أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-04-15
1022
التاريخ: 2024-05-11
905
التاريخ: 22/11/2022
2199
التاريخ: 31-8-2022
1660
|
إن قيام الدليل على ما للحرمان من آثار سيئة على نمو الشخصية في السنوات الأولى من العمر يعتبر تحديا يتطلب العمل. فكيف يمكن تجنب هذا الحرمان حتى ينمو الأطفال في صحة عالية جيدة؟
إن هناك اعتقاداً بأن وجود علاقة ودية صادقة مستمرة بين الرضيع والطفل الصغير وبين الأم (أو الأم البديلة)، يشعر كل منهما عن طريقها بالرضا والاستمتاع، هو أساس الصحة العقلية. فالطفل في حاجة إلى الشعور بأنه موضع للسرور والفخر عند أمه. والأم في حاجة إلى الشعور بامتداد شخصيتها في شخصية طفلها. وكل منهما في حاجة إلى الشعور بأن شخصيته مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بشخصية الآخر. وليست الأمومة شيئاً يمكن أن يدبر عن طريق إعداد قاعة بأعمال وواجبات معينة. إنها علاقة إنسانية حية تعدل سلوك كل من الطرفين. ومن المعروف أن التزود بالغذاء المناسب يتطلب أشياء أكثر من الوحدات الحرارية والفيتامينات. فنحن في حاجة إلى التمتع بطعامنا إذا ما أريد أن يكون مفيداً لنا، وبنفس الطريقة لا يمكن أن تقاس رعاية الأم بعدد الساعات كل يوم، بل بمقدار المتعة التي يحصل عليها كل من الأم والطفل من ملازمة كل منهما للآخر.
ويمكن أن يحصل كل منهما على مثل هذه المتعة وعلى الإحساس التام بشعور الآخر إذا كانت علاقتهما مستمرة. استمرار هذه العلاقة اللازمة لنمو شخصية الطفل. كما ينبغي ألا يغيب عن ذهننا أن هذا الاستمرار ضروري كذلك لنمو شخصية الأم. فكما يحتاج الطفل إلى الشعور بأنه ينتسب إلى أمه، فإن الأم تحتاج إلى الشعور بأنها تنتسب إلى ابنها. وعندما يتملك هذا الشعور الأم يصبح من السهل عليها أن تكرس نفسها له. فعناية الأم المستمرة ليلا ونهاراً سبعة أيام في الأسبوع و365 يوماً في العام لا تبذلها إلا المرأة التي تستمد رضاءها القلبي من رؤية طفلها يشب من عهد الطفولة بأطوارها الكثيرة ليصبح رجلا أو امرأة مستقلة بذاتها، والتي تدرك أن عنايتها به هي التي جعلت ذلك ممكنا.
ولهذه الأسباب فإنه من السهولة بمكان تزويد الطفل في نطاق الأسرة بما يحتاج إليه من محبة الأم بينما يكون ذلك الأمر بالغ الصعوبة إذا كان الطفل خارج ذلك النطاق. فالخدمات التي يقدمها عادة كل من الآباء والأمهات للطفل مسلم بها لدرجة أن قيمتها العظيمة تغيب عن البال. وليست هناك علاقة أخرى مثل هذه العلاقة تضع فيها بعض الكائنات البشرية نفسها تحت تصرف البعض الآخر باستمرار ودون تحفظ، ويصدق هذا حتى بالنسبة للآباء الطالحين، إذ يجب ألا يغيب عن البال أنه في استطاعة الأم الطالحة التي تهمل طفلها أن تقدم له الشيء الكثير. فهي - فيما عدا الحالات الشديدة السوء - تقدم له الطعام والمأوى وتخفف عنه في وقت الشدة وتعلمه بعض المهارات البسيطة. وفوق كل هذا فإنها تمده بالشعور في استمرار الرعاية الإنسانية الذي ينبني عليه الشعور بالأمن. ومن المحتمل أن يكون غذاؤه رديئاً ومأواه سيئاً، وربما يكون الطفل قذراً جداً ويعاني من المرض ومن سوء المعاملة. ولكنه ـ ما لم يكن أبواه قد نبذاه بعيداً - يشعر بالأمن لعلمه أن هناك شخصاً ما يقدره ويكافح من أجله إلى أن يصبح قادراً على أن يعول نفسه.
