المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

سيرة الرسول وآله
عدد المواضيع في هذا القسم 9111 موضوعاً
النبي الأعظم محمد بن عبد الله
الإمام علي بن أبي طالب
السيدة فاطمة الزهراء
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الإمام محمد بن علي الباقر
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الإمام علي بن موسى الرّضا
الإمام محمد بن علي الجواد
الإمام علي بن محمد الهادي
الإمام الحسن بن علي العسكري
الإمام محمد بن الحسن المهدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
القيمة الغذائية للثوم Garlic
2024-11-20
العيوب الفسيولوجية التي تصيب الثوم
2024-11-20
التربة المناسبة لزراعة الثوم
2024-11-20
البنجر (الشوندر) Garden Beet (من الزراعة الى الحصاد)
2024-11-20
الصحافة العسكرية ووظائفها
2024-11-19
الصحافة العسكرية
2024-11-19



المدينة عند هجرة النبي « صلى الله عليه وآله »  
  
295   11:27 صباحاً   التاريخ: 2024-09-22
المؤلف : الشيخ علي الكوراني
الكتاب أو المصدر : السيرة النبوية عند أهل البيت عليهم السلام
الجزء والصفحة : ج1، ص588-599
القسم : سيرة الرسول وآله / النبي الأعظم محمد بن عبد الله / حاله بعد الهجرة /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 4-5-2017 2958
التاريخ: 28-5-2017 2978
التاريخ: 29-3-2022 1454
التاريخ: 11-12-2014 3424

1 . النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) يدخل عاصمته ويؤسس المسجد النبوي

في ذكرى الشيعة : 3 / 116 : « قدم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) المدينة فنزل في علو المدينة ، في بني عمرو بن عوف ، فأقام فيهم أربع عشرة ليلة ، ثم أرسل إلى ملأ بني النجار فجاؤوا متقلدين بسيوفهم ، فجاء معهم حتى ألقى بفناء أبي أيوب » .

وفي الكافي : 8 / 339 : « ثم إن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لما قدم عليه علي ( عليه السلام ) تحول من قُبا إلى بني سالم بن عوف وعلي ( عليه السلام ) معه يوم الجمعة مع طلوع الشمس ، فخط لهم مسجداً ونصب قبلته ، فصلى بهم فيه الجمعة ركعتين وخطب خطبتين .

ثم راح يومه إلى المدينة على ناقته التي كان قدم عليها وعلي ( عليه السلام ) معه لا يفارقه يمشي بمشيه ، وليس يمر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ببطن من بطون الأنصار إلا قاموا إليه يسألونه أن ينزل عليهم فيقول لهم : خلوا سبيل الناقة فإنها مأمورة ، فانطلقت به ورسول الله ( صلى الله عليه وآله ) واضعٌ لها زمامها ، حتى انتهت إلى الموضع الذي ترى ، وأشار بيده إلى باب مسجد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) الذي يصلي عنده بالجنائز ، فوقفت عنده وبركت ووضعت جرانها على الأرض ، فنزل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وأقبل أبو أيوب مبادراً حتى احتمل رحله فأدخله منزله ، ونزل رسول الله وعلي ( عليه السلام ) معه ، حتى بني له مسجده ، وبنيت له مساكنه ومنزل علي ( عليه السلام ) فتحولا إلى منازلهما » .

وفي المناقب : 1 / 115 : « فبركت على باب أبي أيوب الأنصاري ، ولم يكن في المدينة أفقر منه ، فانطلقت قلوب الناس حسرة على مفارقة النبي ( صلى الله عليه وآله ) فنادى أبو أيوب : يا أماه إفتحي الباب ، فقد قدم سيد البشر وأكرم ربيعة ومضر ، محمد المصطفى والرسول المجتبى ، فخرجت وفتحت الباب وكانت عمياء فقالت : وا حسرتا ، ليت كان لي عين أبصر بها إلى وجه سيدي رسول الله ، فكان أول معجزة النبي ( صلى الله عليه وآله ) في المدينة أنه وضع كفه على وجه أم أبي أيوب ، فانفتحت عيناها » !

أقول : في بعض الروايات أن أم أبي أيوب جاء وأخذت وسائل النبي ( صلى الله عليه وآله ) ولا يصح ذلك لأن أباأيوب كان موجوداً وكانت أمه عمياء حتى شفاها النبي ( صلى الله عليه وآله ) . وسنفرد عنواناً لأبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه .

وفي المناقب : 1 / 159 : « فنزل النبي ( صلى الله عليه وآله ) على كلثوم بن هدم ، وكان يخرج فيجلس للناس في بيت سعد بن خيثمة ، وكان قيام علي ( عليه السلام ) بعد النبي ( صلى الله عليه وآله ) ثلاث ليال ، ثم لحق برسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فنزل معه على كلثوم . فأقام النبي ( صلى الله عليه وآله ) بقبا يوم الاثنين والأربعاء والخميس ، وأسس مسجده وصلى يوم الجمعة في المسجد الذي في بطن الوادي وادي رافوقا ، فكانت أول صلاة صلاها بالمدينة ، ثم أتاه غسان بن مالك وعباس بن عبادة في رجال من بني سالم فقالوا : يا رسول الله أقم عندنا في العدد والعُدة والمِنعة ، فقال : خلوا سبيلها فإنها مأمورة ، يعني ناقته .

ثم تلقاه زياد بن لبيد وفروة بن عمرو في رجال من بني بياضة ، فقالا كذلك .

ثم اعترضه سعد بن عبادة والمنذر بن عمرو في رجال من بني ساعدة .

ثم اعترضه سعد بن الربيع وخارجة بن زيد وعبد الله بن رواحة في رجال من بني الحارث بن الخزرج . فانطلقت حتى إذا وازت دار بني مالك بن النجار بركت على باب مسجد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وهو يومئذ مربد لغلامين يتيمين من بني النجار ، فلما بركت ورسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لم ينزل ، ووثبت فسارت غير بعيد ورسول الله واضع لها زمامها لا يثنيها به ، ثم التفتت إلى خلفها فرجعت إلى مبركها أول مرة فبركت ، ثم تجلجلت ورزمت ووضعت جرانها ، فنزل عنها رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) . واحتمل أبو أيوب رحله فوضعه في بيته ، ونزل النبي ( صلى الله عليه وآله ) في بيت أبي أيوب ، وسأل عن المربد فأخبر أنه لسهل وسهيل يتيمين لمعاذ بن عفراء فأرضاهما معاذ ، وأمر النبي ببناء المسجد ، وعمل فيه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بنفسه ، فعمل فيه المهاجرون والأنصار ، وأخذ المسلمون يرتجزون وهم يعملون ، فقال بعضهم :

لئن قعدنا والنبيُّ يَعْمَلُ

لَذَاكَ منَّا العملُ المُضَلَّلُ

والنبي ( صلى الله عليه وآله ) يقول : لا عيش إلا عيش الآخرة ، اللهم ارحم الأنصار والمهاجرة .

ثم انتقل من بيت أبي أيوب إلى مساكنه التي بنيت له . وقيل كان مدة مقامه بالمدينة إلى أن بني المسجد وبيوته من ربيع الأول إلى صفر من السنة القابلة » .

وفي رواية إعلام الورى : 1 / 154 : « أن دخوله إلى المدينة كان يوم الجمعة ، وأنه صلى الجمعة في مسجد بني سالم في طريقه ، وصلى إلى بيت المقدس ، وصلى معه مائة رجل . ثم انتهى إلى عبد الله بن أبي فأخذ عبد الله كُمَّه ووضعه على أنفه من الغبار وقال للنبي ( صلى الله عليه وآله ) : يا هذا إذهب إلى الذين غروك وخدعوك وأتوا بك فانزل عليهم ولاتَغْشَنا في ديارنا ! فسلط الله على دورهم الذر فخربها ، فصاروا نُزَّالاً على غيرهم ، فقال له سعد بن عبادة : يا رسول الله لا يعرض في قلبك من قول هذا شئ ، فإنا كنا اجتمعنا على أن نملكه علينا وهو يرى الآن أنك قد سلبته أمراً قد كان أشرف عليه ، فانزل عليَّ يا رسول الله ، فإنه ليس في الخزرج ولا في الأوس أكثر فم بئر مني ، ونحن أهل الجَلَد والعِز . فأرخى زمام ناقته ومرت تَخِبُّ به حتى انتهت إلى باب المسجد الذي هو اليوم ، فبركت على باب أبي أيوب خالد بن زيد . وكان أبو أيوب له منزل أسفل وفوق المنزل غرفة ، فكره أن يعلو رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقال : يا رسول الله بأبي أنت وأمي العلو أحب إليك أم السُّفل ؟ فإني أكره أن أعلو فوقك . فقال ( صلى الله عليه وآله ) : السُّفل أرفق بنا لمن يأتينا .

قال أبو أيوب : فكنا في العلو أنا وأمي ، فكنت إذا استقيت الدلو أخاف أن تقع منه قطرة على رسول الله ، وكنت أصعد وأمي إلى العلو خفياً من حيث لا يعلم ولا يحس بنا ، ولا نتكلم إلا خُفياً ، وكان إذا نام ( صلى الله عليه وآله ) لا نتحرك ، وربما طبخنا في غرفتنا فنجيف الباب على غرفتنا مخافة أن يصيب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) دخان .

