المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

سيرة الرسول وآله
عدد المواضيع في هذا القسم 9111 موضوعاً
النبي الأعظم محمد بن عبد الله
الإمام علي بن أبي طالب
السيدة فاطمة الزهراء
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الإمام محمد بن علي الباقر
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الإمام علي بن موسى الرّضا
الإمام محمد بن علي الجواد
الإمام علي بن محمد الهادي
الإمام الحسن بن علي العسكري
الإمام محمد بن الحسن المهدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
{افان مات او قتل انقلبتم على اعقابكم}
2024-11-24
العبرة من السابقين
2024-11-24
تدارك الذنوب
2024-11-24
الإصرار على الذنب
2024-11-24
معنى قوله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء
2024-11-24
مسألتان في طلب المغفرة من الله
2024-11-24



وصايا علي (عليه السلام) إلى جنوده و امراء الأجناد  
  
4398   03:08 مساءاً   التاريخ: 14-10-2015
المؤلف : السيد محسن الامين
الكتاب أو المصدر : أعيان الشيعة
الجزء والصفحة : ج2,ص240-244
القسم : سيرة الرسول وآله / الإمام علي بن أبي طالب / التراث العلوي الشريف /

كتب (عليه السلام) إلى امراء الأجناد : من عبد الله علي أمير المؤمنين اما بعد فاعزلوا الناس عن الظلم والعدوان وخذوا على أيدي سفهائكم واحترسوا أن تعملوا أعمالا لا يرضى الله بها عنا فيرد علينا وعليكم دعاءنا فان الله تعالى يقول { قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ} [الفرقان: 77] .

وكتب إلى جنوده يخبرهم بالذي لهم والذي عليهم : من عبد الله علي أمير المؤمنين اما بعد فان الله جعلكم في الحق جميعا سواء أسودكم وأحمركم وجعلكم من الوالي وجعل الوالي منكم بمنزلة الوالد من الولد وبمنزلة الولد من الوالد وإن حقكم عليه انصافكم والتعديل بينكم والكف عن فيئكم فإذا فعل ذلك معكم وجبت عليكم طاعته بما وافق الحق ونصرته على سيرته والدفع عن سلطان الله فإنكم وزعة الله في الأرض الوزعة الذين يدفعون عن الظلم فكونوا له أعوانا ولدينه أنصارا ولا تفسدوا في الأرض بعد اصلاحها إن الله لا يحب المفسدين ؛ وبقي أمير المؤمنين (عليه السلام) بالنخيلة حتى اجتمعت إليه الجنود ولم يبرحها حتى قدم عليه ابن عباس باهل البصرة . ومرت عليه جنازة وهو بالنخيلة فقال ما يقول الناس في هذا القبر ، وفي النخيلة قبر عظيم يدفن اليهود موتاهم حوله فقال الحسن بن علي يقولون هذا قبر هود النبي لما أن عصاه قومه جاء فمات هاهنا قال كذبوا لأنا اعلم به منهم هذا قبر يهوذا بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم بكر يعقوب ثم قال هاهنا أحد من مهزة ؟ فاتي بشيخ كبير فقال أين منزلك قال على شاطئ البحر قال أين هو من الجبل الأحمر قال قريب منه قال وما يقول قومك فيه قال يقولون قبر ساحر قال كذبوا ذاك قبر هود وهذا قبر يهوذا بن يعقوب .

