أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-04-30
747
التاريخ: 2023-05-23
851
التاريخ: 6-12-2020
2000
التاريخ: 2023-05-20
1071
|
حاول الجلدكي أن يُعَمِّم مَفاهيم ومبادئ علم الميزان وميزان النار على كافة أرجاء الكون، فكل كبيرة وصغيرة محكومة لميزان دقيق في وجودها. وقد وجد أن الهندسة الرياضياتية تقوم بدور مهم، وهو أنَّ لها قدرةً على تعديل هذه الموازين، يقول في ذلك: «وقد اتفق الحكماء على أن أصل العلوم الرياضية [هو] علم العدد والحساب ثم علم الهندسة؛ لأنَّ الموازين كلها لا تُعدل إلا بالهندسة.» 101
ثم يُحاول أن يضبط موازين كُرات العناصر الطبيعية مستخدمًا وحدة الدرجات الزاوية بشكل صريح، فيقول:
بعدها يُصنف الجلدكي الحرارة (أو النار كما يُسمّيها) إلى سبع طبقات، على غرار ما فعل المجريطي، لكنه كان أكثر تفصيلا في الأمثلة المقابلة لكل طبقة:103
(1) الأولى: نار باردة، حيث يظهر لها أثر ما مع وجود البرودة فيها.
(2) الثانية: نار فاترة، وهي مثل ماء العفن في الحمى العفينة الرقية ونار التعفين 104 التي تُستخدم في الكيمياء.
(3) الثالثة: نار خامدة، مثل النار التي في الأحجار والصوّان؛ فهي كامنة ولا تظهر إلا بالقدح والحركة.
(4) الرابعة: نار حارة؛ مثل حرارة الشمس والنار الرمضاء وحرارة الحمام.
(5) الخامسة: نار حامية، مثل نار الطبخ بالحطب ونار التقطير.
(6) السادسة: نار شديدة، مثل نار الحطب بالأفلاق 105 الكبيرة أو نار التصعيد.
(7) السابعة: نار مسعرة متوقدة، مثل النار الهائجة كالكور أو نار الصاعقة القوية.
أعطى الجلدكي أيضًا لكل طبقة من هذه الطبقات 1/2/1/10 * 1/3 51 درجة زاوية، وهو يُعادِل بشكل عشري الرقم 51.42857142857143 = 360/7 أي قسم 360 درجة على سبع طبقات فنتج لديه هذا العدد الذي تأخذه الطبقة الواحدة.
وقد أعطى سبعة أحرف للطبقات السبع السابقة هي: 106 أ هـ ط م ف ش ذ.
وهي تقسيمات المجريطي نفسها لدى المقارنة معها. وكما نلاحظ أنَّ القيم تبدأ من (1) وحتى (700)، لكنه لا يفسر لنا سبب اختيار هذه الأرقام دون غيرها؛ أي لماذا لم يختر الأرقام ضمن المجال [7-1] بشكل مرتب وإنما اختارها بهذا الترتيب، إلا بشكل متأخر عن وصفه لها؛ إذْ يقول في الجزء الرابع: «اعلم أيها الأخ أن موضوع علم الميزان متعلق بالبحث عن كل ما يتعلق بالنسب والإضافات والكم والكيف، والأحوال، والانفعالات، ومراتب الصنائع، والأعمال والإحالات والاستحالات في سائر المولدات الثلاث. واعلم أنَّ أول موضوعات هذا العلم بالموازين متعلّق بالعلوم الرياضية وهو علم العدد والحساب الموضوع على الصحة والصدق من غير اختلال، وهو أول مظاهر أسرار علم الميزان. وقد قلنا غير ما مرة إنه ما سمي الميزان ميزاناً إلا لقصد الاستقامة والتعديل والتسوية.»107 ثم يُحاول أن يفسر سبب البدء بالرقم (1) فيقول: «إن أول ما وضع من علم الحساب إطلاق اللفظ على الواحد، وهذا اللفظ هو قسم من أقسام الميزان المعنوي؛ فإنه قد يُطلق ويُراد به معنى الوحدة على الإطلاق.» 108 أي إنَّ الزمان واحد والعقل الأول واحد والنفس الكلية واحدة، وهكذا.
