المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

سيرة الرسول وآله
عدد المواضيع في هذا القسم 9103 موضوعاً
النبي الأعظم محمد بن عبد الله
الإمام علي بن أبي طالب
السيدة فاطمة الزهراء
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الإمام محمد بن علي الباقر
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الإمام علي بن موسى الرّضا
الإمام محمد بن علي الجواد
الإمام علي بن محمد الهادي
الإمام الحسن بن علي العسكري
الإمام محمد بن الحسن المهدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر



الإمام الكاظم عليه السلام المظلوم  
  
341   01:31 صباحاً   التاريخ: 2024-07-23
المؤلف : الشيخ علي الكوراني
الكتاب أو المصدر : الحق المبين في معرفة المعصومين
الجزء والصفحة : ص401-410
القسم : سيرة الرسول وآله / الإمام موسى بن جعفر الكاظم / شهادة الإمام الكاظم (عليه السلام) /

هذه الليلة ليلة شهادة الإمام موسى بن جعفر عليه السلام ، ونحن في جوار قبر ابنته الطاهرة ، فمن المناسب أن ننتقل من الفقه الأصغر ونلقي نظرة مختصرة على موضوع من الفقه الأكبر ، بما يتسع له الوقت لا بما يستحق الموضوع .

نظرة نسأل بها أنفسنا : ما هو مستوى معرفتنا للإمام موسى بن جعفر عليه السلام ، نحن ، والأكبر منا ، والأصغر منا ؟

قال الله تعالى : ( يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلا أُولُو الأَلْبَابِ ) . ( سورة البقرة : 269 ) وهي آية عجيبة ، تدل على أن الحكمة إعطاءٌ من الله تعال لأناس مخصوصين ( مَنْ يَشَاءُ ) ، فمن هو هذا الذي يكون مورد مشيئة الله تعالى ؟

إن فهم القرآن والسنة والبحث فيهما والوصول إلى غورهما ، ليس أمراً سهلاً كما يتصور البعض ، بل أمر في نهاية الصعوبة . والله تعالى ليس بحاجة إلى أن يبحث الناس كلامه ويحققوه ، فكلامه تعالى هو الحق المطلق ، لكن الذين يبحثون فيه ويصلون إلى عمقه ، هم الذين أعطاهم الحكمة والخير الكثير ، الخير الذي يصفه رب العالمين بأنه كثير !

هذه الحكمة التي يعطيها الله لمن يشاء أين توجد ؟

هل توجد في شفاء أبي علي سينا ؟ كلا .

هل توجد في شرح العرشية للملا صدرا ؟ كلا .

في قبسات ميرداماد . . أبداً .

هذه الحكمة التي تعطى لمن يشاء ، والتي هي الخير الكثير ، لابد أن نسأل عنها مفسر القرآن الذي هو لسان الله الناطق والإمام المعصوم ، فهو يقول عنها إنها : ( طاعة الله ومعرفة الإمام ) .[1]

لهذا فإن معرفة الإمام موسى بن جعفر عليه السلام ليست مسألة بسيطة ، فقد شاء الله تعالى أن يكون الحق في هذه الدنيا صعب المنال : جل جناب الحق أن يكون شريعة لكل وارد .

يروي الشيخ الجليل محمد بن علي بن بابويه الصدوق ، عن شيخه محمد بن الحسن الوليد ، وهو معتمد الصدوق ، فضلاً عن وثاقته الخاصة ، عن الثقتين الجليلين محمد بن الحسن الصفار وسعد بن عبد الله ، كلاهما عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسن بن علي بن يقطين ، عن أخيه الحسين ، عن أبيه علي بن يقطين ، أحد وزراء عند هارون الرشيد المقربين ، والثقة المعتمد عند الكل . .

فعلوُّ سند الرواية واضح للخبير الرجالي مع مراعاة دقائق علم الرجال .

