أقرأ أيضاً
التاريخ: 9-5-2017
2744
التاريخ: 23-02-2015
2428
التاريخ: 21-3-2016
3112
التاريخ: 29-04-2015
1784
|
للعلامة جار الله الزمخشري . هو أبو القاسم ، محمود بن عمر الخوارزمي . ولد سنة (467هـ.) وتوفي سنة (538هـ.) كان معتزلي الاعتقاد ، متجاهراً بعقيدته ، وبني تفسيره هذا على مذهب الاعتزال ، طاعناً في تفاسير حادث عن جادة العقل بظواهر هي متنافية مع نص الشرع . وهو تفسير قيم لم يسبق له نظير في الكشف عن جمال القرآن وبلاغته وسحر بيانه ، فقد امتاز المؤلف بإلمامه بلغة العرب والمعرفة بأشعارهم والإحاطة بعلوم البلاغة والبيان والإعراب . ولقد أضفى هذا النبوغ العلمي الأدبي على تفسير الكشاف ثوباً جميلاً ، لفت إليه أنظار العلماء ، وعلق به قلوب المفسرين ، ومن ثم أثنى عليه كثير من أولي البصائر في الأدب والتفسير والكلام . غير أن أصحاب الرأي الأشعري نقموا عليه صراحته بمذهب الاعتزال ، وتأويله لكثير من ظواهر الآيات المنافية مع دليل العقل .
إن نظرة الزمخشري في دلالة الآيات الكريمة نظرة أدبية فاحصة ، وكان فهمه لمعاني الآيات فهماً عميقاً غير متأثر بمذهب كلامي خاص ، فهو لا ينظر في الآيات من زاوية الاعتزال ، كما رموه بذلك ، بل من زاوية فهم إنسان حر عاقل أريب ، ويحلل الآيات تحليلاً أدبياً في ذوق عربي أصيل ، الأمر الذي يتحاشاه أتباع مذهب الاشعري .
مثلاً عند ما تعرض لتفسير قوله تعالى : {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة : 22، 23] يقول : والوجه عبارة عن الجملة . والناضرة : من نضرة النعيم . الى ربها ناظرة : تنظر الى ربها خاصة لا تنظر الى غيره . وهذا معنى تقديم المفعول ، ألا ترى الى قوله : {إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ} [القيامة : 12] ، {إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ } [القيامة : 30] ، {إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ} [الشورى : 53] ، {وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ} [آل عمران : 28] و[النور : 42] و[فاطر : 18] . ، {وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [البقرة : 245] ، {عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} [الشورى : 10] . كيف دل فيها التقديم على معنى الاختصاص ، ومعلوم أنهم ينظرون الى أشياء لا يحيط بها الحصر ، ولا تدخل تحت العدد ، في محشر يجتمع فيه الخلائق كلهم ، فإن المؤمنين نظارة ذلك اليوم ؛ لأنهم الآمنون الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون . فاختصاصه بنظرهم إليه ، لو كان منظوراً إليه محال ؛ فوجب حمله على معنى يصح معه الاختصاص . والذي يصح معه ، أن يكون من قول الناس : أنا الى فلان ناظر ما يصنع بي ، تريد معنى التوقع والرجاء . ومنه قوله القائل :
وإذا نظرتُ إليك من مَلًكٍ ـــــ والبحر دونك زدتني نعماً
وسمعت سروية مستجدية بمكة وقت الظهر ، حين يغلق الناس أبوابهم ، ويأوون الى مقائلهم ، تقول : (عيينتي نُويظرة الى اللّه واليكم ) والمعنى : انهم لا يتوقعون النعمة والكرامة الا من ربهم ، كما كانوا في الدنيا لا يخشون ولا يرجون الا إياه (1) .
انـظـر الى هذا التحقيق الانيق الذي سمحت به قريحة مثل الزمخشري العلامة الأديب الأريب ، ولـكن اصحاب الرأي المعوج لم يرقهم هذا البيان الكافي الشافي ، فجعلوا يهرولون حوله في ضجيج وعويل ، زاعمين انه خالف رأي اهل السنة ، وأول القرآن وفق مذهب الاعتزال . هذا ابن المنير الاسكندري تراه يهاجم الزمخشري في لحن عنيف ، قائلاً : ما أقصر لسانه عند هذه الآية ، فكم له يُدندن ويطبل في جحد الرؤية ، ويشقق القباء ويكثر ويتعمق ، فلما فغرت هذه الآية فـاها ، صنع في مصادمتها بالاستدلال ... وما يعلم ان المتمتع برؤية جمال وجه اللّه تعالى لا يصرف عنه طـرفـه ، ولا يـؤثـر عليه غيره ، كما لا يصرف العاشق اذا ظفر برؤية محبوبه النظر عنه ، فكيف بـالـمـحـب للّه اذا أحظاه النظر الى وجهه الكريم نسأل اللّه ان يعيذنا من مزالق البدعة ومزلّات الشبهة (2) .
