أقرأ أيضاً
التاريخ: 21/9/2022
1668
التاريخ: 27/11/2022
1610
التاريخ: 29/11/2022
1569
التاريخ: 2024-01-31
928
|
استطراد حول ابن ظافر
قلت أذكرتني هذه الحكاية ما حكاه علي بن ظافر عن نفسه إذ قال(1):
كنت عند المولى الملك الأشرف بن العادل بن أيوب سنة 603 بالرها ، وقد وردت إليه في رسالة ، فجعلني بين سمعه وبصره ، وأنزلني في بعض دوره بالقلعة بحيث يقرب عليه حضوري في وقت طلبتي أو إرادة الحديث معي ، فلم أشعر في بعض الليالي وأنا نائم في فراشي إلا به ، وهو قائم على رأسي ، والسكر قد غلب عليه ، والشمع تزهر حواليه(2)، وقد حف مماليكه به ، وكأنهم الأقمار الزواهر، في
٢٤٨
ملابس كالرياض ذات الأزاهر ، فقمت مروعا ، فأمسكني وبادر بالجلوس إلى جانبي بحيث منعني عن القيام عن الوساد ، وأبدى من الجميل ما أبد لني بالنفاق بعد الكساد، ثم قال : غلبني الشوق إليك ، ولم أرد إزعاجك والتثقيل عليك ، ثم استدعى من كان في مجلسه من خواص القوالين ، فحضروا وأخذوا من الغناء فيما يملأ المسامع التذاذاً ، ويجعل القلوب من الوجد جذاذاً ، وكان له في ذلك الوقت مملوكان هما نيترا سماء ملكه، وواسطتا در سلكه، وقطبا فلك طريه ووجده(3)، وركنا بيت سروره ولهوه ، وكانا يتناوبان في خدمته ، فحضر أحدهما في تلك الليلة وغاب الآخر ، وكان كثيراً ما يداعبني في أمرهما ، ويستجلب مني القول فيهما والكلام في التفضيل بينهما ، فقلت للوقت :
يا مالكا لم يحك سيرته ماض ولا آت من البشر
اجمع لنا تفديك أنفسنا في الليل بين الشمس والقمر
فطرب ، وأمر في الحال باستدعاء الغائب منهما ، فحضر والنوم قد زاد أجفانه تفتيراً ، ومعاطفه تكسيراً ، فقلت بين يديه بديها في صفة المجلس:
سقى الرحمن عصراً قد مضى لي بأكناف الرها صوب الغمام
وليلا باتت الأنوار فيه تتعاون مدافعة الظلام
فنور من شموع(4) أو ندامي ونور من سقاة أو مدام
يطوف بأنجم الكاسات فيه سقاة مثل أقمار التمام
تريك به الكؤوس جمود ماء فتحسب راحها ذوب الضرام
يميل به غصونا من قدود غناء مثل أصوات الحمام
فكم من موصلي فيه يشدو فينسي النفس عادية الحمام
٢٤٩
وكم من زلزل للضرب فيه وكم الزمر فيه من زنام
لدى موسى بن أيوب المرجى إذا ما ضن غيث بانسجام
ومن كمظفر الدين المليك الـ أجل الأشرف الندب الهمام
فما شمس تقاس إلى نجوم تحاكي قدرة بين الكرام
قدام مخلداً في الملك يبقى إذا ما ضن دهر بالدوام
فلما أنشدتها قام فوضع فرجية من خاص ملابسه كانت عليه على كتفي ووضع شربوشه بيده على رأس مملوك صغير كان لي، انتهى.
