المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

سيرة الرسول وآله
عدد المواضيع في هذا القسم 9111 موضوعاً
النبي الأعظم محمد بن عبد الله
الإمام علي بن أبي طالب
السيدة فاطمة الزهراء
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الإمام محمد بن علي الباقر
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الإمام علي بن موسى الرّضا
الإمام محمد بن علي الجواد
الإمام علي بن محمد الهادي
الإمام الحسن بن علي العسكري
الإمام محمد بن الحسن المهدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
معنى قوله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء
2024-11-24
مسألتان في طلب المغفرة من الله
2024-11-24
من آداب التلاوة
2024-11-24
مواعيد زراعة الفجل
2024-11-24
أقسام الغنيمة
2024-11-24
سبب نزول قوله تعالى قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون الى جهنم
2024-11-24



متطلّبات الساحة الإسلامية في عصر الإمام الهادي ( عليه السّلام )  
  
1284   02:10 صباحاً   التاريخ: 2023-04-18
المؤلف : المجمع العالمي لأهل البيت ( ع ) - لجنة التأليف
الكتاب أو المصدر : أعلام الهداية
الجزء والصفحة : ج 12، ص 144-154
القسم : سيرة الرسول وآله / الإمام علي بن محمد الهادي / قضايا عامة /

1 - تجنّب إثارة الحكّام وعمّالهم

اتّسم سلوك الإمام الهادي ( عليه السّلام ) طوال فترة إمامته بالتجنّب من أيّة إثارة للسلطة بدء بما فرض عليه من مؤدّب يتولى أمره ثم الاستجابة لدعوة المتوكل واستقدامه إلى سامراء وفسح المجال للتفتيش الذي قد تكرر في المدينة وسامراء بل تعدى ذلك إلى تطمين المتوكل بأنّ الإمام ( عليه السّلام ) لا يقصد الثورة عليه حين استعرض المتوكل قواته وقدرته العسكرية وأحضر الإمام في هذا الاستعراض ليطلعه على ما يملكه من قوّة لئلّا يفكر واحد من أهل بيته ( عليهم السّلام ) بالخروج على الخليفة . وإذا بالإمام الهادي ( عليه السّلام ) يجيبه بأنا لا نناقشكم في الدنيا نحن مشتغلون بأمر الآخرة فلا عليك شيء ممّا تظن[1].

ولم يحصل المتوكل على أي مستمسك ضد الإمام بالرغم من التفتيش المفاجئ والمتكرر .

وقد لاحظنا كيف يتجنّب الإمام ( عليه السّلام ) مثل هذه الإثارات إلى جانب تقديمه للنصح والارشاد والموعظة للمتوكل .

روى ابن شهرآشوب باسناده عن أبي محمد الفحام أنّه قال : سأل المتوكل ابن الجهم من أشعر الناس ؟ فذكر الجاهلية والإسلام . ثم انّه سأل أبا الحسن ( عليه السّلام ) ، فقال ( عليه السّلام ) الحمّاني حيث يقول :

لقد فاخرتنا من قريش عصابة * بمدّ خدود وامتداد أصابع

فلما تنازعنا المقال قضى لنا * عليهم بما نهوى نداء الصوامع

ترانا سكوتا والشّهيد بفضلنا * عليهم جهير الصوت في كل جامع

فإن رسول اللّه احمد جدّنا * ونحن بنوه كالنجوم الطوالع

قال : وما نداء الصوامع يا أبا الحسن ؟

قال : أشهد ان لا إله إلّا اللّه ، واشهد ان محمدا رسول اللّه جدّي أم جدّك ؟

فضحك المتوكل ثم قال : هو جدّك لا ندفعك عنه[2].

ولم يبخل الإمام الهادي ( عليه السّلام ) بالإجابة العلمية فيما كان يشكل عليهم أمره كما لاحظنا ، بل تعدّى ذلك إلى وصف دواء ناجع لداء عدوّه المتوكل حين أيس من معالجات أطبّائه بالرغم من تظاهره بالعداء للعلويين[3].

