أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-05-15
1039
التاريخ: 25-9-2016
1392
التاريخ: 2024-03-03
960
التاريخ: 2024-10-23
283
|
والآن نتحدث عن مقبرته بشيء من التفصيل لأهميتها: كان الكشف عن المقابر الملكية الخاصة بفراعنة الأسرتين: الواحدة والعشرين والثانية والعشرين أكبر حادث لفت أنظار علماء الآثار في عام 1939، وقد عُثر على مقابر هؤلاء الملوك في جبانة «تانيس»، ويُعد هذا الحادث في نظر علماء التاريخ انتقالًا مدهشًا في تاريخ البلاد السياسي والديني؛ فقد ظل ملوك الأسرات السابقة يُدفنون في «وادي الملوك» حتى نهاية الأسرة العشرين، ثم استمر من بعدهم رؤساء كهنة «آمون» الذين استقلوا بالملك في الوجه القبلي يُدفنون في «طيبة» الغربية خلال الأسرة الواحدة والعشرين، على حين كان فراعنة مصر يُدفنون في مدينة «تانيس» التي اتخذها «سمندس» ومَن بعده مِن ملوك هذه الأسرة مقرًّا لملكهم كما دلت الكشوف الحديثة على ذلك. ولعل السبب في ذلك يرجع أولًا إلى أن «تانيس» كانت قد أصبحت العاصمة السياسية للبلاد، كما كانت تتمتع بشهرة عظيمة من الوجهة الدينية، يضاف إلى ذلك أن الفقر الذي شاع وعمَّ حَدَا بالناس إلى نهب مقابر الملوك وعظماء القوم، وإلى الاستيلاء على ما فيها من ذهب وآثار ذات قيمة، حتى إن كهنة «آمون» لم يكن في مقدورهم حماية هذه المقابر من عبث العابثين، فنقلوا موميات هؤلاء الفراعنة إلى أماكن مجهولة، وكذلك موميات مَن تُوفي مِن الكهنة العظماء أنفسهم؛ فقد أُخفيت مع ملوك الدولة الحديثة، وبقيت كذلك حتى كُشف عنها حديثًا على يد أحفاد اللصوص القدامى الذين لم يتورعوا عن نهب ملوكهم الذين يعبدونهم ويؤلهونهم في حياتهم ومماتهم، وبذلك ضربوا أكبر مثل للنفاق الإنساني الذي نجده يُمَثَّل في كل أطوار التاريخ، ولا غرابة في ذلك؛ فإن الأصفر الرنان كان — ولا يزال — فتنة الإنسان، وقد استوى في ذلك الفقير المحتاج، والملك صاحب الثراء والتاج. ولقد كان للمصريين أكبر العذر في ذلك في هذه الفترة من تاريخ البلاد؛ إذ كان الفقر من جهةٍ ضاربًا أطنابه في طول البلاد وعرضها، كما كانت الثورات قائمة على قدم وساق تهب في جنوبي الوادي وشماله؛ مما أدى إلى وقف العمل في كل مرافق الحياة، وعَجَزَ الفرعون عن دفع أجور العمال مما دعاهم إلى الإضراب عن العمل في حفر مقابر الملوك، وبذلك أصبحوا وليس لديهم ما يسدون به رمقهم، وهذا ما جعلهم يفكرون في الحصول على المال بأية وسيلة، فقاموا — وعلى رأسهم رجال الدين وحراس الجبانة الملكية — بنهب مقابر الملوك الذين كانوا بالأمس يعبدونهم ويحافظون على مقابرهم. وهكذا اضطر ملوك الأسرة الواحدة والعشرين — على ما يظهر — إلى أن يبعدوا مومياتهم وما معها من أثاث ثمين عن خطر أولئك اللصوص الذين أصبحوا لا يرعون عهدًا ولا ذمة، هذا بالإضافة إلى أنهم كانوا يرون أن دفنها في جبانة العاصمة التي يسكنونها فيه صيانة وحفظ لها. ولقد كان هذا الإجراء من جانب ملوك الأسرة الواحدة والعشرين في «تانيس» ذا فائدة عظيمة لتاريخ مصر؛ إذ أبقت لنا يد اللصوص مقابر بعض ملوك هذه الأسرة وما بعدها حتى الآن محفوظة سليمة مما سهَّل علينا معرفة ما كانت عليه البلاد من فقر وغنًى، وما وصل إليه الفن في ذلك العهد. هذا إلى أن هذه الكشوف قد أجْلَت لنا بعض النقط التاريخية التي كانت غامضة، ولعل الأيام القريبة المقبلة تكشف لنا عن سائر ملوك هذه الأسرة الذين حكموا في الدلتا.
