أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-11-11
1020
التاريخ: 2024-09-19
193
التاريخ: 2023-09-27
1045
التاريخ: 2023-11-09
975
|
ولم تطُل مدة البابا إقليمس الثاني؛ فإنه تُوُفي في السنة 1047، وعاد بندكتوس فاغتصب الكرسي الرسولي وأقام عليه ثمانية أشهر، فتدخل هنريكوس الإمبراطور وأجلس داماسوس الثاني (1048) فمات مسمومًا بعد ثلاثة وعشرين يومًا، وعاد بندكتوس فاستولى على الكرسي مرة خامسة، فأرسل الرومانيون وفدًا إلى هنريكوس فتدخل فأرسل البابا لاوون التاسع (1048–1054). وهال البابا الجديد انحطاطُ الكنيسة في الغرب وتَأَخُّر أحوالها، فهَبَّ لإصلاحها، وعقد المجامع المحلية، وقطع الأساقفة الذين استعانوا بالمال للوصول إلى مراكزهم، وألغى زواجَ الإكليروس، وأصغى إلى تذمرات الشعب بنفسه، وأنَّب النورمنديين؛ لقساوتهم وظلمهم، فأحبه الإيطاليون وتعلقوا به، واستجار سكان بنفنتوم بالبابا من النورمنديين وطلبوا حمايته ورَجَوْه أن يتولى أُمُورهم، فرأى أَنْ لا بد من اللجوء إلى القوة، فعاد إلى ألمانيا؛ ليأتيَ بالعساكر اللازمة، فأقرَّه هنريكوس الثالث على بنفنتوم، وعاد إلى إيطالية على رأس قوة عسكرية، فوصل إليها في أوائل السنة 1053. وكان قد حالف أَرجيروس الحاكم البيزنطي على شروط نجهلها، فلما وصل إلى ميدان القتال وجد أن أرجيروس كان قد قاتل منفردًا وأنه غُلب على أمره، فاضطر البابا لاوون أن يقاتل منفردًا أيضًا، فدارت الدائرةُ عليه عند سفح جبل غرغانو ووقع في الأسر في السابع عشر من حزيران سنة 1053، وبقي مأسورًا في بنفنتوم نفسها حتى آذار السنة 1054، ثم عاد إلى رومة وتُوُفي فيها في التاسع عشر من نيسان من هذه السنة نفسها (1). وأدى اهتمام لاوون التاسع بالكنيسة واندفاعه في سبيل إصلاحها إلى تثبيت السلطة فيها وتدعيمها، وكان يعاونُهُ في هذا الإصلاح رهبان كلوني، وكثر عدد هؤلاء في إيطالية الجنوبية وتسربوا إلى المقاطعات البيزنطية وإلى الأبرشيات الخمس التي كانت تابعة لكرسي القسطنطينية. وكان هنريكوس الثالث إمبراطور الغرب يعطف كثيرًا على هؤلاء الرهبان ويؤيد حركتهم، وكان هو الذي انتقى البابا لاوون التاسع وأجلسه على كرسي رومة (2)، وكان كرسي رومة هو الذي نفذ فكرة الإمبراطورية الغربية — كما سبق أن أشرنا — فكان من الطبيعي جدًّا أن تنظر القسطنطينية بفسيلفسها وبطريركها بعين الريب والحَذَر إلى برنامج كلوني ولاوون التاسع، فلا تفصلهما عن سياسة هنريكوس الإمبراطور ومطامعه في إيطالية (3). فكتب البطريرك المسكوني ميخائيل في أيلول سنة 1053 بالاشتراك مع لاوون متروبوليت أوخريدة إلى رئيس أساقفة تراني «أوترانتو» ينبهه على حفظ التعاليم الأرثوذكسية في الأبرشيات الخمس التابعة لسلطته فيتجنب استعمال الفطير وصوم السبت وأكل الدم والمخنوق، وأوضح له أَوْجُه الخطأ في هذا، ورغب إليه أن يطلع أساقفة