ويـقـول الـشيخ محمد عليان ـ في الهامش ايضاً ـ : عدم كونه تعالى منظوراً اليه ، مبني على مذهب المعتزلة ، وهو عدم جواز رؤيته تعالى ومذهب اهل السنة جوازها. وقـال الـشـيخ احمد مصطفى المراغي (إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) : اي تنظر الى ربها عياناً بلا حجاب . قال جـمهور أهل العلم : المراد بذلك ما تواترت به الأحاديث الصحيحة ، من أن العباد ينظرون الى ربهم يـوم الـقـيـامـة ، كما ينظرون الى القمر ليلة البدر قال ابن كثير : وهذا بحمد اللّه مجمع عليه من الـصـحـابة والتابعين وسلف هذه الأمة ، كما هو متفق عليه بين ائمة الاسلام وهداة الأنام وروى الـبـخاري : (أنكم سترون ربكم عياناً). وروى الشيخان : (أن ناساً قالوا : يا رسول اللّه (صلى الله عليه واله وسلم ) هل نرى ربنا يوم القيامة ؟ فقال : هل تضارون في رؤية الشمس والقمر ليس دونهما سحاب ؟ قالوا : لا ، قال : فإنكم ترون ربكم كذلك ) (3) .
وقـد اكـثـر اهـل الـحـديـث مـن روايـات بهذا الشأن ، أخذ بظاهرها السلف ، ومن تبعهم من اهل الظاهر(4) .
واسـتـدل شـيـخ اهـل السنة ابو الحسن الاشعري بهذه الآية على جواز رؤية اللّه في الاخرة ، واسـتـشهد بموضع (الى) من هذه الآية ، قال : {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} اي رائية ، اذ ليس يخلو النظر من وجوه ثلاثة : اما نظر الاعتبار ، كما في قوله تعالى : {أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ} [الغاشية : 17] ، او نـظـر الانـتـظـار ، كـمـا فـي قـولـه تعالى : {مَا يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً} [يس : 49] ، او نظر الرؤية اما الاول فلا يجوز ، لأن الآخرة ليست بدار اعتبار.
وكذا الثاني ، لأن النظر اذا ذكر مع الوجه فمعناه نظر العينين اللتين في الوجه ، ولأن نظر الانتظار لا يـقـرن بـ (الى) ، كما في قوله تعالى : {فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ} [النمل : 35] . قال : فإن قال قـائل : لِمَ لا يجوز ان يراد (الى ثواب ربها ناظرة ) ؟ قيل له : ثواب اللّه غيره ، وقد قال تعالى : {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} ، ولم يقل : الى غيره ناظرة ، والقرآن على ظاهره ، وليس لنا أن نزيله عن ظاهره إلا لحجة (5) .
امـا أهـل العدل والتنزيه فكانت نظرتهم في توحيد اللّه نظرة في غاية السمو والرفعة ، فطبقوا قـوله تعالى : {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ } [الشورى : 11] أبدع تطبيق ، وفصلوه خير تفصيل ، وحاربوا الأنظار الـوضـعـية التي تثبت أن للّه تعالى جسماً ، وأن له وجهاً ويَدَين وعَينَين ، وله جهة فوقية ، وعرش يـسـتـوي عليه جالساً ، وأنه يرى بالأبصار ، الى آخر ما قالته الأشاعرة وأذنابهم من المشبهة والـمـجـسمة . فأتى أهل العدل وسموا على هذه الأنظار ، وفهموا من روح القرآن : تجريد اللّه عن المادية ، فساروا في تفسيرها تفسيراً دقيقاً واسعاً ، وأولوا ما يخالف هذا المبدأ ، وسلسلوا عقائدهم تسلسلاً منطقياً.
وقـد فـصـل الـكـلام ـ فـي نـفـي رؤيته تعالى ـ القاضي عبد الجبار في كتابه (شرح الاصول الخمسة ) (6) و أوفى البحث حقه . وهكذا الخواجا نصير الدين الطوسي في مختصر العقائد (التجريد) (7) .