ولقد سقطت جرة لنا وأهريق الماء فقامت أم أبي أيوب إلى قطيفة لم يكن لها والله غيرها ، فألقتها على ذلك الماء تستنشف به ، مخافة أن يسيل على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) من ذلك شئ ! وكان يحضر رسولَ الله ( صلى الله عليه وآله ) المسلمون من الأوس والخزرج والمهاجرين ، وكان

أبو أمامة أسعد بن زرارة يبعث إليه في كل يوم غداء وعشاء ، في قصعة ثريد عليها عراق « قطع لحم » وكان يأكل معه من حوله حتى يشبعوا ، ثم تُرَدُّ القصعة كما هي !

وكان سعد بن عبادة يبعث إليه في كل يوم عشاء ويتعشى معه من حضره ، وترد القصعة كما هي ! فكانوا يتناوبون في بعثة الغداء والعشاء إليه : أسعد بن زرارة ، وسعد بن خيثمة ، والمنذر بن عمرو ، وسعد بن الربيع ، وأسيد بن حضير .

وكان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يصلي في المربد بأصحابه ، فقال لأسعد بن زرارة : إشترِ هذا المربد من أصحابه ، فساوم اليتيمين عليه فقالا : هو لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فقال رسول الله : لا إلا بثمن ، فاشتراه بعشرة دنانير ، وكان فيه ماء مستنقع فأمر به رسول الله فَسُيِّلَ وأمر باللبن فضُرب فبناه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فحفره في الأرض ، ثم أمر بالحجارة فنقلت من الحرة ، وكان المسلمون ينقلونها فأقبل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يحمل حجراً على بطنه ، فاستقبله أسيد بن حضير فقال : يا رسول الله أعطني أحمله عنك ، قال : لا ، إذهب فاحمل غيره .

فنقلوا الحجارة ورفعوها من الحفرة حتى بلغ وجه الأرض ، ثم بناه أولاً بالسعيدة لبنة لبنة ، ثم بناه بالسميط وهو لبنة ونصف ، ثم بناه بالأنثى والذكر لبنتين مخالفتين ، ورفع حائطه قامة . ثم اشتد عليهم الحر فقالوا : يا رسول الله لو أظللت عليه ظلاً ، فرفع أساطينه في مقدم المسجد إلى ما يلي الصحن بالخشب ، ثم ظلله وألقى عليه سعف النخل فعاشوا فيه فقالوا : يا رسول الله لو سقفت سقفاً . قال : لا ، عريشٌ كعريش موسى ، الأمر أعجل من ذلك .

وابتنى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) منازله ومنازل أصحابه حول المسجد ، وخط لأصحابه خططاً فبنوا فيها منازلهم ، وكلٌّ شرع منه باباً إلى المسجد ، وخطَّ لحمزة وشرع بابه إلى المسجد ، وخط لعلي بن أبي طالب مثل ما خط لهم .

وكانوا يخرجون من منازلهم فيدخلون المسجد ، فنزل عليه جبرئيل فقال :

يا محمد إن الله يأمرك أن تأمر كل من كان له باب إلى المسجد يسده ، ولا يكون لأحد باب إلى المسجد إلا لك ولعلي ، يحل لعلي فيه ما يحل لك . فغضب أصحابه وغضب حمزة وقال : أنا عمه يأمر بسد بابي ويترك باب ابن أخي وهو أصغر مني ! فجاءه فقال ( صلى الله عليه وآله ) : يا عم لا تغضبن من سد بابك وترك باب علي ، فو الله ما أنا أمرت بذلك ولكن الله أمر بسد أبوابكم وترك باب علي ! فقال : يا رسول الله رضيت وسلمت لله ولرسوله . قال : وكان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) حيث بني منازله كانت فاطمة « عليها السلام » عنده » .

وفي الكافي : 3 / 295 قال الإمام الصادق ( عليه السلام ) : « إن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بنى مسجده بالسميط ، ثم إن المسلمين كثروا فقالوا : يا رسول الله لو أمرت بالمسجد فزيد فيه فقال : نعم فأمر به فزيد فيه وبناه بالسعيدة . ثم إن المسلمين كثروا فقالوا : يا رسول الله لو أمرت بالمسجد فزيد فيه فقال : نعم فأمر به فزيد فيه وبنا جداره بالأنثى والذكر ، ثم اشتد عليهم الحر فقالوا : يا رسول الله لو أمرت بالمسجد فظلل ، فقال نعم ، فأمر به فأقيمت فيه سواري من جذوع النخل ، ثم طرحت عليه العوارض والخصف والإذخر ، فعاشوا فيه حتى أصابتهم الأمطار فجعل المسجد يَكِفُ عليهم فقالوا : يا رسول الله لو أمرت بالمسجد فطين ، فقال لهم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : لا ، عريشٌ كعريش موسى ( عليه السلام ) ، فلم يزل كذلك حتى قبض رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) . وكان جداره قبل أن يظلل قامة ، فكان إذا كان الفيئ ذراعاً ، وهو قدر مريض عنز صلى الظهر ، وإذا كان ضعف ذلك صلى العصر .

