المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 16630 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
تفسير الاستعاذة
2024-06-24
كيفية التلاوة وآدابها
2024-06-24
ثواب حفظ القرآن وتلاوته 
2024-06-24
مركبات التفروسيا Tephrosia (مبيدات حشرية كيموحيوية غير تجارية)
2024-06-24
تحضير محلول حامض النتريك HNO3
2024-06-24
تحضير محلول هيدروكسيد الصوديوم NaOH
2024-06-24

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


محيط دعوة الرسول صلى الله عليه و آله  
  
2079   04:18 مساءً   التاريخ: 6-12-2015
المؤلف : الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
الكتاب أو المصدر : نفحات القران
الجزء والصفحة : ج8 , ص30- 37
القسم : القرآن الكريم وعلومه / قصص قرآنية / قصص الأنبياء / قصة النبي محمد صلى الله عليه وآله /

بيّن القرآن الكريم في سورتين منه وبتعبير في غاية الوضوح حياة عرب الجاهلية المعاصرين للرسول صلى الله عليه و آله بقوله : {وَان كَانُوا مِن قَبلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ}

(آل ‏عمران/ 164) (الجمعة/ 2) .

وتعبير (ضلالٌ مُبين) في الآيتين بيانٌ واضحٌ لتحكُّم الضلالةُ والضياع في المجتمع العربي الجاهلي.

ضياع في العقائد حيث كانوا مشركين يعبدون الأصنام التي يصنعونها بأيديهم من الحجر والخشب.

وضياعٌ في الجوانب الاجتماعية إلى‏ الحد الذي كانوا يئدون بناتهم احياءً وهم يفتخرون بذلك.

وكانوا يطوفون رجالًا ونساءً حول الكعبة عُراة ويعتبرون ذلك من ضمن عبادتهم.

والإعتداء والحروب وإراقة الدماء بالباطل، كل ذلك كان له قيمة اجتماعية في الجاهلية، حتى‏ وصل الأمر إلى‏ أن يَرِثَ الأبناء أحقاد واضغان الآباء.

والمرأة في خضم ذلك مجرّد متاع يقامرون به.

وأفضل من رسم مفهوم‏ (ضلال مبين) قولُ (جعفر بن أبي طالب) عندما بيّن أوضاع عرب الجاهلية لملك الحبشة (النجاشي) بقوله : «أيّها الملك كنا قوماً أهل جاهلية نعبدُ الأصنام ونأكل الميتة ونأتي الفواحش ونقطع الأرحام ونسي‏ء الجوار، ويأكلُ القويُ منّا الضعيف حتى‏ بعثَ اللهُ إلينا رسولًا منّا نعرفُ نسبهُ، وصدقهُ وامانتهُ وعفافهُ فدعانا لتوحيد اللَّه وان لا نشركَ به شيئاً ونخلعَ ما كنا نعبدُ من الأصنام وأمرنا بصدق الحديث وأداء الأمانة وصلة الرحم وحُسن الجوار والكف عن المحارم والدماء ...» (1).

ولمزيد من توضيح تلك الإشارة التي وردت في الآيتين الكريمتين نستعين بآيات اخرى‏ حيث جاء فيها :

1- الأصنام في عقائد العرب‏

إنّ عقائد أيّ قوم أو شعب تشكل ركناً أساسياً في ثقافتهم، وانحطاط تلك العقائد يدل على‏ الانحطاط الثقافي والحضاري لهم.