ومـلخص الكلام في نفي الرؤية : ان النظر بالعين عبارة عن اشعاع نوري يحيط بالجسم المرئي ، الامـر الذي يستدعي مقابلة ومواجهة ، وهو يلازم الجسمية والآية الكريمة تصف موقف المؤمنين فـي ذلـك الـيوم ، انهم على رغم أهواله الجسام مبتهجون مسرورون ، ليس لشيء الا لانهم منصرفون بـكليتهم عن غيره تعالى ، ومتوجهون بكل وجودهم الى اللّه والنظر بهذا المعنى يتعدى ب (الى) كما جاء في قول السروية ، وقول الشاعر :
إني إليك لما وعدت لناظر ـــــ نظر الفقير الى الغني الموسر.
وكانت عائشة تنكر أشد الإنكار إمكان رؤيته تعالى بالأبصار . ففي حديث مسروق عنها المتفق عليه قال : قلت لعائشة : يا أمتاه ، هل رأى محمد ربه ليلة المعراج ؟ فقالت : لقد قَفَّ شعري مما قلت! أين أنت مـن ثـلاث ، مـن حدثكهن فقد كذب : من حدثك أن محمداً رأى ربه فقد كذب ، وقد أعظم على اللّه الفرية ، ثم قرأت {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ...} [الأنعام : 103] ومن حـدثـك أنه يعلم ما في غدٍ فقد كذب ، ثم قرأت {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا} [لقمان : 34] ، ومن حـدثـك أنـه (صلى الله عليه واله وسلم ) كتم شيئاً من الدين ، فقد كذب ثم قرأت {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ....} [المائدة : 67] . هـذا حديث متفق عليه رواه الشيخان وغيرهما من اصحاب الصحاح (8) وهكذا كان مجاهد يـقـول في آية القيامة {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} : تنتظر ثواب ربها في حديث رواه عبد بن حميد عنه ، قال الحافظ ابن حجر : سنده الى مجاهد صحيح (9) .
ومـن ثـم فـان النابهين من الأمة ، ولا سيما في عصر متأخر ، هبوا ينكرون إمكان رؤيته تعالى على الإطـلاق ، اذا كان المقصود من الرؤية الإحاطة بذاته المقدسة بتحديق العين اليه ، فانه محال البتة ، فانه ملازم للتقابل والجسمية المحالين عليه سبحانه .
قـال صـاحـب الـمنار في وجل من أصحابه في الخروج من مذهب أسلافه : وأما رؤية الرب تعالى فـربـما قيل بادئ الرأي : ان آيات النفي فيها اصرح من آيات الاثبات ، كقوله تعالى : {لَنْ تَرَانِي} [الأعراف : 143] ، وقـوله تعالى : {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} فهما أصرح دلالة على النفي من دلالة قوله تعالى : {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} على الاثبات ، فان استعمال النظر بمعنى الانتظار ، كثير في القرآن وكلام العرب ، كقوله : {مَا يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً} [يس : 49] {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ} [الأعراف : 53] ، {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ} [البقرة : 210] .
و ثبت أنه استعمل بهذا الـمـعنى متعدياً بـ (الى) ، ولذلك جعل بعضهم وجه الدلالة فيه على المعنى الآخر ـ وهو توجيه الـبـاصـرة ، الـى ما تراد رؤيته ـ أنه أسند الى الوجوه ، وليس فيها ما يصحح إسناد النظر اليها إلا العيون الباصرة ، وهو في الدقة كما ترى (اي ليس ذلك ظاهر الآية ظهورا عرفيا) (10) و لصاحب المنار هنا في توجيه وتأويل كلام اهل السنة كلام طويل ، لا يستغني الباحث عن مراجعتها.
ولنا ايضا بحث مستوف بمسالة الرؤية عرضناه في بحث المتشابهات (11) .
_______________________
1- الكشاف ، ج4 ، ص662 .
2- المصدر نفسه (الهامش) ، ج4 ، ص662.
3- تفسير المراغي ، ج10 ، ص152-153 .
4- راجع : تفسير الطبري ، ص73-75 ؛ تفسير ابن كثير ، ج2 ، ص414 ؛ تفسير القشيري ، ج3 ، ص91 .
5- راجع : كتاب الإبانة لأبي الحسن الأشعري ، ص10-19 . واللمع له أيضاً ، ص61-68.
6- شرح الأصول الخمسة لعبد الجبار ، باب نفي الرؤية ن ص232-277 .
7- شرح تجريد العقائد للعلامة الحسن بن المطهر الحلي ، ص163-165 (ط بمبأي) .
8- المنار ، ج9 ، ص153 .
9- المصدر نفسه ، ص 134 .
10. المنار ، ج9 ، ص134 .
11- راجع : التمهيد ، ج3 ، ص90-111.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|