2 - الردّ على الإثارات الفكرية والشبهات الدينية

وقد لاحظنا في عصر الإمام ( عليه السّلام ) ما امتحنت به الأمة الإسلامية بما عرف بمحنة خلق القرآن ، والإثارات المستمرة حول الجبر والتفويض والاختيار .

وكانت للإمام الهادي ( عليه السّلام ) مساهمات جادّة في كيفية معالجة الموقف بشكل ذكي ، والرسالة التي أثيرت عن الإمام الهادي ( عليه السّلام ) لأهل الأهواز تضمّنت ردّا علميا تفصيليا على شبهة الجبر والتفويض ، بل تضمّنت بيان منهج بديع سلكه الإمام ( عليه السّلام ) في مقام الرد . وحيث كان الغلو والتصرّف من الظواهر المنحرفة في المجتمع الإسلامي ، فقد واجههما الإمام الهادي ( عليه السّلام ) بالشكل المناسب مع هاتين الظاهرتين.

3 - التحدّي العلمي للسلطة وعلمائها

لقد كان الاختبار العلمي لأئمة أهل البيت ( عليهم السّلام ) أقصر طريق للحكام لمعرفة ما هم عليه من الجدارة العلمية التي هي أحدى مقوّمات الإمامة . وهو في نفس الوقت أقصر طريق لأهل البيت ( عليهم السّلام ) للتألّق العلمي في المجتمع الإسلامي .

ومن هنا كانت السلطة بعد اجراء أي اختبار علمي تحاول التعتيم عليه لئلا يستفيد أتباع أهل البيت ( عليهم السّلام ) من هذه الورقة المهمّة ضد السلطة الحاكمة .

ولكن المصادر التاريخية قد حفظت لنا نصوص هذه الاختبارات وفيها ما يدلّ على الرّد القاطع من أهل البيت ( عليهم السّلام ) على جميع التحديات العلمية التي خططت لهم وانتصارهم في هذا الميدان الذي كان يعيد لهم مرجعيتهم الدينية في الأمة الإسلامية .

وإليك نموذجا من هذا الاختبار الذي أجراه ابن الأكثم في عصر المتوكل ثم حاول التعتيم عليه .

فقد روى ابن شهرآشوب أنه : قال المتوكل لابن السكّيت اسأل ابن الرّضا مسألة عوصاء بحضرتي . فسأله ، فقال : لم بعث اللّه موسى بالعصا وبعث عيسى بابراء الأكمه والأبرص واحياء الموتى ، وبعث محمّدا بالقرآن والسّيف ؟ فقال أبو الحسن ( عليه السّلام ) : بعث اللّه موسى بالعصا واليد البيضاء في زمان الغالب على أهله السّحر ، فاتاهم من ذلك ما قهر سحرهم وبهرهم وأثبت الحجّة عليهم ، وبعث عيسى بابراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى بإذن اللّه في زمان الغالب على أهله الطّب فاتاهم من ابراء الأكمه والأبرص واحياء الموتى بإذن اللّه فقهرهم وبهرهم .

وبعث محمّدا بالقرآن في زمان الغالب على أهله السّيف والشّعر فأتاهم من القرآن الزاهر والسّيف القاهر ما بهر به شعرهم وبهر سيفهم وأثبت الحجّة عليهم ، فقال ابن السّكيت : فما الحجّة الآن ؟ قال : العقل ، يعرف به الكاذب على اللّه فيكذّب .

فقال يحيى بن أكثم : ما لابن السّكيت ومناظرته ؟ ! وإنّما هو صاحب نحو وشعر ولغة ، ورفع قرطاسا فيه مسائل فأملى عليّ بن محمد ( عليهما السّلام ) على ابن السّكيت جوابها[4].