أَمَّا الرَّقم (5) فقد وُضِع على الكواكب المتحيّرة الخمسة والحواس الظاهرة الخمسة والأصابع الخمس وهكذا.
والرقم (9) هو نهاية مراتب الآحاد، وفيه إشارة إلى الفلك التاسع المحدد للجهات.
أما الرقم (7) المتعلّق بعدد طبقات النار فهو مبني على أساس الصفة المقدسة؛ فالسموات سبع والأراضين سبع والكواكب سبعة والألوان سبعة، والأجساد (أي المعادن) سبعة في عهده.
لكن بتحليل أدق، سنجد أن الأرقام السابقة إما مجموع (4) مع رقم آخر أو جداء (4) برقم آخر، ورقم (4) يُشير إلى الكيفيات الأربع الموجودة في كل مادة.
تنبه الجلدكي إلى أن «الحرارة المفرطة لا تدخل في هذا التقسيم ولا البرودة المفرطة؛ لأنَّ ميزان الحرارة المفرطة لا يُحدُّ بهذه الحدود، وكذلك البرودة المفرطة لا تُحدُّ الحدود؛ لأنهما علَّتان للفسادِ المحضِ في القوة والفعل، وإنما هذه الحدود على الحرارة والبرودة المتوسطة لوجود التركيب بالقبول.» 109 وذلك لأنَّ طريقة ميزان النار نظرية وهي محدودة بقيم محدَّدة لا يمكن أن تتجاوزها في القياس. وسنجد لاحقا، أنه حتى العلماء الأوروبيين لم يستطيعوا استخدام موازين الحرارة الأولى لقياس درجات الحرارة المفرطة على جانبي الطيف الحراري، وكان عليهم الانتظار حتى يتم اختراع البيرومتر Pyrometer لقياس درجات الحرارة المرتفعة، وطريقة اللورد كلفن في القرن 19م النظرية لقياس درجة البرودة المطلقة.
وقد قدَّم لنا الجلدكي وصفه للميزان النظري الذي وضعه فقال: «واعلم أن لكل ميزان من هذه الموازين عمودًا موضوعًا على سطح الهواء محمولًا به معلقًا من الوسط على نسبة السواء بالحامل ورأسه ولسانه مركَّب على الوسط بين حاو ومحوي؛ فالحاوي هو الفلك، والمحوي هو اللسان، واللسان له نسبة الوقوف في الوسط والعلائق والكفتان موضوعة في التركيب من الجانبين على السوية بحيث لا ترجح الكفة عن الأخرى بمثقال ذرة أبدًا، وعلى كلِّ من أجزاء الميزان يمنة ويسرة على القلب واللسان والجناحين والعلائق والكفَّات نسب موضوعة وأعداد معلومة، وتارةً تكون الأعداد متقابلة على السواء وتارةً تكون متماثلة.» 110 فالميزان وإن كان يشبه بشكله الميزان الوزني إلا أن ما يقيسه كل واحد منهما يختلف عن الآخر، ثم يوضّح الفرق بين الميزان النظري الذي يعتمد على الرياضيات والفكر المجرد، والميزان الوزني بقوله: «واعلم أنَّ علم جميع الميزان راجع إلى علم العدد والحساب وقلنا إنما سُمي الميزان ميزانا إلا لمعنى القصد في الاستقامة والتعديل والتسوية الراجعة للعدل الذي هو القسطاس المستقيم إن من علم الميزان ما هو ظاهر للحس مُشاهَد بالبصر معلوم في الوضع وهو المتعلق بميزان الكم التي غايتها معرفة الأرطال والأواق والدراهم والمثاقيل بالصنج المعلومة الأوزان المفردة. وأما الموازين المعنوية المعتبرة في الكيف فلها أمثلة ظاهرة للحس وتُشابه في أعدادها موازين الكم، ولها أمثلة باطنة لا تُدرك إلا بالعقل وبالتمييز والتصريف.» 111 ثم يُدلّل على صحة كلامه بالمثال الآتي: «والمثال في ذلك أن تعلم أن النار والهواء مخفيان عن البصر معلومان بالأثر، والنار في غاية الخفة ولا وزن لها في الكم الجسماني، وإنما ظهر آثار موازينها في الكيف العقلي وهو طبع الحرارة مطلقًا، وكذلك البرودة كيفية مطلقة بموجب وجود البرد الحسي الفاعلي، وموازينها بالعقل والمعنى مُدرَكة معلومة بالقوة والفعل الحقيقي.»112
