المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

سيرة الرسول وآله
عدد المواضيع في هذا القسم 9093 موضوعاً
النبي الأعظم محمد بن عبد الله
الإمام علي بن أبي طالب
السيدة فاطمة الزهراء
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الإمام محمد بن علي الباقر
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الإمام علي بن موسى الرّضا
الإمام محمد بن علي الجواد
الإمام علي بن محمد الهادي
الإمام الحسن بن علي العسكري
الإمام محمد بن الحسن المهدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
{ان أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه}
2024-10-31
{ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا}
2024-10-31
أكان إبراهيم يهوديا او نصرانيا
2024-10-31
{ قل يا اهل الكتاب تعالوا الى كلمة سواء بيننا وبينكم الا نعبد الا الله}
2024-10-31
المباهلة
2024-10-31
التضاريس في الوطن العربي
2024-10-31



خطة قريش المبرمة لقتل النبي « صلى الله عليه وآله »  
  
209   08:51 صباحاً   التاريخ: 2024-09-16
المؤلف : الشيخ علي الكوراني
الكتاب أو المصدر : السيرة النبوية عند أهل البيت عليهم السلام
الجزء والصفحة : ج1، ص483-497
القسم : سيرة الرسول وآله / النبي الأعظم محمد بن عبد الله / حاله بعد البعثة /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-09-14 221
التاريخ: 22-11-2015 3620
التاريخ: 22-4-2017 6958
التاريخ: 16-5-2016 3766

1 - قريش تستنفر لقتل النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) بعد بيعة الأنصار

أ . بعد الحج شاع خبر بيعة العقبة ، فثارت قريش على الأنصار ! ففي المناقب : 1 / 158 : « نفر الناس من منى وفشى الخبر ، فخرجوا في الطلب فأدركوا سعد بن عبادة والمنذر بن عمرو ، فأما المنذر فأعجز القوم ، وأما سعد فأخذوه وربطوه بنسع رحله وأدخلوه مكة يضربونه ، فبلغ خبره إلى جبير بن مطعم ، والحرث بن حرب بن أمية ، فأتياه وخلصاه » . المناقب : 1 / 158 .

وفي سيرة ابن هشام : 2 / 306 : « فلما بايعنا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) صرخ الشيطان من رأس العقبة بأنفذ صوت سمعته قط : يا أهل الجباجب « المنازل » هل لكم في مذمم والصباة معه ، قد اجتمعوا على حربكم . قال فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : هذا أَزَبُّ العقبة ، أتسمع أي عدو الله ، أما والله لأفرغن لك . ثم قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : إرفَضُّوا إلى رحالكم . . قال : فرجعنا إلى مضاجعنا فنمنا عليها حتى أصبحنا ، فلما أصبحنا غدت علينا جلة قريش حتى جاؤونا في منازلنا فقالوا : يا معشر الخزرج إنه قد بلغنا أنكم قد جئتم إلى صاحبنا هذا تستخرجونه من بين أظهرنا وتبايعونه على حربنا ، وإنه والله ما من حي من العرب أبغض إلينا أن تنشب الحرب بيننا وبينهم ، منكم . قال : فانبعث من هناك من مشركي قومنا يحلفون بالله ما كان من هذا شئ وما علمناه . قال : وقد صدقوا لم يعلموه . أتوا عبد الله ابن أبي ابن سلول فقالوا له مثل ما قال كعب من القول » . ونحوه الطبري : 2 / 95 .

وفي أمالي الطوسي / 176 ، عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال : « تمثل إبليس لعنه الله في أربع صور : تمثل يوم بدر في صورة سراقة بن جعشم المدلجي فقال لقريش : وَقَالَ لا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيئٌ مِنْكُمْ . . وتصور يوم العقبة في صورة منبه بن الحجاج فنادى : إن محمداً والصباة معه عند العقبة فأدركوهم ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) للأنصار : لا تخافوا فإن صوته لن يعدوهم .

وتصور يوم اجتماع قريش في دار الندوة في صورة شيخ من أهل نجد ، وأشار عليهم في النبي ( صلى الله عليه وآله ) بما أشار فأنزل الله تعالى : وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ . وتصور يوم قبض النبي ( صلى الله عليه وآله ) في صورة المغيرة بن شعبة فقال : أيها الناس لا تجعلوها كسروانية ولا قيصرانية ، وسِّعوها تتسع ، فلا تردوها في بني هاشم ، فتنتظر بها الحبالى » !

ب . وتواصلت مشاورات قريش بقية محرم وصفر ، حتى كانت جلستهم الشهيرة في أواخر صفر ، وقرروا فيها قتل النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وعينوا المنفذين ووقت التنفيذ .

ففي تفسير القمي : 1 / 273 : « فرجعوا إلى مكة وقالوا : لا نأمن من أن يفسد أمرنا ويدخل واحد من مشايخ قريش في دين محمد ، فاجتمعوا في الندوة وكان لا يدخل دار الندوة إلا من قد أتى عليه أربعون سنة ، فدخلوا أربعون رجلاً من مشايخ قريش ، وجاء إبليس في صورة شيخ كبير فقال له البوَّاب : من أنت ؟ فقال أنا شيخ من أهل نجد لا يعدمكم مني رأي صائب ، إني حيث بلغني اجتماعكم في أمر هذا الرجل ، فجئت لأشير عليكم ، فقال الرجل : أدخل فدخل إبليس !

