المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الحديث والرجال والتراجم
عدد المواضيع في هذا القسم 6103 موضوعاً

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


حجيّة البراءة الأصليّة والاستصحاب  
  
18   05:03 مساءً   التاريخ: 2024-09-19
المؤلف : الشيخ الجليل محمد بن الحسن المعروف بـ(الحر العامليّ).
الكتاب أو المصدر : الفوائد الطوسيّة.
الجزء والصفحة : ص 196 ـ 220.
القسم : الحديث والرجال والتراجم / علم الحديث / مقالات متفرقة في علم الحديث /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-11-03 1222
التاريخ: 2023-09-10 1106
التاريخ: 2023-10-30 925
التاريخ: 2024-09-03 130

فائدة رقم (49):
وجدت كلامًا لبعض المعاصرين في حجية البراءة الأصلية والاستصحاب والتشنيع على من ينكرها أحببت إيراده والجواب عنه.
فأقول : قال المعاصر : قد أوردت شبهة في كون البراءة الأصلية لا يصلح الاستدلال بها وحاصلها انه قد ورد في الحديث ما معناه ان في كل شي‌ء حكما حتى أرش الخدش والجلدة ونصف الجلدة وإذا كان في كل شي‌ء حكم فكيف يقال براءة الذمة بعد أن ورد ما يقتضي اشتغالها.
ثم أجاب المعاصر بانّا مكلفون بما يصل إلينا حكمه على وجه يجوز لنا العمل به وقد نهينا عن قبول خبر الفاسق والمخالف لدين الحق وقد ورد عنهم (ع) كل شي‌ء مطلق حتى يرد فيه نهي (1) والناس في سعة ممّا لم يعلموا (2) ولا تنقض اليقين بالشك أبدًا (3) وما حجب الله عن العباد فهو مرفوع عنهم (4) واليقين لا يدفعه الا يقين مثله(5) وقد ورد كل شي‌ء لك حلال حتى تعرف الحرام بعينه فتدعه (6) وكل شي‌ء طاهر حتى تعلم انّه قذر (7) ونحوه ممّا فيه تأييد لذلك.
وممّا ورد ممّا تضمّن النهي عن تكذيب ما جاء عنهم (ع) وان جاء به قدريّ أو غيره (8) لا دلالة فيه؛ لأنّ النهي عن التكذيب وهو الجزم بكونه كذبا لا يدل على العمل به ولا العمل بخبر كل مخبر وبمثل هذا يحصل التساهل في الدين لأنّه لا ينظر الى ما حقّقه العلماء بل ينظر الى كل ما ورد ويعمل به.
نعم إذا حصل قرائن تدل على صدقه عمل به ولهذا كان المتقدّمون يعمل الواحد منهم بخبر لا يعمل منه الآخر ولا يعتمد على مجرد روايته له أو العمل به كما يظهر من عدم عمل الصدوق بكل ما يرويه محمد بن يعقوب وكما يرد الشيخ روايات كثيرة رواها الكليني والصدوق تارة بالضعف وتارة بأنّها أخبار آحاد لا توجب علما ولا عملا وكما يعمل به الصدوق مخالفا لوالده وكما يغلط الفضل بن شاذان في عدة مسائل في الميراث والسيد المرتضى له يجوز العمل بالأخبار من حيث هو لكونها أخبار آحاد والعجب من دعوى حصول علم لم يحصل لمتقدم ولا لمتأخر ولم يوافق عليه أحد.
ثم قال المعاصر: وهب ان كل شي‌ء ورد فيه حكم فذلك الحكم امّا ان يكون موافقا الحكم قبل ذلك أو مخالفا ومن المعلوم انا غير مكلفين بذلك الحكم ما لم يصل إلينا وقد نهينا عن أخذه عمّن لا يعتمد على قوله والا لزم تكليف ما لا يطاق فمن لم يعمل بالخبر الضعيف عنده ويستند إلى البراءة الأصلية مراده بها هذا. انتهى كلام المعاصر ملخّصا محذوفا منه ما لا دخل له في الاستدلال أصلا.
ثم انّه بعد ذلك أطال المقال في التشنيع الشنيع على من يعمل بالأحاديث ولا يعمل بالبراءة الأصليّة ونسبهم الى الجهل والكذب والافتراء والتسامح والتساهل والخروج عن حكم العقل والنقل وتخريب الدين وترك الاحتياط والميل الى الكسل وغير ذلك ممّا لا فائدة في نقله ومقابلته بمثله.
وأقول في الجواب والله الموفّق للصواب:

قوله : قد أوردت شبهة.
أقول : هذا الذي سمّاه شبهة لا شبهة فيه كما يأتي تحريره وتقريره ان شاء الله على ان الذي لا يعتقد حجية البراءة الأصلية لا يحتاج الى دليل لأنّه ناف لا مثبت ومنكر لا مدع والشبهة كافية هنا فإنّه ما لم يتحقق حجية البراءة الأصلية كيف يجوز الجزم بحجيتها وضعف دليل الحجية وفساده كافٍ ، فكيف والأدلة العقلية والنقلية على نفي الحجية البراءة الأصلية كثيرة جدا يأتي الإشارة إلى بعضها ان شاء الله.
وانّما يطلب الدليل من المدّعى المثبت لا من المنكر النافي كما صرّح به المحقّقون في محلّه وجزم به أكثرهم والقول بخلافه لا يخفى ضعفه وضعف دليله.
قوله : في كون البراءة الأصلية لا يصلح الاحتجاج بها.
أقول : ظاهره انّ الاحتجاج بها جائز ولم يصرّح فيه بالوجوب وكذا غيره من الأصوليّين وذلك انّ مخالفتها والعمل بالاحتياط راجح قطعا وانّما الخلاف في وجوب مخالفتها واستحبابه فالمعاصر لا ينكر الاستحباب لكن يظهر منه في آخر الكلام التشنيع على من يترك العمل بها لا بمجرد ترك العمل بها بل لعمله بأحاديث ضعيفة عنده، وكفى بهذا ضعفا لحجية البراءة الأصلية حيث انّها دائما مخالفة للاحتياط والعمل بالاحتياط راجح اتفاقا وانّما الخلاف في وجوبه واستحبابه.
واعلم انّ كلام المعاصر وغيره هنا مجمل يحتاج الى التفصيل لتحقق محل النزاع ونحن نفصل ونقول الأصل يطلق على معانٍ ويستدل به في مواضع اثني عشر:
الأول : نفي الوجوب في فعل وجودي الى ان يثبت دليله.
الثاني : نفي التحريم في فعل وجودي الى ان يثبت دليله.
الثالث : نفي تخصيص العام الى أن يثبت المخصّص.
الرابع : نفي تقييد المطلق الى أن يثبت المقيّد وفي معناه نفي النسخ الى ان يثبت.
الخامس : نفي الاشتراط بشرط مختلف فيه الى أن يثبت وهو راجع الى حدّ السابقين.
السادس : نفي مطلق الحكم الى ان يثبت دليله.
السابع : نفي تغيّر الحكم الشرعي في الحالة السابقة وهو المسمّى بالاستصحاب في نفس الحكم الشرعي إثباتا ونفيا.
الثامن : نفي تغير الحالة السابقة الى أن يثبت تغيرها وهو المسمّى بالاستصحاب في غير نفس الحكم الشرعي.
التاسع : القاعدة الكليّة كما يقال الأصل في الكلام الحمل على الحقيقة ونحو ذلك.
العاشر : الحالة الراجحة وهي قريبة من سابقها.
