أقرأ أيضاً
التاريخ: 31-1-2023
2628
التاريخ: 16-1-2019
3080
التاريخ: 16-1-2019
3564
التاريخ: 2024-04-15
1008
|
لغرض الإلمام بفكرة التضمين فلا بد لنا من التعرف على الأساس الفلسفي للتضمين؛ لأنّ أي تشريع تكون له غاية وفلسفة تتمثل بإرادة المشرع من وراء تشريع هذا القانون، كما ينبغي التعرف على الأساس القانوني للتضمين من خلال التطرق إلى التشريعات الوظيفية في العراق وفي الدول المقارنة، التي عملت على حماية المال العام ابتداءً من النصوص الدستورية والقانونية المنظمة لذلك، وانتهاءً بالأنظمة والتعليمات التي تهدف إلى حماية الأموال العامة، لذا منقسم هذا الموضوع إلى أولاً: الأساس الفلسفي للتضمين وثانياً: الأساس القانوني للتضمين.
أولا الأساس الفلسفي للتضمين.
إن لكل تشريع فلسفة وغاية تقف خلفه، وهي ما يطلق عليها العلل الغانية من التشريع أو (الأسباب الموجبة)، وتتمثل هذه العلة بنية المشرّع (1) ، وهذه الغاية قد تتجسد أمـا بصورة واضحة جلية وظاهرة يطلق عليها الأسباب الموجبة، وقد ترد هذه العلة بصورة ضمنية ممثلة بالمصلحة العامة وتظهر بصورة روح القانون، فالعلة الغائية الصريحة لتشريع التضمين، تتمثل بإرادة المشرع الظاهرة (2) ، وهذه العلة يمكن أن تتجسد وتستبان من خلال المواكبة للتطورات المستجدة؛ كون أن الأحكام تتغير بتغير الزمان، وبذلك تم تشريع قانون التضمين الملغي رقم (12) لسنة 2006 وقانون التضمين النافذ رقم (31) لسنة 2015 ؛ لإنَّ قرارات مجلس قيادة الثورة المنحل أصبحت لا تتماشى مع المتغيرات والمستجدات التي حدثت في العراق(3)، أما قانون التضمين رقم (31) لسنة 2015 النافذ، فهو الأخر قد واكب تغيير الظروف والتطورات، فقد جاء في الأسباب الموجبة لتشريعه على أنه "... وإعادة النظر في الأحكام المتعلقة بتضمين من تسبب بإهماله أو تقصيره..." (4).
من العلل الظاهرة لتشريع قانون التضمين هي مبدأ المشروعية، الذي يعني باختصار خضوع الجميع حكاماً ومحكومين لحكم القانون ويتجسد مبدأ المشروعية من خلال مراقبة القضاء سواء أكان عادياً أم إدارياً لصحة القرار الصادر من الإدارة بتضمين الموظف ومدى ملاءمته للإجراءات المتخذة من قبل الإدارة في تضمين الموظف، فهذه العلة نجدها في قانون التضمين رقم (12) لسنة 2006 (المُلغى) عندما أشار في الأسباب الموجبة على" وبغية فسح المجال للقضاء للنظر في الطعون في قرارات التضمين"، وكذلك الحال بالنسبة إلى قانون التضمين النافذ رقم (31) لسنة 2015، إذ امتاز هذا القانون بإحداث تغير جوهري في الرقابة على قرارات التضمين من خلال إسناده الطعن بقرارات التضمين إلى القضاء الإداري بعدما كانت تنظر من قبل القضاء العادي، وهذا يجسد السبب الرئيسي من تشريع قانون التضمين رقم (31) لسنة 2015 (5).
ومن المأخذ التي يراها الباحث على قانون التضمين رقم (31) لسنة 2015، هو أنه على الرغم من إحداثه تغيراً جوهرياً بإسناده الرقابة إلى القضاء الإداري، فقد جعل النظر في الطعن بقرارات التضمين من اختصاص محكمة القضاء الإداري بدلاً من أن يكون من اختصاص محكمة قضاء الموظفين، وبالأخص إذ ما عرفنا أن أحد طرفي الخصومة هو موظف عام ضمن ملاك الدائرة التي قامت بتضمينه، لذلك يرى الباحث أنه كان من الأجدر والأوفق للمشرع العراقي إسناد هذا الاختصاص إلى محكمة قضاء الموظفين.