وقال ( عليه السلام ) : السميط لبنة لبنة ، والسعيدة لبنة ونصف ، والذكر والأنثى لبنتان مخالفتان . وعن الحلبي قال : سألته كم كان مسجد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ؟ قال : كان ثلاثة آلاف وست مائة ذراع تكسيراً » .

وفي الكافي : 5 / 121 : قال روح بن عبد الرحيم : سألت الإمام الصادق ( عليه السلام ) : « عن شراء المصاحف وبيعها ؟ فقال : إنما كان يوضع الورق عند المنبر ، وكان ما بين المنبر والحائط قدر ما تمر الشاة أو رجلٌ منحرف ، قال : فكان الرجل يأتي ويكتب من ذلك ، ثم إنهم اشتروا بعد ذلك . قلت : فما ترى في ذلك ؟ قال لي : أشتري أحب إليَّ من أن أبيعه . قلت : فما ترى أن أعطي على كتابته أجراً ؟ قال : لا بأس ، ولكن هكذا كانوا يصنعون » .

2 . المدينة واحاتٌ زراعية سكنها العرب اليمانيون

قال الحموي في معجم البلدان : 5 / 82 : « سبخةٌ من الأرض ، ولها نخيل كثيرةٌ ومياه ، ونخيلهم وزروعهم تسقى من الآبار عليها العبيد . وللمدينة سور ، والمسجد في نحو وسطها ، وقبر النبي ( صلى الله عليه وآله ) في شرقي المسجد . وبقيع الغرقد خارج المدينة .

وقُباء خارج المدينة على نحو ميلين إلى ما يلي القبلة ، وهي شبيهة بالقرية . وأحُدُ جبل في شمال المدينة ، وهو أقرب الجبال إليها ، مقدار فرسخين . وبقربها مزارع فيها نخيل وضياع لأهل المدينة ، ووادي العقيق فيما بينها وبين الفرع ، والفرع من المدينة على أربعة أيام في جنوبيها . وكان على المدينة وتهامة في الجاهلية عامل من قبل مرزبان الزارة يجبي خراجها « حاكم القطيف من قبل كسرى - معجم البلدان 3 / 126 » وكانت قريظة والنضير اليهود ملوكاً حتى أخرجهم منها الأوس والخزرج من الأنصار . وكانت الأنصار تؤدي خراجاً إلى اليهود ، قال بعضهم :

نؤدي الخرْج بعد خَرَاج كسرى وخَرْج بني قريظة والنضير

لما قدم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) المدينة وثب على أصحابه وباء شديد حتى أهمدتهم الحمى فما كان يصلي مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إلا اليسير ، فدعا لهم .

ومن خصائص المدينة أنها طيبة الريح ، وللعطر فيها فضل رائحة لا توجد في غيرها ، وتمرها الصيحاني لا يوجد في بلد من البلدان مثله ، ولهم حَبُّ اللبَّان ومنها يحمل إلى سائر البلدان ، وجبلها أحد قد فضله رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) .

وأخبار مدينة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) كثيرة ، وقد صنف فيها وفي عقيقها وأعراضها وجبالهاكتب . وأما المسافات ، فإن من المدينة إلى مكة نحو عشر مراحل ، ومن الكوفة إلى المدينة نحو عشرين مرحلة ، وطريق البصرة إلى المدينة نحو من ثماني عشرة مرحلة ، ويلتقي مع طريق الكوفة بقرب معدن النقرة ، ومن الرقة إلى المدينة نحو من عشرين مرحلة ، ومن البحرين إلى المدينة نحو خمس عشرة مرحلة ، ومن دمشق إلى المدينة نحو عشرين مرحلة ، ومثله من فلسطين إلى المدينة » .

أقول : روت مصادر التاريخ والسيرة أن الأوس والخزرج قبيلة يمانية سكنت في واحة يثرب من زمن الملك تُبَّع الأول ، وعرفوا ببني قَيْلَة ، وهي أمهم بنت كال بن عذرة ، ورووا أن تُبَّعاً الأول كان ملكاً لليمن والحجاز والعراق ، وكان يعرف بعثة النبي ( صلى الله عليه وآله ) فأسكن فيها يمانيين ، وكتب معهم رسالة إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) .

