أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-10-19
1152
التاريخ: 2023-06-25
960
التاريخ: 2024-02-04
897
التاريخ: 2023-04-02
1427
|
سنتناول مفارقة التوءم مجددًا، لكن من منظور الزمكان هذه المرة. ينطلق التوءم المسافر بسرعة تساوي 80 بالمائة من سرعة الضوء، فيقطع أربع سنين ضوئية في خمس سنين، ثم يعود. ويمكننا بذلك تحديد ثلاثة أحداث رئيسية في القصة (انظر الشكل 3-3):
أ: يغادر التوءم المسافر الأرض
ب يبدأ التوءم المسافر في رحلة العودة
ج: يعود التوءم المسافر إلى الأرض
وبمصطلحات الزمكان: ينتقل التوءم الماكثُ في الأرض من النقطة «أ» إلى النقطة «جـ» في خط مستقيم. وينتقل التوءم المسافر من النقطة «أ» إلى النقطة «ب» في خط مستقيم، ومن النقطة «ب» الى النقطة «جـ» في خط مستقيم. وبناءً على هذا، فان الوقت الذي سجلته ساعة التوءم الماكث في الارض يساوي الفاصل الزمني من النقطة «أ» الى النقطة «جـ»؛ وبالنسبة الة التوءم المسافر، فهذا الوقت يساوي الفاصل الزمني من النقطة «أ» الى النقطة «ب» اضافة الى مسافة الزمكان من النقطة «ب» الى النقطة «جـ».
شكل 3-3: مفارقة التوءم: الوصف الهندسي.
في الفضاء العادي، أقصر مسافة بين نقطتين هو الخط المستقيم. لكن علامة السالب تقلب المسألة في زمكان منكوفسكي؛ إذ تصبح الخطوط المستقيمة هي المسافات الأطول بين نقطتين في الزمكان (ينطبق هذا على النقاط المفصولة زمنيًّا على الأقل). ومن ثم فإن هندسة الزمكان في تصور منكوفسكي تخبرنا بأن الوقت الذي مرَّ على التوءم الماكث في الأرض سيكون أطول.
يمكننا أن نزيد على ذلك بالفعل ونستخدم تعريف الفاصل الزمني لحساب الفرق الفعلي. فالفاصل من النقطة «أ» إلى النقطة «جـ» – بالسنوات – يساوي الجذر التربيعي لـ (102 – 02)، أي 10 فقط، ومثلما نتوقَّع، فإنَّ التوءم الماكث في الأرض ينتظر عشر سنوات. أما الفاصل الزمني من النقطة «أ» إلى النقطة «ب» فهو الجذر التربيعي لـ (52 – 42) أي 3؛ فلم يمرَّ على التوءم المسافر سوى ثلاث سنوات قبل أن يبدأ رحلة العودة. وبالتناظر، فإن الفاصل الزمني من النقطة «ب» إلى النقطة «جـ» هو أيضًا 3؛ ومن ثمَّ فإن إجمالي الوقت الذي قاسه التوءم المتحرك يساوي ست سنوات؛ أي إن سرعة مرور الوقت للتوءم المتحرّك بلغت 60 بالمائة فقط من سرعة مروره للتوءم الثابت.
