مفهوم الانتقال من الكُمُون الحراري إلى الحرارة الكامنة عند إبراهيم النَّظام (القرن 3هـ/9م) |
909
01:23 صباحاً
التاريخ: 2023-05-04
|
أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-05-07
898
التاريخ: 2023-05-02
732
التاريخ: 2023-05-13
1179
التاريخ: 2023-04-27
797
|
يُصَنَّف إبراهيم النَّظام في الطبقة السادسة من طبقات المعتزلة، 18 ويُقِرُّ الكثيرون بذكائه وقدرته على ابتكار الجديد من الأفكار، وقد لاحظنا أنَّه لا يخوض في أمرٍ ما إلا لهدف أو غاية، وليس الكلام من أجل الكلام.
فيما يتعلق بكلامه في الكمون فقد كان يَتَعَلَّقُ عنده بأمرين؛ كمون الأعراض، وكمون الموجودات. وكان النَّظام يقولُ بكلا النوعين، ويقصد بكُمون الأعراض: «أن الأعراض قديمة في الأجسام غير أنها تكمن في الأجسام وتظهر، فإذا ظهرت الحركة في الجسم كمن السكون فيه، وإذا ظهر السكون فيه كمَنَت الحركة فيه، وكذلك كل عَرَضٍ ظَهَر كَمَنَ ضده في محله.» 19
أما كمون الموجودات فقد كان يُقسمه إلى ثلاثة أنواع: 20
(1) كُمون الاختناق وهو الذي نجده في كُمون الزَّيت في الزَّيْتُون والدهن في السمسم والعصير في العنب، وهذا النوع لا يُعارضه فيه أحد.
(2) كمون ما هو بالقُوَّة، كالنخلة في النواة والإنسان في النُّطفة.
(3) كمون العناصر المتضادة حيث تتكون الأجسام عنده من عناصر وأجناس متضادة، مثل عود الحطب المُكَوَّن من نار وماء وتراب وهواء أو دخان، والنار حر وضياء، والماء سيولة ورطوبة.
وحسب التقسيمات السابقة فإنَّ مفهوم الكمون أعم وأشمل من مفهوم القوة والفعل الذي جاء به أرسطو قبل ذلك.
أما قول النظام وأتباعه بكمون صفات المادة، يعني استقلال هذه الصفات عن الذات المدركة، وبذلك فإنَّه يذهب عكس ما قاله الفيلسوف الإنكليزي جورج باركلي
G. Berkeley (1658-1753م) في القرن 18م. 21
وقد تكلَّم الشهرستاني عن مصدر مَذْهب النَّظَّام فقال: «وإنَّما أخذ هذه المقالة من أصحاب الكمون والظهور من الفلاسفة، وأكثرُ مَيله بدأ إلى تقرير مذاهب الطبيعيين منهم دون الإلهيين.» 22 وقول الشهرستاني «أخذ هذه المقالة» رُبَّما يعني بهم الرواقيين، فقد كانت تجري له مناظرات مع الديصانية 23 وغيرهم من الفرق التي ظهرت في عصره. ويُقرر الباحث جوزيف هورفتز J. Horovitz أنَّ قول النظام في الكمون يرجع إلى العِلَّة البذرية عند الرواقيين، وهو أنَّ الأشياء بجملتها كانت كامنة في الجسم الأول أو العقل على هيئة بذور، وأنَّها تظهر منه بالضرورة كظهور الحيوان أو النَّبات من البذرة، ثم يرجع هورفتز إلى نص آخر ذكره الشهرستاني، وقال فيه إنَّ أول من تكلم عن الظهور والكمون هو أناكساغوراس، 24 وقد أكد ذلك المستشرق الألماني ماكس هورتن M. Horten أيضًا. لكن الفرق بين أناكساغوراس والنظام أنَّ النار – عند الأخير – كامنة في كل العود، وهي تمثل أحد أركانه الأربعة: النار والدخان، والماء، والرماد، وبذلك فإن العناصر المفردة متناهية العدد، في حين افترض أناكساغوراس أن عناصر الأشياء كلها في كل شيء، فالنبات فيه مثلا جميع الأشياء، ولكنها مختلطة ومتناهية في الصغر، لذا يتعذر مشاهدتها. 26
من ناحية أخرى، ينقل لنا الجاحظ رَدَّ النَّظام على أصحاب الأعراض الذين اعترضوا على القول بكُمُون النار في الخشب، فقد قال النَّظام: «فإن اعترض علينا معترض من أصحاب الأعراض فزعم أنَّ النار لم تكن كامنة وكيفَ تكمن فيه وهي أعظم منه؟ ولكنَّ العُودَ إذا احتك بالعُود حَمِي العودان، وحمي من الهواء المحيط بهما الجزء الذي بينهما، ثم الذي يلي ذلك منهما، فإذا احتدم رَقّ ثم جفَّ، والتهب؛ فإنما النار هواء استحال، والهواء في أصل جوهره حارٌّ رَقيق، وهو جسم رقيق وهو جسمٌ خَوَّارٌ جيد القبول سريع الانقلاب.» 27 إذن حتى يُخْرِج العُودُ الحرارة الكامنة بداخله، وتحدث عملية الاحتراق لا بد من توفر العناصر المساعدة مثل الاحتكاك والهواء.