وبلغ معاوية مكان علي بالنخيلة ومعسكره بها ومعاوية قد ألبس منبر دمشق قميص عثمان وهو مخضب بالدم وحول المنبر سبعون ألف شيخ يبكون لا تجف دموعهم على عثمان فخطب معاوية أهل الشام فقال : يا أهل الشام قد كنتم تكذبونني في علي وقد استبان لكم امره والله ما قتل

خليفتكم غيره وهو أمر بقتله والب الناس عليه وآوى قتلته وهم جنده وأنصاره وأعوانه وقد خرج بهم قاصدا بلادكم لابادتكم يا أهل الشام الله الله في عثمان فانا ولي عثمان وأحق من طلب بدمه وقد جعل الله لولي المظلوم سلطانا فانصروا خليفتكم فقد صنع به القوم ما تعلمون قتلوه ظلما وبغيا وقد أمر بقتال الفئة الباغية حتى تفئ إلى أمر الله ، فاعطوه الطاعة وانقادوا له وجمع إليه أطرافه واستعمل على فلسطين ثلاثة رهط جعلهم بإزاء أهل مصر لئلا يغيروا عليهم من خلفهم وكتب إلى معتزلة مصر وهم يومئذ يكاتبون معاوية ولا يطيقون مكاثرة أهل مصر : أن تحرك قيس عامل علي على مصر أن يثبتوا له وكان علي (عليه السلام) بعث قيس بن سعد الأنصاري من الكوفة إلى مصر أميرا عليها وفيها يومئذ معاوية بن خديج وحصين بن نمير .

ولما أراد علي (عليه السلام) الخروج من النخيلة وذلك لخمس مضين من شوال يوم الأربعاء سنة 36 خطب الناس وقال قد امرت على المصر عقبة بن عمرو الأنصاري فاياكم والتخلف والتربص فاني قد خلفت مالك بن حبيب اليربوعي وأمرته أن لا يترك متخلفا إلا الحقه بكم عاجلا إن شاء الله فقام إليه معقل بن قيس الرياحي فقال يا أمير المؤمنين والله لا يتخلف عنك إلا ظنين ولا يتربص بك الا منافق فأمر مالك بن حبيب أن يضرب أعناق المتخلفين ، قال علي : قد امرته بأمري وليس مقصرا إن شاء الله ودعا بدابته فجاءته فلما أراد أن يركب وضع رجله في الركاب وقال بسم الله فلما جلس على ظهرها قال الحمد لله الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وانا إلى ربنا لمنقلبون ثم قال : اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة المنقلب والحيرة بعد اليقين وسوء المنظر في الأهل والمال والولد اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل ولا يجمعهما غيرك لأن المستخلف لا يكون مستصحبا والمستصحب لا يكون مستخلفا ثم خرج وخرج أمامه الحر بن سهم بن طريف الربعي ربيعة تميم وهو يقول :

يا فرسي سيري وأمي الشاما * وقطعي الحزون والاعلاما

ونابذي من خالف الاماما * إني لأرجو إن لقينا العاما

جمع بني أمية الطغاما * ان نقتل العاصي والهماما

وان نزيل من رجال هاما

وقال مالك بن حبيب وهو صاحب شرطته وهو آخذ بعنان دابته يا أمير المؤمنين أ تخرج بالمسلمين فيصيبوا اجر الجهاد والقتال وتخلفني في حشر الرجال ، فقال له علي : إنهم لن يصيبوا من الأجر شيئا الا كنت شريكهم فيه وأنت هاهنا أعظم غناء منك عنهم لو كنت معهم فقال سمعا وطاعة فخرج علي حتى إذا جاز حد الكوفة وذلك بين القنطرة والجسر بعد ما قطع النهر أمر مناديه فنادى بالصلاة فتقدم فصلى ركعتين حتى إذا قضى الصلاة اقبل على الناس فقال يا أيها الناس ألا من كان مشيعا أو مقيما فليتم الصلاة فانا قوم على سفر ومن صحبنا فلا يصم المفروض والصلاة ركعتان ثم خرج حتى أتى دير أبي موسى وهو من الكوفة على فرسخين فصلى بها العصر فلما انصرف من الصلاة قال سبحان ذي الطول والنعم سبحان ذي القدرة والافضال أسال الله الرضا بقضائه والعمل بطاعته والإنابة إلى امره فإنه سميع الدعاء