وعلى‏ هذا الأساس، فعرب الجاهلية كانوا في أرذل درجات الانحطاط الثقافي والضياع حيث كانوا يعبدون الأصنام التي يصنعونها بأيديهم فيتصورون أنّها تتحكم في مصائرهم بل يزعمون أنّها حاكمة على‏ السماء والأرض أحياناً، وقد خاطب القرآن الكريم الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله بصدد ذلك بقوله : {قُلْ اتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَملِكُ لَكُم ضَرًّا وَلَا نَفعَاً وَاللَّهُ هُوَ السَّميعُ العَلِيمُ}. (المائدة/ 76)

وبالإضافة إلى‏ الأصنام الصغيرة فقد كانت لديهم ثلاثة أصنام كبيرة ذات شهرة خاصة في مجتمعهم يزعمون بأنّها بنات الرب وهي وسيلة للتقرب إليه، أحدها (مَناة) وكان ما بين المدينة ومكة المكرمة بالقرب من ساحل البحر الأحمر، ولهذا الصنم احترامٌ خاص عند كل العرب انذاك، فيقدمون إليه القرابين، وأكثر القبائل احتراماً وتقديساً له قبيلة (الاوس) و (الخزرج).

والثاني في الطائف يُعرف باسم (اللّات)، وقد شُيد في مكانه اليوم مسجد وكانت (ثقيف) من أكثر القبائل احتراماً له.

والثالث من الأصنام الكبيرة هو (العُزى‏) وقد وضع في الطريق المؤدي إلى‏ العراق قريباً من منطقة (ذات العِرق) ولقريش علاقة خاصة بهذا الصنم،

وهناك أصنام اخرى‏ للقبائل والعشائر بل وللعوائل أيضاً إذ لا معنى‏ لحياة عرب الجاهلية بدونها، فمثلًا لو أرادوا السفر فإنّهم يستأذنون من الصنم ولهم في اسفارهم أصنام يصحبونها معهم.

وقد أشار القرآن الكريم في سورة النجم إلى‏ ذلك بقوله تعالى‏ : {افَرأَيتُمُ اللَّاتَ وَالعُزَّى‏* وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الاخَرى‏* الَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الانثَى}. (النجم/ 19- 21)

ومن الجدير بالذكر في الحياة الجاهلية أنّهم كانوا يكرهون البنات ويئدونهن أحياناً بالرغم من اعتقادهم بأنّ الملائكة بناتُ اللَّه وهذه الأصنام تماثيل تلك الملائكة، لذلك واجههم القرآن الكريم بمنطقهم وهو كيف تقولون : أنّ لله بنات في الوقت الذي تكرهونهن فيه؟

و قد استنكر القرآن وذم تلك الأفكار الخرافية المنحطة بقوله تعالى‏ : {وَجَعَلُوا المَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحَمنِ انَاثاً اشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ}. (الزخرف/ 19)

وقد حارب الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله هذه العقائد الضالة الناشئة من التصورات الخاطئة وهوى‏ النفس كما ورد في ذيل الآية الكريمة بعد أن أشارت إلى‏ الأصنام الثلاثة الكبيرة المعروفة بقوله تعالى : {انْ هِي إِلَّا اسمَاءٌ سَمَّيْتُمُوَها انتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَّا انزَلَ اللّهُ بِهَا مِنْ سُلطَانٍ انْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهوَى‏ الأنْفُسُ}. (النجم/ 23)

صحيح أنّ المشركين قد تشبثوا بدليلٍ واهٍ ليبرّروا به عبادتهم للأصنام حيث قالوا : (إنّ ذاتَ اللَّه أسمى‏ من أن يصلَ إليها العقل والفكر الإنساني وهو منزه عن أن نعبده بصورة مباشرة)، وعلى‏ هذا الأساس فالذين وكّل إليهم أمر خلقهِ وتدبيرهِ هم الواسطةُ إليه وهؤلاء هم الملائكة والجن وكل الموجودات المقدسة فهؤلاء اربابٌ نعبدهم وهم الذين يقربوننا إلى‏ اللَّه‏ {مَا نَعبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى‏ اللَّهِ زُلفَى‏} (الزمر/ 3) .

وعلى‏ هذا فإنّ أيدينا لا تصل إلى‏ هذه المقدسات فنصنع لها تمثالًا ثم نَعبدُها! وهذه التماثيل هي أصنامهم وفي تصورهم أن هناك وحدة واتحاداً بين هذه الأصنام والوجودات المقدسة فهم يخاطبونها بالآلهة والأرباب.

