أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-04-02
1123
التاريخ: 19-12-2016
2346
التاريخ: 2024-11-28
311
التاريخ: 26-6-2016
2572
|
المجتمع البشري عبارة عن مجموعة من الافراد تجمعهم اللغة او العرق أو الدين أو الحدود الجغرافية، وتختلف هذه المجتمعات من عصر لآخر، من حيث الثقافة والفكر وطبيعة العيش وتفاصيل كثيرة، وتأتي فكرة الاجتماع من خلال الواقع الذي يعيشه البشر فكل واحد يحتاج الى الاخر، الرجل يحتاج الى زوجة، والفقير يحتاج الى المال، والغني يحتاج الى من هو دونه الذي يملك تخصصاً لا يملكه والمريض بحاجة إلى الطبيب، إلى آخر هذه العلاقات المختلفة، فعلى ضوئها صار الاجتماع البشري، فاصبح الجميع مهتماً ولو بصورة ضعيفة بالبناء الاجتماعي للناس، وبات الاغلب يؤمن بهذه المسألة، ولا يمكن نكران اهمية اجتماع الناس، وحصول الألفة والمودة والتفاهم فيما بينهم، اذ تصرح المدارس العلمية بان الانسان اجتماعي بطبعه اي ان طبيعته البشرية والفطرية تدفعه لكي يجتمع مع الناس وصرح القرآن بأهمية التعارف فيما بين البشر، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات: 13]، فكل هذا الوضوح في معنى التعارف وفي مفهومه الرحب الواسع يجعل الباحث امام الصورة الناصعة لأهمية الترابط بين الناس، ولا يظهر الترابط ابدا ما لم تكن هنالك فلسفة وغاية يعرف من خلالها الانسان لماذا الرابطة ولماذا الاهتمام بالناس، وماذا يجني الانسان من ذلك؟ وهل ان كل عمل يقوم به الانسان يجب ان تكون فيه منفعة مباشرة تعود اليه؟ فالاختلاف بين البشر لا يلغي تواصلهم ولا مودتهم، فالواقع لا يمكن طرحه والتمسك بعالم المثال عند الحديث عن البشر والمجتمع الانساني، فأساس الاختلاف موجود، من اللون والطول والجمال والمواهب وغيرها، فحقيقة الاختلاف طبيعية لا تمنع من الاجتماع والتعارف والاهتمام، وهنالك من يضع قيوداً أخرى كالعرق والحزب والمؤسسة والتوجه، وهنالك اشياء تفرض بصورة جبرية كالحدود الجغرافية واللغة والقومية، ويسعى الكثير لكي يجد في هذه الاختلافات بين البشر فجوة ينطلق منها للتمييز بين الناس، ونحن نلاحظ التمايز بين البشر أخذ مأخذه، وهو اليوم ومنذ القدم شاغل من مشاغل الانسان، رغم اننا نجد العالم المتحضر كله ينادي ضد العنصرية والتفرقة بين البشر، لكن هذه الأصوات لا تعدو أن تكون مجازية لا حقيقة وراءها، واذا كان الجميع ينبذ صور الاختلاف و التمايز بين البشر، فلماذا يكثر التمايز في الأوساط التي تنادي صوتياً بعدم التمييز العنصري؟ المدارس المختلفة كتبت دراسات كثيرة عن الانسان، سواء اكانت الفلسفية بشتى انواعها أو النفسية او الاجتماعية، وتحدث أهل التنظير من العلماء والادباء حول موضوع الانسان بشكل مستفيض، وكل واحد منهم له وجهته الخاصة، ويكاد يتفق الجميع على مبدأ التعاون بين البشر، وان قوام الحياة يبدأ من الترابط بين الافراد على جميع المستويات التي تؤثر في واقع النسيج البشري، وتؤثر عليه بصور مختلفة، بيد ان هذا الانتاج الضخم من النظريات الكبرى بعضها أخفق والبعض الآخر نجح في علاج مثل هذه المشاكل؛ لان اغلب ما يطرح هو للتنظير فقط، اذ لا يلحظ معه الجنبة العملية والواقعية، وبعض هؤلاء انطلق من مفهوم ديني، واخر من مفهوم دراسي وعلمي، ولا يمكن ارجاع الاخفاق في التطبيق الى النظريات فقط، بل الانسان نفسه لم يلتزم بالكثير من القواعد والقوانين في مجمل حياته بكافة تفاصيلها، لذا نجد ان الدين وضع قانون الثواب والعقاب الأخروي، وبعض الاشياء وضع آثارها في الحياة الدنيا، وهذه الأساليب تكون معالجة لمبدأ التسويف والاهمال الذي يرتكز عليه الانسان في اوقات كثيرة، لذا جاءت قواعد الدين في الاهتمام بالبشر حاملة للآثار الأخروية والدنيوية من جهة