قال نصر : ثم خرج حتى نزل على شاطئ البرس فصلى بالناس المغرب فلما انصرف قال : الحمد لله الذي يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل الحمد لله كلما وقب ليل وغسق والحمد لله كلما لاح نجم وخفق ؛ ثم أقام حتى صلى الغداة ثم شخص حتى بلغ قبة قبين وبها نخل طوال إلى جانب البيعة فلما رآها قال والنخل باسقات لها طلع نضيد ثم أقحم دابته النهر فنزلها فمكث بها قدر الغداء وسار فلما جاز جسر الصراة نزل فصلى بالناس العصر . ثم خرج حتى اتى دير كعب ولم أجده في مظانه فلست أدري أين هو قال ثم مضى نحو ساباط فاتاه دهاقينها يعرضون عليه النزول والطعام فقال لا ليس ذلك لنا عليكم وبات بساباط فلما أصبح وهو بمظلم ساباط قال أ تبنون بكل ربع آية تعبثون ؛ فلما انتهى إلى مدينة بهرسير إذا رجل من أصحابه يقال له حريز بن سهم ينظر إلى آثار كسرى وهو يتمثل قول ابن يعقوب التميمي :

جرت الرياح على مكان ديارهم * فكانما كانوا على ميعاد

فقال علي أ فلا قلت : كم تركوا من جنات وعيون وزروع ومقام كريم ونعمة كانوا فيها فاكهين كذلك وأورثناها قوما آخرين فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين .

إن هؤلاء كانوا وارثين فأصبحوا موروثين إن هؤلاء لم يشكروا النعمة فسلبوا دنياهم بالمعصية إياكم وكفر النعم لا تحل بكم النقم ثم قال أنزلوا بهذه النجوة ؛ وبعث أمير المؤمنين (عليه السلام) معقل بن قيس من المدائن في ثلاثة آلاف وقال له خذ على الموصل ثم نصيبين ثم القني بالرقة فاني موافيها وسكن الناس وأمنهم ولا تقاتل إلا من قاتلك وسر البردين وغور بالناس وأقم الليل ورفه في السير ولا تسر أول الليل فان الله جعله سكنا أرح فيه بدنك وجندك وظهرك فإذا كان السحر أو حين ينبطح الفجر فسر ، فخرج حتى اتى الحديثة وهي إذا ذاك منزل الناس انما بنى مدينة الموصل بعد ذلك محمد بن مروان فإذا هم بكبشين ينتطحان ومع معقل بن قيس رجل من خثعم يقال له شداد بن أبي ربيعة قتل بعد ذلك مع الحرورية فاخذ يقول ايه ايه فجاء رجلان فاخذ كل منهما كبشا فقال الخثعمي لمعقل لا تغلبون ولا تغلبون أ ما ترى الكبشين أحدهما مشرق والآخر مغرب اقتتلا ولم ينتصف واحد منهما من صاحبه حتى فرق بينهما ؛ ثم مضوا حتى أتوا عليا بالرقة وأمر علي الحارث الأعور فصاح في أهل المدائن من كان من المقاتلة فليواف أمير المؤمنين صلاة العصر فوافوه في تلك الساعة فقال قد تعجبت من تخلفكم دعوتكم وانقطاعكم عن أهل مصركم في هذه المساكن الظالم أهلها والهالك أكثر سكانها لا معروفا تأمرون به ولا منكرا تنهون عنه قالوا يا أمير المؤمنين انا كنا ننتظر امرك ورأيك مرنا بما أحببت فسار وخلف عليهم عدي بن حاتم فأقام عليها ثلاثا ثم خرج في ثمانمائة وخلف ابنه زيدا فلحقه في أربعمائة منهم ثم لحقا عليا (عليه السلام) ؛ وجاء علي حتى مر بالأنبار وهي بلدة قرب الفلوجة وهي الآن خراب كان كسرى يجعلها أنبارا للحبوب فاستقبله بنو خشنوشك دهاقينها فلما رأوه نزلوا ثم جاؤوا يشتدون معه قال ما هذه الدواب التي معكم وما أردتم بهذا الذي صنعتم قالوا اما هذا الذي صنعنا فهو خلق منا نعظم به الأمراء واما هذه البراذين فهدية لك وقد صنعنا لك وللمسلمين طعاما وهيأنا لدوابكم علفا كثيرا قال اما هذا الذي زعمتم أنه منكم خلق تعظمون به الأمراء فوالله ما ينفع هذا الأمراء وانكم لتشقون به على أنفسكم وأبدانكم فلا تعودوا له واما دوابكم هذه فان أحببتم أن نأخذها منكم فنحسبها من خراجكم اخذناها منكم واما طعامكم الذي صنعتم لنا فانا نكره أن نأكل من أموالكم شيئا إلا بثمن قالوا يا أمير المؤمنين نحن نقومه ثم نقبل ثمنه قال إذا لا تقومونه قيمته نحن نكتفي بما هو دونه قالوا يا أمير المؤمنين فان لنا من العرب موالي ومعارف فتمنعنا أن نهدي لهم وتمنعهم أن يقبلوا منا قال ليس ينبغي لأحد من المسلمين أن يقبل هديتكم وإن غصبكم أحد فاعلمونا قالوا يا أمير المؤمنين إنا نحب أن تقبل هديتنا وكرامتنا قال ويحكم نحن أغنى منكم فتركهم ؛ ثم مضى أمير المؤمنين (عليه السلام) حتى نزل بأرض الجزيرة فاستقبله بنو تغلب والنمر بن قاسط بالجزيرة فقال ليزيد بن قيس الأرحبي يا يزيد قال لبيك يا أمير المؤمنين قال هؤلاء قومك من طعامهم فأطعم ومن شرابهم فاشرب وصالح وفد بني تغلب على أن يقرهم على دينهم ولا يصبغوا أبناءهم في النصرانية ، ثم سار حتى بلغ قرية دون قرقيسيا فوافاه بها زياد بن النضر وشريح بن هاني الذين كان قد وجههما في اثني عشر ألفا مقدمة له فأخذا على شاطئ الفرات من قبل البر مما يلي الكوفة حتى بلغا عانات فبلغهم اخذ علي على طريق الجزيرة وبلغهم أن معاوية أقبل في جنود الشام من دمشق لاستقبال علي فقالا والله ما هذا لنا برأي أن نسير وبيننا وبين أمير المؤمنين هذا البحر ما لنا خير أن نلقي جموع أهل الشام بقلة من عددنا منقطعين من العدد والمدد فذهبوا ليعبروا من عانات فمنعهم أهلها وحبسوا عنهم السفن فأرادوا قتالهم فتحصنوا فرجعوا إلى هيت فعبروا منها ولحقا عليا بتلك القرية فقال (عليه السلام) مقدمتي تأتي ورائي فتقدم إليه شريح وزياد فأخبراه بالذي رأيا فقال قد أصبتما رشدكما ثم سار حتى اتى الرقة وجل أهلها العثمانية الذين فروا من الكوفة برأيهم وأهوائهم إلى معاوية فغلقوا أبوابها وتحصنوا فيها وأميرهم سماك بن مخرمة الأسدي في طاعة معاوية وكان قد فارق عليا في نحو مائة رجل من بني أسد ثم اخذ يكاتب قومه حتى لحق به منهم سبعمائة رجل . ووافاه بالرقة معقل بن قيس الذي كان أرسله علي من المدائن في ثلاثة آلاف وقال لأهل الرقة اجسروا لي جسرا لكي