وهم بهذه الخرافات الواهية ابتعدوا عن اللَّه سبحانه وتعالى‏ وهو أقرب إلى‏ الإنسان من نفسه، وبدلًا من أن يتوجهوا إلى‏ اللَّه الذي هو منبع الفيض والقدرة البصير الموجود في كل مكان لجأوا إلى‏ مخلوقات ممكنة لا حول ولا قوة ولا شعور لها بل إنّها مخلوقة بأيدي عبّادها ومع ذلك فقد أجلسوا تلك المخلوقات التي لا قيمة لها على‏ عرش الربوية والالوهية ناسين عظمة الذات الإلهيّة اللامتناهية ولاهثين وراء سراب يحسبونه ماءً.

2- تفشي حالة الفقر الشديد بين الناس‏

في الوقت الذي بُعثَ فيه الرسول صلى الله عليه و آله كان عرب الجاهلية غارقين في فقر شديد إلى‏ الحد الذي كانوا يقتلون فيه أبناءهم- وحتى‏ الذكور منهم أولئك الذين يشكلون الحجر الأساس لحياتهم المادية والاقتصادية- ليقللوا عدد الأفواه الجائعة، قال تعالى‏ : {وَلَا تَقتُلُوا اولَادَكُمْ خَشْيَةَ املَاقٍ نَّحنُ نَرزُقُهُمْ وَايَّاكُم} (2). (الإسراء/ 31)

وقد جسّم أمير المؤمنين علي عليه السلام هذا المعنى‏ في تحليل جامع فقال عليه السلام : «إنّ اللَّهَ بَعَثَ محمداً صلى الله عليه و آله نذيراً للعالمين، وأميناً على‏ التنزيل وأنتم معشر العرب على‏ شرِ دين وفي شر دار منيخون بين حجارةٍ خُشن وحيّات صُمٍّ، تَشربونَ الكَدِرَ، وتأكلونَ الجَشِبَ» (3).

3- عباداتهم العجيبة

كانت عبادة المشركين غريبة للغاية، ويجيب القرآن الكريم على‏ ادّعاء المشركين الذين يزعمون : بأنّه إذا كان محمدٌ صلى الله عليه و آله قد اتى‏ بعبادات فإنّ لنا مثلها وكنا نصلي إلى‏ جانب الكعبة كذلك، فيقول القرآن : {وَمَا كَانَ صَلَاتُهُم عِندَ البَيتِ إِلَّا مُكَاءً وتَصدِيَةً}. (الانفال/ 35)

نعم، إنّهم يُسمّون صفيرهم الاحمق وتصفيقهم الأبله صلاةً، «فالمكاء» يعني : صوت الطيور، وجاء تشبيه أصوات العرب في الجاهلية حول الكعبة بصوت الطيور، ربّما لأنّه خالٍ من أي مفهوم كصوت الطيور الذي لا محتوى‏ فيه، أو أن كل ما كان يفعلونه ما هو إلّا مجرّد غناء.

وأمّا «التصدية» فمعناها التصفيق، وهو ضرب اليد على‏ الاخرى‏ والصوت الناتج من‏ ذلك يسمى‏ تصدية، وعلى‏ هذا الأساس سمي تردد الصوت بين الجبال بالصدى‏، ولم ينتهوا إلى‏ هذا الحد بل كانوا يطوفون عراة كما ولدتهم امهاتهم حول الكعبة، وهذا ما اشير إليه عندما نزلت سورة براءة وقام بإبلاغها أمير المؤمنين علي عليه السلام في شهر ذي الحجة بقوله : «لا يطوفَنَّ بالبيت عُريانٌ ولا يحُجنَّ البيتَ مشركٌ ...» (4).