فلما أخذوا مجلسهم قال أبو جهل : يا معشر قريش إنه لم يكن أحد من العرب أعزّ منا ، نحن أهل الله تغدو الينا العرب في السنة مرتين ويكرموننا ، ونحن في حرم الله لا يطمع فينا طامع ، فلم نزل كذلك حتى نشأ فينا محمد بن عبد الله فكنا نسميه الأمين لصلاحه وسكونه وصدق لهجته ، حتى إذا بلغ ما بلغ وأكرمناه ، ادعى أنه رسول الله وأن أخبار السماء تأتيه ، فسفه أحلامنا وسب آلهتنا وأفسد شبابنا وفرق جماعتنا ، وزعم أنه من مات من أسلافنا ففي النار ، فلم يرد علينا شيء أعظم من هذا ! وقد رأيتُ فيه رأياً . قالوا : وما رأيت ؟ قال : رأيت أن ندس إليه رجلاً منا ليقتله ، فإن طلبت بنو هاشم بدمه أعطيناهم عشرديات ، فقال الخبيث : هذا رأي خبيث ! قالوا وكيف ذلك ؟ قال : لأن قاتل محمد مقتول لا محالة ، فمن ذا الذي يبذل نفسه للقتل منكم ؟ فإنه إذا قتل محمد تغضب بنو هاشم وحلفاؤهم من خزاعة ، وإن بني هاشم لا ترضى أن يمشي قاتل محمد على الأرض ، فتقع بينكم الحروب في حرمكم وتتفانوا .

فقال آخر منهم : فعندي رأي آخر قالوا : وما هو ؟ قال نثبته في بيت ونلقي إليه قوته حتى يأتي عليه ريب المنون فيموت كما مات زهير والنابغة وامرؤ القيس ، فقال إبليس : هذا أخبث من الآخر ! قالوا : وكيف ذلك ؟ قال لأن بني هاشم لا ترضى بذلك ، فإذا جاء موسم من مواسم العرب استغاثوا بهم واجتمعوا عليكم فأخرجوه ! قال آخر منهم : لا ولكنا نخرجه من بلادنا ونتفرغ نحن لعبادة آلهتنا .

قال إبليس : هذا أخبث من الرأيين المتقدمين ! قالوا : وكيف ذاك ؟ قال : لأنكم تعمدون إلى أصبح الناس وجهاً وأنطق الناس لساناً وأفصحهم لهجة ، فتحملونه إلى وادي العرب فيخدعهم ويسحرهم بلسانه ، فلا يفجأكم إلا وقد ملأها عليكم خيلاً ورجلاً ! فبقوا حائرين ثم قالوا لإبليس : فما الرأي فيه يا شيخ ؟ قال : ما فيه إلا رأي واحد . قالوا وما هو ؟ قال يجتمع من كل بطن من بطون قريش واحد ، ويكون معهم من بني هاشم رجل ، فيأخذون سكيناً أو حديدة أو سيفاً ، فيدخلون عليه فيضربونه كلهم ضربة واحدة ، حتى يتفرق دمه في قريش كلها فلا يستطيع بنو هاشم أن يطلبوا بدمه وقد شاركوا فيه ، فإن سألوكم أن تعطوا الدية فأعطوهم ثلاث ديات ! فقالوا : نعم وعشر ديات .

ثم قالوا : الرأي رأي الشيخ النجدي ! فاجتمعوا ودخل معهم في ذلك أبو لهب عم النبي ، ونزل جبرئيل على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وأخبره أن قريشاً قد اجتمعت في دار الندوة يدبرون عليك ، وأنزل عليه في ذلك : وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ .

واجتمعت قريش أن يدخلوا عليه ليلاً فيقتلوه ، وخرجوا إلى المسجد يُصَفِّرون ويُصفِّقون ويطوفون بالبيت ، فأنزل الله : وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ . فالمكاء التصفير ، والتصدية صفق اليدين ، وهذه الآية معطوفة على قوله : وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا ، وقد كتبت بعد آيات كثيرة .

فلما أمسى رسول الله جاءت قريش ليدخلوا عليه فقال أبو لهب : لا أدعكم أن تدخلوا عليه بالليل ، فإن في الدار صبياناً ونساءً ولا نأمن أن تقع بهم يد خاطئة . فنحرسه الليلة فإذا أصبحنا دخلنا عليه ، فناموا حول حجرة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) » .

قال في الصحيح من السيرة : 4 / 8 : « إن أولئك القوم الذين انتدبتهم قريش اجتمعوا على باب النبي ( صلى الله عليه وآله ) وهو باب عبد المطلب على ما في بعض الروايات ، يرصدونه يريدون بياته ، وفيهم : الحكم بن أبي العاص ، وعقبة بن أبي معيط ، والنضر بن الحارث ، وأمية بن خلف ، وزمعة بن الأسود ، وأبو لهب ، وأبو جهل ، وأبو الغيطلة ، وطعمة بن عدي ، وأبي بن خلف ، وخالد بن الوليد ، وعتبة ، وشيبة ، وحكيم بن حزام ، ونبيه ، ومنبه ابنا الحجاج » .

أقول : أين كان الذين ادعوا لهم البطولة ، وأن الإسلام عز بهم كعمر وسعد وأبي بكر وطلحة ؟ ! تراهم يغيبون في الشدائد ويظهرون في الرخاء ؟ !

ج - . قال المحامي أحمد حسين يعقوب في كتابه : المواجهة مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) / 181 : « في دار الندوة ، اتفقت زعامة البطون على قتل النبي ووضعت خطة القتل ، وتطرقت لأدق التفاصيل ! ومهمة الفتية الذين تم اختيارهم من كل البطون تتلخص بتنفيذ خطة الجريمة ، وتقضي الخطة بمراقبة البيت المبارك الذي يقيم فيه حتى إذا ما خيم الظلام وهجع السامر ، زحف فتية البطون بعزم وهدوء وطوقوا البيت المبارك ، فإن خرج النبي خلال فترة التطويق انقضوا عليه بسيوفهم وضربوه ضربة واحدة ، وإن لم يخرج خلال مدة معقولة ، دخلوا عليه البيت جميعاً وضربوه وهو نائم ضربة رجل واحد !

وقرار زعامة البطون واضح بأن تلك الليلة يتوجب أن تكون آخر ليالي محمد من الحياة ، فالأمور مرتبة ترتيباً محكماً ، ولا طاقة لبني هاشم على مواجهة البطون خاصة بعد موت سيدهم وعميدهم شيخ البطاح أبي طالب .

كل شئ جهزته البطون لتنفيذ الجريمة وبأعصاب هادئة ، مع أن محمداً من قريش ومع أن الهاشميين بنو عمومتهم ، ولكن عندما يتمكن الحقد من النفوس فإنها تبور ولا شئ يصلحها .

هيأ الرسول ( صلى الله عليه وآله ) نفسه للهجرة والخروج من مكة ، وكلف ولي عهده والإمام من بعده علي بن أبي طالب ، أن يتدثر ببرد النبي الحضرمي الأخضر ، وأن ينام في فراش النبي ، ليوهم المتآمرين القتلة أن النائم هو النبي وليس علياً فينشغلوا عنه . وكلف النبي ولي عهده أيضاً أن يتولى تأدية الأمانات الموجودة عند الرسول إلى أهلها ، وبعد أن يفعل ذلك يحمل أهل النبي ، ويتبعه مهاجراً إلى المدينة المنورة .

وبعد أن رتب النبي ( صلى الله عليه وآله ) أموره ودَّعَ ولي عهده وأهل بيته وخرج مهاجراً .

شاهد النبي المتآمرين القتلة يحيطون بالبيت المبارك إحاطة السوار بالمعصم ، ويطوقونه تطويقاً كاملاً ، بحيث يتعذر الدخول أو الخروج من البيت !

وقف النبي ( صلى الله عليه وآله ) وقرأ : يَس . وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ . . . وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لايُبْصِرُونَ .

وطال انتظار المتآمرين ولم يخرج النبي وبدأت الوساوس تعمل في صدورهم ! لقد انبلج الفجر ولاحت الدنيا ، ومن المستحيل أن يتأخر خروج محمد إلى هذا الحد ، واقتحموا بيت النبي ودخلوا الحجرة المقدسة ، واقتربوا من فراش النبي وكشفوا الغطاء ، فإذا النائم بفراش النبي علي وليس محمداً ! فهاج القتلة وسألوا علياً عن النبي فقال لهم علي بهدوء المؤمن ورباطة جأشه : « قلتم له أخرج عنا فخرج عنكم » !

أحيطت زعامة بطون قريش علماً بما حدث ، فهاجت وماجت وجن جنونها ، فأطلقت فرسانها ورجالها ليبحثوا عن محمد وليعودوا به حياً أو ميتاً ، وخصصت جائزة كبرى مقدارها مائة ناقة لمن يقبض على محمد ، وبذلت زعامة بطون قريش كل وسعها للقبض على محمد ، ولكنها فشلت ولم تفلح ، حيث دخل النبي الغار وقضى فيه ثلاثة أيام ، حتى يئست زعامة البطون من العثور عليه ، وبعد ذلك شق طريقه بيمن الله ورعايته إلى عاصمة دولته المباركة » .

2 - مبيت علي ( ( ع ) ) في فراش النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) يفديه بنفسه

أ . اتفق الرواة على أن مندوبي قريش دخلوا البيت وهم شاهرون سيوفهم يتقدمهم خالد بن الوليد ، فتفاجؤوا بأن النائم مكانه علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، فنهض في وجههم وهو شاهر سيفه ، وتلاسنوا معه وأساء معه الكلام خالد ، فأمسك علي بيده وجذبه وعصر عضده ، فصاح خالد كالبَكر أي البعير الصغير ، ونزع علي سيف خالد ، فتدخل البقية وقالوا لعلي إنهم لا يريدون به شراً !

وقد روت حديث المبيت مصادرنا وبعضه مصادرهم . ففي أمالي الطوسي / 466 عن عمار وأبي رافع : « فخرج القوم عِزِين « متفرقين » وسبقهم بالوحي بما كان من كيدهم جبرئيل ، فتلا هذه الآية على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ . فلما أخبره جبرئيل بأمر الله في ذلك ووحيه وما عزم له من الهجرة ، دعا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) علياً ( عليه السلام ) وقال له : يا علي إن الروح هبط علي بهذه الآية آنفاً ، يخبرني أن قريشاً اجتمعوا على المكر بي وقتلي ، وأنه أوحى إليَّ ربي عز وجل أن أهجر دار قومي ، وأن انطلق إلى غار ثور تحت ليلتي ، وأمرني أن آمرك بالمبيت على مضجعي ليخفى بمبيتك عليهم أثري ، فما أنت قائل وصانع ؟ فقال علي ( عليه السلام ) : أوَتسلم بمبيتي هناك يا نبي الله ؟ قال : نعم ، فتبسم علي ( عليه السلام ) ضاحكاً وأهوى إلى الأرض ساجداً شكراً بما أنبأه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) من سلامته ، وكان علي ( عليه السلام ) أول من سجد لله شكراً ، وأول من وضع وجهه على الأرض بعد سجدته من هذه الأمة بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فلما رفع رأسه قال له : إمض لما أمرت فداك سمعي وبصري وسويداء قلبي ، ومرني بما شئت أكن فيه بمسرتك ، واقعاً منه بحيث مرادك ، وإن توفيقي إلا بالله . قال ( صلى الله عليه وآله ) : وإنه ألقي عليك شبه مني ، فارقد على فراشي واشتمل ببردي الحضرمي . ثم إني أخبرك يا علي أن الله تعالى يمتحن أولياءه على قدر إيمانهم ومنازلهم من دينه ، فأشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأوصياء ثم الأمثل فالأمثل ، وقد امتحنك يا ابن عم وامتحنني فيك بمثل ما امتحن به خليله إبراهيم والذبيح إسماعيل « عليهم السلام » ، فصبراً صبراً فإن رحمة الله قريب من المحسنين . ثم ضمه النبي ( صلى الله عليه وآله ) إلى صدره وبكى إليه وجداً به ، وبكى علي ( عليه السلام ) جشعاً لفراق رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) . ولبث رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بمكانه مع علي يوصيه ويأمره في ذلك بالصبر حتى صلى العشاءين ، ثم خرج في فحمة العشاء الآخرة والرصد من قريش قد أطافوا بداره ، ينتظرون أن ينتصف الليل وتنام الأعين ، فخرج وهو يقرأ هذه الآية : وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لايُبْصِرُونَ . وأخذ بيده قبضة من تراب فرمى بها على رؤوسهم فما شعر القوم به حتى تجاوزهم !

فلما غلق الليل أبوابه وأسدل أستاره وانقطع الأثر ، أقبل القوم على علي ( عليه السلام ) يقذفونه بالحجارة والحلم « الأعواد » ولا يشكُّون أنه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، حتى إذا برق الفجر وأشفقوا أن يفضحهم الصبح ، هجموا على علي ( عليه السلام ) ، وكانت دور مكة يومئذ سوائب لا أبواب لها ، فلما بصر بهم علي ( عليه السلام ) قد انتضوا السيوف وأقبلوا عليه بها ، وكان يقدمهم خالد بن الوليد بن المغيرة ، وثب له علي ( عليه السلام ) فختله وهمز يده فجعل خالد يقمص قماص البكر « يرفس كالفصيل » ويرغو رغاء الجمل ويذعر ويصيح ، وهم في عرج الدار « منعطفها » من خلفه ، وشد عليهم علي ( عليه السلام ) بسيفه يعني سيف خالد ، فأجفلوا أمامه إجفال النعم إلى ظاهر الدار ، فتبصروه فإذا هو علي ( عليه السلام ) ، فقالوا : إنك لعلي ؟ قال : أنا علي . قالوا : فإنا لم نردك فما فعل صاحبك ؟ قال : لا علم لي به . وقد كان علم يعني علياً ( عليه السلام ) أن الله تعالى قد أنجى نبيه ( صلى الله عليه وآله ) بما كان أخبره من مضيه إلى الغار واختبائه فيه ، فأذكت قريش عليه العيون ، وركبت في طلبه الصعب والذلول .

وأمهل علي ( عليه السلام ) حتى إذا أعتم من الليلة القابلة انطلق هو وهند بن أبي هالة حتى دخلا على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في الغار ، فأمر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) هنداً أن يبتاع له ولصاحبه بعيرين ، فقال أبو بكر : قد كنت أعددت لي ولك يا نبي الله راحلتين نرتحلهما إلى يثرب . فقال : إني لا آخذهما ولا أحدهما إلا بالثمن . قال : فهي لك بذلك ، فأمر ( صلى الله عليه وآله ) علياً ( عليه السلام ) فأقبضه الثمن ، ثم أوصاه بحفظ ذمته وأداء أمانته .

وكانت قريش تدعو محمداً ( صلى الله عليه وآله ) في الجاهلية الأمين ، وكانت تستودعه وتستحفظه أموالها وأمتعتها ، وكذلك من يقدم مكة من العرب في الموسم ، وجاءته النبوة والرسالة والأمر كذلك ، فأمر علياً ( عليه السلام ) أن يقيم صارخاً يهتف بالأبطح غدوةً وعشياً : ألا من كان له قبل محمد أمانة أو وديعة ، فليأت فلتؤد إليه أمانته .

وقال النبي ( صلى الله عليه وآله ) « أي كتب إلى علي » : إنهم لن يصلوا من الآن إليك يا علي بأمر تكرهه حتى تقدم عليَّ ، فأدِّ أمانتي على أعين الناس ظاهراً .

ثم إني مستخلفك على فاطمة ابنتي ، ومستخلف ربي عليكما ومستحفظه فيكما ، وأمره أن يبتاع رواحل له وللفواطم ، ومن أزمع للهجرة معه من بني هاشم .

قال أبو عبيدة : فقلت لعبيد الله ، يعني ابن أبي رافع : أوَكان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يجد ما ينفقه هكذا ؟ فقال : إني سألت أبي عما سألتني وكان يحدث بهذا الحديث فقال : فأين يذهب بك عن مال خديجة « عليها السلام » ؟ وقال : إن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال : ما نفعني مال قط مثل ما نفعني مال خديجة . .

وقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لعلي وهو يوصيه : وإذا أبرمت ما أمرتك ، فكن على أهبة الهجرة إلى الله ورسوله ، وسر إليَّ لقدوم كتابي إليك ، ولا تلبث بعده .

وانطلق رسول الله لوجهه يؤم المدينة ، وكان مقامه في الغار ثلاثاً ، ومبيت علي على الفراش أول ليلة . قال عبيد الله بن أبي رافع : وقد قال علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) شعراً يذكر فيه مبيته على الفراش ومقام رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في الغار ثلاثاً :

وقيت بنفسي خير من وطأ الحصى * ومن طاف بالبيت العتيق وبالحِجْرِ

محمدُ لما خاف أن يمكروا به * فوقَّاه ربي ذو الجلال من المكر

وبتُّ أراعيهم متى ينشرونني * ووطنت نفسي على القتل والأسرج

ويأت رسول الله في الغار آمناًج * هناك وفي حفظ الإله وفي ستر

أقام ثلاثاً ثم زمت قلائص * قلائص يفرين الحصا أينما تفري »

وفي إعلام الورى : 1 / 146 : « أجمعوا أن يدخلوا عليه ليلاً وكتموا أمرهم ، فقال أبو لهب : بل نحرسه فإذا أصبحنا دخلنا عليه . فباتوا حول حجرة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وأمر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أن يفرش له ، وقال لعلي بن أبي طالب : يا علي إفدني بنفسك . قال : نعم يا رسول الله . قال : نم على فراشي والتحف ببردي . فنام ( عليه السلام ) على فراش رسول الله والتحف ببردته ، وجاء جبرئيل ( عليه السلام ) إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقال له : أخرج والقوم يشرفون على الحجرة فيرون فراشه وعلي ( عليه السلام ) نائم عليه فيتوهمون أنه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) » !

وفي الخرائج : 1 / 143 : « فدعاني رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقال : إن قريشاً دبرت كيت وكيت في قتلي ، فنم على فراشي حتى أخرج أنا من مكة ، فقد أمرني الله تعالى بذلك . فقلت له : السمع والطاعة ، فنمت على فراشه وفتح رسول الله الباب وخرج عليهم وهم جميعاً جلوس ينتظرون الفجر وهو يقول : وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ . ومضى وهم لا يرونه ، فرأى أبا بكر قد خرج في الليل يتجسس عن خبره ، وقد كان وقف على تدبير قريش من جهتهم فأخرجه معه إلى الغار . فلما طلع الفجر تواثبوا إلى الدار وهم يظنون أني محمد ، فوثبت في وجوههم وصحت بهم ، فقالوا : علي ! قلت : نعم . قالوا : وأين محمد ؟ قلت : خرج من بلدكم . قالوا : والى أين خرج ؟ قلت : الله أعلم فتركوني وخرجوا » .

وفي تفسير القمي : 1 / 275 : « وأمر رسول الله أن يفرش له ففرش له ، فقال لعلي بن أبي طالب : إفدني بنفسك ، قال نعم يا رسول الله . قال : نم على فراشي ، والتحف ببردتي ، فنام علي على فراش رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) والتحف ببردته ، وجاء جبرئيل فأخذ بيد رسول الله فأخرجه على قريش وهم نيام وهو يقرأ عليهم : وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لايُبْصِرُونَ . وقال له جبرئيل : خذ على طريق ثور وهو جبل على طريق منى له سنام كسنام الثور ، فدخل الغار وكان من أمره ما كان . فلما أصبحت قريش وأتوا إلى الحجرة وقصدوا الفراش ، فوثب عليٌّ في وجوههم فقال : ما شأنكم ؟ قالوا له أين محمد ؟ قال أجعلتموني عليه رقيباً ؟ ألستم قلتم نخرجه من بلادنا فقد خرج عنكم !

فأقبلوا يضربون أبا لهب ويقولون أنت تخدعنا منذ الليلة ، فتفرقوا في الجبال ، وكان فيهم رجل من خزاعة يقال له أبو كرز يقفو الآثار ، فقالوا له يا أبا كرز اليومَ اليوم ، فوقف بهم على باب حجرة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقال : هذه قدم محمد والله إنها لأخت القدم التي في المقام ! وكان أبو بكر استقبل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فرده معه فقال أبو كرز : وهذه قدم ابن أبي قحافة أو أبيه ، ثم قال : وهاهنا عبر ابن أبي قحافة . فما زال بهم حتى أوقفهم على باب الغار ، ثم قال : ما جاوزا هذا المكان ! إما أن يكونا صعدا إلى السماء أو دخلا تحت الأرض . وبعث الله العنكبوت فنسجت على باب الغار ، وجاء فارس من الملائكة حتى وقف على باب الغار ثم قال : ما في الغار واحد فتفرقوا في الشعاب وصرفهم الله عن رسوله ( صلى الله عليه وآله ) ثم أذن لنبيه في الهجرة » . واليعقوبي : 2 / 39 .

ب . وروى الجميع حديث مباهاة الله تعالى لملائكته بفداء علي ( عليه السلام ) للنبي ( صلى الله عليه وآله ) بنفسه ، ففي أمالي الطوسي / 469 : « قال أبو اليقظان : فحدثنا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ونحن معه بقباء عما أرادت قريش من المكر به ، ومبيت علي ( عليه السلام ) على فراشه ، قال : أوحى الله عز وجل إلى جبرئيل وميكائيل أني قد آخيت بينكما وجعلت عمر أحدكما أطول من عمر صاحبه فأيكما يؤثر أخاه ؟ فكلاهما كرها الموت ، فأوحى الله إليهما : عبديَّ ألا كنتما مثل وليي علي بن أبي طالب ، آخيت بينه وبين نبيي فآثره بالحياة على نفسه ، ثم رقد على فراشه يفديه بمهجته ، إهبطا إلى الأرض كلاكما فاحفظاه من عدوه ، فهبط جبرئيل فجلس عند رأسه وميكائيل عند رجليه وجعل جبرئيل يقول : بخ بخ من مثلك يا ابن أبي طالب والله عز وجل يباهي بك الملائكة ! قال : فأنزل الله عز وجل في علي ( عليه السلام ) : وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِى نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللهِ وَاللهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ .

وفي المناقب : 1 / 339 : « الثعلبي في تفسيره ، وابن عقبة في ملحمته ، وأبو السعادات في فضايل العشرة ، والغزالي في الإحياء ، وفي كيمياء السعادة أيضاً ، برواياتهم عن أبي اليقظان . وجماعة من أصحابنا ومن ينتمي الينا ، نحو ابن بابويه ، وابن شاذان ، والكليني ، والطوسي ، وابن عقدة ، والبرقي ، وابن فياض ، والعبدلي ، والصفواني ، والثقفي ، بأسانيدهم عن ابن عباس ، وأبي رافع ، وهند بن أبي هالة ، أنه قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : أوحى الله إلى جبرئيل وميكائيل أني آخيت بينكما وجعلت عمر أحدكما أطول من عمر صاحبه فأيكما يؤثر أخاه ؟ فكلاهما كره الموت فأوحى الله إليهما : ألا كنتما مثل وليي علي بن أبي طالب ، آخيت بينه وبين محمد نبيي ، فآثره بالحياة على نفسه ، ثم ظل بائتاً على فراشه يقيه بمهجته ! إهبطا إلى الأرض جميعاً فاحفظاه من عدوه . فهبط جبرئيل فجلس عند رأسه وميكائيل عند رجليه وجعل جبرئيل يقول : بخٍ بخٍ ، من مثلك يا ابن أبي طالب والله يباهي بك الملائكة ، فأنزل الله : وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِى نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللهِ » . وشواهد التنزيل : 1 / 123 ، الثعلبي في تفسيره : 2 / 125 ، المسترشد لابن جرير الطبري / 360 والصراط المستقيم : 1 / 173 ، أسد الغابة : 4 / 25 ، الفضائل لابن عقدة / 179 ، كشف اليقين / 89 ، الصراط المستقيم : 1 / 173 ، الصحيح من السيرة : 4 / 32 ، أمالي الطوسي / 468 ، العمدة / 239 ، الطرائف / 37 ، سعد السعود / 216 ، خصائص الوحي المبين / 120 ، الجواهر السنية / 307 والمراجعات / 216 .

ج - . وذكر علي ( عليه السلام ) في مناسبات هجرة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، ومبيته في فراشه يفديه بنفسه ، وروى الصدوق في الخصال / 365 ، عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) أن حاخام اليهود الأكبر أتى علياً ( عليه السلام ) فقال : « يا أمير المؤمنين إني أريد أن أسألك عن أشياء لا يعلمها إلا نبي أو وصي نبي ! قال : سل عما بدا لك يا أخا اليهود ؟ قال : إنا نجد في الكتاب أن الله عز وجل إذا بعث نبياً أوحى إليه أن يتخذ من أهل بيته من يقوم بأمر أمته من بعده ، وأن يعهد إليهم فيه عهداً يحتذي عليه ويعمل به في أمته من بعده ، وأن الله عز وجل يمتحن الأوصياء في حياة الأنبياء ويمتحنهم بعد وفاتهم . فأخبرني كم يمتحن الله الأوصياء في حياة الأنبياء ، وكم يمتحنهم بعد وفاتهم من مرة ؟ . . فقال : يا أخا اليهود إن الله عز وجل امتحنني في حياء نبينا محمد ( صلى الله عليه وآله ) في سبعة مواطن فوجدني فيهن من غير تزكية لنفسي ، بنعمة الله له مطيعاً .

قال : فيمَ وفيم يا أمير المؤمنين ؟ قال : أما أولاهن . . . وأما الثانية يا أخا اليهود ، فإن قريشاً لم تزل تخيل الآراء وتعمل الحيل في قتل النبي ( صلى الله عليه وآله ) حتى كان آخر ما اجتمعت في ذلك يوم الدار دار الندوة وإبليس الملعون حاضر في صورة أعور ثقيف ، فلم تزل تضرب أمرها ظهراً لبطن حتى اجتمعت آراؤها على أن ينتدب من كل فخذ من قريش رجل ، ثم يأخذ كل رجل منهم سيفه ، ثم يأتي النبي ( صلى الله عليه وآله ) وهو نائم على فراشه فيضربونه جميعاً بأسيافهم ضربة رجل واحد فيقتلوه ، وإذا قتلوه منعت قريش رجالها ولم تسلمها ، فيمضي دمه هدراً ! فهبط جبرئيل ( عليه السلام ) على النبي ( صلى الله عليه وآله ) فأنبأه بذلك ، وأخبره بالليلة التي يجتمعون فيها والساعة التي يأتون فراشه فيها ، وأمره بالخروج في الوقت الذي خرج فيه إلى الغار ، فأخبرني رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بالخبر وأمرني أن أضطجع في مضجعه وأقيه بنفسي ، فأسرعت إلى ذلك مطيعاً له مسروراً بأن أقتل دونه ، فمضى ( صلى الله عليه وآله ) لوجهه واضطجعت في مضجعه ، وأقبلت رجالات قريش موقنة في أنفسها أن تقتل النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، فلما استوى بي وبهم البيت الذي أنا فيه ناهضتهم بسيفي فدفعتهم عن نفسي بما قد علمه الله » .

آية مبيت علي ( ( ع ) ) على فراش النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) )

1 - أنزل الله في علي ( عليه السلام ) : وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِى نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللهِ وَاللهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ . ففي تفسير العياشي : 1 / 101 عن الإمام الباقر ( عليه السلام ) قال : « فإنها أنزلت في علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) حين بذل نفسه لله ولرسوله ( صلى الله عليه وآله ) ، ليلة اضطجع على فراش رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) » . وأمالي الطوسي / 446 و 469 ، عن علي بن الحسين ( ( ع ) ) ، وشواهد التنزيل : 1 / 123 ، 129 و 130 ، عن أبي سعيد الخدري . والإرشاد : 1 / 53 ، والمسترشد / 360 ، الصراط المستقيم : 1 / 173 ، مناقب الخوارزمي / 127 ، منهاج الكرامة / 122 ، الخصال : 2 / 364 ، أمالي الطوسي / 446 ، التعجب للكراجكي / 122 وشرح الأخبار : 2 / 345 .

2 - ضاقت السلطة ذرعاً بنزول الآية في علي ( عليه السلام ) ، فقال رواتها نزلت في صهيب الرومي ، لأن المشركين قبضوا عليه ومنعوه من الهجرة ، فبذل لهم ماله فنزلت فيه الآية ! وتقدم أن صهيباً من قبيلة نمر بن قاسط ، وعرف بالرومي لأن الروم أسروه وباعوه عبداً . وكان محباً لعمر . راجع : أسباب النزول للواحدي / 39

ومجمع الزوائد : 6 / 318 .

ثم قالوا إن الآية لا تخص علياً ، بل تعم المهاجرين والأنصار ! عبد الرزاق : 1 / 81 .

ثم قالوا : اختلف أهل التأويل فيمن نزلت ، فقال بعضهم في المهاجرين والأنصار ، وقال بعضهم في من باع نفسه في الجهاد واستقتل ، وقال بعضهم في رجال من المهاجرين بأعيانهم منهم علي ، ثم رجح الطبري أنها نزلت فيمن أمر بالمعروف ونهى عن المنكر ، كما قال عمر . تفسير الطبري : 2 / 437 .

وذكر الفخر الرازي : 5 / 233 ، في سبب نزولها أقوالاً ، أحدها في صهيب ، وعمار وبلال وغيرهم ، والثاني : في من أمر بمعروف ونهى عن منكر . والثالث : « نزلت في علي بن أبي طالب بات على فراش رسول الله ليلة خروجه إلى الغار ، ويروى أنه لما نام على فراشه قام جبريل عند رأسه وميكائيل عند رجليه ، وجبريل ينادي : بخ بخ من مثلك يا ابن أبي طالب يباهي الله بك الملائكة . ونزلت الآية » .

أما الحاكم : 3 / 4 فصحح مضمونها ، ولم يذكر الآية ! قال : « عن ابن عباس قال : شرى عليٌّ نفسه ولبس ثوب النبي ( صلى الله عليه وآله ) ثم نام مكانه وكان المشركون يرمون رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وقد كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ألبسه بردة ، وكانت قريش تريد أن تقتل النبي ( صلى الله عليه وآله ) فجعلوا يرمون علياً ويرونه النبي ( صلى الله عليه وآله ) وقد لبس بردة ، وجعل علي يتضوَّر « يظهر الضجر من الحصى الذي يصيبه » فإذا هو علي ، فقالوا إنك للئيم ، إنك لتتضور وكان صاحبك لا يتضور ولقد استنكرناه منك . . » ثم روى عن علي بن الحسين ( عليه السلام ) قال : « إن أول من شرى نفسه ابتغاء رضوان الله علي بن أبي طالب وقال علي عند مبيته على فراش رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) . . وذكر أبيات علي ( عليه السلام ) » . ونسج على منوال الحاكم بعض علمائهم ، كالصالحي في سبل الهدى : 3 / 233 .

وأنصف بعضهم كالمقريزي ، فقال في الإمتاع : 1 / 57 : « فلما كان العتمة اجتمعوا على باب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يرصدونه حتى ينام فيثبون عليه . فلما رآهم ( صلى الله عليه وآله ) أمر علياً بن أبي طالب رضي الله عنه أن ينام على فراشه ويتشح ببرده الحضرمي الأخضر ، وأن يؤدي ما عنده من الودائع والأمانات ونحو ذلك . فقام علي مقامه وغطي ببرد أخضر ، فكان أول من شرى نفسه وفيه نزلت : وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللهِ . وخرج ( صلى الله عليه وآله ) وأخذ حفنة من تراب وجعله على رؤوسهم وهو يتلو الآيات من : يس وَالْقٌرْآنِ الحَكِيم . . إلى قوله : فهم لا يبصرون ، فطمس الله تعالى أبصارهم فلم يروه وانصرف . وهم ينظرون علياً فيقولون إن محمداً لنائم » .

وبهذا ترى عمل السلطة لإبعاد الآية عن علي ( عليه السلام ) ، بل رووا أن معاوية بذل مالاً لصحابي ليجعل الآية في ابن ملجم ويجعل آية أخرى في علي ( عليه السلام ) !

« قال أبو جعفر الإسكافي : وروي أن معاوية بذل لسمرة بن جندب مائة ألف درهم حتى يروي أن هذه الآية نزلت في علي : وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَأَلَدُّ الْخِصَامِ . وَإِذَا تَوَلَّى سَعىَ فِي الأرض لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ . « البقرة / 204 - 205 » وأن الآية الثانية نزلت في ابن ملجم وهي : وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللهِ . فلم يقبل ، فبذل له مأتي ألف درهم فلم يقبل ، فبذل له ثلاثمائة ألف فلم يقبل ، فبذل أربعمائة فقبل ! وقال : إن معاوية وضع قوماً من الصحابة وقوماً من التابعين على رواية أخبار قبيحة في علي فاختلقوا ما أرضاه ! منهم أبو هريرة ، وعمرو بن العاص ، والمغيرة بن شعبة ، ومن التابعين عروة بن الزبير » .

شرح النهج : 4 / 73 والغارات : 2 / 840 .

3 - وأنكر بعض النواصب نزول الآية في علي ( عليه السلام ) ، وحديث أن الله باهى به الملائكة ولو استطاع أن ينكر مبيته في فراش النبي ( صلى الله عليه وآله ) لفعله ! لكنه قال إنه لافضيلة لعلي فيه لأن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أخبره بأنه لا يصيبهم منهم مكروه ! مع أن ذلك كان في رسالة النبي ( صلى الله عليه وآله ) له من المدينة بعد مبيته على فراشه !

فعندما ساق أبو واقد يسوق بعائلة النبي ( صلى الله عليه وآله ) سوقاً عنيفاً في الهجرة ، قال له علي ( عليه السلام ) : « إرفق بالنسوة يا أبا واقد ، إنهن من الضعائف . قال : إني أخاف أن يدركنا الطلب ! فقال علي ( عليه السلام ) : إربع عليك فإن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال لي : يا علي ، إنهم لن يصلوا من الآن إليك بما تكرهه ، ثم جعل يسوق بهن سوقاً رفيقاً » . أمالي الطوسي / 469 وراجع : نفحات الأزهار : 17 / 211 والغدير : 2 / 47 .

وقال في الصحيح من السيرة : 4 / 17 ، 32 و 251 : « أنكر ابن تيمية على عادته في إنكار فضائل أمير المؤمنين علي ( عليه السلام ) وقال : كذبٌ باتفاق أهل العلم بالحديث والسير . وأيضاً قد حصلت له الطمأنينة بقول الصادق له : لن يخلص إليك شئ تكرهه منهم ، فلم يكن فيه فداء بالنفس ولا إيثار بالحياة ، والآية المذكورة في سورة البقرة ، وهي مدنية باتفاق ، وقد قيل إنها نزلت في صهيب لما هاجر » .

ثم رد صاحب الصحيح مكذوبات ابن تيمية وغيره من النواصب .




يحفل التاريخ الاسلامي بمجموعة من القيم والاهداف الهامة على مستوى الصعيد الانساني العالمي، اذ يشكل الاسلام حضارة كبيرة لما يمتلك من مساحة كبيرة من الحب والتسامح واحترام الاخرين وتقدير البشر والاهتمام بالإنسان وقضيته الكبرى، وتوفير الحياة السليمة في ظل الرحمة الالهية برسم السلوك والنظام الصحيح للإنسان، كما يروي الانسان معنوياً من فيض العبادة الخالصة لله تعالى، كل ذلك بأساليب مختلفة وجميلة، مصدرها السماء لا غير حتى في كلمات النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) وتعاليمه الارتباط موجود لان اهل الاسلام يعتقدون بعصمته وهذا ما صرح به الكتاب العزيز بقوله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) ، فصار اكثر ايام البشر عرفاناً وجمالاً (فقد كان عصرا مشعا بالمثاليات الرفيعة ، إذ قام على إنشائه أكبر المنشئين للعصور الإنسانية في تاريخ هذا الكوكب على الإطلاق ، وارتقت فيه العقيدة الإلهية إلى حيث لم ترتق إليه الفكرة الإلهية في دنيا الفلسفة والعلم ، فقد عكس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم روحه في روح ذلك العصر ، فتأثر بها وطبع بطابعها الإلهي العظيم ، بل فنى الصفوة من المحمديين في هذا الطابع فلم يكن لهم اتجاه إلا نحو المبدع الأعظم الذي ظهرت وتألقت منه أنوار الوجود)





اهل البيت (عليهم السلام) هم الائمة من ال محمد الطاهرين، اذ اخبر عنهم النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) باسمائهم وصرح بإمامتهم حسب ادلتنا الكثيرة وهذه عقيدة الشيعة الامامية، ويبدأ امتدادهم للنبي الاكرم (صلى الله عليه واله) من عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) الى الامام الحجة الغائب(عجل الله فرجه) ، هذا الامتداد هو تاريخ حافل بالعطاء الانساني والاخلاقي والديني فكل امام من الائمة الكرام الطاهرين كان مدرسة من العلم والادب والاخلاق استطاع ان ينقذ امةً كاملة من الظلم والجور والفساد، رغم التهميش والظلم والابعاد الذي حصل تجاههم من الحكومات الظالمة، (ولو تتبّعنا تاريخ أهل البيت لما رأينا أنّهم ضلّوا في أي جانب من جوانب الحياة ، أو أنّهم ظلموا أحداً ، أو غضب الله عليهم ، أو أنّهم عبدوا وثناً ، أو شربوا خمراً ، أو عصوا الله ، أو أشركوا به طرفة عين أبداً . وقد شهد القرآن بطهارتهم ، وأنّهم المطهّرون الذين يمسّون الكتاب المكنون ، كما أنعم الله عليهم بالاصطفاء للطهارة ، وبولاية الفيء في سورة الحشر ، وبولاية الخمس في سورة الأنفال ، وأوجب على الاُمّة مودّتهم)





الانسان في هذا الوجود خُلق لتحقيق غاية شريفة كاملة عبر عنها القرآن الحكيم بشكل صريح في قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) وتحقيق العبادة أمر ليس ميسوراً جداً، بل بحاجة الى جهد كبير، وافضل من حقق هذه الغاية هو الرسول الاعظم محمد(صلى الله عليه واله) اذ جمع الفضائل والمكرمات كلها حتى وصف القرآن الكريم اخلاقه بالعظمة(وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) ، (الآية وإن كانت في نفسها تمدح حسن خلقه صلى الله عليه وآله وسلم وتعظمه غير أنها بالنظر إلى خصوص السياق ناظرة إلى أخلاقه الجميلة الاجتماعية المتعلقة بالمعاشرة كالثبات على الحق والصبر على أذى الناس وجفاء أجلافهم والعفو والاغماض وسعة البذل والرفق والمداراة والتواضع وغير ذلك) فقد جمعت الفضائل كلها في شخص النبي الاعظم (صلى الله عليه واله) حتى غدى المظهر الاولى لأخلاق رب السماء والارض فهو القائل (أدّبني ربي بمكارم الأخلاق) ، وقد حفلت مصادر المسلمين باحاديث وروايات تبين المقام الاخلاقي الرفيع لخاتم الانبياء والمرسلين(صلى الله عليه واله) فهو في الاخلاق نور يقصده الجميع فبه تكشف الظلمات ويزاح غبار.