وتوضح هذه الصورة السبب في أن الأطفال يكونون أكثر فلاحا في البيوت غير الصالحة منهم في المؤسسات الصالحة. وأن أطفال الآباء الطالحين يتعلقون بشكل واضح وغير معقول بهؤلاء الآباء. ولا يريد أولئك المسئولون عن المؤسسات الاعتراف في بعض الأحيان بأن الأطفال يكونون أحسن حالا خارج هذه المؤسسات حتى ولو كانوا في بيوت بالغة السوء. وهي حقيقة توصل إليها كثيرون من الباحثين الاجتماعيين العاملين في ميدان الصحة العقلية ويؤيدها البيان الذي ذكر من قبل.
ولا يغيب عن البال أنه إذا قورنت مجموعة من الأطفال، يتراوح سنهم بين عام وأربعة أعوام، قضت حياتها في المؤسسات بمجموعة أخرى مشابهة عاشت بين أسرها التي قد تكون ظروفها غير مرضية بالمرة وكانت تذهب إلى دور الرعاية في أثناء النهار لأن أمهاتهم من العاملات، فإن المقارنة قد تكون في صالح الأطفال الذين يعيشون مع أمهاتهم ويذهبون إلى دور الرعاية في أثناء النهار. وفي دراسة تتبعية أخرى أجريت لمقارنة التوافق الاجتماعي في حياة البالغين الذين قضوا وهم أطفال خمس سنوات أو أكثر من عمرهم بالمؤسسات مع آخرين قضوا نفس هذه المدة في بيوتهم (80 % من هذه الحالات في بيوت غير صالحة) كانت النتيجة في صالح هذه البيوت. فنسبة من تربوا فيها وعجزوا عن التوافق الاجتماعي كانت نصف نسبة من كانوا في المؤسسات (18 % في الحالة الأولى إلى 34,5 % في الحالة الثانية) ومن المزعج أن يكون ثلث الأطفال الذين قضوا خمس سنوات أو أكثر من عمرهم في المؤسسات عاجزين عن التوافق الاجتماعي. ولا يقل عن ذلك إزعاجاً أن يتأكد الإنسان بعد إمعان النظر أن الـ 34 % من أطفال المؤسسات الذين أثبتوا عجزهم عن التوافق الاجتماعي عندما بلغوا سن الرشد كانوا آباء غير أكفاء، مع أن الوالدية هي إحدى الوظائف الرئيسية للراشدين، وربما يكون هناك مجال للشك في أن أولئك الذين لم يعانوا من العجز الاجتماعي الشامل لا يزال ينقصهم الكثير ليكونوا آباء وأمهات صالحين. ومع هذا فلا يحتمل أن يعيش هؤلاء الآباء والأمهات العاجزون بلا أطفال مهما يكن مقدار عجزهم، بل إن كثيرين منهم على النقيض من ذلك لا بد أن يكونوا قد أنجبوا أطفالا، ولا بد أن يكون هؤلاء الأطفال عرضة للإهمال والحرمان، ويتضح من ذلك أن الأطفال الذين عانوا من الحرمان يكبرون ويصيرون آباء وأمهات تنقصهم القدرة على العناية بأطفالهم. وأن الراشدين الذين تنقصهم هذه القدرة هم عادة من هؤلاء الذين قاسوا من الحرمان في طفولتهم. وهذه الدائرة المفرغة الفاسدة هي أخطر مظاهر المشكلة، وهي واحدة من المشاكل التي سيعاود هذا الكتاب النظر فيها باستمرار.
وطبيعي أن الدليل على أن البيوت غير الصالحة خير من المؤسسات الصالحة لا يزال بعيداً عن أن يكون نهائياً، ويتوقف الأمر في كل حالة على مدى فساد البيوت وصلاحية المؤسسات. ومع ذلك فإنها تنبهنا إلى أنه ربما يكون هناك ما هو أسوأ من البيت الفاسد وذلك هو عدم وجود بيت بالمرة. وكما أشار سير جيمس سبنس Sir James Spence في محاضرته الملهمة والتي كانت بعنوان هو نفس العنوان الذي استعير لهذا الفصل، من إن الحفاظ على فن الأبوة والأمومة هو أحد الأهداف الرئيسية للأسرة. ومالم يحافظ على هذا الفن كعامل من عوامل بقاء المجتمع لا يقل ضرورة عن إنتاج الغذاء، فإن مصيره إلى الزوال، ومع هذا فإنه يندر الحكم على مزايا طرق معينة لتنشئة الأطفال بمجرد قيام الأبوين بتربية أطفالهما - إذ يبدو أن هذا المعيار بصفة خاصة لم يستخدم في قياس مدى نجاح أو فشل الطرق المتبعة في الوقت الحاضر في رعاية الأطفال المحرومين من الحياة المنزلية العادية.
