أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-09-23
1182
التاريخ: 2023-08-04
1231
التاريخ: 11-10-2014
1488
التاريخ: 27-11-2014
1804
|
اسلوب التمثيل في القران
قال تعالى : {إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ} [البقرة: 26].
القرآن الكريم، من جهة كونه وحياً إلهياً، وأنه مصون من النقص من جميع الجوانب، فإنه يدعم محتواه تارة، ويدافع عن اسلوب تعبيره وبيانه تارة اخرى؛ كما ان مخالفيه كانوا يوجهون اعتراضهم إلى محتواه حيناً وإلى طريقة تعبيره حينا آخر. تقول الآية محط البحث في ردها على اعتراض المخالفين على اسلوب بيان القرآن: المؤمنون يؤمنون بـ «المثل» ويؤكدون أنه «حق» وأنه من عند الله، أما الكفار فليس لهم تجاه المثل إلا توجيه النقد الذي ليس في محله. ثم تقول: إن لله يهدي بهذه الأمثال جماعة، ويضل أخرى، وإن هذا الإضلال الجزائي لا يشمل إلا الفاسقين. والفاسقون الذين انحرفوا عن الصراط المستقيم لهم خطايا جاء ذكرها في الآية التالية.
كان المخالفون يقولون: ليس من المناسب للباري تعالى ان يضربمثلا من الأمور الضئيلة العديمة القيمة كالعنكبوت والذبابة، وإن على الله ان يستحيى من ضرب هذه الامثال.
يقول الله جلت الاؤه في الرد عليهم: إن التمثيل من اجل تفهيم المبحث المخالف لا يستدعي الحياء؛ لأنه إذا كانت رسالة القرآن هي بيان الحقيقة، وهو يريد إبلاغها، فإنه يتحتم عليه بيان هذا الموضوع بأي وسيلة متاحة وإيصالها إلى أذهان الآخرين؛ فهو يبين مباحثه تارة عن طريق البرهان، واخرى بواسطة الجدال بالتي هي أحسن، وثالثة بالموعظة، ورابعة من خلال التمثيل. أضف إلى ذلك أن القرآن الكريم لم ينزل على جماعة خاصة، بل هو كتاب عالمي. {لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} [الفرقان: 1]. تأسيساً على ذلك يتعين على القرآن أن يبين مراده بالشكل الذي يدركه الناس أجمعون إلى يوم القيامة، وإن أفضل لسان يتمكن بواسطته إيصال معارفه العقلية لعامة الناس هو لسان التمثيل. وفي مقام التمثيل يستخدم الله سبحانه وتعالى أحيانا المشكاة، والزيت، والنور من أجل تبيين المعارف الراقية، ويضرب أحياناً أخرى - جراء حقارة مبحث الآخرين وضعفه - مثلا من الذبابة أو بيت العنكبوت.
المحور الأساسي للمثل هو التناسب مع الممثل كي يسهل إدراكه. أما النقاش فلا يقبل في الأمثال إلا أن يكون مفتقراً للبلاغة بلحاظ الرسالة التي يحملها. إن ضرب النور والظلمة كمثل للحق والباطل، وكذلك التمثيل بالحيوانات والطيور والنباتات، ليس رائجاً في ثقافة المحارة للأقوام والملل غير العربية فحسب، بل إنه رائج في حوارات العرب من الحضر والبدو أيضاً؛ إذ أن ل تاريخاً في الكتب السماوية السالفة أيضاً كالتوراة والإنجيل. وبناء عليه، فلا المشركون المقيمون في الحجاز ولا اليهود والنصارى المهاجرون كان لهم حق النقد(1).