الحادي عشر : الدليل والبرهان كما يقال: الأصل في هذه المسألة الكتاب والسنة
الثاني عشر : الكتاب المعتمد كما يقال كتاب حريز أصل وكتاب محمد بن مسلم من جملة الأصول وهذا مخصوص بكتب الحديث وهو راجع الى سابقة وربما يطلق على غير ذلك. فاذا عرفت هذا فنقول:
امّا الأول : فلا خلاف فيه بين العقلاء إذ لم يذهب أحد منهم إلى أصالة الوجوب حتى تثبت عدمه واستلزام ذلك تكليف ما لا يطاق ظاهر، وبطلانه أظهر مع انّه كثيرا ما يحصل الشك في وجوب الفعل ووجوب الترك وقد ورد التصريح بما قلناه في عدة أحاديث ولم يقل أحد أيضا بوجوب الاحتياط هنا وان كان مستحبا حيث لا يكون الفعل مترددا بين الوجوب والتحريم نعم قد حكموا بوجوب الاحتياط إذا علم اشتغال الذمّة بعبادة وحصل التخيير في نوعها كالقصر والتمام والظهر والجمعة وصلاة الفريضة إلى أربع جهات ونحو ذلك مع عدم إمكان الترجيح بالمرجّحات المنصوصة وله تفصيل آخر مذكور في محله.
وامّا الثاني : ففيه خلاف مشهور ومذاهبهم فيه ثلاثة: أصالة الإباحة حتى تثبت التحريم، وأصالة التحريم الى ان تثبت الإباحة، ووجوب التوقف والاحتياط وعدم الجزم بأحد الطرفين. ودليل الأولين ضعيف وكل منهما يدفع الأخر والأدلة العقليّة والنقليّة دالة على الثالث واليه ذهب رئيس الطائفة في كتاب العدّة وجماعة من المتقدّمين والمتأخّرين وقد اتفق الجميع على رجحان ذلك لم يخالف فيه عاقل وانّما اختلفوا في الوجوب كما مرّ ولا يخفى انّ الأصل بهذا المعنى نوع من الاستصحاب؛ لأنّه استصحاب لحكم الأشياء قبل ورود الشرع أو قبل تعلّق التكليف بالمكلف ولا يتصور وجوب التوقف والاحتياط في مقام الوجوب والتحريم معا لأنّه يستلزم اجتماع النقيضين وغير ذلك من المفاسد والنصوص الصريحة دلت على الفرق بين المقامين.
وأمّا الثالث والرابع والخامس : فلا خلاف فيها أيضا الا انّهم اختلفوا في الحكم بالنفي قبل التفحّص وعدمه والمحقّقون على اشتراط التفحص وهو الأحوط وذهب العلّامة إلى جواز الحكم قبل التفحّص هذا في أحاديث الأئمة (ع) وأمّا في القرآن ففي ذلك خلاف مشهور والأحاديث المتواترة التي تزيد على المائتين دالة على عدم جواز استنباط الأحكام النظرية من ظواهره الا بعد معرفة أحوالها وتفسيرها من الأئمة (ع) ولو بحديث يوافق مضمونها ليؤمن من النسخ والتخصيص والتقييد وغير ذلك ممّا هو كثير جدا في القرآن وقد جمعناها في محل آخر ودلالتها ظاهرة واضحة غير محتملة للتقيّة وقد تجاوزت حد التواتر وما يتخيّل من معارضاتها محتمل للتقيّة على انّها ظواهر لا تعارض النص الصريح.
واما السادس : ففيه خلاف مشهور وقد خصّه المحقّق بما يعلم انّه لو كان هناك دليل يوصل إلينا والا لم يكن معتبرا ومع فرض تحقق العلم بذلك تسهل الخطب الا انّ هذا فيه إجمال لا بد فيه من التفصيل السابق.
وأمّا السابع : ففيه أيضا خلاف مشهور وقد ذهب الى بطلانه المحقّقون كالسيد المرتضى والشيخ الطوسي والمحقق الحلي والشيخ حسن ومولانا محمد أمين وصاحب المدارك وغيرهم ومثّلوا له بالمتيمم إذا دخل في الصلاة ثم رأى الماء في أثنائها الاتفاق واقع على وجوب المضي فيها قبل الرؤية فهل يستمر على فعلها بعدها استصحابا للحكم الأول أم يستأنفها بالوضوء.
وقال صاحب المدارك في أوائل كتاب الطهارة : الحق انّ الاستصحاب ليس بحجة إلا ما دل الدليل على ثبوته ودوامه كاستصحاب الملك عند جريان سبب الملك الى ان يثبت الانتقال وكشغل الذمة عند جريان الإتلاف الى ان يتحقق البراءة «انتهى» (9) وأدلة التوقف والاحتياط شاملة له ودليل حجيته ضعيف باطل كما يأتي ان شاء الله تعالى.
وأما الثامن : فلا خلاف فيه والنصوص الشرعيّة دالة عليه عموما وخصوصا وأمّا باقي المعاني فلا اشكال فيها وأمرها واضح الا انّه لا بد من تحققها وإثباتها ولا يكفي فيها الدعوى المجرّدة عن الدليل ولا الاستدلال بالفرد على الطبيعة كما اشتهر بين جماعة من المتأخّرين من قولهم هذا الحديث مخالف للأصول فيردّونه ومرادهم بالأصول قواعد كليّة قد استنبطوها من صور حديث وهذا عند التحقيق لا يتم الا على قواعد العامّة القائلين بالقياس فإنّهم يستدلون بجزئي على جميع أفراد الكلي الشامل له ومن تبعهم من الخاصّة فيه فقد غفل عن مبناه اللهم الا ان يدل القرائن الظاهرة الواضحة على ان ذلك الفرد انما ورد بطريق المثال وان الحكم عام.
وقد أشار الى بطلانه الصادق (عليه‌ السلام) في حديث عبد الرحمن بن الحجاج حيث قال في الرد عليهم انّهم جعلوا الأشياء شيئا واحدا ولم يعلموا السنّة. وغير ذلك من الأحاديث وقد ظهر انّ عمدة الاختلاف هنا في أصالة الإباحة وفي الاستصحاب في نفس الحكم الشرعي الا انّ الاستصحاب يطلق عليه الأصل لا البراءة الأصلية ففي استدلال المعاصر تسامح كما يأتي بيانه وباقي المعاني أمرها ظاهر.
أقول : وإذا كان في كل شي‌ء حكم فكيف يقال ببراءة الذمة.
أقول : هذه الأحاديث المشار إليها كثيرة جدا قد تجاوزت حد التواتر بما تزيد على خمسمائة حديث ويوافقها آيات كثيرة من القرآن ودلالة هذه الآيات ظاهرة ودلالة الروايات قطعية وإذا كان في كل واقعة حكم شرعي وقد علمنا اشتغال الذمة بتكليفات لا بد من القيام بها وقد علمنا أيضا انه لم يبق شي‌ء على إباحته الأصلية والإباحة الشرعية مغايرة لها ومن المعلوم انه لا يجوز إثبات حكم شرعي إلا بدليل شرعي حتى الإباحة الشرعية وهذا صريح كلام المعاصر وغيره في عدة مواضع مما قلناه وغيره فترى آخر كلامه يناقض أوله.
قوله : انّا مكلّفون بما يصل إلينا حكمه على وجه يجوز لنا العمل به.
أقول: ان أراد الحكم الخاص خاصة فهو ممنوع بل العمل بالحكم العام واجب كما انّ العمل بالحكم الخاص واجب بشرط ان يكون الفرد الذي يراد إثبات حكمه بالنص العام بين الفردية والا لاحتاج الى دليل آخر وقد وصل إلينا النص العام المتواتر الصريح بانا مكلفون في كل واقعة بحكم شرعي وبالتوقف والاحتياط إذا لم يعلمه واشتباه بعض الأحكام علينا مع إمكان تحصيل براءة الذمة لنا في مقام التحريم بترك الفعل الوجودي المحتمل له دون مقام الوجوب لما مضى ويأتي لا يكون عذرا لنا في الجزم بالإباحة الشرعية مع عدم الدليل ولا بالإباحة الأصلية للعلم بالانتقال عنها الى الوجوب أو الاستحباب أو التحريم أو الكراهة أو الإباحة الشرعية ولو لم يكن النص العام حجة لزم رفع التكليف الان إذ لا نص خاصا في وجوب الصلاة على زيد في سنة كذا في بلد كذا والنصوص على عموم التكاليف عدا ما استثنى كثيرة جدا بل متواترة.
