أقرأ أيضاً
التاريخ: 21-4-2016
1276
التاريخ: 21-4-2016
2182
التاريخ: 21-4-2016
2693
التاريخ: 13/11/2022
1135
|
قال الكشّي تحت عنوان:
تسمية الفقهاء من أصحاب أبي جعفر وأبي عبد الله (صلى الله عليه وآله):
اجتمعت العصابة على تصديق هؤلآء الأوّلين من أصحاب أبي جعفر وأصحاب أبي عبد الله (عليه السلام) وانقادوا لهم بالفقه، فقالوا: أفقه الأوّلين ستّة: زرارة ومعروف بن خرّبوذ وبريد وأبو بصير الأسدي، والفضيل بن يسار [و] ومحمّد بن مسلم الطائفي، قالوا: وأفقه السّتّة: زرارة. وقال بعض: مكان أبي بصير الأسدي أبي بصير المرادي، وهو: ليث بن البختري (1).
وقال تحت عنوان: تسمية الفقهاء من أصحاب أبي عبد الله (عليه السلام):
أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عن هؤلآء وتصديقهم لما يقولون، وأقرّوا لهم بالفقه من دون أولئك السّتّة الّذين عددناهم وسمّيناهم ستّة نفر: جميل بن دراج وعبد الله بن مسكان وعبد الله بن بكير وحماد بن عثمان، وحمّاد بن عيسى وأبان بن عثمان. [و] قالوا: وزعم أبو إسحاق الفقيه وهو ثعلبة بن ميمون أنّ أفقه هؤلآء: جميل بن دراج. وهم أحداث أصحاب أبي عبد الله (عليه السلام) (2).
وقال في عنوان:
تسمية الفقهاء من أصحاب أبي إبراهيم وأبي الحسن الرضا (عليه السلام):
أجمع (اجتمع) أصحابنا على تصحيح ما يصحّ عن هؤلآء وتصديقهم وأقرّوا لهم بالفقه والعلم، وهم ستّة نفر آخر دون السّتّة نفر (النفر) الّذين ذكرناهم في أصحاب أبي عبد الله (عليه السلام)، منهم: يونس بن عبد الرحمن وصفوان بن يحيى بياع السّابري، ومحمّد بن أبي عمير وعبد الله بن المغيرة، والحسن بن محبوب وأحمد بن محمّد بن أبي نصر.
وقال بعضهم: مكان الحسن بن محبوب، الحسن بن علي بن فضّال، وفضّالة بن أيوب. وقال بعضهم: مكان فضالة بن أيّوب عثمان بن عيسى، وأفقه هؤلآء يونس بن عبد الرحمن وصفوان بن يحيى.
أقول: إليك بعض ما يتعلّق بهذه الجملات على الاختصار:
الأوّل: إجماع العصابة على التّصديق في المورد الأوّل غير مخصوص بالسّتّة الّذين أوّلهم زرارة وآخرهم محمّد بن مسلم، بل يشمل جميع الفقهاء الأوّلين من أصحاب الإمامين، وإنّما السّتّة المذكورون أفقههم.
وهذا هو الظّاهر من العبارة وإن لم تفد توثيق أحد بعينه؛ لعدم ذكر أسماء غير هؤلآء السّتّة، لكن إذا ثبت في حقّ أحد أنّه من الفقهاء الأوّلين من أصحاب الباقر والصّادق (عليه السلام) بنى على وثاقته لإطلاق هذا الكلام
نعم، إجماعهم في المورد الثّالث مخصوص بالستّة الّذين أوّلهم يونس وآخرهم البزنطي، وأمّا في المورد الثّاني، فالعبارة من هذه النّاحية محتملة للوجهين، فإنّ قدّرنا كلمة: (وهم) تكون كالثالثة وإن قدّرنا: (وأفقههم) تكون كالأوّلى، والظّاهر هو الأوّل.
الثّاني: لا يشمل الإجماع المذكور أبا بصير المرادي وابن فضّال وفضّالة وعثمان بن عيسى؛ لعدم إحراز وثاقة من ادّعاه على تصديقهم، وقول النّوري بعدم جواز النّقل من غير العلماء الأعلام والفقهاء العظام في المقام، غير مدلّل، بل هو مجرّد تخمين وحدس.