أما ما يتعلق بالغاية الضمنية لقانون التضمين فهي علة تتجلى بتحقيق المصلحة العامة، أو ما يطلق عليها بـ( الخير العام)(6) ، وهذا الخير العام يتجسد في نواحي ثلاث هي: مبادئ العدالة المؤسسة على المساواة، وحماية أموال الدولة، وسير المرافق العامة بانتظام واستمرار(7).
نتيجة لما تقدم نرى بأنّ الأساس الفلسفي لقانون التضمين رقم (31) لسنة 2015، يتجسد في إرادة المشرع الحقيقية من وراء تشريع القانون سواء أكانت هذه الإرادة باطنة تتمثل بنية المشرع أم كانت ظاهرة تُعرف من خلال الأسباب الموجبة للقانون.
ثانيا- الأساس القانوني للتضمين.
إن ما يقصد بالأساس القانوني للتضمين هو إظهار سنده من القانون إذ إنَّ من المتعارف عليه أن كل فكرة لا يمكن أن ينطبق عليها الوصف القانوني إذ لم يوجد نص ينظمها ويسبغ عليها هذه الصفة، وإن للتضمين بعداً قانونياً، قد يكون هذا البعد دستورياً، أو بعداً تشريعياً عادياً.
1- الأساس الدستوري
الدستور يُعد القانون الأعلى والأسمى بين قوانين الدولة (8) ، فهو يُعدُّ الأساس أو المعيار الذي يقاس عليه مدى دستورية القوانين المشرعة من قبل السلطة المختصة بالتشريع، ففي فرنسا فأن دستورها لعام 1958 جاء خالياً من أي أشاره لما يتعلق بالأموال العامة على الرغم من أنّ نظرية المال العام وجدت مع وجود الدولة، ولكن ظهورها برز بصورة متميزة عن المال الخاص المملوك للدولة وغيرها من الأشخاص الاعتبارية التي لم تكن معروفة في القانون الفرنسي إلا في عهود متأخرة (9)، أما في مصر نجد أن المشرع الدستوري المصري أكد في المادة (34) من دستور جمهورية مصر لعام 2014 المعدل على ضرورة حماية المال العام إذ نصت على أنه " للملكية العامة حرمة، لا يجوز المساس بها، وحمايتها واجب وفقاً للقانون" ، كما أشار أيضاً إلى أنه " لا يجوز التصرف في أملاك الدولة العامة (10) .
أما في العراق فقد كانت هناك العديد من النصوص الدستورية الهادفة إلى الحفاظ على الأموال العامة في دساتيره الصادرة في حقب زمنية مختلفة، منذ تأسيس الدولة العراقية وإلى يومنا هذا فبالرجوع إلى القانون الأساسي العراقي لعام 1925 ، نجده قد تضمن في أحد نصوصه منع بيع أموال الدولة أو تفويضها أو إيجارها أو التصرف فيها بأية صورة أخرى، ولكن هذا المنع يمكن أن يزول في حال إذا أجازه القانون (11) ، أما بالنسبة إلى دستور عام 1958، فهو لم يورد نصاً حول حماية الأموال العامة، وهذا ما سار عليه دستور عام 1963 ، ودستور عام 1964 (12)، لكن في الدستور الثاني الصادر في 29 نيسان/1964 ، فقد حمل بين طياته نصاً أضفى به الحماية على الأموال العامة، وقد احاطها بحرمة وألقى واجب حمايتها على كل مواطن(13)، أما دستور عام 1970 فهو يُعدُّ أخر الدساتير الانقلابية، فقد ورد فيه نص يتعلق بحماية الأموال العامة أشار فيه إلى أنّ " للأموال العامة، وللممتلكات القطاع العام، حرمة خاصة على الدولة وجميع أفراد الشعب صيانتها والسهر على أمنها وحمايتها..." (14) ، وبعد تغيير النظام السياسي في العراق بعد عام 2003، وصدور قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية في عام 2004، فقد تضمن هذا القانون نصاً يشير إلى حماية الأموال العامة وجعل لها حرمة (15) ، وبعد ذلك صدر دستور جمهورية العراق لعام 2005 ، ويمكن أن نلتمس السند الدستوري لكل تشريع خاص بحماية المال العام، وبالأخص قانون التضمين رقم (31) لسنة 2015، في نص المادة (27/ أولاً) من الدستور، إذ جاء فيها " للأموال العامة حرمة وحمايتها واجب على كل مواطن".
2- الأساس التشريعي.