الغرب على موضوع هذه الرسالة وفحواها، فلما وصلت الرسالة إلى يوحنا رئيس أساقفة تراني كان عنده الكردينال هومبرت! فلما وقف الكردينال على رسالة البطريرك المسكوني ترجمها حالًا إلى اللاتينية وحملها إلى البابا لاوون التاسع. فأجاب لاوون التاسع عن هذه الرسالة برسالة طويلة؛ أوضح فيها رغبته في السلام والوِفاق الروحاني، ولكنه ضَمَّنَها بعض العبارات القاسية، وأردفها بنسخة عن منحة قسطنطين Donatio Constantini مبينًا حقه في السلطة على إيطالية وكنائسها وعلى الكنائس الشرقية، ولا يخفى أن منحة قسطنطين هذه وثيقةٌ مزورةٌ لا تَمُتُّ إلى قسطنطين الكبير بصلة وإنما دُبِّرت في رومة في منتصف القرن الثامن لتقوي مطالبة رومة بالسلطة المطلقة على جميع الكنائس، وتزوير هذه الوثيقة أمرٌ مسلمٌّ به اليوم في الأوساط الشرقية والغربية (4). فامتعض البطريرك والفسيلفس وازداد تَثَبُّتًا من مطامع هنريكوس ولاوون في ممتلكات الروم في إيطالية ومطالبتهما بالسيادة الزمنية والروحية على هذا الجُزء من الإمبراطورية الشرقية، وعلى الرغم مِن هذا كله فإن الفسيلفس والبطريرك رَأَيَا أَنَّ المُحافظة على السلام أفضل من خرقه؛ لأن النورمنديين آنئذٍ كانوا يهددون جنوبي إيطالية واليونان، فجاوب كلٌّ منهما جوابًا رقيقًا وطلب الفسيلفس إلى البابا أن يرسل وفدًا إلى القسطنطينية للتفاوض في الوفاق، فأرسل البابا وفدًا مؤلفًا من الكردينال هومبرت ورئيس الأساقفة بطرس والكنكيلاريوس فريديركوس، وأرسل معهم رسالة إلى الفسيلفس ورسالة إلى البطريرك. وفي الرسالة إلى الفسيلفس ذكر البابا الخراب العظيم الذي لحق بجنوبي إيطالية مِنْ جَرَّاء أعمال النورمنديين وعلق آماله على مساعدة الفسيلفس والإمبراطور، ثم طالب بأبرشيات بلغارية وإيليرية وإيطالية السُّفلى، وذكَّر بسلطة الكرسي الروماني، وفي رسالته إلى البطريرك اتهمه بأنه رقي الكرسي البطريركي دون أن يرقى كل الدرجات الكنائسية، وأنه يرغب في إخضاع كرسي أنطاكية والإسكندرية، ووبخه على كتابته ضد بعض ممارسات الكنيسة الرومانية. ووصل الوفد الباباوي إلى القسطنطينية ومثل أمام الفسيلفس فسلَّم الكردينال رسالة البابا وأَرْفَقَها برسالةٍ منه رَدَّ فيها على انتقادات البطريرك ميخائيل وَادَّعَى على الكنيسة الأرثوذكسية بأنها تُعيد معمودية اللاتين ولا تعمد الأطفال قبل اليوم الثامن، وأنها تناول الشركة المقدسة بملعقة مِن ذهب، وأنها تدفن في الأرض ما يبقى منها أو تحرقه، وأنها لا تناول المؤمنين جسد الرب ودمه كلًّا على حدة. ويستدل من المراجع اليونانية أَنَّ الكردينال هومبرت كان ينقصُهُ شيءٌ كثيرٌ من اللُّطف والوداعة والكياسة، وأنه دخل على البطريرك المسكوني دُخُولًا فظًّا غريبًا، فلم يحنِ رأسه له ولم يقدم القبلة السلامية، بل دفع إليه برسالة البابا دَفْعًا، وأن البطريرك بعد أن اطلع على الرسالة ظَنَّ أن لِأَرجيروس يَدًا فيها، وأنها ربما لم تكن صحيحة، وتدل المراجع اليونانية أيضًا على أن البطريرك لم يقطع الشركة مع أعضاء الوفد الباباوي حالًا، بل بعد ما رأى من إصرارهم، فرفض مواجهتهم ومنعهم من إقامة الخدمة في أبرشيته وأفادهم أَنَّ المسألة يجب أن تُعرض على الكنيسة الجامعة في مجمع مسكوني. فطار رُشْدُ الكردينال فكتب بالاتفاق مع زميليه الآخرين حرمًا ضد البطريرك المسكوني وضد كل من يوافقه، وفي الخامس عشر من تموز سنة 1054 دخل رجالُ الوفدِ الباباوي إلى كنيسة الحكمة الإلهية، واتجهوا نحو الهيكل، فدخلوا إليه والقداس قائمٌ ووضعوا الحرم على المذبح تحت الإنجيل وبحضور الإكليروس والبطريرك، ثم خرجوا وهم يقولون: الرب يحكم فيما بيننا وبينكم، ولم يحرك البطريرك ساكنًا وغض النظر عن التشويش الذي أَحْدَثَهُ الوفدُ في الكنيسة، وسمح لأعضاء الوفد بالخُرُوج، وبعد خُرُوجهم مكثوا يومين في القسطنطينية، ثم سافروا. ومما جاء في هذا الحرم ما يلي: «فليُعلمْ أننا قد أدركنا هنا من أين لنا فرح كثير بالخير العظيم، ومن أين لنا حزنٌ شديدٌ بالشر الجسيم؛ لأن المدينة بالنسبة إلى أركان المملكة وأشرافها ورجالها؛ هي في غايةٍ من الإيمان المسيحيِّ ومستقيمة الرأي، ولكن بالنسبة إلى ميخائيل المسمى بطريركًا على سبيل المجاز وبالنسبة إلى مشاركيه في جنونه يُبذَر في وسطها كل يوم مقدارٌ كثيرٌ جدًّا من زؤان الهرطقات؛ لأنهم مثل السيمونيين يبيعون موهبة الله، ومثل الآريوسيين يعيدون تعميد المعمدين، ومثل الدوناتيين يتشبثون بأن كنيسة المسيح والذبيحة الحقيقية والمعمودية فيما عدا كنيسة اليونان قد فقدت في كل العالم، ومثل النيقولائيين يسمحون لخُدَّام المذبح المُقَدَّس بالزيجات اللحمية، ومثل المقدونيين قطعوا من الدستور انبثاقَ الروح القدس من الابن. ونقول: إن ميخائيل المسمى بطريركًا الحديث في الإيمان المتقلد أسكيم الرهبنة عن خوفٍ بشريٍّ، الذي اشتهر عند كثيرين بجرائم فظيعة، ومعه لاوون المدعو أسقف أخريس ونيقيفوروس ساكيلاريوس ميخائيل نفسه، فليكونوا أناثيما ماران آثا (محرومين الرب جاء) «. وأما البطريرك المسكوني فإنه بَعْدَ أن اطلع على ترجمة هذا الحرم اتصل بالفسيلفس قسطنطين التاسع، فأرسل هذا واستدعى الوفد إلى القسطنطينية بعد أن رحل عنها بيومٍ واحدٍ، فعاد الوفدُ وأَصَرَّ على ما جاء في الحرم وأبى أن يواجه البطريرك أو أن يمثل أمام مجمع الكرسي القسطنطيني، فكتب الفسيلفس إلى البطريرك المسكوني يقول: «أيها السيد الجزيل القداسة، إن دولتي قد بحثت في الأمر الذي حصل، فوجدت أصل الشر ناشئًا من المترجم ومن أرجيروس، أما غرباء الجنس فبما أنهم غرباء ومرسلون من آخرين لا نستطيع أن نعمل معهم شيئًا، وأما المسببون فقد ضربوا ثم أرسلناهم إلى قداستك لكي يؤدب بهم آخرون غيرهم؛ حتى لا يرتكبوا مثل هذا الهذيان، أما الورقة فمن بعد