قوله : وقد ورد عنهم (ع)..
أقول : استدل على حجية الأصل والاستصحاب بستة أخبار لا دليل في شي‌ء منها على مطلبه.
والجواب عنها بالتفصيل يأتي ان شاء الله والجواب عنه إجمالا من وجوه اثني عشر:
الأول : أنّها اخبار آحاد وقد تقرّر عندهم عدم حجيتها في الأصول.
الثاني : انّها ظواهر ليست بنص صريح وقد اعترفوا بعدم جواز الاستدلال بظاهر في الأصل.
الثالث : انّ الاستدلال بها دوريّ؛ لأنّ سندها ودلالتها ظنيان امّا عندهم فظاهر وامّا عندنا فلكثرة معارضاتها وموافقتها للتقية والأصل والاستصحاب دليلان ظنيان فكيف يجوز الاستدلال بالظن على الظن.
الرابع : أنّها اخبار آحاد ومعارضها متواتر كما يأتي الإشارة إليه فيكون ضعيفة عندنا وعندهم ولو بالنسبة إلى قوة معارضها وعلى تقدير جواز العمل في الأصول بخبر الواحد لا بد من عدم معارض أقوى منه أو مساوٍ.
والخامس : انّها لا تفيد غير الظن وقد تواتر النهي عن العمل به في الآيات والروايات وقد ادّعوا تخصيصه بالأصول فلا يجوز لهم الاستدلال فيها بدليل ظني.
السادس : موافقتها للتقيّة وعدم موافقة معارضها لها فإنّ مدار علماء العامّة على العمل بالأصل والاستصحاب ومخالفة التقيّة أقوى المرجّحات المنصوصة.
السابع : كثرة احتمالاتها وقد تقرّر انّه إذا قام الاحتمال بطل الاستدلال.
الثامن : انّها انّما تدل على بعض الإفراد المتّفق عليها ولا ظهور لها في شي‌ء مما هو مختلف فيه كما سنبيّنه.
التاسع : انّها خلاف الاحتياط في الأصل دائما وفي الاستصحاب غالبا كما يأتي ومعارضها موافق للاحتياط فالعدول عنها والعمل بمعارضها راجح قطعا عندنا وعند الخصم فكفاها بذلك ضعفا، وانّما الخلاف في وجوب مخالفتها واستحبابه.
العاشر : انّه لا دلالة فيها على حجية الأصل والاستصحاب بوجه كما يأتي فبقيت معارضاتها المتواترة بغير معارض.
الحادي عشر : انّ المفروض فيها عدم ورود النهي وعدم حصول العلم وقد ورد النهي في معارضاتها وحصل العلم بها كما يأتي بيانه ان شاء الله فبقي موضوعها غير موجود الآن عند العلماء العارفين بعارضاتها ويأتي توضيحه ولا يجوز الاستدلال بها.
الثاني عشر : انّها معارضة للدليل العقلي والنقلي من الكتاب والسنّة فلا يجوز العمل بها؛ لأنّها عدول عن يقين الى ظن وبطلانه لا يحتاج الى دليل.
ومن المعلوم الذي لا شك فيه انّ القائلين بالقياس والاستحسان بل بالجبر والتشبيه والتفويض بل بإنكار الإمامة والعصمة قد استدلوا بما هو أقوى وأوضح وأظهر ممّا استدل به المعاصر على حجيّة الأصل والاستصحاب وما أجاب به فهو جوابنا وذلك انّه ظن تعارض اليقين وشبهة تعارض العلم وكل ما كان كذلك فهو باطل قطعا فهذا جواب إجمالي والتفصيلي مذكور في محلّه وهذا الإجمالي كاف لمن عجز عن حل الشبهة بالوجه التفصيلي ولا يكلف الله نفسا الا وسعها على ا الجواب التفصيلي لا يخفى على اللبيب ويأتي هنا ما يقتضيه الحال.
وليت شعري أيّ حق لا تعارضه شبهة أقوى ممّا ذكره المعاصر وفي ذلك من الحكم والأسرار ما يطول الكلام ببيانه ومن جملتها تشديد التكليف والتعريض لزيادة الثواب وعدم كون التكليف ضروريا فتسقط المشقة فيه، ولا يقدر أحد على مخالفته كما في المعاد وهذا هو السر في نصب جميع الشبهات وإنزال المتشابهات وخلق الشهوات والشياطين وغير ذلك.
وفيه أيضا أسرار أخر قد ورد النص بها وليس هذا محل بيانها والا فإنّ الله أقدر على رفع الاختلاف (وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ).
وقد كان الله قادرا على إنزال جميع الأحكام التي يحتاج إليه الأمة في القرآن بدلالات ظاهرة واضحة قطعية خالية من المعارض وكذا كان الرسول (ص) قادرا على تأليف كتاب كذلك وكذا كل واحد من الأئمة (ع) ولكن لم يكن ذلك موافقا لحكمة التكليف وكان يكون ذلك مغنيا عن الامام كما ورد النص بان ذلك وجه الحكمة في تعمية القرآن.
ومع ذلك فإنّ تحصيل العلم بما يحتاج اليه غير متعذر والاحتياط فيما لم يحصل فيه العلم كما أمرنا به ممكن والنصوص عندنا في كل ما كلفنا به من الأمور المهمة كثيرة لمن تتبعّ والله الهادي.
قوله : كل شي‌ء مطلق حتى يرد فيه نهي.
أقول : هذا الخبر هو عمدة المعاصر في الاستدلال ولذلك لم يستدل غيره بغيره فان ما عداه لا دلالة له أصلا كما يأتي.
والجواب عنه من وجوه اثنى عشر قد عرفت جملة منها ونحن نشير اليه توضيحا:
الأول : انّه خبر مرسل لا سند له أصلا وينبغي ان يذكر المعاصر سنده ثم أثبت صحته ولا سبيل له اليه فلا يعارض الأخبار المسندة.
الثاني : انّه خبر واحد فلا يكون حجة في الأصول اتفاقا.
الثالث : انّه خبر واحد يعارض المتواتر الذي يأتي الإشارة إليه.
الرابع : انّه ظني السند والدلالة فلا يجوز الاستدلال به على حجية دليل ظنيّ؛ لأنّه دوريّ.
الخامس : انّه ظن فلا يكون حجة في الأصول أمّا عندهم فظاهر واما عندنا فلكثرة معارضاته.
السادس : انّه محمول على التقية لموافقته للعامّة وقد ورد مثله وما هو أقوى منه في القياس وفي الجبر والتشبيه وفي نفى العصمة ونحو ذلك ووجهه ما قلناه ولولا خوف التطويل لأوردنا من ذلك ما يتجاوز حد التواتر.
السابع : انّه معارض بما هو أقوى منه فلا يجوز ترجيح الأضعف على الأقوى.
الثامن : انّه مخالف للاحتياط والعمل بالاحتياط راجح قطعا كما عرفت.
التاسع : انّه محتمل للاحتمالات الكثيرة ومن جملتها اختصاصه بما ليس من نفس الأحكام الشرعيّة واختصاصه بمقام احتمال الوجوب اى بمقام احتمال الوجوب لأنّ الأصل عدمه اتفاقا وغير ذلك ممّا مضى ويأتي وإذا قام الاحتمال بطل الاستدلال.