وقد كان من أهم المقابر التي كُشف عنها قبرُ الفرعون «بسوسنس الأول»، ويقع هذا القبر وغيره من مقابر الملوك التي كشف عنها حديثًا داخل أسوار المعبد العظيم الذي أقامه في الأصل «رعمسيس الثاني» (انظر صورة رقم 7 ). وقد كان أول قبر ملكي كُشف عنه في هذه البقعة هو قبر الملك «أوسركون الثاني» أحد ملوك الأسرة الثانية والعشرين؛ فقد وُجد أن سقف مقبرة «أوسركون» كان ممتدًّا من جهة الشمال بوساطة كتل من الحجر الضخم الصلب تغطي سقف مقبرة أخرى دل الكشف بعد التنظيف على أنها مقبرة الملك «بسوسنس الأول».
ولم يكن بد من العمل المتصل مدة أسبوعين لإزالة مبنًى مقامٍ فوق هذا السقف من الحجر الجيري يبلغ عرضه ستة أمتار ونصف متر، وارتفاعه أحد عشر مترًا، وكانت الكتل التي يتألف منها سقف هذا المبنى من الحجر الجيري، وقد بنيت على هيئة سلم ضخم، وقد لُحِظَ أن المسافات بين كل حجر وأخيه قد سُدت بدقة بالجص، ولم يلاحَظ في السقف كسر أو أثر لثقب.
وقد كانت الطريقة الوحيدة لاقتحام القبر الذي كان يُعتقد أنه سليم هي خلع الكتل التي يبلغ طول الواحدة منها أربعة أمتار، وبعد أن نزعت كتلة عظيمة وجدت البئر التي كان يؤدي بابها إلى القبر الذي وجد مبنيًّا، وعند فتح هذا الباب وُجد أن القبر يحتوي أولًا على حجرة صغيرة تبلغ مساحتها أربعة أمتار في مترين تقريبًا، وقد زُينت جدرانها بالنقوش وصور الآلهة، كما وجد منقوشًا عليها مرات عدة طغراءات الفرعون «عاخبررع بسوسنس». وفي هذه الحجرة الخارجية وجد تابوت الملك «شيشنق» — لا تابوت الملك «بسوسنس» — ومعه ثروة جنازية عظيمة سنتحدث عنها فيما بعد عند الكلام على الأسرة الثانية والعشرين.
وبعد أن نُظفت هذه الحجرة ونُقلت كل أمتعتها إلى المتحف المصري وُجدت — بعد فحص بسيط في جدارها الخلفي — فتحتان مربعتان مبنيتان ومزينتان بالنقوش الغائرة، وقد نزعت أولًا قطع الحجر التي تخفي مدخل الحجرة الشمالية فوُجد ممر خلف هذه الأحجار غير أنه كان مسدودًا بقطعة حجر من مسلة مصنوعة من الجرانيت بإحكام، وقد نزعت بعد عدة محاولات، وظهر أن المصريين عندما أدخلوا قطعة الجرانيت هذه في الممر لسده كانوا قد وضعوها على أسطوانتين صغيرتين من البرنز لتنزلق السدادة بسهولة، وقد وُجدتا سليمتين وقامتا بوظيفتهما خير قيام.