قال علي بن يقطين : استدعى الرشيد رجلاً يبطل به أمر أبي الحسن موسى بن جعفر صلى الله عليه وآله ويقطعه ويخجله في المجلس ، فانتدب له رجل مُعزِّم ، فلما أحضرت المائدة عمل ناموساً على الخبز ، فكان كلما رام خادم أبي الحسن عليه السلام تناول رغيف من الخبز طار من بين يديه ، واستفزَّ هارون الفرح والضحك لذلك ، فلم يلبث أبو الحسن عليه السلام أن رفع رأسه إلى أسد مصور على بعض الستور ، فقال له : يا أسد الله ، خذ عدو الله !

قال : فوثبت تلك الصورة كأعظم ما يكون من السباع ، فافترست ذلك المعزم ، فخر هارون وندماؤه على وجوههم مغشياً عليهم ، وطارت عقولهم خوفاً من هول ما رأوه ، فلما أفاقوا من ذلك بعد حين ، قال هارون لأبي الحسن عليه السلام : أسألك بحقي عليك ، لما سألت الصورة أن ترد الرجل . فقال : إن كانت عصى موسى عليه السلام ردت ما ابتلعته من حبال القوم وعصيهم ، فإن هذه الصورة ترد ما ابتلعته من هذا الرجل ، فكان ذلك أعمل الأشياء في إفاقة نفسه ) . ( أمالي الصدوق ص 212 ) .

أراد هارون أن يبطل أمر موسى بن جعفر ، هارون هذا الذي يروون عنه أنه كان يخاطب السحابة ويقول لها : أمطري أينما شئت فإن خراجك يصل اليَّ ! والذي كان العلماء والسحرة تحت يده ، فاستدعى رجلاً ( يبطل به أمر أبي الحسن موسى بن جعفر صلى الله عليه وآله ) !

وأمْرُ الإمام الكاظم عليه السلام هو قوله وقول شيعته بأنه إمام من الله تعالى .

أراد هارون أن يُبطل أمر الإمام الذي حبسه أربع سنوات أو سبع سنوات في ظُلَم المطامير وقيود الزناجير ، فلم يخضع لطغيانه ، ولم يلفظ فمه الشريف بكلمة استعطاف له ! !

فاستدعى أقدر ساحر في طول أمبراطوريته وعرضها ، فعمل له ناموساً ، والناموس في اصطلاح أرباب السحر والعلوم الخفية اسم لنوع متطور من القدرة على السحر . . عمل ناموساً على الخبز ، فكان كلما رام خادم أبي الحسن عليه السلام تناول رغيفاً من الخبز طار من بين يديه !

وفرح الإمبراطور هارون بذلك ، واستفزه الفرح وأخذه الضحك والقهقهة هو ووزراؤه وندماؤه ، يسخرون من هذا الذي يدعي أنه إمام من الله تعالى ، ويعتقد هو وشيعته أن هاروناً غاصب لمنصبه !

وتصور هارون أنه حقق هدفه ، فالذي يدعون له أنه ( حجة الله على العباد ) غلبه ساحر موظف عند هارون ، فلم يستطع خادمه أن يتناول له رغيف خبز ! لكن فرح هارون لم يطل ، فقد استعمل الإمام عليه السلام بعض ما أعطاه الله من قدرة وهو أعرف متى يستعملها ومتى لا يستعملها ، ونظر إلى صورة أسد في ستائر قاعة هارون وأمره أن يبتلع الساحر المعزم ففعل ، وغشي على هارون وملإه ! !

رأيتم سند الحديث ومتنه ، أما فقهه فلا يمكن استيفاؤه في عدة دروس ومجالس . .

عندما تقرؤون الرواية عن أهل البيت عليهم السلام . . إفهموها أولاً ، ثم عرفوا الناس بمقامات أهل البيت الطاهرين عليهم السلام .

لابد أن نفهم أولاً السحر الذي استعمله ساحر هارون ( المعزِّم ) ؟ لكي نفهم عمل الإمام في مقابله .

قال الله تعالى عن سحرة فرعون : ( فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ ) . ( لأعراف : 116 ) ففي هذه الآية ثلاث جمل : سحروا عيونهم . . واسترهبوهم . . بسحر عظيم .

حسرةً علينا أنا لم نعرف القرآن ، فلو فهمنا أعماقه لعرفنا أي كتاب هو ؟ ولم نعرف مفسر القرآن ، فلو عرفناهم صلوات الله عليهم لعرفنا أن الحكمة العليا لا تؤخذ إلا منهم .