إذن؛ تتنبأ هندسة الزمكان في تصور منكوفسكي بأن الزمن المنقضي الذي سيسجله التوءم المسافر سيكون أقصر (لأن أطول مسار بين نقطتين في الزمكان هو الخط المستقيم). ويوضّح هذا انعدام التناظر في حالة التوءمين ما يؤدي إلى حل مفارقة التوءم (فعندما بدأ التوءم المتحرك رحلة العودة، أصبح مسار الزمكان الذي سيسلكه منحنيا، لكنه ليس كذلك بالنسبة إلى التوءم الماكث في الأرض، مما سيؤثّر في مسافة الزمكان). إضافة إلى هذا، توفّر لنا هندسة الزمكان في تصور منكوفسكي طريقة جاهزة لحساب الفَرْق في الزمنين بالنسبة إلى التوءمين. لكن هل «تفسر» هندسة الزمكان في تصور منكوفسكي السبب في أنَّ التوءم المتحرك يسجل زمنًا إجماليًّا أقصر؟ الحق أنَّ هذا السؤال تكرار للمقارنة بين نهج الهندسة أولًا في مقابل نهج الديناميكا أولاً، هل هندسة الزمكان تفسير للظواهر الفيزيائية (لا سيما الفرق بين عمري التوءمين) أم إنها تصنيف لتلك الظواهر فحسب؟ إذا كانت تفسيرًا للظواهر الفيزيائية، فسيكون من المنطقي أن نعتبر الوصف الذي طرحته فيما سبق تفسيرًا حقيقيًا. أما إذا كانت محض تصنيف لتلك الظواهر، فإن هندسة الزمكان لا تقدّم شيئًا سوى ترميز الحقائق بشأن التوءمين، لكنها لا تذكر أسباب وقوع هذه الحقائق.
ولكي نتعرّف على إجابة نهج الديناميكا أولاً عن هذا السؤال: ««لماذا» يسجِّل التوءم المتحرك زمنًا إجماليًّا أقصر؟» لنرجع إلى الفكرة العامة لتمدُّد الزمن. رأينا بالفعل أن تمدد الزمن لا يتحدد جيدًا إلا بالنسبة إلى اختيار محدد للإطار القصوري؛ ففي كل إطار، تتقدم الساعات المتحركة ببطء. ومن منظور نهج الهندسة أولا، فإنَّ هذا الاعتماد على الإطار يشكك في فكرة تمدد الزمن؛ فمفاهيم مثل «التحرُّك» و«البطء» ليس لها معنى إلا أن تتناسب إلى إطار، ولا يمكن أن تفهم في سياق البنية الثابتة للزمكان، ومن ثُم ينبغي ألا يكون لها دور في التفسير. ومن هذا المنظور، فإن تأثيرات مفارقة التوءم هي بالفعل المحتوى الحقيقي لتمدد الزمن؛ فتباطؤ الساعة – خارج سياق سفر الساعة ثم رجوعها – مفهوم مفيد من الناحية الرياضية والحسابية، لكنه ليس جوهريا في الحقيقة.
لكن من منظور نهج الديناميكا أولا، فحقيقة أن تباطؤ الساعة يتطلب إطارًا قصوريًّا لتحديده لا يجعل التباطؤ غير حقيقي؛ فالأطر القصورية . الأساس الذي تُرسى عليه الفيزياء، ومن الطبيعي أن تُجرى التفسيرات الديناميكية في إطار أو آخر. وعندما نقول عن أي من هذه الإطارات، إنَّ «الساعة المتحركة تتباطأ فيه» أو ربما «يتقلص القضيب المتحرك»، فإننا نقصد أن العمليات الفيزيائية داخل القضيب، مثل الروابط الموجودة بين الذرات التي تحافظ على تماسك القضيب وتحدّد طوله، وأنَّ العمليات الدورية التي تحسب الوقت داخل الساعة؛ تختلف في المادة الواحدة حين تكون هذه المادة في حالة الحركة وحين تكون في حالة السكون. فعلى سبيل المثال، طبقًا لقوانين الكهرومغناطيسية، فإن المجال الكهربي للشحنة المتحركة يتضاءل في اتجاه الحركة مقارنةً بمجال الشحنة الساكنة. إنَّ المجالات الكهربائية هي ما يحافظ على تماسك المادة العادية؛ ومن ثم فمن المتوقع أن يتغيَّر شكل تلك المادة إذا تغيرت هذه المجالات بالحركة.
