أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-04-25
700
التاريخ: 2023-05-07
1111
التاريخ: 2024-06-03
529
التاريخ: 2023-05-21
866
|
رفض ابن سينا طرح إبراهيم النَّظام الذي قال بمادية الأشعة الحرارية، ووجد أنَّه لو كان كلام النَّظَّام صحيح لحَدَث تصادم مَادِيٌّ بين مادية الشعاع ومادية الهواء، وهي مجادلة تذكّرنا بالجدل الذي دار بين علماء أوروبا حول طبيعة الضوء هل هي جسيمية أم موجية؟
يقول ابن سينا مبرهنا على صحة دعواه مكتفيًا باعتبار الشعاع الشمسي مجَرَّد «شيء لا تُعرف ماهيته» يصدر عن الشمس وينفذ عبر جسمٍ شفاف، وتتناسب شدة الحرارة المرافقة للضوء طردًا مع شدة الإضاءة الساقطة على الجسم: «إنَّ الشعاع ليس جسما أو قوة تأتي منتقلة من الشمس إلى الأرض مَارَّةً في الوسط؛ بل هو شيء يحدث في المقابل القابل للضوء دفعةً إذا توسط بينهما جسم لا يمنع فعل ذلك في هذا بالموازاة؛ وذلك الجسم الشاف. لكن الجسم القابل للحر، إذا أضاء سَخِن، وكُلَّما اشتدت الإضاءة اشتَدَّ الحَرُّ.»64 ويقولُ في موضع آخر: «يجب أن تعلم أن الإشعاعات ليست بأجسام؛ لأنها لو كانت أجسامًا لكان جسمان في مكان واحد أعني الهواء والشعاع، وإنما الضوء لون ذاتي للمشف من حيث هو مشف.» 65
وحاول ابن سينا أن يُفَسِّرَ فلكيا سبب اشتداد الحرارة صيفًا، فهي تكون في أبعد مسافة لها عن الأرض، وفي الشتاء تكون في أقرب مسافة لكن أشعتها ليست عمودية على رؤوسنا، والسبب في ذلك ميل محور الأرض: وليست الحرارة إنما تشتد في الصيف بسبب أنَّ الشمس تصير أقرب مسافة منا، بل هي أبعد حينئذٍ مسافة؛ لأنها أوجية، وهي في الشتاء أقرب مسافة وأبعد مسامتة». 66
مع أنَّ ابن سينا سبق وأن وصف الشعاع بأنَّه «شيء»، لكننا نراه يعود لفكرة الفيض التي سبق وطرحها إخوان الصفا؛ مُبينًا البنية الهندسية للإشعاع الشمسي: «والشعاعُ الذي يقع من الشمس يكون كأنه شيء يفيض منه على صورة مخروط أو أسطوانة مثلًا، وتكون واسطته، وهو الذي توهمناه شيئًا مُتَّصِلًا بين الشمس وبين المستضيء، كان خارجًا من مركز الأرض نافذا في وسط تلك الصورة كالمحور أو كالسهم؛ هي أشد المواضع تسخينا لأنه أشد المواضع إنارةً؛ لأنَّ الأطراف أضعف في التأثيرات من الواسطة المكتنفة من كل جهة بالسبب المُقَوِّي، فما يسقط عليه هذا السهم المُتَوَهَّم يكون أشدُّ إضاءة؛ فلذلك يكون أشدَّ سخونة، وما يبعد عن هذا السهم يكون أقل إضاءةً فيكون أقل سخونة؛ أعني السخونة التي تلزم من نفس المسامتة المضيئة فقط. 67
ويُعبر الشكل الآتي عن كلام ابن سينا السابق:
شكل توضيحي يبين منطقة محور الفيض الإشعاعي الحراري الشمسي الأكثر تأثيرًا حسب ابن سينا.
ويذهب ابن سينا في «رسالة العشق» 68 في محاولة منه لتفسير آلية انتشار الإشعاع الحراري وتأثيره عن بعد في كل ما ينفعل عن «الحرارة النارية» (الذي هو هنا الطاقة الحرارية)، وهو سبب قريب لتغيره، وما يَحْصُل منه عند تغير كيفيته هو مثاله، وليس تلك الكيفية بعينها، قال ابن سينا: «إنَّ كل منفعل عن سبب قريب فإنما ينفعل بتوسط مثال، يقع فيه، وذلك بين بالاستقراء؛ فإنَّ الحرارة النارية إنما تفعل في حرم من الأجرام بأن تضع فيه مثالها، وهو السخونة» ولدى فعل «السبب البعيد» فإنَّ ما نحصل عليه في نهاية العملية قد يختلف عَمَّا كان في بدايتها: «ولقائل أن يقول إنَّ الشمس تُسَخّن وتسود من غير أن تكون السخونة والسواد مثالها، لكننا نُجيب عن ذلك، بأن نقول إن لم نقل إن كل أثر حصل في متأثر من مؤثّر عن ذلك الأثر موجود في المؤثّر، فإنه مثال من المؤثّر في المتأثر، لكننا نقول إنَّ تأثير المؤثّر القريب إلى المتأثّر يكون بتوسط مثال ما، يقع منه فيه. وكذلك الحال في الشمس فإنها تفعل في منفعلها القريب بوضع مثالها فيه، وهو الضوء، ويحدث من حصول الضوء فيه السخونة، فيسخّن المنفعل عنها منفعلا آخر عنه، بأن يضع فيه مثاله أيضًا، وهو سخونته، فيسخن بحصول السخونة، ويسود.» 69
الواقع لم نتمكن من تحديد أول من طرح مصطلح «الحرارة النارية» Fire heat قبل ابن سينا وابن الهيثم لاحقًا، وغيرهم من العلماء العرب والمسلمين؛ لأنَّ هذا المصطلح كان شائعًا بين علماء القرن العاشر والحادي عشر للميلاد، لكن العرب استخدموه للتعبير عن الطاقة الحرارية الصادرة عن الأجسام المضيئة من ذاتها، مثل الشمس والنار.
______________________________________________
هوامش
64- ابن سينا الشفاء / الطبيعيات المعادن والآثار العلوية، ص 27.
65- ابن سينا مجموع رسائل، ص29.
66- ابن سينا، الشفاء / الطبيعيات المعادن والآثار العلوية، ص 27.
67- المرجع السابق نفسه، ص 27.
68- موجودة ضمن رسائل الشيخ الرئيس أبي علي الحسين بن عبد الله بن سينا في أسرار الحكمة الشرقية ج، ليدن، 1889 – 1899م.
69- سعدييف، أرثور وسلوم، توفيق، الفلسفة العربية الإسلامية، ط دار الفارابي، بيروت، 2000م، ص 185-186.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|