العمر تمضي أيامه ، وينقضي ، ولم يبق لنا منه إلا القصور والتقصير . .

إن للسحر ثلاث مراتب : الأولى سحر أعين الناس لا أكثر . وهو السحر غير الحقيقي الذي يعتمد على التصرف في أعين الناس .

والمرتبة الثانية : واسترهبوهم . . وهو تصرف في أنفس الناس بالتخويف

والمرتبة الثالثة : السحر الذي توصل اليه كبار علماء الهند ومصر القدماء ، الذي يعتمد على استخراج قدرات النفس البشرية ، هذه القدرات التي تبعث على الذهول ، وقد كان أولئك السحرة الكبار أفراداً قليلين ، لا يمكن لكل أحد أن يجدهم ويستخدمهم ، إلا إن كان مثل فرعون وهارون الرشيد .

والشعبة الثانية من هذا النوع من السحر عمل النواميس ، الذي يقوم على المزج والتركيب بين القوى العلوية والمواد السفلية ، ويسمونها الطلسمات . .

فالسحر الذي عمله هذا الساحر في قصر الرشيد ليس من نوع سحر الأعين ، ولا من نوع الإسترهاب ، بل من نوع استخراج قدرات نفس الساحر وجعلها بشكل ناموس أو طلسم يؤثر في المادة ، فيخرج الرغيف الذي تمسه يد الخادم عن قوة الجاذبية الطبيعية وعن قوة إمساك يده ، ويطيره !

( فكان كلما رام خادم أبي الحسن عليه السلام تناول رغيف من الخبز طار من بين يديه ) ! !

كان مجلس هارون مجلس العلماء والحكماء ، ونخبة أفراد مجتمعات العالم يومذاك ، وكذلك كان مجلس ولده المأمون .

وكان هارون حريصاً في مثل ذلك اليوم على حضورهم لأن القضية أنه يريد أن يقابل حجة الله تعالى ، وهذه الوسائل ضرورية !

وأراد الله تعالى أن يكون ذلك المجلس واستعراض هارون لقدرته وتحديه لوليه صلى الله عليه وآله سبباً لفتح نافذة من معرفة الإمام المعصوم ، والإمام موسى بن جعفر عليه السلام !

والأمر الذي يحير العلماء والعقلاء أن الإمام الكاظم عليه السلام استخدم أسلوب النداء مع شئ غير قابل للنداء ! فمن شروط المنادى أن تكون فيه قابلية النداء ، أن يكون أسداً مثلاً حتى يمكن نداؤه ، بينما لم يكن أسداً ولا جسداً ، بل عرضاً على جوهر ، ولوناً بصورة أسد على ستارة ، وقد صدر نداء الإمام عليه السلام إلى الأسد لا إلى صورته . .

قبل حرف النداء ( يا ) لم يكن الأسد موجوداً ، وبحرف نداء فقط ( يا ) وجد وصار ( أسد الله ) ، فسمع النداء وتلقى الأمر : ( يا أسد الله خذ عدو الله ) !

إن امتياز عمل موسى بن جعفر عن عمل موسى بن عمران أن ذات الحق القدوس عز وجل أمر موسى بإلقاء عصاه فقال له : ( وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى ) . ( طه : 69 ) ، وعندما يقول الحق ( ألقِ ) ، فمعلومٌ ماذا سيحدث .

والملقى هناك كانت العصا ، وهي جسم ذو أبعاد ثلاثة ، فظهرت بها تلك القدرة وأحدثت ذلك الحدث العظيم ، وكان من تأثيرها كما روي أن فرعون وهامان لم يكن في رأسهما شعرة واحدة بيضاء ، فما أن أخذ موسى عصاه حتى ابيض شعر رأسيهما فلم يبق فيهما شعرة سوداء ! ( راجع تفسير نور الثقلين : 4 / 52 )

أما القدرة هنا ، فلا يمكن قياس صورة الستارة بالعصا ، ولا إلقاء العصا بالنداء والأمر ! فهناك كان القول قول الله تعالى جلت عظمته ، وعندما يكون قوله تكون قدرته ، وقد أجرى منها ما شاء على يد وليه موسى بن عمران !