الثالث: اختلف الباحثون في تفسير مدلول كلام الكشّي ومعقد إجماعه على أقوال:
القول الأوّل: توثيق هؤلآء الأشخاص فقط، نقل عن صاحب الرياض وبعض آخر، ومال إليه أو قال به الفيض في محكي وافيه، ونسبه بعضهم إلى الأكثر، كما عن الفصول (3)، بل ادّعى آخر عليه الإجماع، وهو مختار السّيد الأستاذ المحقّق في معجم رجال الحديث.
وقد اشتبه كغيره في جعل قول صاحب الرّياض قولا برأسه، فتأمّل.
وبعض المعاصرين نسب إلى صاحب الرياض، والسيّد الكاظمي وصاحب الفصول أنّهم يقولون بدلالة كلام الكشّي على توثيق هؤلآء، وصحّة رواياتهم، ولا دلالة فيه على توثيق من قبلهم؛ وعلى هذا فهو جزء من القول الثاني، وليس قولا برأسه، كما زعم هذا المعاصر.
وعن صاحب الرّياض أنّه لم يعثر في الكتب الفقهيّة من أوّل كتاب الطّهارة إلى آخر كتاب الدّيات على عمل فقيه من فقهائنا بخبر ضعيف محتجّا بأنّ في سنده أحد الجماعة، وهو إليه صحيح.
لكن ردّ عليه تلميذه في أوائل منتهى المقال (4)، وجعل كلامه فاقدا للحقيقة.
القول الثّاني: تصحيح الرّوايات المنقولة عنهم ونسبتها إلى الإمام (عليه السلام) بمجرّد صحّتها عنهم، حتّى لو رووا عن معروف بالفسق أو بالوضع، فضلا عمّا لو أرسلوا الحديث أو أسندوا إلى مجهول أو مهمل، فالمراد بالموصول في قولهم تصحيح ما يصحّ عنهم، هو: المروي دون الرّواية؛ لأنّ الصحة وصف المتن دون السند، فلا يتمّ قول من قال: إنّ ما صحّ عنهم هو الرّواية ـ بالمعنى المصدري ـ دون المروي.
أقول: وعلى هذا لا دلالة لكلام الكشّي على توثيق المروي عنهم لهؤلاء الثقات، إذ الفرض صحّة الرّوايات، حتّى مع فرض كذب المروي عنه، وعليه فصّحة الرّوايات تستند إلى القرائن لا محالة.
نسب المحدّث الكاشاني هذا القول إلى فهم جماعة من المتأخرين (5)، ونسبه بعضهم إلى الشّهرة (6).
القول الثّالث: توثيق هؤلآء الأشخاص، ومن قبلهم إلى الإمام (عليه السلام)، وعليه لا يعمّ الكلام ما إذا كان المروي عنهم من الضعفاء والوضّاعين جمعا بين الأدلة.
نقل هذا عن السّيد الداماد في: الرواشح، والشّيخ البهائي في: مشرق الشّمسين، والعلّامة الحلّي في: رجاله، والحسن بن داود والشّهيد، والمجلسيّين وبحر العلوم.
القول الرابع: تصحيح الرّوايات المنقولة عنهم بمجرّد صحّتها عنهم وعدم ملاحظة حال من قبلهم، سواء كانوا ثقات، أم مهملين، أم مجهولين، نعم، إذا كانوا من الضعفاء فلا تصحّ. وهذا جزء من القول الثاني.
وهذا القول لعلّه المشهور، وعلى هذا يمكن أن يكون التّصحيح مستندا إلى وثاقة الرّواة، ويمكن أن يكون مستندا إلى القرائن والأمارات (7).