العاشر : انّ النهي قسمان خاص وعام ولم يقل حتى يرد فيه نهي خاص ، والنهي العام قد بلغنا وهو النهى عن ارتكاب الشبهات والقول بغير علم وما تضمن الأمر بالتوقف والاحتياط في كل ما لم يكن حكمه ظاهرا واضحا والنهى عن العمل بالظن الى غير ذلك ممّا تضمّن معارضه وقد جمعناه في محله وهو يقارب مائة حديث واما ما يدل على ذلك عموما فهو يزيد على ألف حديث كما يأتي الإشارة إليه.
الحادي عشر : ان يكون مخصوصا بالخطابات الشرعية ووجهه انّه لم يبق شي‌ء لم يرد فيه خطاب شرعي فإن الله قد أكمل الدين وبين الأحكام فحاصل معناه ان كل خطاب شرعي فهو باقٍ على إطلاقه وعمومه حتى يرد فيه نهى عن بعض الإفراد بقيد ذلك الإطلاق ويخص ذلك العموم ولا شك في إمكان التخصيص الذي ذكرناه واحتمال الخبر له ووجود دليله وعدم الخلاف فيه فتعين ذلك لتواتر معارضه لو حمل على ظاهره.
ومثاله قولهم (ع): كل ماء طاهر حتّى تعلم انّه قذر.
فإنّه محمول على ظاهره من العموم والإطلاق فلمّا ورد النهي عن استعمال الإنائين الذين أحدهما نجس والأخر مشتبه به خرجت هذه الصورة من الدخول في العموم والإطلاق وقد فهم الصدوق هذا المعنى من الخبر فاستدل به على جواز القنوت بالفارسية؛ لأنّ أحاديث القنوت متواترة وفيها عموم وإطلاق ولم يصل اليه نهي عن القنوت بالفارسيّة والا فإنّ العبادة لا يستدل فيها بأصالة الإباحة بل لا بد فيها من دليل الرجحان الشرعي.
الثاني عشر : ان يكون مخصوصا بما قبل إكمال الشريعة أو بمن لم يبلغه النهى العام المعارض لهذا الخبر هنا ، ويحتمل غير ذلك من الوجوه الكثيرة واقتصرنا على هذا القدر تبركا بالعدد.
قوله : والناس في سعة ممّا لم يعلموا.
أقول : قد عرفت الجواب بوجوه متعددة عن مثله فلا وجه للإطالة بإعادته وقوله ممّا لم يعلموا انّما يجوز ان يستدل به قبل حصول العلم بمعارضة المتواتر المشتمل على الأمر بالتوقف والاحتياط في مقام التحريم أمّا بعد العلم به فالاستدلال به مكابرة ولم يقل: الناس في سعة ممّا علموا وممّا لم يعلموا.
ومع هذا فتخصيصه بغير الحكم الشرعي أو بمقام الوجوب قريب متعيّن بوجود ما يؤيده وعدم ما ينافيه دون مقام التحريم على انّ هذا الخبر فيه تغيير فاحش قد وقع من المعاصر امّا سهوا أو عمدا والا فإنّه لا عموم فيه.
وانّما ورد في حديث سماعة في الجماعة الذين وجدوا السفرة ولا يعلمون انّها سفرة مجوسي أو مسلم فقال (ع): هم في سعة حتّى يعلموا.
فقوله: (هم) راجع الى الذين وجدوا السفرة ليس بعام في جميع الناس وتغييره غير جائز وهو في جماعة مخصوصين وفي قضية خاصة فتعديته الى غيرها قياس باطل ومع ذلك انّما ورد في غير الأحكام الشرعيّة؛ لأنّ قولنا: هذه سفرة مسلم ليس بحكم شرعي وكذا قولنا هذه سفرة مجوس ولو سأل النبي والامام عن ذلك ربما يعلمه لأنّه لا يلزم علمهما بجميع علم الغيب (10).
فكيف يقاس الأحكام الشرعية على الأمور الدنيوية ونحن نطالب المعاصر بسند الخبر فنقول من رواه بهذا اللفظ وفي أي كتاب ورد وعلى تقدير ثبوته في كتب الحديث المعتمدة بسند صحيح بهذا اللفظ بعينه قد عرفت الجواب عنه بوجوه متعددة.
قوله : ولا تنقض اليقين بالشك أبدا.
أقول : هذا انّما يدل على حجية الأصل بمعنى الاستصحاب لا بمعنى الأصالة الإباحة ولا دلالة له على الاستصحاب في الحكم الشرعي بل هو مخصوص باستصحاب الحالة السابقة التي ليست من نفس الأحكام الشرعية سواء كانت مخالفة للأصل أم موافقة له مثاله إذا تيقن الإنسان انّه توضأ ثم شك في انّه أحدث وبالعكس أو تيقّن دخول الليل ثم شك في طلوع الصبح وبالعكس أو تيقّن وقوع العقد ثم شك في التلفظ بالطلاق أو تيقن وقوع الطلاق ثم شك في الرجعة أو في تجديد العقد أو تيقن طهارة ثوبه ثم شك في ملاقاة البول له أو نحو ذلك مما ليس من نفس الأحكام الشرعية وان ترتب عليه بعضها فان هذه الأشياء لا يحتاج الى نص والا لزم تكليف ما لا يطاق لان المكلف لا يمكنه الرجوع في هذه الأشياء وأمثالها إلى المعصوم وإذا رجع إليه فإنه لا يعلم الغيب كله.
وهل يتصور عاقل ان يقول للنبي (ص) أخبرني هل أحدثت بعد وضوئي أم لا وهل خرج منّي مني بعد الغسل أم لا وهل طلقت زوجتي أم لا ولما اقتضت الحكمة لدفع الحرج والمشقة ان ينص الشارع على العمل في هذه الأشياء التي ليست الأحكام الشرعية بقواعد كلية من أصل واستصحاب ونحوهما على تفصيل يستفاد من النص المذكور في محله حكم العامّة بمساواة الأحكام الشرعيّة الإلهيّة لتلك الأمور الدنيّة الدنيويّة بناء على أصلهم من حجية القياس.
وغفل عن الفرق بين الأمرين بعض المتأخّرين من الخاصة مع انّ النصوص بالفرق بين المقامين كثيرة والا لزم تكليف ما لا يطاق أو رفع التكاليف كلها أو أكثرها والاستغناء عن النبي والامام بالأصل والاستصحاب كما صرح به بعض علماء العامّة ولا يمكن المعاصر ان يجب بما ورد من وجوب طلب العلم لأنّه يقول لا المراد بالعلم الظن الحاصل من الدليل الشرعي كالأصل والاستصحاب ولا يجب بعد ذلك الرجوع الى المعصوم عندهم ولأنّهم يدعون انّه لا يحصل من الاخبار غير الظني حتى مع المشافهة لأنّ دلالة الألفاظ ظنيّة كما زعموا فيلزم من وجوب الرجوع بعد حصول الظن الشرعي تحصيل الحاصل.
وممّا يؤيد الاختصاص هنا بما ليس من نفس الأحكام الشرعية ان هذا الحديث انّما ورد في نواقض الوضوء إذا حصل الشك في غلبة النوم على السمع وعدمه وفي الشك بين عدد الركعات الصادرة عن المصلى ومما يؤيد ذلك أيضا.
وتوضيحه انّهم (ع) قالوا لا تنقض اليقين بالشك ابدا وانّما تنقضه بيقين آخر فاذا لم يحصل للمكلف يقين بتجدد حالة أخرى (يمكنه الاستدلال بهذا الحديث وإذا حصل له اليقين بتجدد حالة أخرى ـ خ) كخروج المذي من المتوضئ ووجود الماء عند المصلّي بتيمم وحصل عنده شك في حكمها الشرعي وهو الذي ينصرف إليه إطلاق الاستصحاب عندهم فلا يمكن الاستدلال بهذا الحديث لأنّه قد نقض اليقين السابق بيقين وشك لا بشك منفرد ولم يقل في الحديث لا تنقض اليقين بالشك ولا باليقين والشك وانّما تنقضه بيقينين آخرين.