ولابن ظافر هذا بدائع : منها ما حكاه عن نفسه إذ قال(5): ومن أعجب ما دهیت به ورميت ، إلا أن الله بفضله نصر ، وأعطى الظفر ، وأعان خاطري الكليل، حتى مضى مضاء السيف الصقيل ، أنني كنت في خدمة مولانا السلطان الملك العادل بالإسكندرية سنة إحدى وستمائة مع من ضمته حاشية العسكر المنصور من الكتاب والحواشي والخدام ، ودخلت سنة اثنتين وستمائة ونحن بالثغر مقيمون في الخدمة ، مرتضعون لأفاويق النعمة ، فحضرت في جملة من حضر الهناء ، من الفقهاء بالثغر والعلماء ، والمشايخ والكبراء ، وجماعة الديوان والأمراء ، واتفق أن كان اليوم من أيام الجلوس لإمضاء الأحكام والعرض لطوائف الأجناد ، فلم يبق أحد من أهل البلد ولا من أهل العسكر إلا حضر مهنيا ، ومثل شاكراً وداعياً، فحين غص المجلس بأهله ، وشرق بجمع السلطان وحفله ، وخرج مولانا السلطان إلى مجلسه ، واستقر في دسته ، أخرج من بركة قبائه كتاباً ناوله للصاحب الأجل صفي الدين أبي محمد عبد الله بن علي وزير دولته ، وكبير جملته ، وهو مفضوض الختام ، مفكوك الفـدام ، ففتحه فإذا فيه قطعة وردت من المولى الملك المعظم كتبها إليه يتشوقه ويستعطفه لزيارته ، ويرققه ويستحثه على عود ركابه إلى بلاد الشام ، للمثاغرة
۲٥٠
بها ، وقمع عدوها ، ويعرض بذكر مصر وشدة حرها ، ووقد جمرها ، وذلك بعد أن كان وصل إلى خدمته بالثغر ثم رجع إليها ، والأبيات:
أروي رماحتك من نحور عداكا وانهب بخيلك من أطاع سواكا
واركب خيولا كالسعالي شزبا واضرب بسيفك من يشق عصاكا
واجلب من الأبطال كل سميدع يفري بعزمك كل من يشناكا
واسترعف السمر الطوال وروها واسق المنية سيفتك السفاكا
وسر الغداة إلى العداة مبادراً بالضرب في هام العدو دراكا
فالعز في نصب الخيام على العدا تردي الطغاة وتدفع الملاكا
والنصر مقرون بهمتك التي قد أصبحت فوق السماك سماكا
فإذا عزمت وجدت من هو طائع وإذا نهضت وجدت من يخشاكا
والنصر مقرون بهتمك التي قد أصبحت فوق السماك سماكا
فإذا عزمت وجدت من هو طائع وإذا نهضت وجدت من يخشاكا
والنصر في الأعداء يوم كريهة احلى من الكأس الذي رواكا
والعجز ان تضحي بمصر راهنا وتحل في تلك العراص عراكا
فأرح حشاشتك الكريمة من لظى مصر لكي نحظى الغداة بذاكا
فلقد غدا قلبي عليك بحرقة شغفا ولا حر البلاد هناك
وانهش إلى راجي لقاك مسارعا فمناه من كل الأمور لقاكا
وابرد فؤاد المستهام بنظرة وأعد عليه العيش من رؤياكا
واشف الغداة غليل صب هائم أضحى مناه من الحياة مناكا
فسعادتي بالعادل الملك الذي ملك الملوك وقارن الافلاكا
فبقيت لي يا مالكي في غبطة وجعلت من كل الأمور فداكا
فلما تلا الصاحب على الحاضرين محكم آياتها، وجلا منها العروس التي حازت من المحاسن أبعد (6) غاياتها، أخذ الناس في الاستحسان لغريب نظامها،
٢٥١
و تناسق التئامها ، والثناء على الخاطر الذي نظم بديع أبياتها ، وأطلع من مشرق فكرة آياتها ، فقال السلطان: نريد من يجيبه عنا بأبيات على قافيتها ، فالتفت مسرعا إلي وأنا عن يمينه ، وقال: يا مولانا مملوكك فلان هو فارس هذا الميدان، والمعتاد للتخلص من مضايق هذا الشان ، ثم قطع وصلا من درج كان بين يديه ، وألقاه إلي، وعمد إلى دواته فأدارها(7) بين يدي فقال له السلطان أهكذا على مثل هذا الحال ؟ وفي مثل هذا الوقت ؟ فقال: نعم، أنا قد جربته فوجدته منتقد الخاطر ، حاضر الذهن ، سريع إجابة الفكر ، فقال السلطان وعلى كل حال قم إلى هنا لتنكف عنك أبصار الناظرين ، وتنقطع عنك ضوضاء الحاضرين ، وأشار إلى مكان عن يمين البيت الخشب الذي هو بالجلوس فيه منفرد ، فقمت وقد فقدت رجلي الخذالا، وذهني اختلالا، لهيبة المجلس في صدري ، وكثرة من حضره من المترقبين لي ، المنتظرين حلول فاقرة الشماتة بي . فما هو إلا أن جلست حتى ثاب إلي خاطري ، وانثال الكلام على سرائري(8) ، فكنت أتوهم أن فكري كالبازي الصيود لا يرى كلمة إلا أنشب فيها منسـره ، ولا معنى إلا شك فيه ظفره ، فقلت في أسرع وقت :
وصلت من الملك المعظم تحفة ملأت بفاخر درها الأسلاكا
أبيات شعر كالنجوم جلالة فلذا حكت أوراقها الأفلاكا
عجباً وقد جاءت كمثل الروض إذ لم تذوها بالحر نار ذكاكا
جلت الهموم عن الفؤاد كمثل ما تجلو بغرة وجهك الأحلاكا
كقميص يوسف إذ شفت يعقوب رياه شفتني مثله رياكا