وجاء في رواية أخرى أن هذه الأسئلة قد كتبها ابن الأكثم لموسى بن محمد بن الرضا ، ومن الواضح أن المقصود بها هو الإمام الهادي ( عليه السّلام ) بلا ريب . ولهذا جاء بها أخوه موسى إليه فأجاب عنها الإمام ( عليه السّلام ) ، وإليك نص الرواية :

عن موسى بن محمد بن الرضا قال : لقيت يحيى بن أكثم في دار العامة فسألني عن مسائل ، فجئت إلى أخي علي بن محمد ( عليهما السّلام ) فدار بيني وبينه من المواعظ ما حملني وبصرني طاعته ، فقلت له : جعلت فداك إنّ ابن أكثم كتب يسألني عن مسائل لأفتيه فيها ، فضحك ( عليه السّلام ) ثم قال : وما هي ؟

قلت :

كتب يسألني عن قول اللّه : قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ[5] نبي اللّه كان محتاجا إلى علم آصف ؟

وعن قوله : وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً[6] سجد يعقوب وولده ليوسف وهم أنبياء ؟

وعن قوله : فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ[7] ، من المخاطب بالآية ؟ فإن كان المخاطب النبي ( صلّى اللّه عليه واله ) فقد شكّ ، وان كان المخاطب غيره ، فعلى من إذن انزل الكتاب .

وعن قوله : وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللَّهِ[8] ما هذه الأبحر ؟ وأين هي ؟

وعن قوله : وَفِيها ما تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ[9] فاشتهت نفس آدم ( عليه السّلام ) أكل البر فأكل وأطعم وفيها ما تشتهي الأنفس ، فكيف عوقب ؟

وعن قوله أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً وَإِناثاً[10] يزوج اللّه عباده الذكران وقد عوقب قوم فعلوا ذلك ؟

وعن شهادة المرأة جازت وحدها وقد قال اللّه : وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ[11] ؟

وعن الخنثى ، وقول علي ( عليه السّلام ) : يورث من المبال ، فمن ينظر - إذا بال - إليه ؟ مع أنّه عسى أن يكون امرأة وقد نظر إليها الرجال ، أو عسى أن يكون رجلا وقد نظرت إليه النساء ، وهذا ما لا يحل . وشهادة الجارّ إلى نفسه لا تقبل .

وعن رجل أتى إلى قطيع غنم فرأى الراعي ينزو على شاة منها فلما بصر بصاحبها خلّى سبيلها ، فدخلت بين الغنم كيف تذبح ؟ وهل يجوز أكلها أم لا ؟

وعن صلاة الفجر لم يجهر فيها بالقراءة وهي من صلاة النهار ؟ وإنّما يجهر في صلاة الليل .

وعن قول علي ( عليه السّلام ) لابن جرموز : بشّر قاتل ابن صفية بالنار ، فلم لم يقتله وهو إمام ؟ !

وأخبرني عن علي ( عليه السّلام ) لم قتل أهل صفين وأمر بذلك مقبلين ومدبرين وأجاز على الجرحى ؟ وكان حكمه يوم الجمل انه لم يقتل مولّيا ولم يجهز على جريح ولم يأمر بذلك ، وقال من دخل داره فهو آمن ، ومن القى سلاحه فهو آمن . لم فعل ذلك ؟ فإن كان الحكم الأول صوابا فالثاني خطأ .

وأخبرني عن رجل أقر باللواط على نفسه أيحد أم يدرأ عنه الحد ؟

قال ( عليه السّلام ) : اكتب إليه : قلت : وما اكتب ؟ قال ( عليه السّلام ) : اكتب بسم اللّه الرحمن الرحيم وأنت فألهمك اللّه الرشد ، أتاني كتابك فامتحنتنا به من تعنتك لتجد إلى الطعن سبيلا إن قصرنا فيها واللّه يكافيك على نيتك ، وقد شرحنا مسائلك فاصغ إليها سمعك وذلل لها فهمك ، واشغل بها قلبك ، فقد لزمتك الحجة والسلام . سألت عن قول اللّه عز وجل : قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ فهو آصف بن برخيا ، ولم يعجز سليمان ( عليه السّلام ) عن معرفة ما عرف آصف لكنه صلوات اللّه عليه أحب أن يعرّف أمته من الجن والانس انه الحجة من بعده ، وذلك من علم سليمان ( عليه السّلام ) أودعه عند آصف بأمر اللّه ، ففهّمه ذلك لئلا يختلف عليه في إمامته ودلالته ، كما فهّم سليمان ( عليه السّلام ) في حياة داود ( عليه السّلام ) لتعرف نبوته وإمامته من بعد لتأكد الحجة على الخلق .