أقول: أمّا القول الأوّل، فقد أورد عليه بأنّ الوثاقة أمر مشترك بين هؤلآء الأشخاص وبين غيرهم، فما معنى تخصيصهم بالذكر؟ وجواب هذا الإيراد عندي واضح، فإنّ مراد الكشّي ليس هو مجرّد نقل الإجماع على وثاقتهم، بل مراده نقل الإجماع المذكور عليها مع بيان انقياد العصابة لهم بالفقه والعلم، بل الأفقهيّة في الجملة، والمجموع مزية جليلة وفضيلة عظيمة غير مشتركة بينهم وبين غيرهم.
بل هذا القول هو المتعيّن بالنّسبة إلى الطّبقة الأوّلى؛ لعدم وجود ما يتوهّم دلالته على أكثر من الوثاقة أو الصّدق في كلام الكشّي، وإن شئت فقل: إنّ جملة: تصحيح ما يصحّ عنهم، المذكورة في حقّ الطّبقتين التّاليتين غير مذكورة في حقّ الطّبقة الأوّلى، فسائر الأقوال بالنّسبة إليهم تحكّم وتعسّف، وظنّي أنّ عدّة من الباحثين لم يلتفتوا إلى هذه النّكتة، فلاحظ.
قيل: إنّ قول الكشّي في حقّ الطّبقة الأوّلى نصّ في صحّة رواياتهم، فإنّ المراد من قولهم: أجمعت العصابة على تصديق هؤلآء الأوّلين، تصديقهم في رواياتهم، لا أنّها ظاهرة في التّوثيق لهم، ولا لمن قبلهم.
أقول: علّة التّصديق هي صدقهم، وهو لا يكفي لصحّة رواياتهم مطلقا، بل بمقدار ما يقولون كما صرّح به الكشّي في حقّ الطّبقة الثانية، حيث قال: وتصديقهم لما يقولون.
لا يقال: إنّ ظاهر السّيد الطباطبائي والوحيد ـ رضوان الله عليهما ـ هو ادّعاء الإجماع على التّصحيح المذكور مطلقا، حتّى في حقّ الستّة الأوّلى.
فإنّه يقال: نعم، ولكنّه مبنيّ على الغفلة من عبارة الكشّي، أو اجتهاد منهما؛ لأجل الأوّلويّة ونحوها، وعلى كلّ، ليس هو بحجّة، وعليه فلا يبعد أن نعمّم هذا القول إلى الطّبقتين التاليتين، فإنّ المفهوم من كلام الكشّي أفضليّة الستّة الأوّلى من الثانية والثالثة، فتأمّل. فكيف يستفاد من كلامه زيادة المزية في حقّ غير هؤلآء الستّة؟
نعم، قال المحدّث النوري: بل التّعبير بالوثاقة بها ـ أي: بجملة تصحيح ما يصحّ عنهم ـ أشبه شيء بالأكل من القفا، ولفظ ثقة من الألفاظ الدائرة الشّائعة لا داعي للتعبير عنها بما لا ينطبق عليها مدلوله إلّا بعد التّكلّف (8).
أقول: لا نفسّر التّصحيح بالتوثيق، بل نقول: المراد هو تصحيح الرّواية ومضمونها بالنّسبة إلى هؤلآء، لا مطلقا، كما يقال في الصّحيح إلى ابن أبي عمير عن بعض رجاله، وهذا التّصحيح النسبي يستلزم توثيق هؤلآء فقط بالإجماع.
نعم، هو خلاف إطلاق العبارة المبيّنة لمعقد الإجماع، وبهذا الإطلاق يضعف القول الرابع والثالث أيضا، فإنّ قضيّة إطلاق العبارة المذكورة هي صحّة الرّواية الثّابتة عنهم مطلقا، ولو كان المروي عنه لهم ضعيفا كاذبا، والإنصاف إنّ المقام مشكل من جهة إطلاق الكلام ومن عدم ذكرها في الطبقة الأوّلى بضميمة ما قلنا من عدم أفضليّة الطبقتين الأخيرتين على الطبقة الأولى.
والأستاذ المحقّق أهمل النّظر إلى الأوّل (9)، والمحدّث النّوري غفل عن الثّاني (10) فأصرّ كلّ واحد على خلاف الآخر.