ويقال : إنّ السبب من طوافهم عراة أنّ مجموعة من العرب يُسمّون أنفسهم‏ (حُمس) (5) يعتقدون بأنّ طوافهم حول الكعبة يجب أن يكون بلباس خاص، ومن لم يملك ذلك اللباس ويطوف بملابسه المعتادة فعليه أن يرميها بعيداً بعد انتهاء الطواف ولا يحق له وللآخرين استخدامها ولذلك يطلقون على‏ هذه الألبسة (اللَقاء)، أي ما يُلقى‏ من الثياب، وإذا اخذ بنظر الاعتبار أنّ أكثر الناس كان يسودهم فقر مدقع ولا يملكون إلّا لباساً واحداً فيضطرون لخلعه من أجل الاحتفاظ به ويطوفون عراة حول الكعبة.

وقد استفاد أصحاب الشهوات أحياناً من هذه الخرافة ليتمتّعوا بالنظر إلى‏ الشباب من الرجال والنساء عندما يعرضون أجسادهم عارية (6).

ويذكر ابن هشام أنّ الرجال كانوا عراة تماماً. أمّا النساء فكنَّ يخلعن كل ملابسهن ما عدا ثوباً مشقوق الذيال يبدي أجسامهن ثم ينشغلن بالطواف، وذات يوم طافت امرأة في تلك الهيئة أمام أعين رجال شرهة فأنشأت هذا الشعر الذي حفظه لنا التاريخ :

اليَومَ يَبدُو بَعضُهُ أَو كُلُّهُ‏             فما بَدا مِنهُ فَلا أحِلُّهُ‏ (7)

أمّا القرابين التي يقدمونها إلى‏ الأصنام فلها قصةٌ مفصلةٌ، فمن جملة ذلك أنّ الناس في (دومة الجندل) (8) كانوا يقدمون شخصاً في كل سنة قُرباناً إلى‏ الآلهة مع مراسم خاصة ثم يدفنون جسده المدمى‏ قرب المذبح، حتى‏ كتب بعضهم : ا نّ المصريين كانوا يقدمون أجمل الشباب والشابات قرابين إلى‏ (آلهة النيل)، وقد بقي ذلك التقليد عُرفاً اجتماعياً لبعض قبائل العرب فينذر الآباء أبناءهم أحياناً قرابين إلى‏ الآلهة أيضاً (9).

4- الخرافات الاخرى‏ لعربِ الجاهلية

ومن جملتها مسألة اللحوم المحللة والمحرمة والقوانين المخزية الفارغة التي كانوا يسنونها لأنفسهم كما ذكر ذلك القرآن الكريم : {وَقَالُوا هَذِهِ انْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لَّا يَطعَمُهَا الَّا مَنْ نَّشاءُ بِزَعمِهِم وَانعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا}. (الأنعام/ 138)

ويقول في الآية التي بعدها : {وَقَالُوا مَا فِى بُطُونِ هذِهِ الانعَامِ خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنا وَمُحَرَّمٌ عَلَى‏ ازوَاجِنَا وَانْ يَكُنْ مَّيْتَةً فَهُم فِيهِ شُرَكَاءُ}. (الأنعام/ 139)

وقد وعَد القرآن أصحاب تلك البِدع القبيحة التي ابتدعوها بالخسران كما ورد في ذيل هذه الآيات من قوله تعالى‏ : {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا اولَادَهُم سفَهًا بِغَيرِ عِلمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ افتِرَاءً عَلَى‏ اللَّهِ قَد ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهتَدِينَ}. (الأنعام/ 140)

حتى‏ أنّهم قد حرَّموا بعض السنن الباقية من الأنبياء عليهم السلام وأصبحت غير مؤثرة مثل سُنة تحريم القتال في الاشهر الحرم (ذي القعدة، ذي الحجة، محرم، رجب) حيث كان ذلك المعتقد عاملًا مهماً في منعهم عن سفك وإراقة دمائهم، لكن تلك السُنة الخرافية (النسي‏ء) كانت تبطل تأثيرها، فمتى‏ ما أرادوا تجاوز حرمة هذه الأشهر الحُرم، قالوا لا مانعَ من جعل شهر آخر مكان هذا الشهر، فعابَ عليهم القرآن هذا العمل السي‏ء بقوله تعالى‏ : {انَّمَا النَّسِى‏ءُ زِيادَةٌ فىِ الكُفرِ}. (التوبة/ 37)