ففي المناقب : 1 / 17 ، عن كتاب النبوة لابن بابويه عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) قال : « إن تبعاً قال للأوس والخزرج : كونوا هاهنا حتى يخرج هذا النبي ، أمَا لو أدركته لخدمته ولخرجت معه » . راجع : ابن هشام : 1 / 10 ، الطبري : 1 / 534 ، العدد القوية / 113 ، عمدة القاري : 4 / 176 والصحيح من السيرة : 4 / 91 .

أما اليهود فجاؤوا بعد المسيح ( عليه السلام ) « الكافي 8 / 310 » لانتظار نبي موعود يكون مهاجره المدينة ، ثم جحدوه لأنه من أبناء إسماعيل ، وأرادوه من أبناء إسحاق !

لكن ابن خلدون قال : 1 / 356 واليعقوبي : 1 / 203 : « ملكها بنو إسرائيل من أيديهم فيما ملكوه من أرض الحجاز ، ثم جاورهم بنو قيلة من غسان وغلبوهم عليها » .

ولا يعني ذلك أن المدينة كانت مملكة ، بل واحة فيها يهود ، وكانت جزءً من الجزيرة واليمن التي يحكمها تُبَّع ، فأسكن فيها الأوس والخزرج ، فهابهم اليهود وتحالفوا معهم . فلا دليل على أن اليهود كانوا يوماً حاكمين في الجزيرة .

وتدل تبعية المدينة لمرزبان الزارة الفارسي أي حاكم البحرين ، على أن الجزيرة العربية كانت مطوقة بنفوذ الفرس ، من دولة المناذرة في العراق وحاكم البحرين وحاكم اليمن وكلهم تابعون لكسرى . وإذا صح بيت الشعر المتقدم ، فلا بد أن يكون خرج اليهود الذي يدفعه الأنصار بمعنى رباهم ، لأنهم كانوا مرابين .

3 . عدد سكان المدينة عند هجرة النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) )

كان سكان المدينة لما هاجر النبي ( صلى الله عليه وآله ) إليها بضعة آلاف نسمة ، وروي أن أربعة آلاف أكلوا في وليمة عرس علي وفاطمة « عليهما السلام » ، لكن كان معهم أهل ضواحيها .

ففي أمالي الطوسي / 42 والمناقب : 3 / 129 ، عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) : « قال علي ( عليه السلام ) :

وأكل القوم عن آخرهم طعامي وشربوا شرابي ودعوا لي بالبركة ، وصدروا وهم أكثر من أربعة آلاف رجل ، ولم ينقص من الطعام شئ ! ثم دعا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بالصحاف فملئت ووجه بها إلى منازل أزواجه ، ثم أخذ صحفة وجعل فيها طعاماً وقال : هذا لفاطمة وبعلها » .

وكان النبي ( صلى الله عليه وآله ) يأمر بعدَّ المسلمين ، فعن حذيفة أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أمر أن يكتب له كل من تلفظ بالإسلام من أهل المدينة ، فكانوا سبع مئة . ابن ماجة : 2 / 1337 .

ثم قال ( صلى الله عليه وآله ) : « أكتبوا لي من تلفظ بالإسلام من الناس فكتبنا له ألفاً وخمس مائة رجل ، فقلنا نخاف ونحن ألف وخمس مائة » ! صحيح بخاري : 4 / 33 .

وكان ذلك في السنة الخامسة ، أو السادسة . فتح الباري : 6 / 124 .

4 . عدد المسلمين المهاجرين إلى المدينة

يعرف عدد المهاجرين من أحاديث مؤاخاة النبي ( صلى الله عليه وآله ) بين المهاجرين والأنصار ، أو بين المهاجرين أنفسهم أوالأنصار أنفسهم . بل يعرف عدد كل المسلمين يومها لأن النبي ( صلى الله عليه وآله ) لم يترك أحداً بدون مؤاخاة . الإمتاع : 1 / 69 .

وفي تاريخ دمشق : 42 / 52 : « آخى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بين المسلمين فقال لعلي : أنت أخي وأنا أخوك ، وآخى بين أبي بكر وعمر ، وآخى بين المسلمين جميعاً » .

وذكر في الصحيح من السيرة : 4 / 228 ، أن المهاجرين كانوا في بدر خمسة وأربعين ، ثم وصلوا في المدينة إلى مئة وخمسين . ويضاف إليهم أربعة وعشرون من مهاجري الحبشة جاؤوا إلى المدينة : « لما بلغهم أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) هاجر إلى المدينة رجع منهم إلى مكة ثلاثة وثلاثون رجلاً فمات منهم رجلان بمكة ، وحبس منهم سبعة وتوجه إلى المدينة أربعة وعشرون رجلاً ، فشهدوا بدراً » . فتح الباري : 3 / 60 .