إن تعلق الأطفال بآباء يعتبرون ـ إذا قيسوا بكل المقاييس المألوفة - غير صالحين بالمرة لأمر يدعو إلى دهشة أولئك الذين يسعون لمساعدتهم. فلا يزال أولئك الأطفال في أعماقهم متعلقين ببيوتهم، ويستنكرون بشدة كل نقد يوجه إلى آبائهم حتى وإن كانوا تحت إشراف مربيات شفيقات، والمحاولات التي تبذل لإنقاذ الطفل من بيئته الفاسدة وتهيئة بيئة جديدة له تصبح بلا جدوى طالما أنه يعتز بوالديه وتتقمص شخصيته شخصيتهم، صالحة كانت أو طالحة. (وهذه الحقيقة لها أهمية خطيرة عند النظر في أحسن الوسائل لمساعدة الأطفال الذين يعيشون في ظروف غير مناسبة). وليست هذه العواطف بغريبة على الطفل إذا ما أخذ في الاعتبار أنه على الرغم من الإهمال الزائد الذي يلقاه فإن أحد الوالدين كان دائماً، وبطرق لا حصر لها، يعطف عليه منذ مولده. ومهما يجد الغريب من مواضع للنقد فإن الطفل يدرك الكثير مما يدعوه إلى الاعتراف بالجميل، فأمه على الأقل قد اعتنت به، بطريقة ما، طوال حياته، وهو لا يثق بأي إنسان آخر ما لم يتضح له أنه مساو لأمه، أو أنه جدير بأن يعتمد عليه أكثر من اعتماده عليها. وإنه لمن سوء الحظ أنه على حق في سوء ظنه إذ أنه في أية مرة ينفصل فيها عن أسرته يكون سعيد الطالع إذا وجد من يعتني به إلى أن يشب عن الطوق، إذ أن معدل نقل الطفل من دار رعاية إلى أخرى معدل عال بشكل يدعو للأسى حتى في المجتمعات الصالحة. وكذلك فإن نقل الموظفين يسبب مشكلة دائمة حتى بالنسبة إلى المؤسسات الحسنة المستوى. ومهما يكن إخلاص بديل الوالدين أو بديلة الأم فلن يتوافر عندهم من الشعور المطلق بالواجب نحو الطفل ما عند جميع الآباء والأمهات، ما عدا من بلغوا منهم أسوأ مستوى، فعندما تشغلهم بعض الأمور والواجبات يصبح الطفل في المرتبة الثانية، ويصبح الطفل على حق في هذه الحالة عندما يفقد ثقته بهم ويرى أنه لا يمكن أن ما يوجد هو مثيل لوالديه.
وقد توصلت وزارة الصحة البريطانية إلى هذه النتيجة عندما كانت تستخلص الدروس من تجربة نقل الأطفال بعيداً عن أخطار الضرب بالقنابل في أثناء الحرب العالمية الثانية. (نقطة واحدة أكدها تنفيذ مشروع الإجلاء، وهي أهمية الأسرة لنمو الطفل واستحالة تدبير بديل صالح تماماً يمكن أن يقوم مقام الوالدين في رعاية الأطفال. وقد أدى هذا إلى زيادة الوعي لدى بعض الجهات بضرورة تحسين الأحوال المنزلية حتى يلتم شمل الأسرة بدلا من إبعاد الأطفال عن البيوت غير الصالحة).
وقد أصدرت جماعة أمريكية مشهورة من أطباء الأمراض النفسية ومن الباحثين الاجتماعيين تحذيراً منذ عشرين عاماً بأن اتخاذ قرار بإبعاد الطفل عن بيته أمر عظيم الخطر (إن اتخاذ قرار بفصل الطفل عن أسرته لأي سبب من الأسباب أمر خطير جداً، إذ أنه يثير أحداثاً تؤثر إلى درجة قد تكون كبيرة أو صغيرة في حياة الطفل في المستقبل. وسواء أكان هذا الإبعاد راجعاً إلى المرض أو الإهمال أو الهجر أو عدم الكفاية أو وفاة الوالدين، أم كان راجعاً إلى سلوك الطفل داخل أو خارج منزله، فإن نقله إلى إشراف أناس غرباء عنه يجب أن يتم بعد كثير من الروية. فغالباً ما يبعد الأطفال عن أسرهم بعد دراسة بسيطة جداً للأسباب التي أدت إلى هذا الموقف - إن كانت هناك دراسة. وتبحث كثير من المؤسسات هذه المشكلة تحت تأثير آراء سبق تقريرها عن الأحوال التي تبرر الإبعاد أكثر من بحثها بقصد التأكد مما إذا كان من الممكن جعل منزل الوالدين مناسباً للطفل).