[فلا يكون ذلك دليلا على الاستصحاب على انه ان يدل على ان الشك لا تنقض اليقين ـ خ ].
فلا دلالة على عدم نقض الشك بالظن ولا الظن بالشك ولا اليقين بالظن ولا الظن بالظن ولا اليقين باليقين والشك أو به وبالظن وهم يستدلون في جميع تلك الصور بالاستصحاب فلا دلالة للحديث على حجيته مطلقا على انّ اللام في اليقين يحتمل كونها للعهد الذكرى لأنّه قال: والا فإنّك على يقين من وضوئك ولا تنقض اليقين ابدا بالشك فلا دلالة له على غير الصورة المفروضة التي هي موضوع بالحديث وهي ليست من نفس الأحكام الشرعيّة والقياس باطل والاستدلال بالفرد على الطبيعة غير معقول خصوصا في الأصول.
هذا وقد استدل المعاصر بهذا الحديث على حجية البراءة الأصلية وقد عرفت ما فيه من التسامح فإنّ الاستصحاب قد يدل على التحريم وعلى الوجوب ونحوهما والأحكام الشرعيّة والوضعيّة وهو ينافي البراءة الأصليّة فهو في كثير من الصور يدل على بطلانها على انّ لمن قال بوجوب التوقف والاحتياط ان يستدل بهذا الحديث بعينه.
فنقول : قد حصل لنا اليقين بشغل الذمّة بالتكليف وبأنّ في كل مسألة حكما شرعيا فلا يجوز لنا نقض اليقين في شي‌ء من الأشياء إلا بيقين مثله فبطلت حجية البراءة الأصلية ويتعين العمل بالنص الخاص ان وجد والا فبالعام الدال على الاحتياط الذي يحصل منه اليقين ببراءة الذمة وأقله ان يقال تعارضا فتساقطا مع التنزل على رجحان المعارض ، وهذا كله واضح عند المنصف الخالي الذهن من الشبهة والتقليد.
قوله : وما حجب الله عن العباد فهو موضوع عنهم.
أقول : هذا الحديث أيضا فيه تغيير ولفظ ما حجب الله علمه عن العباد فهو موضوع عنهم ، وقد عرفت الجواب عن مثله بوجوه كثيرة وهو ظاهر الدلالة على حكم الشك في وجوب فعل وجودي لا في مقام التحريم سلمنا لكن لا دلالة فيه على ما لم يحجب علمه عن العباد لحصول العلم بالنص المتواتر بوجوب التوقف والاحتياط في مقام التحريم.
قوله : واليقين لا يدفعه الا يقين مثله.
أقول : وجود هذا الحديث بهذا اللفظ ممنوع فعلى المعاصر البيان وانّما الموجود هو اللفظ السابق وقد عرفت الجواب عنه بوجوه كثيرة على انّ كلام المعاصر غير صريح في انّ هذا حديث بل ظاهره انّه كلام منه في أثناء الاستدلال وانّه قد عبّر به عن مضمون الحديث السابق وفيه نوع من التسامح مع انّ لفظ مثله غير صريح في عموم المماثلة والا هو من ألفاظ العموم والا لزم الاتحاد والجواب عن الحديث السابق كافٍ.
قوله : وقد ورد كل شي‌ء لك حلال حتّى تعرف الحرام بعينه فتدعه.
أقول : هذا الحديث الموجود في الكافي والتهذيب والفقيه هكذا كل شي‌ء فيه حلال وحرام فهو لك حلال ابدا حتى تعرف الحرام منه بعينه فتدعه.
وهذا لا دلالة على حجيّة الأصل ولا الاستصحاب في نفس الأحكام الشرعية لأنّ موضوعه مخصوص بما يكون نوعا ينقسم الى قسمين حكمها الشرعي معلوم أحدهما حلال والآخر حرام كاللحم الذي فيه ميتة ومذكّى والخبز الذي منه ما هو ملك لبائعه ومنه ما هو سرقة وكالخبز الذي منه ما عمل من لبن طاهر ومنه ما عمل من لبن النجس أو من لبن مأكول اللحم وغيره وكجوائز الظالم وجميع ما في الأسواق وفي أيدي الناس فإنّ وجود حلال وحرام في جميع ذلك معلوم مقطوع به وهذا كله ليس من نفس الأحكام الشرعيّة وهذا الحديث ظاهر الدلالة على هذا المعنى ولا ظهور له في غيره.
وقد ورد التصريح بذلك في هذا الحديث بعينه في رواية أخرى رواها الكليني والشيخ عن مسعدة عن أبي عبد الله (عليه‌ السلام) قال: كل شي‌ء هو لك حلال حتى تعلم انّه حرام بعينه فتدعه من قبل نفسك وذلك مثل الثوب فيكون عليك قد اشتريته وهو سرقة والمملوك عندك وهو حر قد باع أو خدع فبيع قهرا أو امرأة تحتك وهي أختك أو رضيعتك والأشياء كلها على هذا حتى يستبين لك غير ذلك أو تقوم به البينة فهذا الحديث واضح فيما قلناه وقد صرّح فيه بأنّ موضوعه ما ليس من نفس الأحكام الشرعية [وقوله : البيّنة دالان على ذلك والقرائن والتصريحات فيه وفي غيره مما ذكرنا واضحة وهذا غير محل النزاع ولو كان صريحا في نفس الأحكام الشرعية] لكان محتملا للتقية وغيرها ممّا مضى ويأتي.
وأحاديث اختلاط الحلال بالحرام واشتباهه به كثيرة مذكورة في كتاب التجارة وكتاب الصيد والذبائح والأطعمة والأشربة وغير ذلك وفي بعضها تصريح باختصاص الحكم بهذا القسم وقياس غيره عليه مع وجود الفارق باطل بل بدونه وبعد التسليم كيف يجوز تقديم الظاهر على النص وما وافق العامة على ما خالفهم.
قوله : وكل شي‌ء طاهر حتى تعلم انه قذر أقول : هذا أخص من المدعى لأنه مخصوص بالطهارة لا دلالة له على مطلق الإباحة على انه انما يدل على ان ما علمت طهارته وشك في ورود النجاسة عليه حكم عليه بالطهارة عملا بالأصل والاستصحاب وهذا ليس من نفس الأحكام الشرعية ولا أقل من الاحتمال وفي جملة من أحاديث الطهارة دلالة على ذلك كحديث اعارة الثوب للذمي وغيره وفي لفظ قذر الذي هو صفة مشبهة وفي بعض الروايات حتى تعلم انه نجس دلالة على ما قلناه إذ لم يقل حتى تعلم أنه نجاسة ولا أقل من الاحتمال فكيف يتم الاستدلال ، وعلى تقدير التصريح بنفس الحكم الشرعي هنا مخصوص بقسم واحد مع معارضة ما دل على التوقف والاحتياط والنهى عن ارتكاب الشبهات في نفس الأحكام وعن العمل بالظن مع احتمال التقية وغيرها وضعفه عن معارضه لو كان صريحا في محل النزاع وقد تقدم الجواب بوجوه أخر.
قوله : نعم إذا حصل قرائن تدل على صدقه عمل به.
أقول : هذا اعتراف بما لا يزالون ينكرونه على الأخباريين من إمكان الاطلاع على القرائن والعمل لها وإذا اعترفوا بإمكانه لم يجز لهم دعوى انسداد باب العلم لان الخبر المحفوف بالقرائن يفيد العلم باتفاق الخصم والمثال الذي أورده له لا نسبة له الى هذه الاخبار المحفوفة بالقرائن بل كلها أقوى منه كما لا يخفى على المنصف إذا عرف تلك القرائن المفصلة في أماكنها وقد صرح بذلك المتقدمون والمتأخرون ومن هنا يظهر أيضا ضعف الاصطلاح الجديد في تقسيم الأخبار المعتمدة المحفوفة بالقرائن إلى أربعة أقسام بناء على انسداد باب العلم بالقرائن ولتفصيل الكلام وبيان القرائن وتنقيح البحث محل آخر.