أعبر من هذا المكان إلى الشام فأبوا وقد كانوا ضموا السفن عندهم فنهض من عندهم ليعبر على جسر منبج وخلف عليهم الأشتر فناداهم اني  أقسم بالله لئن مضى أمير المؤمنين ولم تجسروا له عند مدينتكم حتى يعبر منها لأجردن فيكم السيف ولأقتلن مقاتلتكم ولأخربن أرضكم ولآخذن أموالكم فلقي بعضهم بعضا فقالوا إن الأشتر يفي بما يقول وإن عليا خلفه علينا ليأتينا منه الشر فبعثوا إليه انا ناصبون لكم جسرا فاقبلوا فأرسل الأشتر إلى علي فجاء ونصبوا له الجسر فعبر علي الأثقال والرحال ثم أمر الأشتر فوقف في ثلاثة آلاف فارس حتى لم يبق أحد من الناس الا عبر ثم أنه عبر آخر الناس وازدحمت الخيل حين عبرت فسقطت قلنسوة عبد الرحمن بن أبي الحصين فنزل فاخذها وركب وسقطت قلنسوة عبد الله بن الحجاج فنزل فاخذها ثم ركب فقال لصاحبه : إن يكن ظن الزاجر الطائر صادقا كما يزعمون اقتل وشيكا وتقتل فقال عبد الرحمن ما شئ أحب إلي مما ذكرت فقتلا جميعا يوم صفين فلما عبر علي الفرات دعا زياد بن النضر وشريح بن هاني فسرحهما أمامه نحو معاوية على حالهما الذي كانا عليه حين خرجا من الكوفة في اثني عشر ألفا فلقيهم أبو الأعور في جند أهل الشام فدعوهم إلى الدخول في طاعة أمير المؤمنين (عليه السلام) فأبوا فبعثوا إلى علي (عليه السلام) انا قد لقينا أبا الأعور السلمي بسور الروم في جند من أهل الشام فدعوناه وأصحابه إلى الدخول في طاعتك فأبوا فمرنا بامرك فأرسل علي الأشتر فقال يا مال إن زيادا وشريحا ارسلا إلي يعلماني انهما لقيا أبا الأعور في جند من أهل الشام بسور الروم فنبأني الرسول أنه تركهم متواقفين فالنجاء إلى أصحابك النجاء فإذا اتيتهم فأنت الأمير عليهم وإياك أن تبدأ القوم بقتال الا أن يبدؤوك ولا يجرمنك شنآنهم على قتالهم قبل دعائهم والاعذار إليهم مرة بعد مرة واجعل على ميمنتك زيادا وعلى ميسرتك شريحا وقف في القلب ولا تدن منهم دنو من يريد أن ينشب الحرب ولا تتباعد منهم تباعد من يهاب الباس حتى أقدم عليك فاني حثيث السير إليك إن شاء الله وكتب إليهما اما بعد فاني امرت عليكما مالكا فاسمعا له وأطيعا امره فإنه ممن لا يخاف رهقه ولا سقاطة ولا بطؤه عما الاسراع إليه احزم ولا الاسراع إلى ما البطؤ عنه أمثل فقدم عليهم الأشتر وكف عن القتال فلم يزالوا متواقفين حتى إذا كان عند المساء حمل عليهم أبو الأعور فثبتوا له واضطربوا ساعة ثم انصرف أهل الشام ثم خرج هاشم بن عتبة في خيل ورجال حسن عدتها وعددها وخرج إليهم أبو الأعور السلمي فاقتتلوا يومهم ذلك تحمل الخيل على الخيل والرجال على الرجال فصبر القوم بعضهم لبعض ثم انصرفوا وبكر عليهم الأشتر فقتل منهم عبد الله بن المنذر التنوخي وكان فارس أهل الشام قتله ظبيان بن عمارة التميمي وهو فتى حدث السن واخذ الأشتر يقول ويحكم أروني أبا الأعور ثم رجع أبو الأعور بمن معه فوقفوا على تل من وراء المكان الذي كان فيه فقال الأشتر لسنان بن مالك النخعي انطلق إلى أبي الأعور فادعه إلى المبارزة فقال إلى مبارزتي أو مبارزتك قال إلى مبارزتي فقال الأشتر لو امرتك بمبارزته فعلت قال نعم والله الذي لا اله الا هو لو أمرتني أن اعترض صفهم بسيفي فعلت فقال يا ابن أخي أطال الله بقاءك قد والله ازددت فيك رغبة لا ما امرتك بمبارزته انما امرتك أن تدعوه إلى مبارزتي لأنه لا يبارز الا ذوي الكفاءة والأسنان والشرف وأنت بحمد الله من أهل الكفاءة والشرف لكنك حديث السن وليس يبارز الأحداث فاذهب إليه فادعه لمبارزتي فاتاه فقال امنوني فاني رسول فامنوه قال فاتيت أبا الأعور فقلت إن الأشتر يدعوك إلى مبارزته فسكت طويلا ثم قال إن خفة الأشتر وسوء رأيه هو الذي دعاه إلى أجلاء عمال عثمان من العراق وافترائه عليه وإلى أن سار إليه في داره فقتله فيمن قتل لا حاجة لي في جوابك ولا الاستماع منك اذهب عني فصاح بي أصحابه فانصرفت ولو سمع مني لأخبرته بعذر صاحبي وحجته فرجعت إلى الأشتر فأخبرته أنه قد أبى المبارزة فقال لنفسه نظر فتواقفنا حتى حجز بيننا وبينهم الليل وبتنا متحارسين فلما أصبحنا نظرنا فإذا هم قد انصرفوا وصبحنا علي غدوة فسار نحو معاوية فتوافوا بقناصرين إلى جنب صفين وكان مع علي مائة وخمسون ألفا وقيل مائة  ألف أو يزيدون ومع معاوية نحو ذلك وقيل كان أهل الشام أكثر من أهل العراق بالضعف ويدل شعر بعض شعراء الشام أن أهل الشام كانوا سبعين ألفا وهو قوله :