الثواب والعقاب، فالإنسان تحركه وتدفعه المبادئ التي يرى فيها نسبة واضحة النفع أو التهديد احياناً، فيعتبر الدين محركاً للإنسان نحو تحقيق الفضائل والخصال الحميدة والصفات الحسنة ومن هذه الاهتمامات التي صب الدين نصوصه عليها هي الاهتمام بالناس واحترام بعضهم البعض، جاعلاً للإنسان القيمة الكبرى من بين الكائنات المختلفة، فالقرآن الكريم والاحاديث الواردة عن اهل البيت (عليهم السلام) تقرر بشكل لا ريب فيه، اهمية مراعاة الانسان وقد وضعت حدوداً وقيوداً للتعامل فيما بين البشر، وحددت صور العلاقات، وبثت فيهم روح المحبة والتعاون، وتأكيدها على المبادئ الفطرية الصحيحة، التي من خلالها يصبح الانسان في رقي دائم، ويمكن له ان يعيش الواقع بصورة مذهلة بعيداً عن النظريات التي لا تضمن له العيش السليم، في ظل عالم متأزم على المستوى النفسي والروحي، فلا علاقات دون مصالح ومطامع وحسابات ضيقة، المنفعة تسود العالم اليوم، واغلب العلاقات تقتصر على المنفعة والمصلحة، وان لم تكن كذلك فهي نادرة جداً، ومع الاسف الشديد. مثل هذه الافكار بدأت تغزو واقع المسلمين الذين يمتلكون حضارة اسلامية انسانية لا يملكها غيرهم، من حيث العراقة والانسانية المنبثقة من التعاليم الالهية، فغدت مسالة الاهتمام بالإنسان حبراً يلطخ الورق، لا أثر لها في واقع الحياة، وكل عارف يلتمس تلك المهمة التي ترفع من مستوى العلاقات بين البشر، ومن النادر رؤية الصورة الانسانية الطيبة كالاهتمام بالأيتام، واحترام الطبقات المختلفة في المجتمع، وبناء البيوت للفقراء والمساكين، وحماية ذوي الحالات الخاصة، من اهل الرشد والعقل، وغيرها من الصور التي بات وجودها يشكل تعجباً للمشاهد وكأنها افعال من كوكب آخر، حقاً هذا يشرح مدى تساهل البشر في الاهتمام بقضاياهم، ومدى تخلف الانسان المتحضر عن هذه القضية الحيوية، لا يختلف الجميع على قيمة الاهتمام بالإنسان، واهمية معاملة الانسان كفرد عاقل وهبه الله الحياة وحق العيش في الأرض، كما لا يختلف اثنان على ان الانسان هو المحور الذي تدور عليه رحى التكاليف والخطابات فمشكلة البشر اليوم اغفالهم حق الانسان، فعندما يشرعون قوانين حقوق الحيوان، كان الأحرى بهم ان يشرعوا قوانين حب الانسان للإنسان، فالإنسان يقتل كل يوم ويسفك دمه وينتهك، ولا قيمة له، الانسان لا يقتله حيوان آخر يختلف عنه في الجنس، يقتله ابن جنسه، ويشبهه بالفصيلة والعقل، فالإنسان الفقير او المسالم يصبح أكثر عرضة للخطر في اماكن كثيرة في هذا العالم، يجبر ان يكون دموياً وهو لا يريد هذه الصفة ابداً، فلا وجود لمنظمات لها عملها الذي يهتم بالإنسان وقضاياه المختلفة، حتى أولئك الذين يصرخون كل يوم باسم الانسانية في غفلة نائمون، فالواقع والفعل شيء، والصوت والاعلام شيء آخر، فما يقوله الكثير في غرفة الكاميرا يختلف تماماً عن فعله خارج تلك الغرفة، واذا كان الدين مؤسسة فكرية وتربوية كبرى فانه لم يغفل عن الاهتمام بالإنسان وقضيته وهدايته ورشده وصلاحه الا تجد ذلك ظاهراً في قوله تعالى: {قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} [هود: 88]، فهذا المرشد الاعلى والنبي الطاهر، لا يريد سوى هداية وصلاح البشرية، وهذه غاية السماء والرسل والانبياء، حب البشر وهدايتهم وصلاحهم وانتقالهم من الظلمات الى النور، وهو هدف القرآن الكريم واخراجهم من ذل اتباع الشيطان الى عز عبودية الرحمن، باختصار شديد الاهتمام بالإنسان وشؤونه، وهذا ما حفلت به النصوص الدينية الواردة عن النبي الاكرم (صلى الله عليه وآله) واهل البيت (عليهم السلام)، وخشية الاطالة المملة ندخل في القواعد التي استخلصتها من مصادرنا الحديثية التي تعنى بالإنسان والاهتمام به وهي قواعد نافعة لمن يريد ان يهتم بالبشر.