أما هنا فكانت كلمة ( يا ) التي خلق الله بها بإذنه على يد وليه موسى بن جعفر جوهراً من عرض ، فكان أسداً وقطع مراحل وجوده في لحظة ، من نطفة الأسد إلى أشده وأقوى قوته !

هذه قدرة موسى بن جعفر بإذن الله تعالى ، ومعنى ذلك أن كلمة ( يا ) قد انطلقت من لسان تحرك من عقل متصل بدون حاجب بإرادة من يقول للشئ كن فيكون : ( إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) ( يس : 82 )

فأي إرادة هذه التي صارت محلاً لأن يجري الله فيها إرادته ؟ !

وهذا معنى قول الصادق عليه السلام ( الحكمة طاعة الله ومعرفة الإمام ) !

هؤلاء هم أولياء الحق تعالى ! فكلمة أولياء الله عندما يطلقها الإنسان العادي لها معنى ، وعندما يطلقها الله على أناس ويخصهم بأنهم أولياؤه ، لها معنى آخر أعلى وأعمق . .

هذه الليلة ليلة شهادة الإمام موسى بن جعفر أحد هؤلاء الأولياء العظماء صلوات الله عليهم .[2]

هذا الولي الذي استطاع بإذن الله بحرف واحد لا بكلمة ، أن يصنع هذه المعجزة .

حرف لم يكن في نطقه دافع ولا هدف إلا الله تعالى .

نعم ، بحرف واحد ، وليس بمعنى اسمي - حسرة أننا لم نستوعب بعد - فالإمام تارة يعمل بالاسم فهذا موضوع آخر ، أما هنا فقد عمل الإمام موسى بن جعفر بالحرف ! وبالحرف حول الصورة على الستارة إلى أسد حقيقي مطيع ، وليس بالاسم الأعظم !

والحرف كان حرف نداء ، والمنادى كان صورة وألواناً على ستائر . . بهذا الحرف عمل الإمام ما عمله موسى بن عمر بارتباطه بأمر الله تعالى !

اللهم صل على وليك موسى بن جعفر . عدد ما في علمك صلاة دائمة بدوام ملكك .

إن من أوجب الواجبات على كل فرد منكم ، أن يكون فقيهاً في أبواب معارف ولاية الأئمة المعصومين عليهم السلام ، ليستطيع أن يزيح تلك الغيوم والظلمات التي جعلت مقاماتهم عليهم السلام مغطاة بحجاب الأوهام والأعمال ، ويفتح باب هذه الحكمة على أيتام آل محمد صلى الله عليه وآله

 

[1] في الكافي : 1 / 185 : عن علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس ، عن أيوب بن الحر ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام في قول الله عز وجل : وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً ؟ فقال عليه السلام : طاعة الله ومعرفة الإمام ) . انتهى . فالرواية صحيحة السند ، وتأتي في الفصل الخاص بالإمام المهدي عليه السلام تحت عنوان : الحكمة طاعة الله ومعرفة الإمام عليه السلام .

[2] في شرح الأسماء الحسنى للسبزواري : 1 / 228 : ( وأعلى مراتب عدم البعد أن يكون العارف بعد أن صار عالماً عقلياً مضاهياً للعالم العيني يعرض عما سوى الله تعالى ويقبل بشراشر وجوده عليه تعالى ، بحيث يتلاشى وجوده تحت نور وجوده ، ويفنى فيه بالكلية ، بل يفنى عن فنائه ! وهذا مقام الفناء في الله والفناء عن الفناء ، وهو قرة عين العارفين ، وغاية منى المحبين ، فإنه عين الحياة الأبدية والديمومة السرمدية . وهناك يظهر أن الله تبارك وتعالى هو الأول والآخر والمبدأ والمعاد ).