ويؤدي هذا الممر إلى حجرة ضيقة طويلة وُضع فيها تابوت من الجرانيت الوردي شغل نصفها، وعلى غطاء هذا التابوت نُحتت صورة الفرعون «بسوسنس» مضطجعًا على ظهره قابضًا بيديه على صولجان الملك وسوط أوزير وخلفه آلهة صغيرة راكعة تُرَبت حديه بكلتا يديها، وعلى صدر الملك مضخة من الذهب البراق، وتغطي جدران هذه القاعة نقوش وصور آلهة، وقد شوهدت في النصف الأول من الحجرة قطع من الأثاث عديدة؛ ففي ركن الجهة اليمنى وجد هيكل حيوان وإناء كبير من المرمر مختومًا وأربعة أواني أحشاء، رأس كل منها ملون باللون الأزرق والذهبي ومحلًّى بِصل من الذهب، وفي وسط الحجرة قطعة من الحجر الجيري خشنة وضعت بين هذه الأشياء والتابوت، وأمام قطعة الحجر هذه كُدِّست مئات من التماثيل الصغيرة، وقد خُيِّل للإنسان أنها كانت في الأصل موضوعة في صندوقين رُكِّبا على رقعة الحجرة، وأخيرًا يلفت النظر على اليسار حامل طويل من الفضة رُكِّب فيه «طشت» موضوع على موقد مربع من البرنز، ووضع على قطعة الحجر ثلاث أوان بالقرب من الحامل، وكذلك وجد على اليسار بالقرب من المدخل أشياء من المعدن ظهر للكاشف في بادئ الأمر أنها تشبه الكنز الذي عثر عليه في «بوبسطة» ملقاة على رقعة الحجرة المصنوعة من الجرانيت.
والواقع أن المحصول الذي جُمع من هذا القبر كان فخمًا فاق ما عُثر عليه في الحجرة الخارجية لمقبرة هذا الفرعون؛ فقد حَفِظَ لنا تابوته الذي يحمل رأس صقر كلَّ محتوياته الثمينة كاملة، ولكن أواني الأحشاء والتماثيل الجنازية الصغيرة التي نقش عليها أسماء مختلفة برهنت على أن هذا الجزء من القبر قد عبثت به يد الإنسان مرات عدة بين العهد الذي بني فيه وعهد «شيشنق الثاني». وبعد ذلك نجد أنفسنا في ضريح «بسوسنس» الذي عمل له بخاصة ولم يستعمله غيره. وتدل شواهد الأحوال على أن أحدًا لم يدخله منذ أن خرج منه الكهنة تاركين مضخة الخشب المذهَّبة على يدي الملك المضطجع.
وبعد نقل كل محتويات الحجرة كُشف غطاء التابوت، وقد كان مزيَّنًا من أسفله بصورة للإلهة «نوت» نحتت نحتًا مدهشًا، وزُين جسمها بنجوم وامتدت ذراعاها إلى جانبيها، وساقاها ملتصقتان، وتحرسها السفن النجمية. وكان يوجد في التابوت نفسه تابوت آخر من الجرانيت الأسود مُثِّل على غطائه بالحفر صورة الفرعون أمام الإلهة «نوت» وجسمها ممتد فوق جسم الملك كأنما تريد أن تفتنه بجمالها، كما أن الملك لم يألُ جهدًا في تأمل جمال هذه الإلهة (صورة رقم 2 ). وقد ظل الملك المتوفى سويًّا مع تلك الإلهة السماوية منذ ثلاثة آلاف سنة في هذا السجن الحجري. وعند إزالة الغطاء الثقيل الذي كان على هذا التابوت ظهرت مجموعة من الأسلحة والصولجانات موضوعة في التابوت المصنوع من الجرانيت الوردي، وعلى امتداد التابوت الثاني المصنوع من الجرانيت الأسود، ثم على غطاء التابوت الأخير.