ولو دار الأمر بين اختيار أحدهما لاخترنا حمل التّصحيح على تصحيح الرّواية ـ المروي بالنّسبة ـ، فإنّه أسهل من إثبات مزيّة زائدة للطبقتين على الطبقة الاوّلى. وكيف يجرأ الإنسان على تصحيح مئات أو آلاف الروايات أو توثيق مئات الرجال بمجرّد إطلاق كلام أحد؟
بل لا يبعد أن تكون جملة: وتصديقهم فيما يقولون عطف بيان لقوله: تصحيح ما يصحّ عن هؤلاء.
وعليه فلا إطلاق في كلام الكشّي فإنّ الإجماع ـ على هذا ـ انعقد على تصديقهم فيما يقولون لا مطلقا.
وبالجملة: مقتضى الجمود على إطلاق كلام الكشّي أنّ ما يصحّ عن أحد من الطّبقتين ـ الثانية والثالثة ـ من الفتاوى والتّوثيقات والتّصحيحات، ولو في روايات لم يروها بنفسه، يجب تصحيحها وقبولها. ومن يقبل هذا الإطلاق، فهو أحقّ أن يشكّ في اجتهاده واستقامة ذوقه.
والأحسن بنا أن ننقل الكلام من مقام الإثبات إلى مقام الثّبوت زيادة لتحقيق الحال فنقول: إنّ تصحيح روايات هؤلآء ـ ثمانية عشر (11) أو اثني عشر رجلا ـ ينشأ عن أحد الأسباب التالية:
أحدها: إخبار هؤلآء الرّجال بأنّهم لا يروون إلّا عن ثقة أو صادق.
ثانيها: إخبارهم بأنّهم لا يروون رواية إلّا إذا فهموا صحّتها.
ثالثها: إخبارهم بأنّهم لا يروون الرّواية إلّا عن ثقة أو فهموا صحّتها على سبيل منع الخلو
رابعها: فهم العصابة إنّ هؤلآء الرجال لا يروون إلّا عن ثقة، وإن لم يخبر به هؤلآء أنفسهم.
خامسها: فهمهم أنّهم لا يروون الرّواية إلّا مع القرينة على الصّحة.
سادسها: فهمهم أنّهم لا يروون إلّا معها أو عن ثقة على سبيل منع الخلوّ.
ومنشأ فهم الأصحاب واعتقادهم به ينشأ، إمّا من وقوفهم على جميع الرّوايات المنقولة عن هؤلآء فيكون الإخبار حسّيا،
أو جلالة هؤلآء وشدّة احتياطهم في أمر الدّين فيكون الإخبار حدسيّا، أو الوقوف على كمية منها ثمّ الحدس في الباقي بملاحظة جلالتهم.
سابعها: مطابقة رواياتهم للواقع من باب الاتّفاق فأراد الإمام (عليه السلام) أن يتوجّه الشّيعة إليها وتستفيد منها، ففعل ما أوجب عقد الإجماع عليه فانّعقد.
وقول الشّيخ الطّوسي الآتي من عدّته: فإنّ كان ممّن يعلم أنّه لا يرسل إلّا عن ثقة موثوق به ... من الثقات الّذين عرفوا بأنّهم لا يروون ولا يرسلون إلّا ممّن يوثق به ... يحتمل أحد الوجوه الثّلاثة الّتي ذكرناها في منشأ فهم الأصحاب في السبب السّادس.
أقول: أمّا الأسباب الثّلاثة الأوّلى، فهي منتفية لعدم ذكر منها في كلام الفقهاء والمحدّثين والمؤرّخين والرجاليّين مثل: الكشّي والنجّاشي والشّيخ وغيرهم. ونحن لم نقف على نقل ضعيف يتضمّن ذلك عن أحدهم فاختياره رجم بالغيب بل نحن نطمئن بعدمه، بل قول الشّيخ (رحمه الله): الّذين عرفوا بأنّهم ... يدلّ على عدم إخبارهم، وإلّا لعبّر: بالّذين أخبروا بأنّهم ...وأمّا مشاهدة الأصحاب ووقوفهم على كون روايات هؤلآء على أحد الأقسام الثّلاثة، فهي أيضا ضعيفة، ولا نحتمل احتمالا عقلائيا وقوف كلّ واحد من العلماء على جميع روايات كلّ واحد من هؤلآء الأشخاص على كثرتها، سواء دوّنت في الكتب أم لم تدوّن، حتّى اطّلعوا على وثاقة رواتها أو قرائن صحّتها.