5 . كيف تم إسكان المسلمين المهاجرين في المدينة

كان استقبال الأنصار للمسلمين المهاجرين فريداً من نوعه ، فقد استضافوهم في بيوتهم وفضلوهم على أنفسهم ، ثم وهبوا لهم بيوتاً وأراضي وساعدوهم على بنائها . وقد مدحهم لإيثارهم فقال تعالى : مَا أَفَاءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَللهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ . لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ . وَالَّذِينَ تَبَوَءُوا الدَّارَ وَالإيمان مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ . وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإيمان وَلاتَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رُءُوفٌ رَحِيمٌ .

وفي شرح النهج : 6 / 29 ، أن عمرو بن العاص ذم الأنصار لموقفهم في السقيفة ضد خلافة أبي بكر وعمر وقال : « ولقد قاتلونا أمس فغلبونا على البدء ، ولو قاتلناهم اليوم لغلبناهم على العاقبة » . ثم قال شعراً في ذمهم ! فجاء خالد بن سعيد بن العاص فغضب للأنصار وشتم عمرو بن العاص وقال : « يا معشر قريش ، إن عمراً دخل في الإسلام حين لم يجد بداً من الدخول فيه ، فلما لم يستطع أن يكيده بيده كاده بلسانه ! وإن من كيده الإسلام تفريقه وقطعه بين المهاجرين والأنصار . والله ما حاربناهم للدين ولا للدنيا ، لقد بذلوا دماءهم لله تعالى فينا ، وما بذلنا دماءنا لله فيهم ، وقاسمونا ديارهم وأموالهم ، وما فعلنا مثل ذلك بهم ، وآثرونا على الفقر وحرمناهم على الغنى ، ولقد وصى رسول الله بهم وعزَّاهم عن جفوة السلطان ، فأعوذ بالله أن أكون وإياكم الخلف المضيع والسلطان الجاني » .

وفي جامع أحاديث الشيعة : 8 / 575 ، من مناظرة المأمون مع الفقهاء : « قال النبي ( صلى الله عليه وآله ) للأنصار : إن شئتم أخرجتم المهاجرين من دوركم وأموالكم وقسمت لهم هذه الأموال دونكم ، وإن شئتم تركتم أموالكم وأقسمت لكم معهم .

قالت الأنصار : بل إقسم لهم دوننا واتركهم معنا في دورنا وأموالنا ، فأنزل الله تبارك وتعالى : وَمَا أَفَاءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ ، يعني يهود قريظة ، فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلارِكَابٍ ، لأنهم كانوا معهم بالمدينة أقرب من أن يوجف عليهم بخيل ولا ركاب ، ثم قال : لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ » .

وقال البلاذري في الفتوح : 1 / 5 : « وهبت الأنصار لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) كل فضل كان في خططها وقالوا : يا نبي الله إن شئت فخذ منازلنا ! فقال لهم خيراً » .

وفي معجم البلدان : 5 / 86 : « كان ( صلى الله عليه وآله ) يُقطع أصحابه هذه القطائع ، فما كان في عفا من الأرض فإنه أقطعهم إياه ، وما كان من الخطط المسكونة العامرة فإن الأنصار وهبوه له ، فكان يقطع من ذلك ما شاء . وكان أول من وهب له خططه ومنازله حارثة بن النعمان فوهب له ذلك وأقطعه » .

وفي فتح الباري : 6 / 181 « جعلوا للنبي ما لا يبلغه المأمن من أرضهم ، فأقطع النبي ( صلى الله عليه وآله ) من شاء منه » .

وقال الطوسي في المبسوط : 3 / 274 : « روي عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أنه أقطع الدور بالمدينة » . وذكر في مكاتيب الرسول : 1 / 350 نحو ثلاثين مورداً من إقطاعاته ( صلى الله عليه وآله ) .

وفي الطبقات : 8 / 22 : « لما قدم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) المدينة نزل على أبي أيوب سنة أو نحوها ، فلما تزوج علي فاطمة قال لعلي : أطلب منزلاً فطلب علي منزلاً فأصابه مستأخراً عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قليلاً فبنى بها فيه ، فجاء النبي ( صلى الله عليه وآله ) إليها فقال : إني أريد أن أُحَوِّلَك إليَّ ، فقالت لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : فكلم حارثة بن نعمان أن يتحول عني . فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : قد تحول حارثة عنا قد استحيت منه ، فبلغ ذلك حارثة فتحول وجاء إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) فقال : يا رسول الله إنه بلغني أنك تحول فاطمة إليك وهذه منازلي وهي أسقب بيوت بني النجار بك ، وإنما أنا ومالي لله ولرسوله ! والله يا رسول الله المال الذي تأخذ مني أحب إليَّ من الذي تدع ! فقال رسول الله : صدقت ، بارك الله عليك ، فحولها رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إلى بيت حارثة » .

