أقرأ أيضاً
التاريخ: 11-5-2020
2458
التاريخ: 28-9-2016
3185
التاريخ: 15-4-2022
1749
التاريخ: 22-7-2020
2328
|
حقيقته [أي: الحسد] انبعاث القوة الشهوية إلى تمنّي مال الغير أو الحالة التي هو عليها وزوالها عن ذلك الغير وهو مستلزم لحركة القوة الغضبيّة واثبات الغضب ودوامه وزيادته بحسب زيادة حال المحسود التي يتعلّق بها الحسد.
ولذلك قال علي (عليه السلام): "الحاسد مغتاظ على من لا ذنب له" (1)، وهو نوع من أنواع الظلم والجور، وقال (عليه السلام) أيضاً: "لا راحة مع حسد" (2)، ووجهه قد ظهر من حقيقته، فإنّ شهوة الحاسد وفكره في كيفيَّة حصول حال المحسود فيها وفي كيفيَّة زوالها عمَّن هي له المستلزمة لحركة آلات البدن في ذلك المستلزمة لعدم الراحة.
وقد اتَّفق العقلاء على أنَّ الحسد مع أنَّه رذيلة عظيمة للنّفس فهو من الأسباب العظيمة لخراب العالم إذ كان الحاسد كثيراً ما تكون حركاته وسعيه في هلاك أرباب الفضائل وأهل الشّرف والأموال الذين يقوم بوجودهم عمارة الأرض إذ لا يتعلَّق الحسد بغيرهم من أهل الخسَّة والفقر، ثمَّ لا يقصر في سعيه ذلك دون أن تزول تلك الحالة المحسود بها عن المحسود، ويهلك هو في تلك الحركات الحسّية الفعليّة والقوليّة، ولذلك قيل: حاسد النعمة لا يرضيه إلاَّ زوالها (3)، وما دام الباعث في القوة الغضبية قائماً فهي قائمة متحرّكة ومحرّكة وكثيراً ما يؤثّر السعاية بين يدي الأمراء والمسلّطين لعلم الساعي بقدرتهم على تنفيذ أغراضه ولقرب طباعهم إلى قبول قوله من الغير لمشاركتهم في الطباع وغلبة القوى الشهوية والغضبية فيهم، ولكن كثيراً ما يؤثر حركة الحاسد في إزالة نعمة المحسود لمحة من لمحات الله للمحسود بعين العناية فيحرسهم ويزيد نعمتهم فلا يتوجّه للحاسد عليهم سبيل، وإنَّما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحقّ فيصير بغيهم سبباً لخراب الأرض فيفسد الحرث والنسل والله لا يحبّ الفساد.
وإذ قد عرفت أنَّه لا حسد إلاَّ على نعمة فإذا أنعم الله على أخيك بنعمة فلك فيها حالتان:
إحداهما: أن تكره تلك النعمة وتحبّ زوالها، وهذه الحالة تسمّى حسداً.
والثانية: ألّا تحبّ زوالها ولا تكره وجودها ودوامها ولكنّك تشتهي لنفسك مثلها، وهذا يسمّى غبطة وقد يخصّ باسم المنافسة.
قال الله تعالى: {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} [المطففين: 26].
وقد تسمّى المنافسة حسداً، والحسد منافسة.. والمحرّم من الحالتين هو الحالة الأولى وهي المخصوصة بالذمّ، قال (صلى الله عليه وآله وسلم): "المؤمن يغبط والمنافق يحسد" (4). اللّهُمّ إلاَّ أن يكون النعمة قد أصابها فاجر يستعين بها على إيذاء الخلق وتهييج الفتنة وفساد الدين ونحو ذلك، فلا تضرّ الكراهة لها ومحبّة زوالها إذا لم يكن ذلك من حيث إنَّها نعمة، بل من حيث إنَّها آلة الفساد، ويدلّ على عدم تحريم الحالة الثانية [أي: الغبطة أو المنافسة] الآية المتقدّمة والحديث.
وقد قال الله تعالى: {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [الحديد: 21]، والمسابقة إنّما تكون عند خوف الفوت كالعبدين يتسابقان إلى خدمة مولاهما ويخرج كلّ واحد منهما أن يسبق صاحبه فيحظى عند مولاه بمنزلة لا يحظى هو بها، بل قد تكون المنافسة واجبة إذا كان المنافس فيه واجباً إذ لو لم يجب مثله كان راضياً بالمعصية المحرَّمة، وقد تكون مندوبة كالمنافسة في الفضائل المندوبة من انفاق الأموال ومكارم الأخلاق، وقد توصَفُ بالإباحة إذا كان مباحاً.
وبالجملة فهي تابعة للفعل المنافَس فيه ولكن في المنافسة دقةٌ وخطر غامض يجب على طالب الخلاص التحرّز منه وهو أنَّه إذا آيَس عن أن ينال مثل تلك النعمة وهو يكره تخلّفه ونقصانه فلا محالة يُحبّ زوال النقصان وإنَّما يزول بأحد أمرين أن ينال مثله أو أن تزول نعمة المنافس، فإذا انسدّ أحد الطريقين عن الساعي يكاد القلب أن يشتهي الطريق الأخرى إذ بزوال النعمة يزول التخلّف المرغوب عنه فيمتحن نفسه.
فإن كان بحيث لو ألقي الأمر إليه ورُدّ إلى اختياره لسعى في إزالة النعمة فهو حسود حسداً مذموماً.
وإن كانت التقوى تمنعه عن إزالة ذلك عُفيَ عمَّا يجده في طبعه من ارتياحه الى زوال النعمة من (متى) كان كارهاً لذلك من نفسه بعقله.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) جامع الأخبار، ص 186.
(2) غرر الحكم، ص 525 "لا راحة لحسود".
(3) إحياء علوم الدين، ج3، ص 178.
(4) المصدر نفسه، ص 179.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|