كانت خرائط التوزيعات الجغرافية التي ازداد الاهتمام برسمها منذ أواسط القرن التاسع عشرهي النواة الجغرافية الحقيقية للجغرافيا الطبية ، فعلى أساسها بدأت العلاقة بين الأمراض والبيئة تبدو أكثر وضوحاً ففتحت الباب أمام الباحثين لمعالجة توزيع الأمراض على أساس جغرافي مدعم بالبيانات الإحصائية حتى أن أحد الباحثين البريطانيين وهو جلبرت E. Gilbert ( 1958 ) قال : ( إن الاهتمام برسم الخرائط الطبية وبالدراسات الجغرافية للأمراض الوبائية يمثل بعثاً جديداً للجغرافيا الطبية Renaissance of medical geography ) ولقد كان التقدم المستمر للعلوم الطبية بمختلف فروعها عاملاً آخر من العوامل التي ساعدت على نمو الجغرافيا الطبية التي أفادت بصفة خاصة من التقدم في  الدراسات الإيكولوجية للأمراض والطفيليات المسببة لها ، والكائنات الحيوانية المختلفة الناقلة لمكروباتها أو الخازنة لها . كما أفادت كذلك من تقدم الإحصاءات الطبية بمختلف أنواعها ، وبالجهود الطبية والصحية التي قامت بها الدول المختلفة لمكافحة الأمراض ورفع المستويات الصحية لسكانها ، وكذلك البرامج والأبحاث التي أجرتها منظمة الصحة العالمية في مختلف الدول ، ومن بينها الأبحاث التي أجريت على الأمراض الوبائية الواسعة الانتشار مثل الملاريا والبلهارسيا .

ومن بين الدراسات الهامة التي تستحق الذكر في مجال الجغرافيا الطبية الحديثة تلك الدراسات التي أشرف على تحريرها د. جاك ماي كان رئيساً لوحدة الجغرافيا الطبية في الجمعية الجغرافية الأمريكية ، والتي نشرت في سلسلة تضم ثلاثة أجزاء هي :

1- إيكولوجية الأمراض (1958 ) Ecology of Disease s.

2- دراسات في إيكولوجية الأمراض (1961 ) Studies in Disease Ecology

3ـ إيكولوجية سوء التغذية في المشرق الأقصى والشرق الأدنى ( 1961 ) The Ecology of Malnutrition in the Far and Near East.

وبالإضافة إلى هذه الجهود فقد توالى ظهور الأبحاث العلمية في مختلف مجالات الجغرافيا الطبية حتى أصبحت تعد بالآلاف. ومع ذلك فلا بد من التنويه بأن أكبر خطوة خطتها هذه المادة قد جاءت في سنة 1949 عندما قرر الاتحاد الجغرافي الدولي في مؤتمره الذي عقد في تلك السنة تشكيل لجنة خاصة بها ضمن لجانه المتخصصة باسم لجنة الجغرافيا الطبية، ومنذ ذلك الوقت لم يعد هناك أى مجال للتشكك في الانتماء الجغرافي القوى لهذه المادة. وقد شجع تشكيل هذه اللجنة على ظهور كثير من الأبحاث في مختلف مجالات الجغرافيا الطبية في معظم الدول المتقدمة وعلى إدخالها في برامج الأقسام الجغرافية في كثير من الجامعات. ومع ذلك فمازال الاهتمام بها محدوداً في معظم الجامعات العربية، وذلك على الرغم من أن الدول العربية بل وكل الدول النامية أشد حاجة إلى هذه المادة من الدول المتقدمة .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

Stamp, D. (1965), P. 153.