إنّ الحج وزيارة بيت اللَّهِ الحرام التي كانت من سنن إبراهيم عليه السلام ودافعاً إلى‏ الوحدة والتقرب إلى‏ اللَّه سبحانه، قد تلوث بخرافاتهم ولم تصبح سبباً وعاملًا للابتعاد عن اللَّه سبحانه فحسب بل وللتفرقة والتشتت بين الناس، لأنّ التعصب للقومية والشرك وعبادة الأصنام كانت سائدة عليها.

5- شيوع الفساد الأخلاقي‏

لقد بلغ الفساد الأخلاقي أعلى درجاته عند عرب الجاهلية فقد كانت تحكمهم عداوات شديدة وأحقاد موروثة من السلف إلى‏ الخلف، لم تقتل الأخلاق فحسب بل إنّ كل شي‏ء في المجتمع ذهب ضحية لهذه العداوات وقد بيّن القرآن الكريم ذلك للعرب الذين مَنَّ اللَّهُ وتعالى‏ عليهم بالإسلام بقوله : {وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَليَكُم اذْ كُنْتُم اعدَاءً فَالَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُم فاصبَحْتُم بِنِعمَتِهِ اخوَاناً وَكُنْتُم عَلى‏ شَفَا حُفرَةٍ مِنَ النَّارِ فَانقَذَكُم مِّنهَا}. (آل عمران/ 103)

و «الشفا» : كما جاء في «مقاييس اللغة» هي الإشراف والتسلُّط على‏ الشي‏ء و (الشفا) هنا يطلق على‏ الأشياء التي يشرف الإنسانُ عليها، مثل الإشراف على‏ جوانب الحفرة أو حافة الوادي أو حافة النهر، وكذلك (شفة) الإنسان على‏ جانبي فمه ويُطلق أيضاً على‏ تحسن صحة المريض لأنّه يتسلط ويتغلب على‏ المرض.

وعلى‏ أيّة حال فقد شبَّه القرآن الكريم حياة عرب الجاهلية بمن يقف على‏ شفا حفرة من النار ليسقط فيها بسهولة، نار تحرق كل شي‏ء وتحوله إلى‏ رماد.

كانت العداوة والنفاق والاختلافات مطبوعةً في نفوسهم وحاكمةً عليهم بحيث صرح القرآن الكريم لنبيّ الإسلام محمد صلى الله عليه و آله : إنّ من المستحيل القضاء على‏ هذه الاختلافات بالطرق العادية وإيجاد الاتحاد والوحدة بينهم إلّا بمعجزة إلهيّة، وقد حصل ذلك على‏ يد الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله بإذن اللَّه : {لَو انفَقتَ مَا فِى الأَرضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفتَ بَينَ قُلُوبِهِم وَلَكنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَينَهُم}. (الانفال/ 63)

إنَّ معاقرة الخمر واللعب بالميسر والأزلام كانت متفشية بحيث كان من الصعب القضاء عليها بمرحلة واحدة، لذلك جاء أمر تَحريم الخمر على‏ عدّة مراحل‏ (10).

كما أنّ أحد أكبر المفاسد الأخلاقية والاجتماعية هو مسألة (حقوق المرأة) في مجتمع عرب الجاهلية، فقد وصلت إلى‏ الحد الذي يتفق مع ما قاله بعض المفسرين : إنّه عندما تحين ولادة المرأة في العصر الجاهلي تحفر حفرة وتجلس على‏ شفتها فإن كان المولود بنتاً قذفته فيها، وإذا كان ولداً عصمته منها. وقد قال أحد شعرائهم بهذا الصدد مفتخراً :

سَميتُها إِذْ وُلدت تَموتُ‏               والقبرُ صِهرٌ ضامنٌ ذمِّيتُ‏ (11)

إنّ هذا العمل سواء كان بدافع الفقر المدقع والاعتقاد بعدم الفائدة الاقتصادية للبنات أو بدليل التعصب المفرط ضدهن لتفادي وقوعهن في الحروب أسيرات بيد الأعداء فهو أفضع وأوحش عادات عصر عرب الجاهلية.