يحفل التاريخ الاسلامي بمجموعة من القيم والاهداف الهامة على مستوى الصعيد الانساني العالمي، اذ يشكل الاسلام حضارة كبيرة لما يمتلك من مساحة كبيرة من الحب والتسامح واحترام الاخرين وتقدير البشر والاهتمام بالإنسان وقضيته الكبرى، وتوفير الحياة السليمة في ظل الرحمة الالهية برسم السلوك والنظام الصحيح للإنسان، كما يروي الانسان معنوياً من فيض العبادة الخالصة لله تعالى، كل ذلك بأساليب مختلفة وجميلة، مصدرها السماء لا غير حتى في كلمات النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) وتعاليمه الارتباط موجود لان اهل الاسلام يعتقدون بعصمته وهذا ما صرح به الكتاب العزيز بقوله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) ، فصار اكثر ايام البشر عرفاناً وجمالاً (فقد كان عصرا مشعا بالمثاليات الرفيعة ، إذ قام على إنشائه أكبر المنشئين للعصور الإنسانية في تاريخ هذا الكوكب على الإطلاق ، وارتقت فيه العقيدة الإلهية إلى حيث لم ترتق إليه الفكرة الإلهية في دنيا الفلسفة والعلم ، فقد عكس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم روحه في روح ذلك العصر ، فتأثر بها وطبع بطابعها الإلهي العظيم ، بل فنى الصفوة من المحمديين في هذا الطابع فلم يكن لهم اتجاه إلا نحو المبدع الأعظم الذي ظهرت وتألقت منه أنوار الوجود)





اهل البيت (عليهم السلام) هم الائمة من ال محمد الطاهرين، اذ اخبر عنهم النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) باسمائهم وصرح بإمامتهم حسب ادلتنا الكثيرة وهذه عقيدة الشيعة الامامية، ويبدأ امتدادهم للنبي الاكرم (صلى الله عليه واله) من عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) الى الامام الحجة الغائب(عجل الله فرجه) ، هذا الامتداد هو تاريخ حافل بالعطاء الانساني والاخلاقي والديني فكل امام من الائمة الكرام الطاهرين كان مدرسة من العلم والادب والاخلاق استطاع ان ينقذ امةً كاملة من الظلم والجور والفساد، رغم التهميش والظلم والابعاد الذي حصل تجاههم من الحكومات الظالمة، (ولو تتبّعنا تاريخ أهل البيت لما رأينا أنّهم ضلّوا في أي جانب من جوانب الحياة ، أو أنّهم ظلموا أحداً ، أو غضب الله عليهم ، أو أنّهم عبدوا وثناً ، أو شربوا خمراً ، أو عصوا الله ، أو أشركوا به طرفة عين أبداً . وقد شهد القرآن بطهارتهم ، وأنّهم المطهّرون الذين يمسّون الكتاب المكنون ، كما أنعم الله عليهم بالاصطفاء للطهارة ، وبولاية الفيء في سورة الحشر ، وبولاية الخمس في سورة الأنفال ، وأوجب على الاُمّة مودّتهم)





الانسان في هذا الوجود خُلق لتحقيق غاية شريفة كاملة عبر عنها القرآن الحكيم بشكل صريح في قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) وتحقيق العبادة أمر ليس ميسوراً جداً، بل بحاجة الى جهد كبير، وافضل من حقق هذه الغاية هو الرسول الاعظم محمد(صلى الله عليه واله) اذ جمع الفضائل والمكرمات كلها حتى وصف القرآن الكريم اخلاقه بالعظمة(وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) ، (الآية وإن كانت في نفسها تمدح حسن خلقه صلى الله عليه وآله وسلم وتعظمه غير أنها بالنظر إلى خصوص السياق ناظرة إلى أخلاقه الجميلة الاجتماعية المتعلقة بالمعاشرة كالثبات على الحق والصبر على أذى الناس وجفاء أجلافهم والعفو والاغماض وسعة البذل والرفق والمداراة والتواضع وغير ذلك) فقد جمعت الفضائل كلها في شخص النبي الاعظم (صلى الله عليه واله) حتى غدى المظهر الاولى لأخلاق رب السماء والارض فهو القائل (أدّبني ربي بمكارم الأخلاق) ، وقد حفلت مصادر المسلمين باحاديث وروايات تبين المقام الاخلاقي الرفيع لخاتم الانبياء والمرسلين(صلى الله عليه واله) فهو في الاخلاق نور يقصده الجميع فبه تكشف الظلمات ويزاح غبار.