وأما سجود يعقوب ( عليه السّلام ) وولده كان طاعة للّه ومحبة ليوسف ( عليه السّلام ) ، كما أن السجود من الملائكة لآدم ( عليه السّلام ) لم يكن لآدم ( عليه السّلام ) وانما كان ذلك طاعة للّه ومحبة منهم لآدم ( عليه السّلام ) ، فسجود يعقوب وولده ويوسف ( عليه السّلام ) معهم كان شكرا للّه باجتماع شملهم ، ألم تره يقول في شكره ذلك الوقت : رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ - إلى آخر الآية -[12].

وأما قوله : فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ .

فإنّ المخاطب به رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) ولم يكن في شكّ مما انزل إليه ولكن قالت الجهلة كيف لم يبعث اللّه نبيا من الملائكة إذ لم يفرق بين نبيه وبيننا في الاستغناء عن المآكل والمشارب والمشي في الأسواق ؟ ! فأوحى اللّه إلى نبيه ، فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ بمحضر الجهلة ، هل بعث اللّه رسولا قبلك إلّا هو يأكل الطعام ويمشي في الأسواق ولك بهم أسوة ، وإنّما قال : فإن كنت في شكّ ولم يكن شكّ ولكن للمنفعة كما قال : تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ[13].

ولو قال ( عليكم ) لم يجيبوا إلى المباهلة ، وقد علم اللّه ان نبيه يؤدي عنه رسالته وما هو من الكاذبين ، فكذلك عرف النبي انه صادق فيما يقول ولكن أحب أن ينصف من نفسه .

وأما قوله : وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللَّهِ . فهو كذلك لو أن أشجار الدنيا أقلام والبحر يمدّه سبعة أبحر وانفجرت الأرض عيونا لنفدت قبل أن تنفد كلمات اللّه وهي عين الكبريت وعين التمر وعين ال ( برهوت ) وعين طبرية وحمّة ما سبندان وحمّة إفريقية يدعى لسان وعين بحرون ، ونحن كلمات اللّه لا تنفد ولا تدرك فضائلنا .

وأما الجنة فإن فيها من المآكل والمشارب والملاهي ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين وأباح اللّه ذلك كلّه لآدم ( عليه السّلام ) والشجرة التي نهى اللّه عنها آدم ( عليه السّلام ) وزوجته ان يأكلا منها شجرة الحسد عهد إليهما ان لا ينظرا إلى من فضّل اللّه على خلائقه بعين الحسد فنسي ونظر بعين الحسد ولم يجد له عزما .

وأما قوله : أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً وَإِناثاً أي يولد له ذكور ويولد له إناث يقال لكل اثنين مقرنين زوجان كل واحد منهما زوج ، ومعاذ اللّه أن يكون عنى الجليل ما لبّست به على نفسك تطلب الرخص لارتكاب المآثم ، . . . وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً * يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهاناً[14] إن لم يتب .

وأما شهادة المرأة وحدها التي جازت فهي القابلة جازت شهادتها مع الرضا ، فإن لم يكن رضا فلا أقل من امرأتين تقوم المرأتان بدل الرجل للضرورة ، لأن الرجل لا يمكنه أن يقوم مقامها ، فإن كانت وحدها قبل قولها مع يمينها .

وأما قول علي ( عليه السّلام ) في الخنثى فهي كما قال : ينظر قوم عدول يأخذ كل واحد منهم مرآة وتقوم الخنثى خلفهم عريانة وينظرون في المرايا فيرون الشبح فيحكمون عليه .