حرمها هي والذين أشاروا بها والذين أصدروها والذي كتبوها والذين لهم أقل علم بعملهم إياها؛ فلتحرق أمام الجميع؛ لأن دولتي أمرت أن يحبس الفستارشيس صهر أرجيورس وابنه الفيستياريوس في سجن لكي يقيما في تحت الشدة.» وعندئذٍ حرم البطريرك المسكوني الصك المذكور والذين كتبوه والذين يوافقون عليه دون أن يمس البابا أو أحدًا غيرهم. وكتب دومنينوس رئيس أساقفة البندقية إلى بطرس بطريرك أنطاكية (1052–1057) يطلب رأيه في ما جرى وأمضى «بطريك إكليئية» أو البندقية، فلما أخذ بطرس كتابه أجابه جوابًا لطيفًا ولفت نظره إلى الطريقة التي وَقَّعَ بها إمضاءَه فقال: «ما تعلمت ولا سمعت أن رئيس إكليئية يسمى بطريركًا؛ لأن النعمة الإلهية دبرت أن يكون في كل العالم خمسةُ بطاركة، وهم الروماني والقسطنطيني والإسكندري والأنطاكي والأوروشليمي، ومِن هؤلاء الخمسة البطريرك الأنطاكي وحده يسمى بطريركًا على وجه الحقيقة؛ لأن الروماني والإسكندري يُسَمَّيَان باباوات، والقسطنطيني والأوروشليمي رؤساء أساقفة، أو كيف نستطيع أَنْ نُقيم بطريركًا سادسًا على وَجْهٍ آخَرَ ما دام الجسد ليست فيه حاسة سادسة (5). «ثم يقول بطرس البطريرك في رسالته هذه: «إن بطريرك القسطنطينية يعرف — حق المعرفة — أنكم أرثوذكسيون، وتؤمنون مثلنا بالثالوث الأَقْدَس وبِسِرِّ التَّجَسُّد، ولكنه متكدر من أنكم تخالفون في مسألة الفطير وحده فلا تقدمون الذبيحة مثل البطاركة الأربعة وكل الكنيسة. «وكتب البطريرك الأنطاكي إلى بطريرك القسطنطينية موجبًا السلام والمحبة «لأن الغربيين هم أيضًا إخوتنا وإن كانوا يخطئون أحيانًا كثيرةً بسبب تَوَحُّشِهِم وجهالتهم؛ إذ لا يُمكن لأحد أن يطلب عند البربر الكمال الذي عندنا نحن الذين منذ نعومة الأظافر نُرَبَّى في مطالعة الكتب المقدسة، فيكفيهم أن يحفظوا التعليم القديمَ في الثالوث القدوس وسر التَّجَسُّد، أما الشرُّ العظيمُ المستحق الأناثيما فهو زيادة «والابن» في دستور الإيمان (6)».
...................................................
1-Fliche el Martin, Hist. De I’Eglise, VII 98ff. Gay j., Op. Cit., 477–487 Brehier, L., Byzance 261-262.
2- Halphen, L., Essor de l’Europe, 24–26.
3- Vasiliev, A. A., Byz. Emp., 337–339.
4- Leclercq, H., Constanin, Dict. d’Arch. Chrét. Et de Lilurg., III, 2676–2683.
5- Patrologia Graeca, CXXX, 756–760.
6- Patrologia Latina, CXLIII, 1004; Labedev, A. P., Separation of The Churches; Bréhier, L., Le Schisme Oriental du XI Siècle; Gay. J., Les Papes du XI Siècle; Jugie, M., Le Schisme de Michel Cerulaire, Echos d’Orient, 1937, 440–473..
|
|
مخاطر عدم علاج ارتفاع ضغط الدم
|
|
|
|
|
اختراق جديد في علاج سرطان البروستات العدواني
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|