أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-07-22
1140
التاريخ: 4-10-2020
2207
التاريخ: 2024-04-05
909
التاريخ: 2024-03-24
839
|
التقوى والرفاهة في عصر الأسرة الخامسة 2560 - 2420ق. م:
يعتبر عصر الأسرة الخامسة فاتحة زمن زاهر جديد، اتسعت فيه آفاق دين الشمس وشملت أمور الدنيا والآخر، وازداد التقارب خلاله بين الملوك وبين كبار أفراد الشعب، ومضى التطور الطبقي يسير فيه بخطى صرحية، وبلغت فنون العمارة والنحت والتصوير والنقش فيه ذرى عالية، استأنفت مصر خلاله صلاتها التجارية الخارجية على نطاق واسع، مع فينيقيا في شمالها الشرقي وبلاد بوينة في جنوبها الشرقي. وإن لم يمنع هذا من وجود عيوب ونقائص في أيامه وحكامه.
جمعت الأسرة الجديدة بين فرعي الأسرة الرابعة الكبيرين المتنافسين كما أسلفنا، فرع خفرع الذي مثلته خنتكاوس ورفع جد فرع الذي مثله وسركاف، وحققت الوئام بينهما. غير أن أنصار الملوك الأوائل لهذه الأسرة لم يقنعوا لفراعنتهم بحق الحكم عن طريق زواج أبيهم بسليلة الفرع الحاكم من الأسرة الرابعة، وابتغوا أن يردوا شرعية حكمهم إلى إرادة ربانية قديمة وأصل مقدس، فخرجوا على الناس بداعاية ناسبت الأفكار الدينية في عصرها، واعتمدت على القول بأسطورة نسبتهم على "روح" الإله رع رب الشمس وإن أنجبتهم أمهم من رجل مبارك من كهنته. وبقيت من صورها المكتوبة نسخة من الدولة الوسطى، سجلت على بردية عرفت اصطلاحًا باسم بردية فستكار. ولسنا ندري مدى قبول الناس لما روته هذه الدعاية أو هذه الأسطورة، إن كانوا قد تقبلوه عن إيمان وتصديق، أم اعتبروه مجرد مبالغة من الكهان وأهل البلاط لصالح ملوكهم (1)، ولكننا ندري أن ملوك الأسرة ظلوا أوفياء للإله رع الذي اعتبروه صاحب الفضل في ارتقائهم العرش، وظلوا كرماء مع كهنته الكبار الذين آزروهم في حكمهم (2).
تلقب وسركاف أول ملوك الأسرة بلقب معبر يناسب وضعه كمؤسس لأسرة جديدة وهو "إرماعت" أي واضع النظام أو محق الحق. وتعاقب بعده ثمانية ملوك تداخل اسم رع في الأسماء الشخصية لستة منهم على أقل تقدير، وهم: ساحورع، ونفراركارع، وشبسكارع، ونفرفرع، وني وسرع، ومن كلوجور وجد كارع، وونيس. وقد اهتم أغلبهم بمعبد إله الشمس في مدينته المختارة: "عين شمس"، ثم أقاموا له ستة معابد على مثاله. وبدأ هذه المعابد رأس الأسرة، وسركاف، وبنى معبده متواضعًا من اللبن، ولأمر غير معروف شيده في منطقة أبي غراب جنوبي الجيزة، وليس في عين شمس نفسها. كما بنى هرمه ومعبداه إلى الجنوب منه في سقارة. وقد تهدم جزء كبير من الهرم ومعبديه، وإن تبقى من صور الطيور والزهور التي تزين جدران معبد شعائره ما ينم عن أيد فنية متثبتة وإحساس مرهف بجمال الطبيعة الطلقة وكائناتها. كما بقيت رأس ضخمة رائعة من الجرانيت لوسركاف، يذهب الظن إلى أنها كانت رأسًا لتمثال كامل، وإذا صح هذا الظن وكان التمثال جالسًا، لم يكن ارتفاعه ليقل عن خمسة أمتار(3). ويبدو أن ضخامة التماثيل كانت تستهدف عن قصد لمؤسسي الأسر الحاكمة؛ إذ أثرت نفس الضخامة لبعض تماثيل زوسر مؤسس الأسرة الثالثة، وأمنمحات مؤسس الأسرة الثانية عشرة، كنوع من الدعاية لعظم شأنهم. وقد بنى خلفاء وسركاف أهرامهم ومعابدها في منطقة أبو صير(4) التي لا تبعد عن أبي غراب بأكثر من ميل واحد.