قوله : ولهذا كان المتقدمون يعمل أحدهم بخبر لا يعمل به الأخر ولا يعتمد على مجرد روايته له أو العمل به.
أقول : هذا لا محذور فيه ولا منافاة فيه لقاعدتهم بل هو مؤيد لها لأنّهم كانوا يعملون بالخبر المحفوف بالقرينة وربما ظهرت لبعضهم وخفيت عن الأخر ولا يطعنون في المعارض بل يرجحون الحديث الذي عملوا به بمرجحات منصوصة عندهم وربما عمل بعضهم بحديث ولم يطلع على معارضه ولا ينافي ذلك حصول العلم بحكم ورد عن المعصوم فان ثبوت حديثين متعارضين عن المعصوم بطريق القطع بالمشافهة أو بالقرائن أو بالتواتر لا يستلزم التناقض لأنه يمكن كون أحدهما تقية أو مخصوصا ببعض الحالات.
وانّما يلزم التناقض لو جزم كل واحد منهم بان هذا حكم الله في الواقع وذلك غير لازم بل يكفي أحد العلمين كما دل عليه العقل والنقل ولا تراهم اختلفوا إلا في مقام اختلاف الاخبار بخلاف الذين يعملون بالاجتهاد والظن ووجوه الاستنباطات الظنية فإنهم كثيرا ما يختلفون في مسئلة لا نص فيها بل كثيرا ما يردون النص لظنهم ضعفه ويختلفون في حكمه.
ثم لو سلمنا ان بعض الأخباريين أفتى بخلاف الحق سهوا أو عمدا فذلك لا يدل على بطلان طريقتهم كما هو ظاهر للمنصف ومن المعلوم ان فعل غير المعصوم (ع) وقوله ليس بحجة شرعية وان كانت روايته حجة بشروطها.
قوله : ومن العجب من دعوى حصول علم لم يحصل لمتقدم ولا لمتأخر.
أقول : ان أراد دعوى حصول العلم في جميع المسائل فهذا لا يدعيه أحد من الأخباريين كيف وهم يقولون بالتوقف والاحتياط عند عدم العلم بالحكم وان أراد دعوى حصول العلم في بعض الأحكام التي ورد فيها نص متواتر أو محفوف بالقرائن فلا يحسن التعجب منه فان الفريقين قائلون به.
وقد قال المفيد والمرتضى والشيخ ان الأحاديث المتواترة في كتبنا لا تعد ولا تحصى ومن المعلوم ان الأحاديث المحفوفة بالقرائن أكثر منها وقد صرح المتقدمون والمتأخّرون بما هو أبلغ من ذلك ونقل عباراتهم يلزم منه الاطناب.
وناهيك بالسيد المرتضى الذي ينكر اخبار الآحاد الخالية عن القرائن فقد نقل عنه صاحب المنتقى والمعالم انه قال ان أكثر أخبارنا المروية في كتبنا معلومة مقطوع على صحتها اما بالتواتر من طريق الإشاعة والإذاعة واما بأمارة وعلامة دلت على صحتها وصدق رواتها فهي موجبة للعلم مقتضية للقطع وان وجدناها مودعة في الكتب بسند معين مخصوص من طريق الآحاد.
ونقل الشيخ حسن أيضا عنه انه قال ان معظم الفقه تعلم مذاهب أئمتنا (ع) بالضرورة وبالأحاديث المتواترة وما لم يتحقق ذلك فيه لعله الأقل « انتهى » (11).
وعبارات علمائنا المتقدمين والمتأخرين توافق ذالك وبعضها أبلغ وكفاك بالمرتضى علم الهدى ، فكيف يحسن من المعاصر ان يتعجب من دعوى حصول العلم ويدعى انه لم يحصل [لمتقدّم ومتأخّر ينسب إلى أصحاب الأئمة وأمثالهم العمل بالظن في جميع الأحكام وانّه لم يحصل] لأحد من الإمامية علما في مسئلة من المسائل وهذا الذي ادّعاه هذا المعاصر أعجب مما تعجب منه على انّ الأخباريّين إذا نزلوا عن دعوى العلم بالحكم وقالوا هذا ظن قد حصل لنا العلم لوجوب العمل به ونحن مأمورون بذلك بالنص المتواترة فلا محذور فيه ويسقط التشنيع عليهم ولا يلزمهم العمل بكل ظن لبطلان القياس وعدم الدليل.
ومن جملة تمويهات علماء العامّة ومغالطاتهم انّهم قالوا لا يمكن تحصيل العلم في الفروع ولا تحصيل (12) الا الظن فكل ما حصل منه ظن بحكم شرعي فهو دليل شرعي وانما قالوا : ذلك لعدم وجود نص عندهم متواتر ولا محفوف بالقرينة في الفروع ولعلمهم بالقياس فقاسوا ما لم يؤمروا بالعمل به ولا عذر للإمامية في مثل ذلك.
قوله : وهب ان كل شي‌ء ورد فيه حكم.
أقول : هذا الكلام يظهر منه الإنكار بمضمون تلك الاخبار مع أنها متواترة صريحة الدلالة وقد دل على ذلك آيات من القرآن ولا يحسن إنكار مثل ذلك ، وعدم وصول بعض تلك الأحكام إلينا مع وصول النص المتواتر بالأمر بالتوقف والاحتياط لا يستلزم العمل بالبراءة الأصلية ولا تكليف ما لا يطاق.
قوله : فمن لم يعمل بالخبر الضعيف عنده ويستند إلى البراءة الأصلية مراده بهما هذا.
أقول : هذا ينافي تصريحاتهم فكيف يجوز حمل كلامهم عليه وهو مجمل تقدم تفصيله وتقدم الجواب عنه وعلى كل حال لا بد من إثبات الحجية بدليل قطعي لا سبيل اليه كما عرفت على ان هذا الاخبار التي يدعي المعاصر والأصوليون ضعفها ويدعى الأخباريون صحتها اما ان يكون موافقة للأصل ومخالفة له.
وعلى الأول : لا ينبغي الإنكار عليهم لأن الأصل دال على صحتها ومآل الأمرين واحد.
وعلى الثاني : فهي موافقة للاحتياط ولا يحسن من عاقل إنكاره واما التشنيع بالأمور السابقة التي نسبها المعاصر الى الأخباريين فلا يخفى على المنصف انهم بريئون منها وطريقتهم في نهاية البعد عنها وان كان المشار اليه بها شخصا معينا منهم فلا يجوز نسبة ذلك الى الجميع وجعله دليلا على بطلان مذهبهم نسئل الله العصمة من ذلك.

فصل:
واستدل العلامة ره وجماعة من المتأخّرين على حجية أصالة الإباحة بأن لهذه الأشياء منافع خالية من أمارات المفسدة فكانت مباحة كاستظلال بحائط الغير.
وقال بعضهم في تقريره : انها منافع خالية من الضرر على المالك.
واستدل الشيخ بهاء الدين وجماعة من المتأخرين على حجية الاستصحاب بان ثبوت الحكم أولا وعدم ثبوت ما يزيله يستلزم ظن بقائه وبأنه لولاه بعد إرسال المكاتيب والهدايا من البعد سفها وبأنه لولاه لكان الشك في الزوجية كالشك في بقائها
هذا ما استدلوا به وهو غني عن الجواب مبني على القياس وليس بصواب ومعارضته بما هو أقوى منه لا يخفى على اولي الألباب ولذلك اعرض عن الأصل والاستصحاب المحققون من الأصحاب وقد تقدم ذكر بعضهم ولا يخفى ان قولهم خالية من المفسدة وقولهم خالية من الضرر على المالك مصدرة ظاهرة فإنه عين محل النزاع.