إذن نفهم من المثال الذي طرحه الجلدكي السبب الذي دعا الكيميائيين العرب لاعتماد ميزان حرارة للكيفيات؛ فنحن لا نرى النار بالبصر وإنما نعلمها بالأثر، لكن الجلدكي لا يتفق مع جابر بأنَّ للحرارة وزنا؛ فهي في منتهى الخفة لذلك كان لا بد من الاستعانة بالتصور الذهني في تقديرها ومعرفة درجاتها «واعلم أنَّ المدرَك من ميزان الحرارة كيفية التسخين والحر مطلقًا، وهو على مراتب ودرجات قد ذكرناها مفصلة في ميزان العنصر الناري ومراتبه، والمدرَك من كيفية البرودة ميزان التبريد والبرد مطلقًا وله مراتب ودرجات.» 113
لكنه يُؤكِّد على ما دَرَج عليه السابقون بأنَّ النار هي اجتماع كيفية الحرارة مع كيفية اليبوسة في المادة «والماهيات التي من شأنها ظهور اليبس والخشونة في سائر الأجسام، فإن أفرطت الحرارة أحرقت وميزان الحرارة المحرقة قدمنا ذكره في ميزان النار، وإن أفرطت البرودة أجمدَت، وإنْ أفرطت الرطوبة ليَّنَت، وحللت وإن أفرطت اليبوسة يبست وحجَّرَت وجفَّفَت، وإن قارنت الحرارة اليبوسة استحالت نارا، وإن امتزجت الحرارة بالرطوبة استحالت هواء، وإن امتزجت الرطوبة بالبرودة استحالت ماء، وإن سرت البرودة في اليبوسة استحالت أرضًا أو جمادًا أو صخرًا أو مدادًا بإذن الله تعالى.» 114
وقد كشف لنا الجلدكي عن الطريقة التي يستخدمها الكيميائيون العرب من أجل ضبط كمية الحرارة الخارجية التي ينصهر عندها المعدن وهي (عدد النفخات لكل درهم)؛ أي كانوا يَزِنون المادة بوحدة الدرهم، ثم يقومون بالنفخ عليها بوساطة الكير بعدد محدد من النفخات يقول الجلدكي: «واعلم أنَّ الأدهان المستخرجة من القرون والحوافر بالتقطير من أغرب الأشياء أو أعجبها في تدبير الحديد بمجرد اللطخ والحمي وتكرار العمل إلى أن يُبخّر في الحمي فيُذاب حينئذٍ ويُطاعم من البواريق المدبرة للبياض، فإنه يذوب ويجري ويخرج من توباله 115 بتكرار العمل إلى أن يصير كالفضة بياضًا، ويكون دورانه في عدة النفخات في أسرع من دوران الفضة مع أن ميزان دوران المثقال منه في عدة 400 نفخة، وأمَّا ذوَّاب الفضة الحجر فالمثقال يذوب في عدة 80 نفخة إذا كانت الفضة مسخّرة فيذوب المثقال في 70 نفخة، فيحتاج الحديد إلى أقراط في التليين حتى يذوب المثقال في 70 نفخة».116
هذه الطريقة سيعود ويشير إليها مؤلّف كتاب «التحولات المرغوبة، أو عن النفي والإيجاب في تصحيح الحكمة» المجهول حيث قال: «وأما ميزان إذابة القلعي لكل درهم بالكور والنفخ عشرة من العدد؛ أي النفخات، وإن كان القلعي المذاب أوقية فيكون له ميزان الإذابة على حساب ما تقدَّم في الدرهم من غير زيادة فافهم، وهو المعتمد عليه وهو المكتوم الذي لا يُباح إلا لمستحقه وأما الأسرب فميزانه زايد عن إذابة القلعي بمقدار خمس نفخات لكل درهم، وتعرف فيه أيضًا الدرجات كما علمناك في القلعي، فاعلم ذلك وتنبه ترشد والله الموفّق للصواب.»117
وهو ما يؤكِّد شيوع وانتشار ونجاح هذه الطريقة التطبيقية في القياس الحراري بين أوساط الكيميائيين العرب، حتى وإن كانت تقريبية.