ـ الدعاء لهم بظهر الغيب
الدعاء في المنظومة الدينية مفهوم كبير جداً، وجزء من البعد الايماني للعبد، فهو معراج المؤمن وسبيل التكلم مع الخالق والاتصال به، والصلاة بكبرها واثرها هي دعاء وتوصل الى الله (عز وجل)، وقد ورد في فضل الدعاء انه سلاح المؤمن، فَعَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام) قالَ: (قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صلى الله عليه وآله ـ الدُّعَاءُ سِلَاحُ الْمُؤْمِنِ وَعَمُودُ الدِّينِ وَنُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ) (1) وعن النَّبِي (صلى الله عليه وآله): (أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى سِلاح يُنْجِيكُمْ مِنْ أَعْدَائِكُمْ وَيُدِرُّ أَرْزَاقَكُمْ قَالُوا بَلَى قَالَ تَدْعُونَ رَبَّكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ فَإِنَّ سِلَاحَ الْمُؤْمِنِ الدُّعَاءُ) (2).
فاذا كانت اهمية الدعاء بهذا الشكل، فلم لا ندعو للناس بظهر الغيب؟ ولماذا لا نذكرهم في صلواتنا ودعائنا؟ اعتقد ان من الطرق المهمة لكشف سلامة القلب تجاه الناس، أن تقرر الدعاء للناس فاذا وجدت قلبك يهفو لذلك اعلم بانك تملك حباً للناس، وان وجدته لا يهتم، بل تخرج منه الخبائث تجاه الناس بدلاً من الدعاء هم، اعلم انه مريض وعليك معالجته، فهنالك الحث الشديد من قبل الشارع على الدعاء بصفة عامة، والدعاء للإخوان بصفة خاصة منها:
1ـ عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: (أوشك دعوة وأسرع إجابة دعاء المرء لأخيه بظهر الغيب) (3).
2ـ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ ثُوَيْرٍ قَالَ سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ (عليه السلام) يَقُولُ: (إِنَّ الْمَلَائِكَةَ إِذَا سَمِعُوا الْمُؤْمِنَ يَدْعُو لِأَخِيهِ الْمُؤْمِنِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ أَوْ يَذْكُرُه بِخَيْرٍ قَالُوا نِعْمَ الْأَخُ أَنْتَ لَأَخِيكَ تَدْعُو لَهُ بِالْخَيْرِ وهُوَ غَائِبٌ عَنْكَ وَتَذْكُرُه بِخَيْرٍ قَدْ أَعْطَاكَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِثْلَيْ مَا سَأَلْتَ له وأَثْنَى عَلَيْكَ مِثْلَيْ مَا أَثْنَيْتَ عَلَيْهِ وَلَكَ الْفَضْلُ عَلَيْهِ وَإِذَا سَمِعُوه يَذْكُرُ أَخَاهُ بِسُوءٍ وَيَدْعُو عَلَيْهِ قَالُوا لَهُ بِئْسَ الْأَخُ أَنْتَ لَأَخِيكَ كُفَّ أَيُّهَا الْمُسَتّرُ عَلَى ذُنُوبِهِ وَعَوْرَتِهِ وَارْبَعُ عَلَى نَفْسِكَ وَاحْمَدِ اللهِ الَّذِي سَتَرَ عَلَيْكَ وَاعْلَمْ أَنَّ الله عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ بِعَبْدِهِ مِنْكَ) (4).
