أما المستعربة فهم نسل سيدنا إسماعيل بن إبراهيم، وسموا بهذا الاسم لأنه لما نزل إبراهيم عليه السلام مكة المشرفة نزل على جرهم الثانية، وهم من بني قحطان، ذكره السيوطي في كتابه، قال: كان عمر إسماعيل عليه السلام لما نزل أبوه بمكة فيما يروى أربع عشر سنة. وذلك قبل الهجرة بألفين وسبعمائة وثلاث وتسعين سنة، فتزوج إسماعيل امرأة من جرهم وتعلم منها العربية، فولدت له اثنا عشر ولداً. قال ابن إسحاق وغيره من النسابين: أنه ولد ليشجب بن يعرب يترح (1)، وولد ليترح ناحور، وولد لناحور مقوم، وولد لمقوم أدد، ووولد لادد عدنان، وهذا ضعيف وقد جرى فيه اختلاف كثير بين النسابين في المدة والعدد، والحق أن المدة أطول مما ذكره البعض الأخير بكثير وذكر النبي في حديث له بعدم تجاوز معد بن عدنان، وقال: كذب النسابون (قالها ثلاثاً).

وبالجملة كانت ولاية البيت لبني اسماعيل ومفاتيحه بأيديهم، إلى أن غلبهم على ذلك جرهم، واستولوا إلى البيت بعد نابت وفي ذلك يقول تامر الحارث الجرهمي شعراً:

    وكنا ولاة البيت من بعد نابت *** نطوف بذاك البيت والأمر ظاهر

ما لكنا فعززنا فأعظم بملكنا *** فليس لحي غيرنا فاخر

ألم تنكحوا من خير شخص علمته *** فأبناؤه منا ونحن الأصـــاهر

إلى أن قال:

كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا *** أنيس ولم يسمر بمكة سامر

وهذه القصيدة طويلة قالها مضاض الجرهمي بعد ما غلبت خزاعة جرهماً، وأخذت مفاتيح البيت منهم فبقيت بأيديهم إلى أن صارت إلى غبشان. فسكر يوماً فابتاع قصي بن كلاب القرشي منه مفاتيح البيت بزق خمر، فجرى بها المثل: (أخسر من صفقة أبي غبشان) وأخبار هذه القصة مشهورة. إذا تقرر ذلك فعدنان هو شعب نسب للعرب المستعربة، الذي تفرعت منه قبائلها، وعمائرها، وبطونها، وأفخاذها، وفصائلها، فقد ذكر في العبر وغيره: أن جميع الموجودون من ولد إسماعيل من نسل عدنان، فولد لعدنان عك وذهب إلى اليمن، ومعد فولد لمعد نزار كما جاء في العبر.

ومواطن بني عدنان مختصة بنجد، وكلها بادية رحالة إلا قريش بمكة

  قال السهيلي: ولا يشارك بني عدنان من أرض نجد أحد من قحطان إلا طيء من كهلان، قال ثم تفرق بنو عدنان في تهامة الحجاز، ثم في العراق، والجزيرة الفراتية، ثم تفرقوا بعد الإسلام إلى الأقطار. والمشهور من ولد نزار بن معد بن عدنان أربعة من الولد: مضر وربيعة وإياد وأنمار والأخيــر تيــامن ونسب إلى القحطانية. ومن بني مضر تفرقت أكثر القبائل العدنانية وهم (خندف) أو بنو إلياس بن مضر، وبنو قيس عيلان بن مضر واسمه الناس ومنه قبائل سليم وهوزان ومازن ومحارب وغطفان وباهلة وغني وفهم وعدوان. أما الجذم الثاني من مضر خندف، وخندف اسم امرأة إلياس عرف بنوه بها، وكان لإلياس من الولد: مدركة على عمود النسب، وطابخة وقمعة (2). فولد مدركة خزيمة، وهذيلاً. وولد خزيمة بن مدركة كنانة، أبا القبائل المشهورة، وأسد أبا بني أسد، فولد لكنانة النضر، وولد للنضر مالك وولد لمالك فهر، وهو فهر بن مالك بن النضر بن كنانة، ويجتمع فيه نسب قريش كلها، وقريش لقب له، تشبيهاً لدابة في البحر،

يقال لها قرش، أو لغير ذلك فجماع قريش فهر فما دون قهر قريش، وما فوقه عرب مثل كنانة، وأسد وغيرهما من قبائل مضر.

فمن فهر تفرعت بطون قريش. فالمشهور سبعة عشر بطناً وهم : بنو هاشم، وبنو المطلب وبنو نوفل وبنو عبد شمس ، فهؤلاء أربعة وبنو عبد مناف بن قصي بن كلاب وبنو عبد الدار ، وبنو أسد بن عبد العزى ، فهؤلاء الثلاثة أخوة عبد مناف بن قصي بن كلاب ، وبنو زهرة ابن كلاب أخي قصي بن كلاب ، وبنو تيم ، وبنو مخزوم بن يقضه ، هما أخوا كلاب أخي قصي بن كلاب ، وبنو عدي وبنو سهم وبنوا جمح أخوة مرة بن كعب بن لؤي ، وبنو عمار أخي كعب ، هما أبناء لؤي بن غالب بن فهر ، وبنو الحارث ، وبنو محارب أخي غالب بن فهر بن مالك بن النضر ، وبنو تميم بن غالب منهم عبد الله بن خطل الذي أهدر دمه يوم الفتح.

وخندف من مضر العدنانيين هم قبائل كثيرة معروفة تميم وضبة الرباب ومزينة وهذيل وأسد

ومن عدنان أيضاً (ربيعة) وهو ربيعة بن نزار ومنه قبائل عنزة وضبيعة وأكلب وعبد القيس وتغلب وبكر ومنها بنو حنيفة وبنو شيبان وغيرهما. والعرب من الأمم التي تعتني بحفظ أنسابها وتعتز بأحسابها وتقتفي آثار أجدادها في الفضائل والمحاسن والمناقب والتقاليد والعادات والسجايا كما يشهد بذلك واقعها وتاريخها.

......................................

1-يترح: ذكرت في بعض المراجع تبرح.

2-فمعة: ومنه على خلاف مع بعض النسابين الذين ذكروا أن خزاعة من القحطانية.