يلاحظ وجود نمطين من الهياكل أو بنى الصناعة القومية أو الإقليمية يعبر عنها بمصطلحي التخصص Specialization والتنوع Diversification يعني التخصص الصناعي أن صناعة ما أو عدداً محدوداً منها يتركز إنتاجها في منطقة الدراسة، وتكتسب أهمية ولها نصيب وافر في بناء هيكل الصناعة وربما نسبة الى عموم النشاط الاقتصادي. أما التنوع فيعني أن صناعات كثيرة قائمة ولا تستحوذ إحداها على مكانة متميزة في هيكل الصناعة، ولا تتفوق كثيراً على الصناعات الأخرى.

إن تخصص الإقليم بصناعة أو عدد محدود منها أو تنوعه بها يأتي في الغالب استجابة لخصائص الإقليم الجغرافية وإمكاناته التي يوفرها للصناعة وبالتالي قدرته على إنجاح توطين فرع دون آخر من النشاط الصناعي ، فالدول والأقاليم والمدن الصغيرة في أعداد سكانها لا تجذب سوى عدد محدود من فروع الصناعة التحويلية، فأعداد السكان القليلة لا تشجع إقامة تنوع واسع من الصناعات فيها لضآلة الطلب على السلع والبضائع الصناعية فقد لا يتوفر حد أدنى من الطلب على السلعة Threshold يشجع إقامة مصنع ينتجها وغالباً ما تقوم في هذه البيئات صناعات استهلاكية صغيرة تسوق منتجاتها في أسواقها المحلية المحدودة في حجمها وامتدادها الجغرافي، أو قائمة على مواد أولية محلية موجهة نحو التصدير، فعندها ستكون أكثر ميلا الى التخصص منه الى التنوع ، وإن بعض فروع الصناعة يمكن أن تقوم مصانعها معتمدة على تجمع سكاني صغير مثل العديد من الصناعات الغذائية، فيما يتطلب قيام صناعات أخرى مثل الهندسية والكيمياوية وتجمع عدد كبير من السكان بمستوى دخل عال وفي تكتل حضري واسع لضمان تسويق منتجات هذه الصناعات، فضلاً عن مطالب الصناعة الأخرى. ومثل هذه التكتلات الحضرية تضم تنوعاً كبيراً من فروع الصناعة استهلاكية وإنتاجية، مثلما تتركز فيها أيضا العديد من النشاطات الاقتصادية الأخرى والخدمات، فيزداد الطلب على المنتجات الصناعية في كميتها وتنوعها فتأخذ صناعتها صفة التنوع.

يمكن أن تتخصص أقاليم معينة بصناعات محددة بتوجيه من مواردها الاقتصادية وثرواتها المعدنية والزراعية  فينجح توطن صناعات تقوم على استثمار هذه الثروات.

وللموقع الجغرافي أثر هام في بناء نمط معين من البنية الصناعية، فالأقاليم المحيطية البرية Landed Perphery Regions تتخصص عادة بفرع أو عدد محدود من فروع الصناعة.

وإذا كانت صفة الأقاليم الهامشية هي التخصص، فإن صفة الأقاليم المركزية Central Regions هي التنوع، ولعل العامل الأهم في تفسير ذلك هو تسهيلات النقل والاتصال التي تتمتع بها الثانية، فتتوفر لها فيها مداخل سهلة وكفوءة وبكلف قليلة باتجاه مدخلاتها أو أسواق مخرجاتها، إضافة لقدرة هذه الأقاليم على توفير عرض وافر للعمالة حجماً ونوعاً ومغريات أخرى إضافية. ومع هذا فقد ظهر مؤخراً في الدول الصناعية الكبرى وخاصة في الولايات المتحدة، اتجاه جديد يتمثل في بروز صناعات عالية التقنية High Technical Industries مثل الأدوات الطبية، والحاسبات وأجهزة الاتصال، فهذه الصناعات تتوطن بجوار المدن الكبيرة وقد تتخصص بها بعض المدن بسبب المتطلبات الخاصة لهذه الصناعات.

إن صفة التنوع في الهيكل الصناعي توفر للاقتصاد قدرة أفضل على مواجهة التقلبات والأزمات الاقتصادية، وتوفر فرص عمل أكثر، إلا إن هذا النمط قد لا يوفر للصناعة المحلية إمكانية منافسة السلع الأجنبية ، إذا لم تحصل صناعاته على معونات بطريقة ما من الهيئات الحكومية.

اما التأكيد على فرع صناعي دون غيره فيعني إمكانية تطوير ذلك الفرع بما يعينه على النجاح إبتداءاً من توفير مدخلاته وانتهاءاً بتسويق إنتاجه، فضلاً عن إمكانية تطبيق المخترعات العلمية في عملياته الصناعية.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1ـ د.فؤاد محمد الصقار، التخطيط الإقليمي / منشأة المعارف بالإسكندرية، مطابع رواء، الإسكندرية، 1984 ، ص .236-235

OP.Cit، P.307 Harry Richardson (1)Regional and Urban Economics

(2). Edward J.Malecki. Industrial Location and Corporate Organization In High Technology Industrial.

PP. 345-365. Economic Geography. Vol. 61,No.4, October. 1985. U.S.A