وأمّا الرجل الناظر إلى الراعي وقد نزا على شاة فإن عرفها ذبحها وأحرقها ، وإن لم يعرفها قسم الغنم نصفين وساهم بينهما فإذا وقع على أحد النصفين فقد نجا النصف الآخر ، ثم يفرق النصف الآخر فلا يزال كذلك حتى تبقى شاتان فيقرع بينهما فأيتها وقع السهم بها ذبحت وأحرقت ونجا سائر الغنم .

وأما صلاة الفجر فالجهر فيها بالقراءة ، لأن النبي ( صلّى اللّه عليه واله ) كان يغلس بها فقراءتها من الليل .

وأما قول علي ( عليه السّلام ) : بشّر قاتل ابن صفية بالنار فهو لقول رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) وكان ممن خرج يوم النهروان فلم يقتله أمير المؤمنين ( عليه السّلام ) بالبصرة لأنه علم أنه يقتل في فتنة نهروان .

وأما قولك : ان عليا ( عليه السّلام ) قتل أهل صفين مقبلين ومدبرين وأجاز على جريحهم وانه يوم الجمل لم يتبع موليا ولم يجهز على جريح ومن ألقى سلاحه آمنه ومن دخل داره آمنه ، فإن أهل الجمل قتل امامهم ولم تكن لهم فئة يرجعون إليها وانما رجع القوم إلى منازلهم غير محاربين ولا مخالفين ولا متنابذين رضوا بالكف عنهم فكان الحكم فيها رفع السيف عنهم والكف عن أذاهم إذ لم يطلبوا عليه أعوانا .

وأهل صفين كانوا يرجعون إلى فئة مستعدة وامام يجمع لهم السلاح : الدروع والرماح والسيوف ويسني لهم العطاء ، يهيء لهم الأنزال ويعود مريضهم ويجبر كسيرهم ويداوي جريحهم ويحمل راجلهم ويكسو حاسرهم ويردهم فيرجعون إلى محاربتهم وقتالهم فلم يساو بين الفريقين في الحكم لما عرف من الحكم في قتل أهل التوحيد لكنه شرح ذلك لهم ، فمن رغب عرض على السيف أو يتوب من ذلك .

وأما الرجل الذي اعترف باللواط فإنه لم تقم عليه بينة وإنّما تطوع بالاقرار من نفسه وإذا كان للإمام الذي من اللّه ان يعاقب عن اللّه كان له أن يمنّ عن اللّه ، أما ما سمعت قول اللّه : هذا عَطاؤُنا ، قد انبأناك بجميع ما سألتنا عنه فاعلم ذلك[15].

وقد أوضحت هذه الرواية الموقع العلمي للإمام ( عليه السّلام ) ومدى تحدّيه لعلماء عصره ولا سيّما علماء البلاط الذين لا يروق لهم مثل هذا التحدّي .

ولهذا قال ابن أكثم للمتوكل بعد ما قرأ هذه الأجوبة : ما نحب أن نسأل هذا الرجل عن شيء بعد مسائلي هذه وانّه لا يرد عليه شيء بعدها إلّا دونها وفي ظهور علمه تقوية للرافضة[16].

4 - توسيع دائرة النفوذ في جهاز السلطة

إن النفوذ الذي نجده للإمام الهادي ( عليه السّلام ) هو النفوذ المعنوي على عامة رجال السلطة بما فيهم من لا يدين بالولاية لأهل البيت ( عليهم السّلام ) .

وقد كانت أساليب الإمام ( عليه السّلام ) في هذا المجال متنوّعة وواسعة فإنه كان مطالبا بالحضور في دار الخلافة بشكل مستمر . ومن هنا كان التعرّف على شخص الإمام ( عليه السّلام ) وهديه وسكونه واتّزانه أمرا طبيعيا وفرّ له هذه الفرصة والتي لم يلتفت الحكّام إلى مدى تبعاتها وآثارها التي تركتها في الساحة الإسلامية العامة ورواد البلاط بشكل خاص .