وهذا محمّد بن مسلم نقل عنه الكشّي بسند غير معتبر (12) إنّه سأل أبا جعفر (عليه السلام) عن ثلاثين ألف حديث، وسأل أبا عبد الله الصّادق (عليه السلام) عن ستّة عشر ألف حديث.
إلّا أن يقال: انّ هذه الرّوايات وأمثالها ممّا رواها أحد هؤلآء عن الأئمّة (عليهم السلام) بلا واسطة غير محتاجة إلى القرائن، وخارجة عن محلّ البحث كما لا يخفى، ومحل النّزاع ما إذا توسط بينهم وبين الإمام أحد المجهولين أو الضعفاء أو أكثر.
على أنّ نظر الرّاوي أو العالم في القرائن غير متبع لغيره لاختلاف الأنظار في هذه الأمور الاجتهاديّة، وأمّا الحدس المطلق أو بعد الاستقراء النّاقص، ففي السبب الخامس والسادس غير مفيد في الحكاية والمحكي، وفي الرابع في الحكاية فقط.
أمّا في المحكي، فلأنّ الأنظار تختلف في القرائن النّظريّة الاجتهاديّة أوسع اختلاف، فلا يكون فهم أحد حجّة على غيره.
وأمّا في الحكاية فأوّلا: إنّا لا نحتمل اتفاق جميع علماء الإماميّة على ذلك، ولم يظهر لنا كميّة العصابة المجمعة على التّصحيح المذكور، وهذا النجّاشي لم يذكر في ترجمة أحد، حتّى ابن أبي عمير وصفوان والبزنطي، هذا الإجماع فيظهر منه عدم ارتضائه به. وهذا المحقّق الحلّي يقول في محكي آداب الوضوء من معتبره:
ولو احتجّ بما رواه ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا، كان الجواب الطعن في السند؛ لمكان الإرسال، ولو قال مراسيل ابن أبي عمير يعمل بها الأصحاب، منعنا ذلك؛ لأنّ في رجاله من طعن الأصحاب فيه، وإذا أرسل احتمل أن يكون الرّاوي أحدهم.
وإذا: ليس حدسهم يفيد العلم الوجداني لنا، ولا العلم التعبّدي.
وقيل: إنّ المحقّق (رحمه الله) ابتلي بالتناقض في هذا البحث، فإنّه في بحث الكرّ من معتبره ادّعى عمل الأصحاب بمراسيل ابن أبي عمير.
ويمكن أن يجاب عنه: بأنّ إنكاره مؤخّر عن ادّعائه في كتاب المعتبر (13) فيحمل إنكاره على عدوله عن قوله الأوّل.
وثانيا: إنّا وقفنا على رواية هؤلآء من الضعفاء (14)، فكيف نقول إنّ العصابة لكثرتهم مصونة عن الاشتباه في حدسهم هذا، على أنّ ابن أبي عمير قد غاب عن نفسه أسماء من روي عنهم بعد خلاصه من السجن، فاضطرّ إلى أن يروي مرسلا، فكيف يمكن لغيره أن يطّلع عليهم ويدّعي وثاقتهم؟ فافهم.
وأمّا السّبب السّابع، فهو وإن كان ممكنا على بعد بعيد إلّا إنّ إثباته بالإجماع المنقول غير المعتبر، غير ممكن، ودعوى إنّ الإجماع مفيد للظنّ، والظنّ حجّة في المسائل الرجاليّة ممنوعة صغرى وكبرى، فإنّا غير ظانّين به ولا دليل على حجيّة الظّنّ في الرجال إلّا ما ادّعى عليه من الإجماع عليها، فيؤل الأمر إلى حجيّة الإجماع المنقول بالإجماع المنقول، وفساده أوضح من أن يخفى.