3ـ عَليٌ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: رَأَيْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ جُنْدَبٍ فِي الْمَوْقِفِ فَلَمْ ار موقفاً كَانَ أَحْسَنَ مِنْ مَوْقِفه مَا زَالَ مَادّا يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ وَدُموعُه تسِيلُ عَلَى خَدَّيْهِ حَتَّى تَبْلُغَ الأَرْضَ فَلَمَّا صَدَرَ النَّاسُ قُلْتُ لَهِ يَا أَبَا مُحَمَّدِ مَا رَأَيْتُ مَوْقِفاً قَطُّ أَحْسَنَ مِنْ مَوْقِفِكَ، قَالَ: وَاللَّهِ مَا دَعَوْتُ إِلَّا لإِخْوَانِي وَذَلِكَ أَنَّ أَبَا الْحَسَنِ مُوسَى (عليه السلام) أَخْبَرَنِي: (أَنَّ مَنْ دَعَا لِأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ نُودِيَ مِنَ الْعَرْشِ وَلَكَ مِائَةُ أَلْفِ ضِعْفٍ فَكَرِهْتُ أَنْ أَدَعَ مِائَةَ أَلْفِ مَضْمُونَةٍ لِوَاحِدَةٍ لَا أَدْرِي تُسْتَجَابُ أَمْ لا) (5).
هذه الروايات الشريفة الواردة عن اهل البيت (عليهم السلام) يستفاد منها الاهتمام بالإنسان المؤمن إلى درجة ان يقدم على النفس، فتدعو له بالخير وتحب كل شيء ينفعه، فهذه هي المدرسة التي تفيد الانسان وترفعها من عوالم الذل والتيهان الى عوالم الرقي والايمان والمحبة والفطرة النقية السليمة، حقاً ان الدعاء للآخرين يغير من نظرتنا للناس، ويجعلنا اكثر حباً لهم، جرب هذه العملية وادع للناس كل يوم في صلواتك وخلواتك، ستجد نفسك قريباً منهم تهتم لهمهم وتشعر كما يشعرون وكأنك واحد منهم، فاذا كنت مريضاً ودعوت للمرضى مثلك شعرت بهم وتذكرت الالم وشدته، وان كنت فقيراً دعوت لكل فقير مثلك وتذكر ذل الفقر والاحتياج الى الناس، واذا كنت مهموماً ودعوت لكل مهموم تذكرتهم وعرفت اثر هذا الأمر في نفوسهم، واذا كنت عطشان ودعوت الله ان يروي كل عطشان تذكرت حال العطاشى، واذا دعوت الله طالباً الذرية ذكرت كل واحد لم يرزق بالذرية وعرفت حاله، كما تعرف حالك، فكل دعاء تدعوه تذكر ان المؤمنين الذين يشبهونك بالحاجة، الفقراء والمرضى ومختلف الحوائج، هذه الروحية والتربية العالية تصنع في ذواتنا الحب تجاه الآخرين وترفع من مستوى اهتمامنا بالناس، وكل ذلك مرجعه إلى صلاح النفس وتقوية أواصر المحبة بين الناس جميعاً.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1ـ اصول الكافي: الشيخ محمد بن يعقوب الكليني، 2 / 468.
2ـ المصدر السابق: 2 / 468.
3ـ المصدر السابق: 2 / 507.
4ـ المصدر السابق.
5ـ المصدر السابق.
|
|
لصحة القلب والأمعاء.. 8 أطعمة لا غنى عنها
|
|
|
|
|
حل سحري لخلايا البيروفسكايت الشمسية.. يرفع كفاءتها إلى 26%
|
|
|
|
|
قسم الشؤون الفكرية يقيم الحفل الختامي لمسابقة حفظ قصار السور للناشئة في أفريقيا
|
|
|