وقد كانت للإمام ( عليه السّلام ) كرامات شتى كلّما دخل وخرج من دار الخلافة .

وقد قال أحد ندماء المتوكل للمتوكل : ما يعمل أحد بك أكثر مما تعمله بنفسك في علي بن محمد ، فلا يبقى في الدار إلّا من يخدمه ولا يتبعونه بشيل ستر ولا فتح باب ولا شيء ، وهذا إذا علمه الناس قالوا : لو لم يعلم استحقاقه للأمر ما فعل به هذا ، دعه إذا دخل عليه يشيل الستر لنفسه ويمشي كما يمشي غيره فيمسه بعض الجفوة .

فتقدم ألّا يخدم ولا يشال بين يديه ستر ، وكان المتوكل ما رأى أحدا ممّن يهتم بالخبر مثله . قال : فكتب صاحب الخبر إليه : أنّ علي بن محمد دخل الدار فلم يخدم ولم يشل أحد بين يديه ستر فهب هواء رفع الستر له فدخل . فقال : اعرفوا حين خروجه ، فذكر صاحب الخبر أن هواء خالف ذلك الهواء شال الستر له حتى خرج ، فقال : ليس نريد هواء يشيل الستر ، شيلوا الستر بين يديه[17].

كما نجد جملة من الكتّاب والحجّاب والعيون وحتى السجّان فضلا عن بعض القادة والامراء كانوا يدينون بالولاء والحبّ الخاص للإمام الهادي ( عليه السّلام ) ، وقد رأينا في قصة مرض المتوكل ونذر أمه للإمام الهادي ( عليه السّلام )[18] ما يدل دلالة واضحة على مدى نفوذ الإمام ( عليه السّلام ) في هذه الأوساط ، بينما كان المتوكّل قد خطّط لإبعاد الإمام عن شيعته ومحبّيه وإذا بالإمام ( عليه السّلام ) يكتسح نفوذه المعنوي أرباب البلاط ويستبصر على يديه مجموعة ممّن لم يكن يعرف الإمام ( عليه السّلام ) أو لم يكن ليواليه ، وكان الإمام ( عليه السّلام ) يستفيد من هؤلاء في تحرّكه وارتباطاته التي خطّط الحكّام لمراقبتها أو قطعها وإبعاد الإمام ( عليه السّلام ) عن قواعده وعن الوسط الاجتماعي الذي يريد أن يتحرّك فيه .

 

[1] بحار الأنوار : 50 / 155 .

[2] أمالي الطوسي : 287 ح 557 ومناقب آل أبي طالب : 4 / 438 .

[3] راجع الكافي : 1 / 499 .

[4] مسند الإمام الهادي ( عليه السّلام ) : 25 .

[5] النمل ( 27 ) : 40 .

[6] يوسف ( 12 ) : 100 .

[7] يونس ( 10 ) : 94 .

[8] لقمان : ( 31 ) : 27 .

[9] الزخرف ( 43 ) : 71 .

[10] الشورى ( 42 ) : 50 .

[11] الطلاق ( 65 ) : 2 .

[12] يوسف ( 12 ) : 102 .

[13] آل عمران ( 3 ) : 61 .

[14] الفرقان ( 25 ) : 68 - 69 .

[15] تحف العقول : 352 .

[16] المناقب : 3 / 443 .

[17] مسند الإمام الهادي ( عليه السّلام ) : 39 .

[18] راجع مبحث تفتيش دار الإمام ( عليه السّلام ) في حكم المتوكّل .