على الرغم من هذا المثال الملموس المتعلّق بالمجال الكهرومغناطيسي، فلسنا بحاجة في الحقيقة إلى دراسة الفيزياء الدقيقة التفصيلية للساعات أو القضبان؛ كي نتنبأ بتمدد الزمن وتقلص الطول. فكلُّ ما نحتاج إلى معرفته هو أنَّ القوى التي تؤدي إلى تماسك هذه المواد معا، هي جميعًا ما يحدّد الخصائص الفيزيائية التي تتسق مع مبدأ النسبية، وتوفّر سرعة ضوء مستقلة عن السرعة المتَّجهة. وهذا يشكّل قيدًا صارمًا بما فيه الكفاية على صيغة القوانين لضمان أنه إذا كانت هذه القوانين تصف الأجسام الصلبة والساعات الدقيقة أصلًا، فإن تلك الأجسام والساعات ستتطابق مع مبدأ النسبية حين تكون في حالة حركة.
بناءً على هذا التفسير – فعلى خلافِ ما يحدث في حالة نهج الهندسة أولا – سجل التوءم المتحرك زمنًا أبطأ؛ لأنه كان يتحرّك على مدار الفترة، وفي هذه العملية تباطأت ساعاته بسبب تأثر عملياتها الفيزيائية الداخلية بالحركة. كيف يتحاشى هذا التفسير جانب المتناقض في مفارقة التوءم؟ فمن وجهة نظر التوءم المتحرّك، وعلى الرغم من كل شيء، فإن التوءم الماكثَ في الأرض هو الذي يتحرك!
الإجابة هي أنه على الرغم من إمكانية تقديم تفسيرات ديناميكية لأي إطار قصوري، فإن الإطار الذي يتحرك بالسرعة نفسها التي يتحرَّك بها التوءم المتحرك، ليس إطارا قصوريًا؛ لأن التوءم يستدير ليبدأ رحلة العودة. يمكننا تحديد إطارين قصوريين وثيقي الصلة وهما: «إطار الذهاب الذي تتزامن حركته مع التوءم حتى نقطة العودة، و«إطار العودة» الذي تتزامن حركته مع التوءم بعد نقطة العودة. (انظر الشكل 3-4.)
في إطار الذهاب (الشكل 3-4 (أ)) ، يتحرَّك التوءم الماكثُ في الأرض بسرعة ثابتة تساوي 80 بالمائة من سرعة الضوء. وعند نقطة العودة، يصبح التوءم «المتحرك» ثابتًا، لكنه حالما يبدأ رحلة العودة، فإنه يتحرك بسرعة كبيرة (تساوي 40/41 من سرعة الضوء في الحقيقة)، وهي سرعة أكبر حتى من سرعة التوءم الماكث في الأرض.
إذن، توصف مفارقة التوءم في إطار الذهاب كما يلي: تبطئ ساعة التوءم الماكث في الأرض مقارنة بالساعة الثابتة. لا تبطئ ساعة التوءم المتحرك في البداية، لكنها بعد نقطة العودة، تبطئ بدرجة أكبر من ساعة التوءم الماكث في الأرض، حتى إنَّ التوءم المتحرك يسجل زمنًا إجماليًّا أقل مما يسجله التوءم الماكث في الأرض. وعلى النقيض من ذلك، في إطار العودة (الشكل 3-4 (ب))، فإن ساعة التوءم المتحرّك تبطئ في البداية للغاية مقارنةً بالساعة الثابتة، ثم تتقدم بسرعتها العادية، بينما تتقدم ساعة التوءم الماكث في الأرض ببطء نوعا ما على مدار الوقت بأكمله. في كلٌّ من هذه الحالات، يكون لدينا تفسير فيزيائي ديناميكي لقياسات الزمن المتباينة لدى التوءمين، من حيث تأثير الحركة في العمليات الفيزيائية، لكن هذا التفسير مُختلف في كل إطار قصوري.
وتلخيصا لما ذكرناه، نورد فيما يلي مسألة تمدد الزمن وفقًا لنهج الهندسة أولًا:
الشكل 3-4: مفارقة التوءم: وصف الاطار القصوري.
في نهج الديناميكا اولا:
|
|
مخاطر عدم علاج ارتفاع ضغط الدم
|
|
|
|
|
اختراق جديد في علاج سرطان البروستات العدواني
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|