لا تتم عملية النفخ التي تحدث عنها الجلدكي بوساطة الفم، وإنما بوساطة منفاخ يدوي جلدي مخصَّص لذلك كما هو موضّح في الشكل؛ فعند إبعاد المقبضين عن بعضهما يدخُل إليه الهواء، وعند تقريب المقبضين من بعضهما يخرج منه الهواء وهذه تُسمَّى بنفخة واحدة. (مصدر الصورة: شكر، جابر الكيمياء عند العرب، ص 64.)
______________________________________________
هوامش
101- الجلدكي، أيدمر، البرهان في أسرار علم الميزان، ج 1، مخطوطة في مكتبة ويلكم، لندن، رقم (29_WMS_Arabic)، ص96.
102- المصدر السابق نفسه، ص445.
103- آل ياسين جعفر، الفارابي في حدوده ورسومه عالم الكتب، ط1، بيروت، 1985م، ص154.
104- نار التعفين يُقصد بها النار القريبة من درجة حرارة الدجاجة عندما تحضن بيوضها، والمعفّن Rotten putrid «اسم مفعول من التعفين بالفاء وهو عند الأطباء دواء يُفسد مزاج الروح والرطوبة الأصلية حتى لا يصلح الروح لما أُعدَّت له كالزرنيخ. كذا في بحر الجواهر.» عن موسوعة كشاف اصطلاحات الفنون والعلوم التهانوي، محمد بن علي (المتوفى بعد 1158هـ)، تقديم وإشراف ومراجعة: د. رفيق العجم، تحقيق: د. علي دحروج نقل النص الفارسي إلى العربية: د. عبد الله الخالدي، الترجمة الأجنبية: د. جورج زيناني، ط 1، ج 2، مكتبة لبنان ناشرون، بيروت، 1996م، ص1592.
105- يقصد الشقوق الكبيرة.
106- الجلدكي، أيدمر، البرهان في أسرار علم الميزان، ج 1، مخطوطة في مكتبة ويلكم، لندن، رقم (29_WMS_Arabic)، ص446.
107- الجلدكي، أيدمر، البرهان في أسرار علم الميزان، ج 4، مخطوطة في مكتبة ويلكم، لندن، رقم (201_WMS_Arabic)، ص271
108- المرجع السابق نفسه، ص271.
109- المرجع السابق نفسه، ص281.
110- الجلدكي، أيدمر، البرهان في أسرار علم الميزان، ج 4، مخطوطة في مكتبة ويلكم، لندن، رقم (201_WMS_Arabic)، ص288.
111- المرجع السابق نفسه، ص289-288.
112- المرجع السابق نفسه، ص288-289.
113- المرجع السابق نفسه، ص289.
114- الجلدكي، أيدمر، البرهان في أسرار علم الميزان، ج 4، مخطوطة في مكتبة ويلكم، لندن، رقم (201_WMS_Arabic)، ص289.
115- ما يتطاير من المعادن عند طرقها.
116- المرجع السابق نفسه، ص158.
117- مجهول، التحولات المرغوبة، أو عن النفي والإيجاب في تصحيح الحكمة، دار الكتب والوثائق القومية المصرية، مخطوطة رقم (13 كيمياء)، ص 27 و.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|