وفي صحيح بخاري : 4 / 208 ، أن رجلاً سأل عبد الله بن عمر عن علي ( عليه السلام ) : « فذكر محاسن عمله قال : هو ذاك بيته أوسط بيوت النبي ( صلى الله عليه وآله ) ثم قال : لعل ذاك يسوءك ؟ قال : أجل ! قال فأرغم الله بأنفك » ! وفي فتح الباري : 7 / 59 : « سألت ابن عمر عن علي فقال : أنظر إلى منزله من نبي الله ليس في المسجد غير بيته » .

وفي الكافي : 4 / 555 عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) : « إذا دخلت من باب البقيع فبيت علي صلوات الله عليه على يسارك ، قدر ممر عنز من الباب ، وهو إلى جانب بيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وباباهما جميعاً مقرونان » .

وقال في الطبقات : 8 / 166 يصف بيوت أزواج النبي ( صلى الله عليه وآله ) : « رأيت منازل أزواج رسول الله حين هدمها عمر بن عبد العزيز وهو أمير المدينة في خلافة الوليد بن عبد الملك ، وزادها في المسجد : كانت بيوتاً باللبن ولها حجر من جريد ، مطرور بالطين ، عددت تسعة أبيات بحجرها ، وهي ما بين بيت عائشة إلى الباب الذي يلي باب النبي ( صلى الله عليه وآله ) » .

أقول : كانت حجرة عائشة أبعد الحجر عن بيت النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، أما بيت أبي بكر فكان في السنح من جهة أحد ، وبيت عمر كان في العوالي من جهة قباء ، وهما يبعدان عن المسجد كيلو مترات ، ولم يكن بجانب المسجد وبيت النبي ( صلى الله عليه وآله ) إلا بيت علي ( عليه السلام ) ، وبعض بيوت بني هاشم . وقد بحثنا ذلك في سيرة الإمام الحسن ( عليه السلام ) من جواهر التاريخ ، وأثبتنا أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) دفن في بيته ، لا في بيت عائشة .

6 . الوضع السياسي العالمي عند تأسيس النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) لدولته

كانت الدولتان اللتان تحكمان العالم في عهد النبي ( صلى الله عليه وآله ) : فارس والروم . فكان كسرى يحكم قسماً من العراق مباشرة ، وقسماً بواسطة المناذرة ، وكانت فيه قبائل عربية كبيرة من أشهرها ربيعة ، وكانت البحرين ومحيطها تحت حكم كسرى مباشرة أيضاً ، يعين لها حاكماً يسمى المرزبان ، وأبرز قبائلها عبد القيس ، وبنو تميم ، كما كانت اليمن تحت حكم كسرى وفيها حاكم فارسي إلى جنب الملك ، من أبناء الذين حرروها من حكم الحبشة مع سيف بن ذي يزن ، وكان فيها قبائل قوية عديدة كهمدان وكندة . أما قبائل الحجاز فكانت شبه مستقلة ، وأبرزها قريش بسبب ولايتها للكعبة ، وأكثرها عدداً تميم وهوازن في نجد .

وقد شمل حكم كسرى مضافاً إلى بلاد فارس وما وراء النهر إلى حدود الصين وروسيا ، وقسماً من الهند ، وكانت الشام وفلسطين منطقة صراع بين الفرس والروم ، وقد غلب عليها الفرس بعد بعثة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وأخبر القرآن بأن الروم سيغلبونهم بعد بضع سنين فغلبوهم في أذرعات أيام معركة بدر .

وكانت أمبراطورية الروم أوسع ، فكانت روما الغربية تحكم أوروبا الغربية والشرقية ، وكان قيصر روما الشرقية في القسطنطينية يحكم تركيا وبلاد الشام وفلسطين ومصر والحبشة ، ويمد منها نفوذه إلى أفريقيا ، كما يمد نفوذه من جهة الشام إلى الجوف ، ويطمع أن يُخضع المدينة ويقضي على النبوة .

وكان اليهود عملاء للرومان مع أنهم دمروا دولتهم ، وبعضهم عملاء للفرس الذين دمروا دولتهم من قبل ، وقد هاجرت قبائل منهم إلى أرض العرب تنتظر النبي الموعود ، على أمل أن يكون من أبنائهم !