والمتحصّل من الجميع بعد التجنّب عن إثبات الأمور الخارقة للعادات بإطلاق كلام العلماء، وهو صحّة القول الأوّل، ومع عدم التجنّب المذكور نختار القول الثّاني، ولا دليل على القولين الآخرين، والله أعلم بالصواب.
نعم، إذا قلنا: إنّ الصّحيح عند القدماء عين ما هو عند المتأخّرين ـ كما يدّعيه النوري ـ يصحّ القول الثالث عوض القول الثّاني.
الرابع: إنّ حجيّة هذا الإجماع المدعى في كلام الكشّي ليست من جهة حجيّة الإجماع المنقول، فإنّا لا نقول بها، ولو كان ناقله من هو فوق الكشّي كالشّيخ الطّوسي قدس سره بل لأجل كشفه عن وجود جماعة من الموثّقين، وقد سبق إنّا نعتبر قول مخبر واحد في التّوثيق خلافا لمن اعتبر التّعدّد فيه.
الخامس: جعل هؤلآء الأفراد في ثلاث طبقات أو حلقات غير مناسب، بل كان على الكشّي أن يقسمّهم على حلقات أكثر منها، وقد فصّل هذا الموضوع الفاضل الكلباسي على أشكال في بعض كلامه (15).
السّادس: بالغ المحدّث النّوري، فإنّه بعد اختياره القول الثالث ذهب إلى حجيّة فتاوى هؤلآء الأشخاص (16)؛ لإطلاق الموصول في قول الكشّي: تصحيح ما يصحّ عنهم ولم يكتف به حتّى قال (17):
إنّ ما ذكرنا من الوجه في عدم جواز الحكم بصحّة حديث راو على الإطلاق إلّا من جهة وثاقته ووثاقة من بعده إلى المعصوم (عليه السلام)، وفساد احتمال كونه من جهة القرائن، جار في قولهم في بعض التّراجم: صحيح الحديث.
ولا فرق بينهم وبين أصحاب الإجماع إلّا من جهة الإجماع في هؤلآء دونهم، وهم جماعة أيضا:
إبراهيم بن نصر بن القعقاع الجعفي، روي عن أبي عبد الله وأبي الحسن (عليه السلام)، ثقة صحيح الحديث.
أبو عبد الله أحمد بن الحسن بن إسماعيل بن شعيب بن ميثمّ التمّار الكوفي، ثقة صحيح الحديث.
أبو حمزة أنس بن عياض الليثي ثقة صحيح الحديث.
أبو سعيد جعفر بن أحمد بن أيّوب السمرقندي صحيح الحديث.
الحسن بن علي بن بقاح الكوفي ثقة مشهور صحيح الحديث.
الحسن بن علي بن نعمان الأعلم ثقة ثبت، له كتاب نوادر، صحيح الحديث.
سعد بن طريف صحيح الحديث.
أبو سهل صدقة بن بندار القمّي ثقة صحيح الحديث.
أبو الصلت الهروي عبد السلام بن صالح روي عن الرضا (عليه السلام)، ثقة صحيح الحديث.
أبو الحسن علي بن إبراهيم بن محمّد الجواني، ثقة صحيح الحديث.
النضر بن سويد الكوفي ثقة صحيح الحديث.
يحيى بن عمران بن علي بن أبي شعبة الحلبي روي عن أبي عبد الله وأبي الحسن، ثقة صحيح الحديث.
أبو الحسين محمّد بن جعفر الأسدي الرازي، كان ثقة صحيح الحديث الخ.
واستظهره من عبارة السّيد الداماد أيضا إذا وقعت ـ أي كلمة صحيح الحديث ـ بعد كلمة ثقة (18).
أقول: الظّاهر أنّ المراد من صحّة الحديث في هذه الموارد هو مطابقته للكتاب والسّنة والقواعد المقرّرة عند الشّيعة، وخلوه عن المنكرات والصعوبات الّتي يحتاج حلّها إلى التّأويل والتّصرف ونحو ذلك، لا ما تخيلّه النوري، ويؤيّده قول الرجاليين في بعض الموارد صحيح الحديث إلّا انّه روي عن الضّعفاء.