ثم ايّ ضرر في المحرّمات على المالك الذي هو الله فكيف يصح القياس مع الفارق وكيف يجوز الجزم بانتفاء المفسدة والضرر مع احتمال وجودهما وكيف يجوز قياس أحكام الشرعية الإلهية على الأمور الدنية الدنيوية لولا تمويهات العامّة ومقاييسهم الفاسدة.
ثم كيف يجوز العمل في الأصول بالدليل الظني خصوصا في الاستدلال على حجية الدليل الظني وهل هذا الا مبني على قواعد العامّة من انّ كل ما يفيد الظن فهو دليل شرعي مع انّ الظن لا يغني من الحق شيئا.
والقائلون بعدم حجية الأصل والاستصحاب مع عدم احتياجهم الى الاستدلال على النفي استدلوا على بطلانهما بوجوه واقتصرنا منها على اثنى عشر تبركا بالعدد
أحدها : ان في العمل بهما مع عدم دليل قطعي على حجيتهما خطر أو خوف ودفع الخوف عن النفس واجب وكذا دفع الضرر المظنون وهذا دليل استدل به المتكلمون والحكماء على وجوب المعرفة وعلى وجوب شكر المنعم وغير ذلك وقد حرروه وقرروه في محله وأشار إليه الشيخ في كتاب العدة وذكروا ان العقلاء مطبقون على أن يحتمل كونه طعاما وكونه سما يتعين اجتنابه ومن أقدم على تناوله أجمعوا على ذمه وفي بعض أحاديث التوحيد إشارة الى هذا الدليل واستدلال به.
وثانيها : ما استدلوا به على صحة المعاد بأنه ممكن وقد أخبر الصادق به فيكون حقا وقد قرروه في محله ولا ريب ان عدم حجية الأصل والاستصحاب ممكن ولا يرتاب عاقل في إمكانه والنصوص الدالة على عدم حجيتهما في نفس الأحكام الشرعية عموما وخصوصا كثيرة كما يأتي الإشارة إلى بعضها.
وثالثها : انهما راجعان الى القياس كما هو ظاهر من مواقع استعمالها ومن دليل حجيتهما وكل ما دل على بطلان القياس فهو دال على بطلانهما وناهيك بذلك ومما استدلوا به على بطلان القياس ان كثيرا من الأحكام مخالفة له كما هو ظاهر وعلى هذا فالدليل جار في الاستصحاب لأنه كالقياس لمخالفته كثير من الأحكام له وجريان هذا الدليل في الأصل أوضح لأنه مخالف لجميع الأحكام الشرعية حتى الإباحة على قول من قال بأصالة الإباحة لأن الشرعية غير الأصلية ، وتخالف دلالة القياس والأصل والاستصحاب ونحوهما في بعض المواضع كاف في نفى الحجية واعتبارها في بعض المواضع ولو ثبت غير كاف في إثبات الحجية وهذا مما لا يشك فيه منصف.
ورابعها : انهما دليلان ظنيان اتفاقا ولم يقم على حجيتهما دليل قطعي والعمل فيهما بالدليل الظني دوري.
وخامسها : انهما لا يفيدان الا الظن وقد تواتر النهى عن العمل به في الآيات والروايات وتخصيصه بالأصول غير معقول لعدم وجود المخصص ولان كثيرا من أدلة الفروع أقوى من كثير من أدلة الأصول لكثرة المقدمات الظنية كما يظهر بالتتبع على ان ما نحن فيه من الأصول.
وسادسها : ما استدلوا به على وجوب عصمة الامام حيث قالوا لو لم يكن الامام معصوما لزم أمره تعالى عباده باتباع الخطاء والأمر باتباع قبيح قطعا فهذا الدليل الذي لا يدفعونه وارد عليهم هنا ، فإنه كما ان قول غير المعصوم يحتمل الخطاء كذلك حكم الأصل والاستصحاب على ان إنكار الأئمة عليهم‌السلام على من عمل بهما عموما وخصوصا كثير جدا في الروايات بل متواتر معنى ومن تتبع حق التتبع جزم بذلك.
وسابعها : النصوص المتواترة الدالة على وجوب التوقف والاحتياط في كل ما لم يعلم حكمه بالنص عنهم (ع) وقد جمعناها في محل آخر وهي واضحة الدلالة لا يمكن حملها على الاستحباب لكثرة المبالغة والقرائن والتأكيد والتهديد والوعيد على الترك بالهلاك وبالكفر الى غير ذلك.
وثامنها : النصوص المتواترة الدالة على وجوب طلب العلم والعمل به وعدم جواز العمل بغير علم ومعلوم انه لا يحصل من الأصل والاستصحاب غير الظن ولم يحصل العلم بحجيتهما أيضا فهما ظن خاص ولا ريب ان العلم العادي نوع من العلم لا يطلق عليه الظن لغة ولا شرعا ولا عرفا والوجدان شاهد بالفرق ولتحقيقه محل آخر والعلم لعادى غير حاصل من الأصل والاستصحاب اتفاقا.
وتاسعها : النصوص المتواترة الدالة على النهى عن ارتكاب الشبهات في مقام التحريم وانه لا يجوز العمل فيها الا باليقين خرج منها الشبهات التي ليست من نفس الأحكام الشرعية مما عرفت سابقا ولنصوص أخر فبقي الشبهات التي هي من نفس الأحكام الشرعية.
وعاشرها : النصوص الدالة على انه لا يجوز العمل في شي‌ء من الأحكام الا بما ثبت عنهم (ع) وهي متواترة بل قد تجاوزت حد التواتر ودلالتها على المطلوب ظاهرة لأنها صريحة في الحصر بل جميع أدلة الإمامية والعصمة دالة على ذلك ولم يثبت عنهم (ع) حجية الأصل والاستصحاب بل ثبت عدمها بالأحاديث المتواترة الدالة عموما وخصوصا وهي تزيد على ألف حديث.
وحادي عشرها : انك قد عرفت ان مخالفتهما راجحة إذا كان الاستصحاب خلاف الاحتياط وانما الخلاف في وجوب المخالفة وعدمها واختيار المرجوح على الراجح في الدين غير معقول فكيف والدليل على المنع من المرجوح قائم.
وثاني عشرها : ما استدل به السيد الأجل المرتضى علم الهدى على بطلان الاستصحاب والبراءة الأصلية نوع منه لما ذكرنا سابقا وقد نقل هذا الاستدلال عن السيد المرتضى صاحب المعالم واستحسنه ووافقه عليه وكذلك جماعة من علمائنا.
قال في المعالم : احتج المرتضى بانّ في استصحاب الحال جمعا بين حالين في حكم من غير دلالة لانّ الحالين مختلفان من حيث كان غير واجد للماء في إحديهما واجدا له في الأخرى فكيف سوى بين الحالين من غير دلالة.
قال : وإذا كنا أثبتنا الحكم في الحالة الأولى بدليل فالواجب ان ينظر فان كان الدليل يتناول الحالين سوينا بينهما وليس هناك استصحاب وان كان تناول الدليل انما هو للحال الاولى فقط والحالة الثانية عارية من دليل فلا يجوز إثبات مثل هذا الحكم لها من غير دليل ، وجرت هذه الحال مع الخلو من الدليل مجرى الاولى لو خلت من دليل ، فاذا لم يجز إثبات الحكم للأولى إلا بدليل فكذلك الثانية
ثم أورد سؤالا حاصله ان ثبوت الحكم في الحالة الأولى يقتضي استمراره الا لمانع إذ لو لم يجب ذلك لم يعلم استمرار الأحكام في موضع وحدوث الحوادث لا يمنع من ذلك كما لا يمنع حركة الفلك وما جرى مجراه من الحوادث فيجب استصحاب الحال ما لم يمنع مانع وأجاب بأنه لا بد من اعتبار الدليل على ثبوت الحكم في الحالة الاولى وكيفية إثباته وهل يثبت ذلك في حالة واحدة أو على سبيل الاستمرار وهل تعلق بشرط مراعى أو لم يعلق.