لله در كتائب جاءتكم * تبكي فوارسها على عثمان

سبعون ألفا ليس فيهم قاسط * يتلون كل مفصل ومثاني

وإن صح أن أصحاب علي (عليه السلام) كانوا مائة وخمسين ألفا أو يزيدون فيكون الصواب أن أهل العراق يزيدون أهل الشام بالضعف والله أعلم .

وعلى مقدمة معاوية أبو الأعور السلمي سفيان بن عمرو وعلى ساقته بسر بن أرطأة العامري . وطلب علي موضعا لمعسكره وأمر الناس أن يضعوا اثقالهم فلما نزلوا تسرع فوارس من فوارس علي (عليه السلام) على خيلهم إلى معاوية وكانوا مائة وثلاثين ولم ينزل بعد معاوية فناوشوهم القتال واقتتلوا هويا فكتب معاوية إلى علي : عافانا الله وإياك :

ما أحسن العدل والإنصاف من عمل * وأقبح الطيش ثم النفشفي الرجل

اربط حمارك لا تنزع سويته * إذا يرد وقيد العير مكروب

ليست ترى السيد زيدا في نفوسهم * كما تراه بنو كور ومرهوب

ان تسألوا الحق يعط الحق سائله * والدرع محقبة والسيف مقروب

أو تأنفون فانا معشر أنف * لا نطعم الضيم ان السم مشروب

فامر علي الناس فوزعوا عن القتال حتى يأخذ أهل المصاف مصافهم ثم قال أيها الناس هذا مقام من نصف فيه نصف يوم القيامة ومن فلج فيه فلج يوم القيامة فتراجع الناس إلى معسكرهم .

 

 