وبعد ذلك تابوت ثالث من الفضة في صورة قراب لمومية منقوش كله، وكان الملك يضع شريطًا من الذهب على جبينه وقد برز من شعره المستعار صل ملكي، وكان يقبض بيديه المطويتين إلى صدره على السوط والصولجان، وقد كان التابوت المصنوع من الفضة يملأ بإحكام تابوت الجرانيت الأسود الذي وُضع فيه، وكان الغطاء مثبتًا في التابوت بعدة دُسُرٍ من المستحيل نزعها أو نشرها لضيق المكان، ولُحِظَ من جهة أخرى أن الغطاء إذا كان في حالة سليمة، فإن التابوت المصنوع من الفضة لم يكن سليمًا؛ لأن الرطوبة كانت تغمر القبر بدرجة جعلت الماء يتدفق من الجدران، وقد نفذت هذه الرطوبة إلى التابوتين المصنوعين من الحجر، وتجمدت داخل التابوت المصنوع من الجرانيت الأسود واجتاحت الفضة وجعلتها هشة، وقد تراكمت طبقة من الأكسيد في قعر هذا التابوت المصنوع من الفضة مما جعله يلتصق بالتابوت المصنوع من الجرانيت الذي كان فيه، وعندما بُدئ برفع التابوت الفضي انفصل قعره عن جسمه، ولكنَّ كلًّا من غطائه وجداريه كان سليمًا تقريبًا، وبعد ذلك بُدئ في أخذ ما على هيكل «بسوسنس» من حلي؛ فنُزع منه أولًا قناع فصِّلت فيه قسمات وجه «بسوسنس» بصورة مدهشة، وقد صيغ هذا القناع من الذهب، ثم صفيحة رقيقة من الذهب المنقوش كانت تغطي جميع الجسم، وكذلك نُزع عن المومية اثنا عشر سوارِ ذراعٍ من ذراعه اليسرى، وعشرة أخرى كانت في الذراع اليمنى، ثم أغطية أصابع اليد، هذا إلى ثلاثين خاتمًا. وكل هذه المجوهرات كانت من الذهب المطعَّم بالأحجار. وقد سبَّب إدخال المومية في الضريح وتحطيم الحبال المصنوعة من الجلد والنسيج عدم بقاء القلائد والجعارين والصدريات التي كان يتحلى بها «بسوسنس» منظمة، وقد جمعت آلاف القطع الصغيرة والخزف من الذهب واللازورد هذا إلى ستة مشابك قلائد من التابوت، وقد نظمت ثانية كل هذه القطع بسرعة حتى أمكن رسمها (صورة رقم 4، 5، 6).
وأخيرًا وجدت على المومية صدريتان مفرغتان، وأربعة جعلان كبيرة، ولوحة صغيرة من الذهب منقوشة، وبعض تمائم، وكذلك وجد على الساق سواران، وعُملت أغطية أصابع الرجلين على شكل حُقٍّ من الذهب، وأخيرًا وجد مع المومية خُفَّان من الذهب أيضًا. وبذلك تمت هذه المجموعة المدهشة. وقد حفظ «بسوسنس» لنفسه الحجرة الشمالية من هذا المبنى المقام من الجرانيت، وهي التي وصفنا محتوياتها، أما الحجرة الجنوبية فكانت لملكة تدعى «موت نزم».
|
|
للتخلص من الإمساك.. فاكهة واحدة لها مفعول سحري
|
|
|
|
|
العلماء ينجحون لأول مرة في إنشاء حبل شوكي بشري وظيفي في المختبر
|
|
|
|
|
بالتعاون مع العتبة العباسية مهرجان الشهادة الرابع عشر يشهد انعقاد مؤتمر العشائر في واسط
|
|
|