يحفل التاريخ الاسلامي بمجموعة من القيم والاهداف الهامة على مستوى الصعيد الانساني العالمي، اذ يشكل الاسلام حضارة كبيرة لما يمتلك من مساحة كبيرة من الحب والتسامح واحترام الاخرين وتقدير البشر والاهتمام بالإنسان وقضيته الكبرى، وتوفير الحياة السليمة في ظل الرحمة الالهية برسم السلوك والنظام الصحيح للإنسان، كما يروي الانسان معنوياً من فيض العبادة الخالصة لله تعالى، كل ذلك بأساليب مختلفة وجميلة، مصدرها السماء لا غير حتى في كلمات النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) وتعاليمه الارتباط موجود لان اهل الاسلام يعتقدون بعصمته وهذا ما صرح به الكتاب العزيز بقوله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) ، فصار اكثر ايام البشر عرفاناً وجمالاً (فقد كان عصرا مشعا بالمثاليات الرفيعة ، إذ قام على إنشائه أكبر المنشئين للعصور الإنسانية في تاريخ هذا الكوكب على الإطلاق ، وارتقت فيه العقيدة الإلهية إلى حيث لم ترتق إليه الفكرة الإلهية في دنيا الفلسفة والعلم ، فقد عكس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم روحه في روح ذلك العصر ، فتأثر بها وطبع بطابعها الإلهي العظيم ، بل فنى الصفوة من المحمديين في هذا الطابع فلم يكن لهم اتجاه إلا نحو المبدع الأعظم الذي ظهرت وتألقت منه أنوار الوجود)





اهل البيت (عليهم السلام) هم الائمة من ال محمد الطاهرين، اذ اخبر عنهم النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) باسمائهم وصرح بإمامتهم حسب ادلتنا الكثيرة وهذه عقيدة الشيعة الامامية، ويبدأ امتدادهم للنبي الاكرم (صلى الله عليه واله) من عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) الى الامام الحجة الغائب(عجل الله فرجه) ، هذا الامتداد هو تاريخ حافل بالعطاء الانساني والاخلاقي والديني فكل امام من الائمة الكرام الطاهرين كان مدرسة من العلم والادب والاخلاق استطاع ان ينقذ امةً كاملة من الظلم والجور والفساد، رغم التهميش والظلم والابعاد الذي حصل تجاههم من الحكومات الظالمة، (ولو تتبّعنا تاريخ أهل البيت لما رأينا أنّهم ضلّوا في أي جانب من جوانب الحياة ، أو أنّهم ظلموا أحداً ، أو غضب الله عليهم ، أو أنّهم عبدوا وثناً ، أو شربوا خمراً ، أو عصوا الله ، أو أشركوا به طرفة عين أبداً . وقد شهد القرآن بطهارتهم ، وأنّهم المطهّرون الذين يمسّون الكتاب المكنون ، كما أنعم الله عليهم بالاصطفاء للطهارة ، وبولاية الفيء في سورة الحشر ، وبولاية الخمس في سورة الأنفال ، وأوجب على الاُمّة مودّتهم)





الانسان في هذا الوجود خُلق لتحقيق غاية شريفة كاملة عبر عنها القرآن الحكيم بشكل صريح في قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) وتحقيق العبادة أمر ليس ميسوراً جداً، بل بحاجة الى جهد كبير، وافضل من حقق هذه الغاية هو الرسول الاعظم محمد(صلى الله عليه واله) اذ جمع الفضائل والمكرمات كلها حتى وصف القرآن الكريم اخلاقه بالعظمة(وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) ، (الآية وإن كانت في نفسها تمدح حسن خلقه صلى الله عليه وآله وسلم وتعظمه غير أنها بالنظر إلى خصوص السياق ناظرة إلى أخلاقه الجميلة الاجتماعية المتعلقة بالمعاشرة كالثبات على الحق والصبر على أذى الناس وجفاء أجلافهم والعفو والاغماض وسعة البذل والرفق والمداراة والتواضع وغير ذلك) فقد جمعت الفضائل كلها في شخص النبي الاعظم (صلى الله عليه واله) حتى غدى المظهر الاولى لأخلاق رب السماء والارض فهو القائل (أدّبني ربي بمكارم الأخلاق) ، وقد حفلت مصادر المسلمين باحاديث وروايات تبين المقام الاخلاقي الرفيع لخاتم الانبياء والمرسلين(صلى الله عليه واله) فهو في الاخلاق نور يقصده الجميع فبه تكشف الظلمات ويزاح غبار.