وبالجملة: الشّيخ النّوري من المفرطين في التّوثيق والتّصحيح فلا يجوز إتباعه. فإنّه جوّز تقليد الميّت غير الإمامي كابن فضّال وابن بكير ابتداء بمجرّد إطلاق كلام الكشّي، وهو كما ترى.
ثمّ هل تدلّ هذه الكلمة: صحيح الحديث، على وثاقة المقول فيه أم لا؟ ادّعى النّوري صراحة جماعة على الأوّل، ولكنّا لا نستفيد منها الحسن أيضا، فإنّ مطابقة مضمون الحديث للكتاب أو السّنّة أمر ووثاقة الرّاوي أمر آخر.
وينبغي التنبيه على أمرين:
الأوّل: قال المامقاني رحمه الله (19) ... حتّى لو صحّ وصف الإجماع المنقول بالتواتر، لصحّ أن يقال: إنّ هذا الإجماع قد تواتر نقله، وصار أصل انعقاده في الجملة من ضروريّات الفقهاء والمحدثين وأهل الدراية والرجال (20). والمراد بهذا الإجماع ليس المعني اللغوي، وهو مجرّد اتّفاق الكلّ، بل المعني المصطلح وهو الاتّفاق الكاشف عن رأي المعصوم، على أن يكون المجمع عليه هو القبول والعمل بروايات أولئك ...
أقول: إن أراد أنّ المتواتر هو نقل الإجماع عن الكشّي، فهذا غير نافع على تقدير ثبوته، وإن أراد التواتر في الإجماع المنقول، فهو ممنوع؛ لأنّ مستند كلّ من ادّعاه هو كتاب الكشّي ظاهرا.
وعلى كلّ ادّعاء كون الإجماع المذكور من ضروريّات الفقهاء والمحدّثين و ... مبالغة، فإنّ القمّيّين على ما ذكره الشّيخ في موضعين من رجاله ضعّفوا يونس بن عبد الرحمن، وهو أحد أصحاب الإجماع المذكور. ويقول الشّيخ في باب أصحاب الرضا (عليه السلام) في حقّه: طعن عليه القمّيون، وهو عندي ثقة.
فلو كانت وثاقته مسلّمة عند الأصحاب لم ينسبها إلى نفسه، على أنّ جملة من الفقهاء في بعض الموارد ضعفّوا بعض هؤلآء، وإليك بيان بعض موارده على ما نقله بعض أهل التّتبع:
1. العلّامة، قال في حقّ ابان بن عثمان في كفارة من أتي امرأته وهي حائض: وفيه قول (21).
بل قال فيما يبطل به الصّلاة: في طريقها ابان بن عثمان: فلا تعويل على روايته (22) وفي محل من المنتهي حكم بكونه ضعيفا (23).
2. المحقّق الحلّي في المعتبر: ضعّف أبان (24) كما أنّه في حيض المعتبر (25) ضعّف عبد الله بن بكير.
3. فخر المحقّقين في الإيضاح: ضعّفه أيضا (26).
4. ضعّف العلّامة في منتهى المطلب رواية ابن بكير؛ لأجل كونه فطحيّا (27).
5. احتمل الشّيخ في استبصاره: كذب عبد الله بن بكير، وهذا الاحتمال وإن لم يكن مقبولا، لكنّه ينافي إجماع الكشّي (28).
والمتتبّع يجد أكثر من ذلك. ولا حظ رسالة المحقّق السّيد محمّد باقر الشّفتي حول أبان بن عثمان أيضا.
ثمّ الكشّي حسب دلالة العبارات الثّلاثة نقل إجماع العصابة، وإجماع الأصحاب على التّصديق وتصحيح ما يصحّ عن هؤلآء. وإقرار العصابة بالفقه والعلم فيكون المراد من الإجماع هو معناه اللغوي، فإنّ مورده لم يكن حكما شرعيّا، ومدرك هذا الإجماع هو شهرة وثاقتهم وكمال أمانتهم وعلمهم.
وإن فرض كونه إجماعا تعبّديا معقده قبول روايات هؤلآء تعبّدا، فهو إجماع منقول غير حجّة (29).