أما بقية دول العالم فكان أهمها الهند والصين ، وكانتا دولتين نائيتين مقفلتين على نفسيهما . أو ممالك صغيرة تحكمها أسر وقبائل .




يحفل التاريخ الاسلامي بمجموعة من القيم والاهداف الهامة على مستوى الصعيد الانساني العالمي، اذ يشكل الاسلام حضارة كبيرة لما يمتلك من مساحة كبيرة من الحب والتسامح واحترام الاخرين وتقدير البشر والاهتمام بالإنسان وقضيته الكبرى، وتوفير الحياة السليمة في ظل الرحمة الالهية برسم السلوك والنظام الصحيح للإنسان، كما يروي الانسان معنوياً من فيض العبادة الخالصة لله تعالى، كل ذلك بأساليب مختلفة وجميلة، مصدرها السماء لا غير حتى في كلمات النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) وتعاليمه الارتباط موجود لان اهل الاسلام يعتقدون بعصمته وهذا ما صرح به الكتاب العزيز بقوله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) ، فصار اكثر ايام البشر عرفاناً وجمالاً (فقد كان عصرا مشعا بالمثاليات الرفيعة ، إذ قام على إنشائه أكبر المنشئين للعصور الإنسانية في تاريخ هذا الكوكب على الإطلاق ، وارتقت فيه العقيدة الإلهية إلى حيث لم ترتق إليه الفكرة الإلهية في دنيا الفلسفة والعلم ، فقد عكس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم روحه في روح ذلك العصر ، فتأثر بها وطبع بطابعها الإلهي العظيم ، بل فنى الصفوة من المحمديين في هذا الطابع فلم يكن لهم اتجاه إلا نحو المبدع الأعظم الذي ظهرت وتألقت منه أنوار الوجود)





اهل البيت (عليهم السلام) هم الائمة من ال محمد الطاهرين، اذ اخبر عنهم النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) باسمائهم وصرح بإمامتهم حسب ادلتنا الكثيرة وهذه عقيدة الشيعة الامامية، ويبدأ امتدادهم للنبي الاكرم (صلى الله عليه واله) من عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) الى الامام الحجة الغائب(عجل الله فرجه) ، هذا الامتداد هو تاريخ حافل بالعطاء الانساني والاخلاقي والديني فكل امام من الائمة الكرام الطاهرين كان مدرسة من العلم والادب والاخلاق استطاع ان ينقذ امةً كاملة من الظلم والجور والفساد، رغم التهميش والظلم والابعاد الذي حصل تجاههم من الحكومات الظالمة، (ولو تتبّعنا تاريخ أهل البيت لما رأينا أنّهم ضلّوا في أي جانب من جوانب الحياة ، أو أنّهم ظلموا أحداً ، أو غضب الله عليهم ، أو أنّهم عبدوا وثناً ، أو شربوا خمراً ، أو عصوا الله ، أو أشركوا به طرفة عين أبداً . وقد شهد القرآن بطهارتهم ، وأنّهم المطهّرون الذين يمسّون الكتاب المكنون ، كما أنعم الله عليهم بالاصطفاء للطهارة ، وبولاية الفيء في سورة الحشر ، وبولاية الخمس في سورة الأنفال ، وأوجب على الاُمّة مودّتهم)





الانسان في هذا الوجود خُلق لتحقيق غاية شريفة كاملة عبر عنها القرآن الحكيم بشكل صريح في قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) وتحقيق العبادة أمر ليس ميسوراً جداً، بل بحاجة الى جهد كبير، وافضل من حقق هذه الغاية هو الرسول الاعظم محمد(صلى الله عليه واله) اذ جمع الفضائل والمكرمات كلها حتى وصف القرآن الكريم اخلاقه بالعظمة(وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) ، (الآية وإن كانت في نفسها تمدح حسن خلقه صلى الله عليه وآله وسلم وتعظمه غير أنها بالنظر إلى خصوص السياق ناظرة إلى أخلاقه الجميلة الاجتماعية المتعلقة بالمعاشرة كالثبات على الحق والصبر على أذى الناس وجفاء أجلافهم والعفو والاغماض وسعة البذل والرفق والمداراة والتواضع وغير ذلك) فقد جمعت الفضائل كلها في شخص النبي الاعظم (صلى الله عليه واله) حتى غدى المظهر الاولى لأخلاق رب السماء والارض فهو القائل (أدّبني ربي بمكارم الأخلاق) ، وقد حفلت مصادر المسلمين باحاديث وروايات تبين المقام الاخلاقي الرفيع لخاتم الانبياء والمرسلين(صلى الله عليه واله) فهو في الاخلاق نور يقصده الجميع فبه تكشف الظلمات ويزاح غبار.