أخيرًا، واعتمادًا على مفهوم الكُمون الحَرَاري حاولَ النَّظام تفسير عملية غليان الماء كما يأتي: عندما يتم تسخين الماء فإنَّ انطلاق الفقاعات منه ليست مجرد هواء، كما يعتقد الكثيرون، وإنما هذه الفقاعات عبارة عن عنصر ناري كان كامنًا في بنية الماء، وقد تهيج وانطلق من أسره بتأثير النَّار الخارجية، فرفعت معها أجزاء من الماء، وهكذا فإنَّ النار والماء يمكنهما أن يُوجَدا جنبًا إلى جنب، ولكن اتصالهما وانفصالهما لا يتم إلا بوساطة قوة قاهرة؛ كونهما غير متجانسين بطبيعة الحال .28
___________________________________________________
هوامش
18- أحمد بن يحيى بن المرتضى المهدي لدين الله، طبقات المعتزلة، تحقيق: سُوسَنة دِيفَلْد فِلْزَر، دار مكتبة الحياة، بيروت، 1961م، ص 49.
19- بدوي، عبد الرحمن، مذاهب الإسلاميين، ص238.
20- صُبحي، أحمد محمود، في علم الكلام، طه، دار النهضة، بيروت، 1985م، ص241.
21- هويدي يحيى دراسات في علم الكلام والفلسفة الإسلامية، ط 2، دار الثقافة، القاهرة، 1979م، ص 222.
22- الشهرستاني، أبو الفتح الملل والنحل، ج 1، ص 56.
23- والمذهب الذي تدعو إليه الديصانية ثنوي في أساسه فهي تقول: إنَّ الأشياء من أصلين قديمين؛ النور والظلمة، والنور حي ومنه يكون الفعل والحركة، والظلمة موات عاجزة جاهلة راكدة لا فعل لها، ولا تمييز معها، والنور مبصر. وقالوا: إنَّ النور لم يزل يلقى الظلمة بأسفل صفحة فيه، والظلمة لم تزل تلقاه بأعلى صفحة فيها واختلفوا في المزج بين النور والظلمة، فقال بعضهم: إنَّ النور داخل الظلمة لأنها كانت تلقاه بخشونة وغلظة يتأذَّى بها، فأحبَّ أن يُليِّنها ثم يتخلص منها، والنور دخل في الظلمة اختيارًا، قصد إصلاحها فخالطها، وعَزَّ عليه بعد هذا أن يخرج عنها، فلما دخل فيها صار يفعل الشر والقبيح مضطرا، ولو انفرد لم يفعل ذلك، وإن الظلمة أو إله الشر يفعل الشر عن طبع. وقد اقترب ابن ديصان بذلك من التفسير الأحادي بأن جعل النور في النهاية أصل الوجود بالفعل. عن موسوعة المعرفة، مدخل «ثنوية».
24- أبو ريدة عبد الهادي إبراهيم بن سيار النظام وآراؤه الكلامية الفلسفية، ص 141.
25- Hortenm Max, Die Lehre vom Kumun bei Nazzam, ZDMG, 1909, p. 774
26- أبو ريدة، عبد الهادي، إبراهيم بن سيار النظام وآراؤه الكلامية الفلسفية، ص 145.
27- الجاحظ، عمرو بن بحر الحيوان، تحقيق: عبد السلام هارون، ج 5، ص 15.
28- إس، فان، الكلام والطبيعة عند أبي إسحاق النظام، مجلة المؤرخ العربي، العدد 19، تصدر عن الأمانة العامة لاتحاد المؤرخين العرب ،بغداد، 1981م، ص38.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
العتبة الحسينية تطلق فعاليات المخيم القرآني الثالث في جامعة البصرة
|
|
|