الثّاني: قال المحدّث النّوري رحمه الله حول أهميّة هذا البحث:
إذ على بعض التقادير يدخل آلاف من الأحاد الخارجة عن حريم الصّحة إلى حدودها، أو يجري عليها حكمها (30).
أقول: لكنّنا لم نستفد منه تصحيح رواية واحدة، ولا وثاقة أحد غير وثاقة هؤلآء الثمانية عشر رجلا.
وإن شئت، فقل: إنّ فائدة هذه العبارات الثّلاثة للكشّي رحمه الله إنّما تظهر في حقّ أبان بن عثمان ومعروف بن خربوذ فقط؛ إذ وثاقة غيرهما قد ثبتت من غير هذه العبارات أيضا. فسبحان من جعل الأفهام مختلفة!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) اختيار معرفة الرجال: 206، أي: الكتاب الموجود المنسوب إلى الكشي، الّذي هو من اختيار الشّيخ ظاهرا. وهذا هو المختار حسب الرّوايات الآتي بعضها في البحث الثالث والعشرين. ويأتي فيه نقل الكشّي عن علي بن الحسن بن فضّال إنّ أبا بصير الأسدي كان مخلطا ـ أي: بحسب اجتهاد ابن فضّال.
(2) المصدر: 322.
(3) الفصول: 303؛ وانظر: مقباس الهداية للمامقاني: 71.
(4) منتهى المقال: 1 / 56.
(5) مستدرك الوسائل: 3 / 760.
(6) مقباس الهداية بآخر تنقيح المقال: 71.
(7) انظر: مستدرك الوسائل: 3 / 763.
(8) لقائل أن يقول للنوري ما فائدة ذكر التصديق بعد ذكر التّصحيح على زعمك في معقد الإجماع المذكور؟ ولعلّ الدّاعي للكشّي هو التفنّن في العبارة.
(9) معجم رجال الحديث: 1 / 53. ولعلّه لانصراف الإطلاق إلى تصحيح الرّواية ـ بالمعنى المصدري ـ إلى المروي عنه لهم فقط، كما هو محتمل غير بعيد.
(10) بل زعم وحدة المعنى للعبارتين في الموارد الثّلاثة، وهو واضح الفساد.
(11) بل أكثر لما مرّ من شمول كلام الكشّي في الطبقة الأوّلى لغير السّتّة المذكورين.
(12) انظر: رجال الكشّي: 163، ترجمة: محمّد بن مسلم، طبعة، جامعة مشهد ستة 1348 ه ش: رقم 276.
(13) المعتبر: 10، 41، الطبعة القديمة.
(14) لاحظ: معجم رجال الحديث، ج 1، ص 59، تجد بعض رواياتهم عن الضعفاء.
(15) سماء المقال: 2 / 319، الطّبعة المحقّقة.
(16) خاتمة المستدرك: 3 / 768.
(17) المصدر: 769.
(18) الظاهر من كلام السّيد الداماد أنّ كلّا من: ثقة وصحيح الحديث يفيد ذلك المعني. انظر: رجال بحر العلوم: 4 / 70.
(19) مقباس الهداية: 70.
(20) لم يذكر النجّاشي هذا الإجماع بوجه، فأين الإجماع؟
(21) المنتهى: 1 / 116
(22) المصدر: 296.
(23) المصدر: 120 و523.
(24) المعتبر: 1 / 125، 245، 580.
(25) المعتبر: 1 / 56.
(26) الايضاح: 4 / 631.
(27) منتهي المطلب: 1 / 102.
(28) استبصاره: 3 / 276، ح 982.
(29) وممّا يؤكّد انّه ليس باجماع مصطلح في أصول الفقه وعلم الفقه، أنّ تعبير الكشّي في حقّ الطّائفة الأولى: اجتمعت العصابة.
وفي حقّ الثالثة: اجمع (اجتمع) أصحابنا، فلم يثبت كلمه الإجماع إلّا في حقّ الثانية، فدقّق النظر.
(30) مستدرك الوسائل: 3 / 757.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|