خصائص معابد الشمس:
لعل أكثر معابد الشمس بقاء حتى الآن هو معبد ني وسررع سادس ملوك الأسرة. وهو معبد ضخم شيد هو وملحقاته من الحجر(5). وتكونت عمارته معها من ثلاثة عناصر متمايزة: مبنى ضخم ينهض على حافة الهضبة ويطل على الوادي، ويعتبر مدخلًا إلى منطقة المعبد، ويشبه معبد الوادي بالنسبة لمناطق الأهرام. ويليه طريق صاعد مكشوف لأشعة الشمس تعبره الوفود وهي تهلل لربها نور السماء والأرض. ثم معبد الشمس الرئيسي ذاته، وهو بناء ضخم ولكنه بسيط التكوين، يتألف من فناء رحب مرصوف عظيم الاتساع ينكشف لنور إله الشمس ويتضمن رموزه التي رأى الناس آياته فيها ورمزوا بها إليه. وأهم هذه الرموز مسلة حجرية ضخمة بلغ ارتفاعها الأصلي في عهد ني وسررع فيما يعتقد بورخارت، نحو ستة وثلاثين مترًا، واتخذت قمتها هيئة الشكل الهرمي الصغير، وكانت فيما يرجح مكسوة بصفائح النحاس أو مموهة بالذهب ليتألف نورها ويتوهج حين تنعكس عليها أشعة ربها كل صباح، ولعلها لهذا سميت "بنين" ربما بمعنى المشعة (6). ويرى شبيجل أن قمة المسلة كانت ترمز على ما رمزت إليه قمم الأهرام من حيث اعتبارها رمزًا للنظام العالمي الذي يحتل الرب أو الفرعون قمته وأعلى وأرفع مكان فيه. وكان يتقدم المسلة من ناحيتها الشرقية مائدة متسعة من المرمر، تقدم القرابين عليها ويحرق بعضها ليتصاعد عبيرها إلى إله الشمس في سمائه. ويتضمن المعبد موضعين آخرين لنحر الضحايا، تجري الدماء منهما في مجار مكشوفة إلى أحواض حجرية مستديرة واسعة. وجاورت المعبد من الخارج قرب جداره الجنوبي هيئة مركب مشيدة من اللبن، كانت تتضمن مركبًا خشبية يبلغ طولها نحو ثلاثين مترًا، ترمز إلى مركب إله الشمس. ويحتمل أنه كانت تقابلها مركب أخرى، بحيث ترمز إحداهما إلى مركب النهار "معنجة" التي اعتقد المصريون أن رب الشمس يعبر بها سماء الدنيا لينيرها للأحياء، وترمز الأخرى إلى مركب الليل "مسكتة" التي يعبر بها سماء العالم السفلي لينيرها للموتى، موزعًا فضله على هؤلاء وهؤلاء، وكأنهم اعتبروا زرقة السماء بحرًا وسيلة العبور فيه هي المراكب أهم وسائل الانتقال في دنياهم.
ومن خصائص معابد الشمس أنه لم تجر عادة المصريين على أن يضمنوها تماثيل لربها أو محاريب مغلقة يعبد فيها. واتجهوا بدعائهم إلى كوكبه في سمائه، وقدموا قرابينهم إلى الشرق من مسلته، ونزهوه عن أن يختفي في أرضهم داخل تمثال أو خلف جدران وأستار. واستمرت هذه المظاهر تميز معابد الشمس المصرية عن معابد بقية الأرباب في أغلب العصور القديمة. وحرص أتباع الشمس على أن يسجلوا في معابد ربهم مظاهر فضله على ملوكهم، فصوروهم يحتفلون بأعياد السد في ظله. ثم سجلوا فيها نعمته على عبادة بعامة، فزينوا بعض قاعاتها وممراتها الجانبية بمناظر ذات ألوان زاهية ورمزوا فيها إلى مظاهر الحيوية في الدنيا ووجوه النشاط التي تتعاقب خلال فصول السنة بفضل الشمس وربها، من حرث وبذر وجني وحصاد، وتناسل الحيوانات وتكاثرها، وحياة الطيور في الطبيعة الطلقة حين تغرد وحين تمرح وحين تفزع وحين يعتدي كبارها على صغارها، وحين تعطف الأم على أفراخها، ثم تعبئة عسل النحل وتخمير العنب ... ، وهلم جرًّا. وبلغ فنانو عصر الأسرة الخامسة في ذلك النجاح كله، من حيث حيوية التصوير ووضوح الألوان ودقة التفاصيل (7).
__________
(1) راجع عن تفاصيل هذه القصة وما يستنتج منها عن العادات المصرية القديمة: عبد العزيز صالح: الأسرة في المجتمع المصري القديم - القاهرة 1962.
(2) الغريب أن المؤرخ مانيتون نسب مؤسس الأسرة الخامسة إلى إلفنتيني "أي أسوان".
(3) Firth, Asae, Xxix, Pis. Iii; Zaes, 1955, 140-144
(4) سنعتبر اسم "أبو صير" اسمًا مبنيًّا باعتباره تحريفًا لاسم "بو أوزير" أو "بر أوزير".
(5) F.W. Von Bissing-L. Borcherdt, Das Re-Heiliglum Des Konigs Ne-Woser-Re "Rathures", 1-Iii, Berlin 1905-1928; Von Bissing-H, Kess, Unters, 2u Den Reliefs Dem Re-Heiling Des Rathres, Munich, 1922.
(6) J. Spieegel, Op. Cit., 606; Orientalis, 1970, 398 F.
(7) Wresz, Atlas, Iii, 106; Von Bissing, Asae, 1955-1956, 319 F.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|