يمكن أن نبين السند القانوني للتضمين في التشريعات العادية، ففي فرنسا ذهب المشرع الفرنسي، إلى إن الأساس القانوني للتضمين يكمن في القانون المدني الفرنسي الذي أشار بوضوح إلى حماية المال العام، وفقاً لما جاء في نص المادة (537) منه على أنه " يتمتع الأفراد بحرية التصرف بالأموال التي يملكونها مع مراعاة التعديلات التي يضعها القانون" كما أشار أيضاً إلى إمكانية الأفراد ببيع الأشياء القابلة للتعامل بشرط عدم وجود قوانين خاصة لا تبيح التصرف بها (16) ، وفي مصر فأن الأساس القانوني للتضمين يجد أساسه في نص المادة (87/ ثانياً) من القانون المدني المصري رقم (131) لسنة 1948 المعدل، التي نصت على إنَّ هذه الأموال لا يجوز التصرف فيها أو الحجز عليها أو تمالكها بالتقادم"، كما أشارت إلى ذلك المادة (6/149) من اللائحة التنفيذية المرقمة (1216) لسنة 2017، الخاصة بأصدار قانون الخدمة المدنية المصري رقم (81) لسنة 2016، إذ جاء فيها من واجبات الموظف الالتزام ب " المحافظة على ممتلكات وأموال الوحدة التي يعمل بها ومراعاة صيانتها" وبذلك فأن المخالفات التي تقع من الموظف وينتج عنها ضياع حق من حقوق الخزانة العامة للدولة فأنها تبرر إقامة الدعوى التأديبية بحق الموظف المخالف ومن ثم فرض غرامة عليه لا تزيد على عشرة أضعاف أجره الوظيفي الذي كان يتقاضاه في الشهر مع التزامه بتعويض قيمة الحق من معاشه بما لا يزيد عن ربعه أو يكون استيفاء قيمة التعويض عن طريق الحجز الإداري (17).
أما في العراق نجد أن قانون التضمين يستمد أساسه من نصوص قانونية عديدة أكدت على حماية الأموال العامة، والمحافظة عليها وصيانتها من التخريب، وكذلك مسائلة المتسبب في إحداث الضرر في المال العام بتضمينه قيمة الأضرار، ومن هذه النصوص القانونية هو ما ورده في القانون المدني العراقي رقم (40) لسنة 1951 المعدل، وفقاً لما انتظم عليه النص " إذا أتلف أحد مال غيره أو أنقص قيمته مباشرة أو تسبباً يكون ضامناً، إذا كان في أحداثه هذا الضرر قد تعمد أو تعدى (18) ، كما أشار القانون أيضاً إلى عدم جواز التصرف بالأموال العامة أو حجرها أو تملكها بالتقادم (19) ، كما يجد قانون التضمين أساسه القانوني في قانون الخدمة المدنية رقم (24) لسنة 1960 المعدل عندما نص على أنه " للوزير المختص أن يضمن الموظف الأضرار التي تكبدتها الخزينة بسبب إهماله أو مخالفته القوانين والأنظمة والتعليمات المرعية..." (20)، أما بالنسبة إلى قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام رقم (14) لسنة 1991 المعدل، فقد جاء هذا القانون بمجموعة من الواجبات التي فرضها على الموظف العام، ومن هذه الواجبات ما يتعلق منها بالمحافظة على أموال الدولة الموضوعة تحت حيازته أو تحت تصرفه ويجب عليه أن يستخدمها وفقاً للغرض المخصص له قانوناً (21).
ويمثل قانون التضمين رقم (31) لسنة 2015، الأساس القانوني لمباشرة الإدارة لسلطتها بالتضمين، حسب ما جاء بنص المادة (1) منه " يضمن الموظف أو المكلف بخدمة عامة قيمة الأضرار التي تكبدتها الخزينة العامة بسبب إهماله أو تقصيره أو مخالفة القوانين والقرارات والأنظمة والتعليمات"، كما يجد قانون التضمين أساسه القانوني في قانون ديوان الرقابة المالية رقم (31) لسنة 2011، الذي أكد على أن من أهم واجبات الدولة هي الحفاظ على الأموال العامة، وفقاً لما جاء بنص المادة (4/ أولاً على أنه " الحفاظ على المال العام من الهدر أو التبذير أو سوء التصرف وضمان كفاءة استخدامه " ، كما منح القانون رئيس الديوان صلاحية الطلب من الوزير أو رئيس الجهة الخاضعة للرقابة بتضمين الموظف قيمة الأضرار التي تكبدتها الجهة الخاضعة لرقابة الديوان (22) ، كما يجد قانون التضمين أساسه القانوني في القرارات والأنظمة والتعليمات التي تصدر بمناسبة تطبيق قانون صادراً عن السلطة المختصة بالتشريع، ومنها تعليمات تسهيل تنفيذ قانون التضمين رقم (12) لسنة 2006 (الملغى)، التي نصت على سريانها على عين الأشخاص الطبيعية، ومن ضمن الأشخاص الطبيعية، هو الموظف في دوائر الدولة في حال تسبب أي منهم بأحداث ضرر بالمال العام (23) ، وكذلك تعليمات تسهيل تنفيذ قانون التضمين رقم (31) لسنة 2015، التي أتاحت إلى الوزير أو رئيس الجهة غير المرتبطة بوزارة أو المحافظ تشكيل لجان تحقيقية وإصدار قرارات التضمين(24).
