لم تكن مسؤولية هذه الطبقة الرابعة من طبقات المجتمع الاندلسي بأقل من غيرها في التعجيل بسقوط الدولة الاموية بل ربما أستطيع القول بان وجودها ساعد على إيجاد أهم العوامل التي اضعفت الخلافة الأموية وأدت الى انهيارها، والمولدون هم المسلمون من الاسبان أي الذين دخلوا حديثاً في الدين الاسلامي فأصبح يحق لهم أن يتمتعوا بكامل الحقوق التي تتمتع بها العناصر العربية. ورغم أن الإسلام قد ساوى بين جميع المسلمين في الحقوق والواجبات إلا أن هؤلاء كانوا يشعرون دوما بأنهم رغم اسلامهم أدني من العرب من الوجهة الاجتماعية، بل كانوا يشعرون بان العرب اسياد البلاد وحكامها. والواقع أن العرب الذين لم يكونوا يستطيعوا أن يتنازلوا عن كبريائهم العنصري، كانوا علاوة على ذلك يشكون في ولاء المسلمين الاسبان الجدد، ولا يعهدون إليهم بالمناصب الكبرى والوظائف الحساسة مما كان يحقد هؤلاء أيضاً على العناصر العربية ويدفعهم الى الثورة تلو الثورة املا في التوصل الى تغيير الاوضاع وتبديل الامور دون أن يوفقوا الى شيء من ذلك. إن الثورات التي قام بها المولدون أو البلديون كما احياناً يسميهم المؤرخ ابن القوطية كانت تحمل طابع القوة والعنف كما كانت تحمل طابع التنظيم والهدف الواضح وهو: الاستقلال التام عن حكومة قرطبة وفرض القوانين الخاصة بهم في مناطقهم كما يحلو لهم وكما يوافق مصالحهم. وإن معظم الثورات التي قامت في مدينة طليطله مثلا كان يتزعمها أفراد من المولدين أو المستعمرين. ولكن أكبر هذه الثورات واخطرها على الخلافة الاموية هي ثورة عمر بن حفصون التي رأينا نبذاً عنها في الحلقة الاولى. وقد كان هذا سليل أسرة من المولدين ترجع الى أصل نصراني قديم، وقد دخلت عائلته في الاسلام في عهد جده الرابع جعفر الذي كان أول من اعتنق الاسلام من اسرته. ويظهر أن الزعيم الثائر في بيشتر عمر ابن حفصون لم يؤمن بالإسلام ايماناً حقيقياً بل كان يضمر دينه القديم، ولذلك ما ان مضى على ثورته فترة من الزمن وسنحت له الفرصة حتى أعلن عودته الى النصرانية وتحالف مع ملوك الدول الاسبانية المسيحية. وكان الثوار من المولدين في المدن الاخرى يعتبرونه زعيمهم ويعتبرون حركته هي الاساسية وثوراتهم فروع منها تابعة لها. وقد ظل ابن حفصون يزعج الخلافة الأموية أكثر عشرين عاماً حتى تمكن اخيراً عبد الرحمن الناصر من سحق ثورته في عام 316 هـ = 929 م فخمدت حركات المولدين ولم يقوموا بعدها بحركة تستحق الذكر. هكذا كان المولدون عاملاً من العوامل التي اضعفت الخلافة الاموية وعجلت في سقوطها.