يقول القرآن الكريم على نحو الأصل العام والشامل: لقد ذكرنا أمثالاً على كافة الصعد: {وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ} [الروم: 58] ، فأهل البرهان يفهمون مبحثهم المعقول من خلال المثل بشكل أفضل، ومن لم يكن من أهل البرهان، يدرك أصل المبحث بواسطة المثل، حتى لا يبقى عذر لأي أحد كان في ساحة الوحي الإلهي: {لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ} [الأنفال: 42] ، وإن قول القرآن الكريم: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ} [القمر: 17] هو بسبب وجود هذا الأصل الكلي والعام كما قد طرح الله عز وجل في القرآن أمثلة كثيرة بحق المؤمنين الصالحين، فقد ذكر مثلهم في التوراة والإنجيل أيضاً: {ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ} [الفتح: 29] ، كما أن كلام الفصحاء مشحون بالتمثيل؛ فالأدباء العرب قد أفادوا أيضا من الأمثال في المعلقات السبع وغيرها. بناء على ذلك، فلا إشكال من هذه الناحية من بيان القرآن الكريم، أي الأصل القائل بالتمثيل، وإذا أشكل أحد بأن التمثيل بالأشياء الحقيرة لا يتناسب وشأن الباري جل وعلا فالجواب هو التالي:
1. إن من اسلوب القرآن الكريم هو تعريف المبحث المهم والعظيم من خلال مثال عظيم ومهم أيضأ؛ كما في قوله سبحانه: {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} [الحشر: 21] ، لكنه فيما يتعلق بالمباحث الحقيرة والوضيعة، فإنه يضرب مثلا من الأمور الحقيرة والضعيفة؛ كما يقول بخصوص المتمسكين بغير الله: {مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ} [العنكبوت: 41] ؛ ؛ فالربوبية المطلقة وغير المحدودة لله عز وجل لا تفسح مجالاً للأغيار، وليس لغير الله أي اعتبار مستقل لكي يرتكز عليه. من هذا المنطلق فإن أعمال الكافرين شبهت بالسراب الذي يلهث خلفه الظمآن: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا} [النور: 39] ؛ كما يقول في مقام توصيف ضعف أوثان المشركين: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ} [الحج: 73].
2. إن الكبر والصغر أمران نسبيان ولا يطرحان إلاً في المقارنة بين شيئين، أما بالنسبة لله سبحانه وتعالى فكل الأشياء عنده سواسية؛ ذلك أنه في مقابل قدرته المطلقة لا يبقى معنى للكبير والصغير والعسير واليسير. على هذا الأساس فإن الله عز وجل يستخدم تعبير «اليسير» بخصوص «قبض الظل» عندما يقول: {ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا } [الفرقان: 46]. فعندما تشرق الشمس من إحدى الجهات (بصورة افقية) على الشاخص، فإنها تلقي في الجانب الآخر من الشاخص ظلاً على الأرض، لكن عندما تكون الشمس فوق الشاخص (بصورة عمودية) فإن الظل يتضاءل او يختفي تماما. هنا ينسب الباري تعالى قبض الظل إلى نفسه؛ والحال أنه ليس هناك ما هو أخف من الظل، بل إن الظل في الحقيقة ليس شيئاً أصلا. هذا من جانب. ومن جانب آخر فإن الله عز وجل يستعمل تعبير «اليسير» كذلك فيما يتعلق بالحشر الأكبر وإزالة نظام السماوات والارضين، مما لا يمكن افتراض عمل أهم وأعظم منه، فيقول: {ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ } [ق: 44] . فكل الأشياء في علم الله معلومة بنفس المستوى، وفي مرحلة العمل فإن كل الأعمال، في مقابل قدرته، سهلة ويسيرة عليه؛ وذلك لأن الله سبحانه وتعالى هو فاعل لا يفعل من خلال الحركات، بل إن فعله هو بمحض الإرادة: «فاعل لا بمعنى الحركات»(2)، وإنه بفعله توجد الحركة في الكون.
تأسيساً على ذلك، فإن آيات من قبيل: { أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا} [النازعات: 27] ، والتي تتحدث عن المقارنة بين الأشياء العظيمة والحقيرة، فهي تطرح ذلك نسبة إلى البشر، وإلاً فالله عز وجل يقول بالنسبة إلى نفسه: {وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [آل عمران: 83] ، {وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ} [النمل: 87] . فكل الوجود خاضع بين يدي الله.
3. إن جسم اي موجود ليس معيارا لعظمته او حقارته؛ لأنه بحسب تعبير الإمام الصادق ع فإن حشرة ضئيلة كالبعوضة لها جميع المزايا التي للفيل مضافاً إليها اللوامس: «... لأن البعوضة على صغر حجمها خلق الله فيها جميع ما خلق في الفيل مع كبره، وزيادة عضوين آخرين»(3) .
ـــــــــــــــــــــــــــ
1. أتى الزمخشري والفخر الرازي على ذكر نماذج من أمثال العرب الدارجة التي تستخدم فيها عناوين كالبهائم، والطيور، والحشرات. راجع الكشاف، ج 1، ص111 - 12؛ التفسير الكبير، مج1،ج2،ص145-146.
2. نهج البلاغة، الخطبة 1.
3. مجمع البيان، ج 1- 2، ص165؛ وتفسير نور الثقلين، ج 1، ص45.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
ضمن أسبوع الإرشاد النفسي.. جامعة العميد تُقيم أنشطةً ثقافية وتطويرية لطلبتها
|
|
|