ومع أن هذا قد تقرر منذ عشرين عاماً فإن قيمته لا تقل الآن عما كانت عليه في ذلك الوقت. إذ لا يزال مألوفاً في المجتمعات الغربية أن إبعاد الطفل عن المنزل فيه حل لكثير من مشاكل الأسرة دون تقدير لخطورة هذا الإجراء ودون تخطيط للمستقبل في أغلب الأحيان، ويغيب عن بالهم ما ينشأ نتيجة إبعاد طفل عمره خمس سنوات عن أسرته، من مسئولية مباشرة عن مستقبله وصحته وسعادته لجيل قادم، وإن فصل الرضيع يعرض أخلاقه للانحراف والفساد.
ومن ذلك كله يمكن الوصول إلى النتيجة الكثيرة التداول، وهي أن الحياة العائلية ذات أهمية فائقة وأنه (ليس هناك مكان مثل المنزل). ولكنها مع تداولها لا تزال الحقائق التي تتضمنها عرضة للسخرية. وبفحص أسباب هذه السخرية من واقع المؤلفات المتهافتة المضطربة في هذا الموضوع يتضح أن قليلا من العناية قد وجه لدراسة الظروف التي تؤدي إلى فلاح الأسرة أو إلى انهيارها. ولما كانت معيشة الطفل في كنف أسرته هي الطريقة المثلى لتجنيب الطفل معاناة الحرمان، فإنه من الضروري بحث هذه الأمور ببعض التفصيل. وفي هذا تحول عن التقليد الذي اتبعته التقارير التي وضعت عن الأطفال المحرومين والتي لم تلتفت التفاتاً كافياً إلى الطرق التي يمكن بها تحسين أحوال البيت بحيث تبقى الأسرة متماسكة، ولكنها بدلا من ذلك أسرعت إلى البحث عن أحسن الطرق لتنظيم العناية بالطفل في مكان آخر. وقد وضعت تقارير ومراجع كثيرة في هذا الموضوع، وكلها تدعي أن وجود الأطفال المشردين ظاهرة اجتماعية لا يمكن تجنبها. ومعظمها اكتفت بمناقشة موضوع رعاية هؤلاء الأطفال دون الإشارة إلى الأسباب التي من أجلها أصبحوا موضع العناية.
ولكن يجب أن يؤخذ في الاعتبار أنه لا بد في بعض الأحوال من رعاية الأطفال بعيداً عن أسرهم، على أن يكون هذا الإجراء آخر ما يلجأ إليه بعد أن تتضح استحالة جعل البيت ملائماً لحياة الطفل.
وهناك ثلاث حالات متداخلة يقاسي فيها الطفل من الحرمان من أمه ويمكن إبرازها فيما يأتي -
(أ) الحرمان الجزئي من العيش مع الأم أو مع الأم البديلة الدائمة - ويشمل ذلك إحدى القريبات التي يكون موقفها من الطفل غير مرغوب فيه.
(ب) الحرمان الكلي بفقد الأم أو الأم البديلة بسبب الموت أو المرض أو الهجر وعدم وجود أحد الأقارب العاديين للعناية به.
(ج) الحرمان الكلي بنقل الطفل من الأم أو الأم البديلة الدائمة إلى أشخاص غرباء عنه بحكم قضائي أو بواسطة الهيئات الطبية أو الاجتماعية بما فيها الجمعيات المتطوعة.
وطبيعي إن الحالات كثيرة تشمل كل درجات القسوة ابتداء من الطفل الذي تتركه أمه يصرخ ساعات كثيرة لأن كتب الأطفال علمتها أن تفعل ذلك وإلى الرضيع الذين نبذتهم أمهاتهم كلية، والأشكال الجزئية من الحرمان ترجع في بعض الأحيان إلى الجهل، ولكنها في أحيان كثيرة أخرى ترجع إلى عداء لا شعوري من جانب الأم مصدره أحداث عهد الطفولة. وهذه يمكن أن تكون موضوع كتاب آخر. ويعتقد كثير من العاملين في ميدان توجيه الأطفال أنهم قد أتموا جانباً كبيراً من الحالات التي كلفوا بمعالجتها، وأن جزءاً أساسياً من عملية التوجيه يتوقف على مساعدة الأم كي تعرف حقيقة شعورها نحو طفلها وأصل هذا الشعور وارتباطه بعهد طفولتها.
|
|
يجب مراقبتها بحذر.. علامة في القدم تشير إلى مشاكل خطيرة
|
|
|
|
|
العلماء يحلون لغز بركان أدى إلى تجمد الأرض قبل 200 عام
|
|
|
|
|
رئيس جلسة العلوم الهندسية: بحوث مؤتمر جامعة الكفيل تقدم حلولًا عملية قابلة للتطبيق
|
|
|