يحفل التاريخ الاسلامي بمجموعة من القيم والاهداف الهامة على مستوى الصعيد الانساني العالمي، اذ يشكل الاسلام حضارة كبيرة لما يمتلك من مساحة كبيرة من الحب والتسامح واحترام الاخرين وتقدير البشر والاهتمام بالإنسان وقضيته الكبرى، وتوفير الحياة السليمة في ظل الرحمة الالهية برسم السلوك والنظام الصحيح للإنسان، كما يروي الانسان معنوياً من فيض العبادة الخالصة لله تعالى، كل ذلك بأساليب مختلفة وجميلة، مصدرها السماء لا غير حتى في كلمات النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) وتعاليمه الارتباط موجود لان اهل الاسلام يعتقدون بعصمته وهذا ما صرح به الكتاب العزيز بقوله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) ، فصار اكثر ايام البشر عرفاناً وجمالاً (فقد كان عصرا مشعا بالمثاليات الرفيعة ، إذ قام على إنشائه أكبر المنشئين للعصور الإنسانية في تاريخ هذا الكوكب على الإطلاق ، وارتقت فيه العقيدة الإلهية إلى حيث لم ترتق إليه الفكرة الإلهية في دنيا الفلسفة والعلم ، فقد عكس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم روحه في روح ذلك العصر ، فتأثر بها وطبع بطابعها الإلهي العظيم ، بل فنى الصفوة من المحمديين في هذا الطابع فلم يكن لهم اتجاه إلا نحو المبدع الأعظم الذي ظهرت وتألقت منه أنوار الوجود)





اهل البيت (عليهم السلام) هم الائمة من ال محمد الطاهرين، اذ اخبر عنهم النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) باسمائهم وصرح بإمامتهم حسب ادلتنا الكثيرة وهذه عقيدة الشيعة الامامية، ويبدأ امتدادهم للنبي الاكرم (صلى الله عليه واله) من عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) الى الامام الحجة الغائب(عجل الله فرجه) ، هذا الامتداد هو تاريخ حافل بالعطاء الانساني والاخلاقي والديني فكل امام من الائمة الكرام الطاهرين كان مدرسة من العلم والادب والاخلاق استطاع ان ينقذ امةً كاملة من الظلم والجور والفساد، رغم التهميش والظلم والابعاد الذي حصل تجاههم من الحكومات الظالمة، (ولو تتبّعنا تاريخ أهل البيت لما رأينا أنّهم ضلّوا في أي جانب من جوانب الحياة ، أو أنّهم ظلموا أحداً ، أو غضب الله عليهم ، أو أنّهم عبدوا وثناً ، أو شربوا خمراً ، أو عصوا الله ، أو أشركوا به طرفة عين أبداً . وقد شهد القرآن بطهارتهم ، وأنّهم المطهّرون الذين يمسّون الكتاب المكنون ، كما أنعم الله عليهم بالاصطفاء للطهارة ، وبولاية الفيء في سورة الحشر ، وبولاية الخمس في سورة الأنفال ، وأوجب على الاُمّة مودّتهم)





الانسان في هذا الوجود خُلق لتحقيق غاية شريفة كاملة عبر عنها القرآن الحكيم بشكل صريح في قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) وتحقيق العبادة أمر ليس ميسوراً جداً، بل بحاجة الى جهد كبير، وافضل من حقق هذه الغاية هو الرسول الاعظم محمد(صلى الله عليه واله) اذ جمع الفضائل والمكرمات كلها حتى وصف القرآن الكريم اخلاقه بالعظمة(وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) ، (الآية وإن كانت في نفسها تمدح حسن خلقه صلى الله عليه وآله وسلم وتعظمه غير أنها بالنظر إلى خصوص السياق ناظرة إلى أخلاقه الجميلة الاجتماعية المتعلقة بالمعاشرة كالثبات على الحق والصبر على أذى الناس وجفاء أجلافهم والعفو والاغماض وسعة البذل والرفق والمداراة والتواضع وغير ذلك) فقد جمعت الفضائل كلها في شخص النبي الاعظم (صلى الله عليه واله) حتى غدى المظهر الاولى لأخلاق رب السماء والارض فهو القائل (أدّبني ربي بمكارم الأخلاق) ، وقد حفلت مصادر المسلمين باحاديث وروايات تبين المقام الاخلاقي الرفيع لخاتم الانبياء والمرسلين(صلى الله عليه واله) فهو في الاخلاق نور يقصده الجميع فبه تكشف الظلمات ويزاح غبار.