أقرأ أيضاً
التاريخ: 25-03-2015
15163
التاريخ: 26-03-2015
4620
التاريخ: 26-03-2015
7812
التاريخ: 26-03-2015
4143
|
ويسمى
التوجيه، وهي أن تكون الكلمة تحتمل معنيين، فيستعمل المتكلم أحد احتماليها ويهمل
الآخر، ومراده ما أهمله لا ما استعمله، كقول علي عليه السلام في الأشعث بن قيس:
وهذا كان أبوه ينسج الشمال باليمين، لأن قيساً كان يحوك الشمال التي واحدتها شملة.
ومن
شواهد هذا الباب الشعرية قول عمر بن أبي ربيعة [خفيف]:
أيها
المنكح الثريا سهيلاً ... عمرك الله كيف يجتمعان
هي
شامية إذا ما استقلت ... وسهيل إذا استقل يمان
فذكر
عمر الثريا وسهيلاً ليوهم السامع أنه يريد النجمين المشهورين، لأن الثريا من منازل
القمر الشامية، وسهيلاً من النجوم اليمانية، وهو يريد صاحبته الثريا، وكان أبوها
قد زوجها برجل من أهل اليمن يسمى سهيلاً، فتمكن لعمر أن ورى بالنجمين عن الشخصين،
ليبلغ من الإنكار على من جمع بينهما ما أراد، وهذه أحسن تورية وقعت في شعر لمتقدم
مرشحة، فإن قوله المنكح ترشيح للتورية على قلتها في أشعار المتقدمين وكثرتها في
أشعار المحدثين، وخصوصاً شعراء العجم العصريين كالأرجاني وأمثاله، وأما البيت
الثاني فإنه أبدع من البيت الأول، إذ أخرجه مخرج التعليل، للإنكار الذي وقع في عجز
البيت الأول، وجاء فيه مع التعليل تنكيت حسن مدمج في تجنيس الازدواج، فإن قوله إذا
ما استقلت وإذا استقل تجنيس ازدواج، والنكتة في ترجيح استقلت على أخواتها فيما
يقوم مقامها إشارته بها إلى أن الزوج يبعد بالزوجة عن أهلها ووطنها، فيكون ذلك أشد
تأنيباً له على تزويجه، وأدعى لندامته على ذلك، وكان من الاتفاق الحسن أن الرجل
يماني القبيلة والبلد، والمرأة شامية، فحصل الاتفاق مدمجاً في الاستخدام، فإنه
استعمل في هذا البيت احتمالي كل لفظة من قوله: شامية ويمان، وختم البيت بالتوشيح،
وهو دلالة معنى صدر البيت على قافيته، فجاء في البيت سبعة أضرب من البديع: وهي
التعليل، والاتفاق، والاستخدام، وتجنيس الازدواج في استقلت واستقل والإدماج
والتنكيت، والتوشيح.
وما
رأيت لعربي ولا لعجمي مثل تورية وقعت للقاضي عياض صاحب الشفا في تعريف حقوق المصطفى
صلى الله عليه وسلم وصاحب الإكمال في شرح مسلم، وغيرهما في بيتين وصف فيهما صيغة
نادرة أنشد فيهما الفقيه الإمام الحافظ المتقن العلامة زكي الدين أبو محمد عبد
العظيم بن عبد القوي بن عبد الله المنذري نفع الله به، وبلغه من خير الدارين كما
بلغه من العلم نهاية مطلبه بالسند المتصل بقائلهما رحمه الله تعالى وهما [بسيط]:
كأن
كانون أهدى من ملابسه ... لشهر تموز أنواعاً من
الحلل
أو
الغزالة من طول المدى خرفت ... فما تفرق بين الجدي
والحمل
وإذا
وصلت إلى ما وقع من التورية في الكتاب العزيز وصلت إلى الغاية القصوى، وهي قوله
تعالى: (قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ) فانظر إلى كون الضلال له محملان، وهما الحب وضد
الهدى وكيف أهمل أحد الاحتمالين، وهو الحب، واستعمل دلالته على ضد الهدى، والمراد
ما أهمل لا ما استعمل فستجده أوجز لفظ وأحلاه، والله أعلم.