قد أعجزت شعراء هذا العصر كلهم فليم لا تعجز الأملاكا
ما كان هذا الفضل يمكن مثله أن يحتويه من الأنام سواكا
٢٥٢
لم لا أغيب عن الشام وهل له من حاجة عندي وأنت هناكا
أم كيف أخشى والبلاد جميعها محمية في جاه طعن فناكا
يكفي الأعادي حر بأسك فيهم أضعاف ما يكفي الولي نداكا
ما زرت مصر لغير ضبط ثغورها فلذا صبرت فديت عن رؤياكا
أم البلاد علا عليها قدرها لا سيما من شرفت بخطاكا
طابت وحق لها ولم لا وهي قد حوت المعلى في القداح أخاكا
أنا كالسحاب أزور أرضا ساقياً حينا وأمنح غيرها سقياكا
مكي جهاد للعدو لأني أغزوه بالرأي السديد دراكا
لولا الرباط وغيره لقصدت بالسير الحثيث إليك نيل رضاكا
ولئن أتيت إلى الشام فإنما يحتثني شوق إلى لقياكا
إني لأمنحك المحبة جاهداً وهواي فيما تشتهيه هواكا
فافخر فقد أصبحت بي وبباسك الـ حامي وكل مملك يخشاكا
لا زلت تقهر من يعادي ملكنا أبدا ومن عاداك كان فداكا
وأعيش أبصر إبنك الباقي أباً وتعيش تخدم في السعود أباكا
ثم عدت إلى مكاني وقد بيضتها ، وحليت بزهرها ساحة القرطاس وروضتها ، فلما رآني السلطان قد عدت قال لي : هل عملت شيئا ؟ ظنا منه أن العمل في تلك اللمحة القريبة معجز متعذر ، وبلوغ الغرض فيها غير متصور ، فقلت : قد أجبت ، فقال : أنشدنا(9)، فصمت الناس ، وحدقت الأبصار ، وأصاخت الأسماع ، وظن الناس بي الظنون وترقبوا مني ما يكون ، فما هو إلا أن توالى الإنشاد لأبياتها حتى صفقت الأيدي إعجاباً ، وتغامزت الأعين استغراباً ، وحين انتهيت إلى ذكر مولانا الملك الكامل ، بأنه المعلى في البنين إذا ضربت قداحهم ، ومردت أمداحهم ، اغرورقت عيناه دمعاً لذكره ، وأبان صمته
۲٥٣
مخفي المحبة حتى أعلن بسره ، وحين انتهيت إلى آخرها فاض دمعه ، ولم يمكنه دفعه ، فمد يده مستدعياً للورقة ، فناولتها إلى بد الصاحب ، فناولها له ، وعند حصولها في يده قام من غير إشعار لأحد بما دار من إرادة القيام في خلده ، سترا لما ظهر عليه من الرقة على الموالي الأولاد ، وكتما لما عليه من الوجد بهم والمحبة لهم، وانفض المجلس.
وإنما حمل الصاحب على هذا الفعل الذي غرر بي فيه وخاطر بي بالتعريض له أشياء كان يقترحها علي فأنفذ فيها من بين يديه ، ويخف الأمر منها علي" لدالتي عليه ، منها أنني كنت في خدمته سنة 599 بدمشق ، فورد عليه كتاب من الملك المنصور محمد ابن الملك المظفر تقي الدين صاحب حماة ، وقد بعث صحبته نسخة من ديوان شعره فتشاغل بتسويد جواب كتابه ، فلما كتب بعضه التفت إلى وقال : اصنع أبياتاً أكتبها إليه في صدر الجواب ، واذكر فيها شعره ، فقلت له على مثل هذه الحال ؟ فقال نعم ، فقلت بقدر ما أنجز بقية النسخة:
أيا ملكاً قد أوسع الناس نائلا وأغرقهم بدلا وعمهم عدلا
فديناك هب للناس فضلا يزينهم فقد حزت دون الناس كلهم الفضلا
ودونك فامنحهم من العلم والحجي كما منحتهم كفك الجود والبذلا
إذا حزت أوفي الفضل عفوا فما الذي تركت لمن كان القريض له شغلا
وماذا عسى من ظل بالشعر قاصداً لبابك أن يأتي به جل أو قلا
فلا زلت في عز يدوم ورفعة تحوز ثناء يملأ الوعر والسهلا
ووقع لابن ظافر أيضاً من هذا النمط(10) أنه دخل في أصحاب له يعودون صاحباً لهم ، وبين يديه بركة قد راق ماؤها ، وصحت سماؤها ، وقد رص تحت دساتير ها نارنج فتن قلوب الحفار ، وملأ بالمحاسن عيون النظار ، فكأنما
٢٥٤
رفعت صوالج فضة على كرات من النضار ، فأشار الحاضرون إلى وصفها، فقال بديها :
عجبا لأمواه الدساتير التي فاضت على نارنجها المتوقد
فكأنهن صوالـج من فضة رفعت لضرب كرات خالص عسجد
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- بدائع البدائه ۲: 61.
2- البدائع : والشموع تزهر بين يديه .
3- البدائع : وزهوه.
4- ب : شعاع .
5- بدائع البدائه ۲: 55.
6- م : أبدع.
7- م : فألقاها.
8- البدائع : وانثال الشعر على ضمائري.
9- ب : أنشد.
10- بدائع البدائه ۲ : 54.
دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) . |
جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) . وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً . |
الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل. |
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|