وقد عاب القرآن هذه الاعتقادات مراراً بقوله تعالى‏ : {وَاذَا بُشِّرَ احدُهُم بالأنثى‏ ظَلَّ وَجهُهُ مُسوَدّاً وَهُوَ كَظيمٌ* يَتَوَارَى‏ مِنَ القَومِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ ايُمسِكُهُ عَلَى‏ هُونٍ امْ يَدُسُّهُ فِى التُّرابِ الَا سَاءَ مَا يَحكُمُونَ}. (النحل/ 58- 59)

إنّ هذا العمل نوع من أنواع التعصب الأعمى‏ لحفظ الشرف وقد جرهم لاقتراف أفضع الجرائم : (قتل الإنسان لطفله المسالم) وهو دليل واضحٌ على‏ أعظم حالات الجهل وسقوط الأخلاق وانعدام العواطف الإنسانية والاستهانة بمنزلة المرأة في ذلك المجتمع الجاهلي وتعبير {أَيُمسِكُهُ عَلَى‏ هُونٍ} يشير إلى‏ أنّ وجود البنت يعدّ عاراً عندهم إلى‏ الحد الذي يهرب من قومه وقبيلته تخلصاً من عارها، غافلًا عن أنّ مسألة عدم وجود بنت تعني عدم وجود امهات، وإذا انعدمت الامهات انعدم وجودهم أيضاً، يقول أحد شعرائهم في هذا الصدد :

لكل أبي بنت يُراعي شؤونها         ثلاثةُ أصهارٍ إذا حُمِدَ الصهرُ

فبعلٌ يُراعيها وخِدرٌ يُكنّها            وقَبرٌ يُواريها وخيرُهُم القَبرُ(12)

______________________
(1) الكامل، ج 2، ص 80؛ تفسير في ظلال القرآن، ج 8، ص 95.

(2) هناك احتمال أنّ هذه الآية إشارة إلى‏ قتل البنات اللاتي ينظر إليهن المجتمع باحتقار ويعدهن لوحدهن مخلوقات وضيعة مستهلكة ولكن الاحتمال هنا يشمل الأولاد أيضاً لوجود ضمير جمع المذكر ولقوله تعالى‏ «إن قتلهم كان خِطأً كبيراً) ويعود هذا الضمير إلى‏ الأولاد في صدر الآية التي نزلت إمّا بخصوص الأولاد فحسب أو الأولاد والبنات على‏ أقل تقدير وقد استخدم ضمير الجمع للمذكر لتغليب الذكور على‏ الإناث.

(3) نهج البلاغة، الخطبة 26.

(4) تفسير مجمع البيان، ج 5، ص 3، في ذيل الآيات الاولى‏ لسورة البقرة.

(5) «حُمس» على‏ وزن «خُمس» جمع «أحمس» وهو من تعصب لدينهِ، ولأنّ قريش كانت توطد عقيدة الشرك‏ لذلك وصفوا أنفسهم بال (حُمس).

(6) الإسلام والعقائد والآراء البشرية، ص 288.

(7) سيرة ابن هشام، ج 1، ص 215.

(8) منطقة في شمال غربي (نجد) في قمة جبال الجزيرة العربية، وهناك كانت قصة وقوع التحكيم بصفين.

(9) الإسلام وعقائد وآراء البشر، ص 278.

(10) والتفصيل في ذلك جاء في التفسير الامثل ذيل الآية 90 من سورة المائدة.

(11) تفسير مجمع البيان، ج 10، ص 444.

(12) تفسير القرطبي، ج 6، ص 3734.

 




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .