أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-09-05
371
التاريخ: 2023-05-08
1165
التاريخ: 2024-08-26
326
التاريخ: 2024-06-30
697
|
بضاعة الحُمقاء
إن مفردة «أيام» تصلح لأن تشمل الأفراد غير المعدودة، لكن القيد معدودة، يحكي قابليتها للعد، وبالتالي قلتها؛ وذلك أن عناء إحصاء ما يكثر عدده ليس مما يسهل احتماله؛ خلافاً للشيء القليل الذي يسهل تحديد رقمه وعدده وقد يعلم مقداره من نظرة واحدة أو عده بالأصابع؛ نظير ما جاء في تحديد ثمن يوسف : {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ} [يوسف: 20] فهو ناظر إلى قلة ثمن هذه البضاعة النفيسة [1]. ويلزم الالتفات هنا إلى أنه لا يقصد بالعد ذاك الذي تستخدم فيه أجهزة الحساب الرياضية؛ إذ مع هذا الفرض يسهل حتى إحصاء الأرقام الفلكية.
إن إصرار بني إسرائيل على تقييد الأيام بكونها معدودة، وهو ما ذكر بصورة {وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 80] و {أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 184]، يوحي بتصور قلة أيام التعذيب. يذكر أنه طرحت آراء مختلفة في تحديد الأيام وتعيين مقدارها؛ منها أنها أربعون يوماً [2]، وهو ما روي عن متوسطي الصهاينة، ومنها سبعة أيام وهو المأثور عن متشدديهم؛ بزعمهم الأقل بأن الدنيا هو سبعة آلاف سنة وإنما يعذبون عن كل ألف سنة يوماً واحداً [3]. وكل من هذا المبنى وذاك البناء فاسد.
روي عن أبي حنيفة وأصحابه أن «الأيام» هي ثلاثة إلى عشرة أيام؛ وذلك لأنه ورد في الحيض ـ الذي أقله ثلاثة أيام وأكثره عشرة ـ ما نصه: «دعي الصلاة أيام اقرائك»؛ أي اتركي (أيتها المرأة) صلاتك أيام حيضك؛ إذن «الأيام» هي ما بين الثلاثة والعشرة [4]. لكن هذا الاستنباط ليس تاماً؛ لأن الاستعمال التطبيقي لمفردة في مورد خاص لا يعين مفهومها أو مصداقها المنحصر؛ هذا ناهيك عن أن القرآن الكريم طبق نفس هذه الكلمة على شهر واحد وهو شهر رمضان المبارك: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 183-184]. والغرض هو أنه إذا أطلقت مفردة الأيام على العشرة أو الأقل منها فيما يتعلق بالحيض، وبخصوص خلق السماوات والأرض، وفيما يتصل بصيام أيام الحج وبعد الرجوع إلى الوطن، وبخصوص عذاب بعض الأقوام والأمم السالفة فهذا لايدل على الحصر إطلاقاً، وذلك بشهادة إطلاقه على موارد تزيد على العشرة؛ نظير ما جاء بمعنى الفترة أو العصر: {فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ قُلْ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ} [يونس: 102] ، {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ} [الحاقة: 24] ؛ كما أطلق على شهر رمضان المبارك أيضاً؛ فاستثناء الأيام المعدودة هو نتيجة التصور الباطل للإسرائيليين، حيث إنهم جعلوا الأصل هو العتق من النار والنجاة من جهنم مدعين نفي التعذيب بشكل موسع باستخدام الحرف (لن) وعندها استثنوا بضعة أيام. وحسن الظن هذا ناشئ من الإنغماس في الأماني حيث إن الاعتماد عليه، والاستناد إليه، والاستمداد منه إنما هو رأس مال الحمقاء؛ كما يعول الشيخ الهرم والمسن الذي بلغ أرذل العمر على التمني الخام؛ ومن هذا المنطلق فقد نأى رسول اللہ (صلى الله عليه واله وسلم) بالمجتمع عن العيش المبني على التمني وأحل الأمل الناضج محل الأمنية الخام قائلاً في هذا الصدد: «إياك والأماني فإنها بضائع النوكى» [5] ؛ أي إياك والانغماس في الأماني وأعرض عنها لتعول على العقل والأمل الناضج؛ وذلك لأن الاستناد إلى الأماني الخام هي رأسمال الحمقى الضعيفي العقل.
[1] لقد ذهب البعض إلى أن قلة زمان المس والتعذيب إنما تستفاد من كلمة: «أياماً»، وليس من كلمة: «معدودة؛ هذا وإن كان عنوان «معدودة، مؤكداً للقلة. أنه حتى إذا لم يأت القيد معدودة» فإن الآية المشار إليها ستفيد قلة مدة العذاب أيضاً؛ وذلك لأنه إذا قصر الزمان عبر عنه بأيام، لكنه إذا كثر فسيعد بالشهور، والسنة، والقرن. لكن إثبات هذا الاحتمال أو القول أمر صعب؛ لأنه قد أطلق على الشهر أو ما يزيد عليه ـ أي على الأربعين يوماً ـ أيام أيضاً؛ كما أطلقت كلمة «أيام» على شهر رمضان المبارك ومواعدة النبي موسى الكليم ال ذات الأربعين يوماً. (راجع روح المعاني، ج 1، ص 479 ـ 480).
[2] جامع البيان، مج 1، ج 1، ص503.
[3] جامع البيان، مج 1، ج 1، ص 504.
[4] الجامع لأحكام القرآن، مج1، ج2، ص12.
[5] كنز الفوائد، ج1، ص350؛ وبحار الانوار، ج75، ص92.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|