تأسيساً على ما تقدم نرى بأن قانون التضمين ينهض أساسه القانوني من خلال العديد من النصوص الدستورية والقانونية التي نصت على وجوب حماية الأموال العامة والمحافظة عليها، وكذلك ضمان قيمة الأضرار الحاصلة بالمال العام من قبل الإدارة وتعويضها من قبل الموظف الذي تسبب بإحداثها نتيجة لإهماله أو تقصيره أو مخالفته للقوانين.
_____________
1- د. محمد ،وطفه فلسفة القانون المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، 2003، ص65.
2- د. حيدر عبد النبي طولي الوسائل القانونية لتضمين الموظف العام (دراسة مقارنة)، بحث منشور في مجلة جامعة الانبار للعلوم القانونية والسياسية، المجلد الثاني عشر العدد الثاني، الجزء الثاني، 2022 ص 67.
3- مهند فلاح حسن، تضمين الموظف العام في القانون العراقي (دراسة مقارنة)، ط1، مكتبة القانون المقارن، 2021 ، ص 68.
4- ينظر: الأسباب الموجبة لتشريع قانون التضمين رقم (31) لسنة 2015.
5- ينظر: نص المادة (6) أولاً) من قانون التضمين رقم (31) لسنة 2015.
6- د. علي حسن ذنون فلسفة القانون، ط1، مطبعة العاني، بغداد، 1975، ص156.
7- فارس حامد عبد الكريم، المعيار القانوني، ط1، دون دار نشر، بغداد، 2009، ص 167.
8- د. محمد ثامر المدخل للقانون الدستوري، مكتبة السنهوري، بغداد، 2011، ص19.
9- د. أبراهيم عبد العزيز شيحا الوسيط في أموال الدولة العامة والخاصة، دار المطبوعات الجامعية الإسكندرية 1995، ص 17
10- ينظر: نص المادة (3/32) من دستور جمهورية مصر لعام 2014 المعدل.
11- ينظر: نص المادة (93) من القانون الأساسي العراقي لعام 1925.
12- د. رافع خضر صالح شبر النظام الدستوري في العراق، محاضرات ألقيت في كلية القانون جامعة بابل 2008، ص 28
13- ينظر: نص المادة (11) من دستور العراق لعام 1964( الملغي)
14- المادة (15) من دستور جمهورية العراق لعام 1970.
15- نصت المادة (1/16) من قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية لعام 2004، على أنه " للأموال العامة حرمة وحمايتها واجب على كل مواطن .
16- ينظر: نص المادة (1598) من القانون المدني الفرنسي 1804 المعدل.
17- ينظر: نص المادة (66) من قانون الخدمة المدنية المصري رقم (81) لسنة 2016.
18- المادة (1/186) من القانون المدني العراقي رقم (40) لسنة 1951 المعدل.
19- ينظر: نص المادة (2/71) من القانون نفسه.
20- المادة (1/61) من قانون الخدمة المدنية العراقي رقم (24) لسنة 1960 المعدل.
21- ينظر نص المادة (4/ سادساً) من قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام رقم (14) لسنة 1991 المعدل.
22- ينظر: نص المادة (15/ (ثالثاً) من قانون ديوان الرقابة المالية رقم (31) لسنة 2011
23- ينظر: نص المادة (1) من تعليمات رقم (3) لسنة 2007 الخاصة بتسهيل تنفيذ قانون التضمين رقم (12) لسنة 2006 ( الملغي).
24- ينظر: المادة (1) من تعليمات تسهيل تنفيذ قانون التضمين رقم (2) لسنة 2017.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|