قال : وقد علمنا انّ الحكم الثالث في الحالة الأولى انما تثبت بشرط فقد الماء والماء في الحالة الثانية موجود واتفقت الأمة على ثبوته في الاولى واختلفت في الثانية؟ فالحالتان مختلفان وقد ثبت في العقول ان من شاهد زيدا في الدار ثم غاب عنه لا يحسن بأن يعتقد استمرار كونه في الدار الا بدليل متجدد وحال كونه في الدار في الثاني وقد زالت الرؤية بمنزلة كون عمرو فيها مع فقد الرؤية.
فأمّا القضاء بأنّ حركة الفلك وما جرى مجراها لا يمنع من استمرار الحكم فذلك معلوم بالأدلة وعلى من ادعى ان رؤية الماء لم تغير الحكم الدلالة.
ثم قال : فبمثل ذلك نجيب من قال فيجب ان لا يقطع بخبر من أخبرنا عن مكة وما جرى مجراها من البلدان على استمرار وجودها وذلك لأنه لا بد للقطع على الاستمرار أمّا عادة أو ما يقوم مقامها ولو كان البلد الذي أخبرنا عنه على ساحل البحر لجوزنا زواله لغلبة البحر الا ان يمنع من ذلك خبر متواتر فالدليل على ذلك كله لا بد منه انتهى ما نقله صاحب المعالم عن السيد المرتضى (13).
ولا يخفى انّ ما تضمّنه ذلك السؤال استدلال من السائل بالقياس مع الفارق وهو باطل بدون فارق هذا ما اقتضاه الحال مع تشتّت البال وضيق المجال ولولا خوف الملال لطال المقال وزاد الاستدلال وفيما أوردناه كفاية لأرباب الكمال الذين يعرفون الرجال بالحق لا الحق بالرجال (14).


__________________
(1) أخرجه العلامة المجلسي (ره) في البحار عن «الفقيه» ج 2 ص 274.
(2) أخرجه صاحب الحدائق في المقدمة الثالثة وفيه : الناس في سعة ما لم يعلموا ـ ج 1 ص 43.
(3) التهذيب ج 1 ص 422.
(4) أخرجه في البحار عن « يد » ج 1 ص 280.
(5) وفي الوسائل ولا تنقض اليقين الا بيقين آخر.
(6) الوسائل ج 3 ط القديمة ص 262.
(7) أخرجه صاحب الحدائق (ره) في المقدمة الثالثة راجع ج 1 ص 42. والمؤلف ره في الوسائل ج 1 ص 200.
(8) ونص الحديث : هكذا عن ابى بصير عن أبي عبد الله جعفر بن محمد (ع) قال: سمعته يقول: ولا تكذّبوا الحديث وإن أتاكم به مرجئ ولا قدري ولا خارجي نسبه إلينا فإنّكم لا تدرون لعلّه شي‌ء من الحق فتكذّبون الله (عزّ وجل) فوق عرشه. راجع البرهان للبحراني (ره) ج 4 ص 549 ح 21.
(9) المدارك ص 15 في ذيل عبارة ، ولا يطهر بزوال التغيّر من نفسه.. إلخ.
(10) ولكن نحن نعتقد أنّ الأئمة (ع) يعلمون جميع الجزئيّات سوى البداء والذي يختص بذاته سبحانه وتعالى بمعنى أنّهم (ع) عالمون بالأشياء لكن لا مطلقا بل بالأمور التي لم يرد الله تعالى إخفائه عنهم.
(11) راجع المعالم في مبحث حجيّة خبر الواحد.
(12) ولا يحصل ـ خ.
(13) راجع أواخر المعالم.
(14) وجدنا نسخة في إثبات البراءة الأصليّة والاستصحاب في الرد على ما قاله المؤلف (ره) في مكتبة صديقنا العلامة اللاجورديّ بخط مؤلفه (ره).




علم من علوم الحديث يختص بنص الحديث أو الرواية ، ويقابله علم الرجال و يبحث فيه عن سند الحديث ومتنه ، وكيفية تحمله ، وآداب نقله ومن البحوث الأساسية التي يعالجها علم الدراية : مسائل الجرح والتعديل ، والقدح والمدح ؛ إذ يتناول هذا الباب تعريف ألفاظ التعديل وألفاظ القدح ، ويطرح بحوثاً فنيّة مهمّة في بيان تعارض الجارح والمعدِّل ، ومن المباحث الأُخرى التي يهتمّ بها هذا العلم : البحث حول أنحاء تحمّل الحديث وبيان طرقه السبعة التي هي : السماع ، والقراءة ، والإجازة ، والمناولة ، والكتابة ، والإعلام ، والوجادة . كما يبحث علم الدراية أيضاً في آداب كتابة الحديث وآداب نقله .، هذه عمدة المباحث التي تطرح غالباً في كتب الدراية ، لكن لا يخفى أنّ كلاّ من هذه الكتب يتضمّن - بحسب إيجازه وتفصيله - تنبيهات وفوائد أُخرى ؛ كالبحث حول الجوامع الحديثية عند المسلمين ، وما شابه ذلك، ونظراً إلى أهمّية علم الدراية ودوره في تمحيص الحديث والتمييز بين مقبوله ومردوده ، وتوقّف علم الفقه والاجتهاد عليه ، اضطلع الكثير من علماء الشيعة بمهمّة تدوين كتب ورسائل عديدة حول هذا العلم ، وخلّفوا وراءهم نتاجات قيّمة في هذا المضمار .





مصطلح حديثي يطلق على احد أقسام الحديث (الذي يرويه جماعة كثيرة يستحيل عادة اتفاقهم على الكذب) ، ينقسم الخبر المتواتر إلى قسمين : لفظي ومعنوي:
1 - المتواتر اللفظي : هو الذي يرويه جميع الرواة ، وفي كل طبقاتهم بنفس صيغته اللفظية الصادرة من قائله ، ومثاله : الحديث الشريف عن النبي ( ص ) : ( من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ) .
قال الشهيد الثاني في ( الدراية 15 ) : ( نعم ، حديث ( من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ) يمكن ادعاء تواتره ، فقد نقله الجم الغفير ، قيل : أربعون ، وقيل : نيف وستون صحابيا ، ولم يزل العدد في ازدياد ) .



الاختلاط في اللغة : ضمّ الشيء إلى الشيء ، وقد يمكن التمييز بعد ذلك كما في الحيوانات أو لا يمكن كما في بعض المائعات فيكون مزجا ، وخالط القوم مخالطة : أي داخلهم و يراد به كمصطلح حديثي : التساهل في رواية الحديث ، فلا يحفظ الراوي الحديث مضبوطا ، ولا ينقله مثلما سمعه ، كما أنه ( لا يبالي عمن يروي ، وممن يأخذ ، ويجمع بين الغث والسمين والعاطل والثمين ويعتبر هذا الاصطلاح من الفاظ التضعيف والتجريح فاذا ورد كلام من اهل الرجال بحق شخص واطلقوا عليه مختلط او يختلط اثناء تقييمه فانه يراد به ضعف الراوي وجرحه وعدم الاعتماد على ما ينقله من روايات اذ وقع في اسناد الروايات، قال المازندراني: (وأما قولهم : مختلط ، ومخلط ، فقال بعض أجلاء العصر : إنّه أيضا ظاهر في القدح لظهوره في فساد العقيدة ، وفيه نظر بل الظاهر أنّ المراد بأمثال هذين اللفظين من لا يبالي عمّن يروي وممن يأخذ ، يجمع بين الغثّ والسمين ، والعاطل والثمين)