أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-03-13
703
التاريخ: 21-7-2016
1257
التاريخ: 21-7-2016
1282
التاريخ: 2024-03-13
894
|
قال [الغزالي] في الإحياء (1): اعلم أنك إذا فهمت معنى القبول لم تشك في أن كل توبة صحيحة فهي مقبولة، فالناظرون بنور البصائر المستمدون من أنوار القرآن علموا أن كل قلب سليم مقبول عند الله ومتنعم في الآخرة في جوار الله، ومستعد لأن ينظر بعينه الباقية إلى وجه الله، وعلموا أن القلب خلق سليماً في الأصل، فكل مولود يولد على الفطرة (2) وإنما تفوته السلامة بكدورة ترهق وجهه من غبرة الذنوب وظلمتها.
وعلموا أن نار الندم تحرق تلك الغبرة، وأن نور الحسنة تمحو عن وجه القلب ظلمة السيئة، وأنه لا طاقة لظلام المعاصي مع نور الحسنات كما لا طاقة لظلام الليالي مع نور النهار، بل كما لا طاقة لكدورة الوسخ مع بياض الصابون، فكما أن الثوب الوسخ لا يقبله الملك لأن يكون لبسه، فالقلب المظلم لا يقبله الله تعالى لأن يكون في جواره، وكما أن استعمال الثوب في الأعمال الخسيسة يوسخ الثوب وغسله بالصابون والماء الحار ينظفه لا محالة فاستعمال القلب في الشهوات يوسخ القلب وغسله بماء الدموع وحرقة الندم تنظفه وتطهره وتزكيه.
وكل قلب زكي طاهر فهو مقبول، فعلى الإنسان التزكية والتطهير وعلى الله القبول، إلا أن يغوص الوسخ لطول تراكمه في تجاويف الثوب وخلله، فلا يقوى الصابون على قلعه. ومثال ذلك أن تتراكم الذنوب حتى يصير طبعاً وريناً على القلب، فمثل هذا القلب لا يرجع ولا يتوب.
نعم قد يقول باللسان تبت، فيكون ذلك كقول القصار بلسانه قد غسلت الثوب، وذلك لا ينظف الثوب أصلاً ما لم يغير صفة الثوب باستعمال ما يضاد الوصف المتمكن منه (3)، قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ} [الشورى: 25]. وقال تعالى: {غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ} [غافر: 3].
أقول: من طريق الخاصة (4) في الكافي (5) عن الصادق أو الباقر (عليهما السلام): إنّ الله (عزّ وجلّ) قال لآدم (عليه السلام): جعلت لك أن من عمل من ذريتك سيئة ثم استغفر غفرت له. قال: يا رب زدني. قال: جعلت لهم التوبة حتى تبلغ النفس هذه. قال: يا رب حسبي (6).
وعن الباقر (عليه السلام) قال: إذا بلغت النفس هذه ــ وأومأ (7) بيده إلى حلقه ــ لم يكن للعالم توبة وكان للجاهل توبة (8).
وعن الصادق (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من تاب قبل موته بسنة قبل الله توبته، ثم قال: إن السنة لكثير من تاب قبل موته بشهر قبل الله توبته ثم قال: إن الشهر لكثير، ثم قال: من تاب قبل موته بجمعة قبل الله توبته، ثم قال: وإن الجمعة لكثير من تاب قبل موته بيوم قبل الله توبته، ثم قال: إن يوماً لكثير من تاب قبل أن يعاين قبل الله توبته (9).
وزاد في رواية الصدوق (10): من تاب قبل موته بساعة تاب الله عليه، ثم قال: وإن الساعة لكثير من تاب وقد بلغت نفسه هنا ــ وأشار بيده إلى حلقه ــ تاب الله عليه (11).
وقال النبي (صلى الله عليه وآله): لو عملتم الخطايا حتى تبلغ السماء ثم ندمتم لتاب الله عليكم (12).
وقال الباقر (عليه السلام) لمحمد بن مسلم (13): ذنوب المؤمن إذا تاب منها مغفورة له، فليعمل المؤمن لما يستأنف بعد التوبة والمغفرة، أما والله إنها ليست إلا لأهل الإيمان. قلت: فإن عاد بعد التوبة والاستغفار في الذنوب وعاد في التوبة؟ فقال (عليه السلام): أترى العبد المؤمن يندم على ذنبه ويستغفر الله منه ويتوب ثم لا يقبل الله توبته. قلت: فإنه فعل ذلك مراراً يذنب ثم يتوب ويستغفر؟ فقال: كلما عاد المؤمن الاستغفار والتوبة عاد الله عليه بالمغفرة،
{وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المائدة: 98] يقبل التوبة ويعفو عن السيئات (14). (15)
وقال الصادق (عليه السلام): إن الرجل ليذنب الذنب فيدخله الله به الجنة. قيل (16): يدخله الله بالذنب الجنة؟ قال: نعم، إنه ليذنب فلا يزال منه خائفاً ماقتاً لنفسه فيرحمه الله فيدخله الجنة (17).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) كتاب إحياء علوم الدين للغزالي.
(2) قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): كل مولود يولد على الفطرة.
الكافي، الكليني: 2 /13، كتاب الإيمان والكفر، باب فطرة الخلق على التوحيد / ذيل الحديث4.
(3) انظر: إحياء علوم الدين، الغزالي: 4/ 12، كتاب التوبة، بيان أن التوبة إذا استجمعت شرائطها فهي مقبولة.
(4) قال الفاضل الهندي: الخاصة، أي: الإماميّة، فإنهم خواص الناس بالله ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمة (عليهم السلام).
كشف اللثام، الفاضل الهندي: 1 / 110.
ولعل الفاضل الهندي اعتمد في تعريفه على منقولة عمار بن ياسر والتي فيها أن الشيعة هم الخاصة، ونصها:
مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنْ عَلِيِّ بْنِ سَلاّرٍ أَبِي عَمْرَةَ، عَنْ أَبِي مَرْيَمَ الثَّقَفِيِّ، عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، قَالَ: بَيْنَا أَنَا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله وسلم) إِذْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله وسلم): ((إِنَّ الشِّيعَةَ الْخَاصَّةَ الْخَالِصَةَ مِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ، فَقَالَ عُمَرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ عَرِّفْنَاهُمْ حَتَّى نَعْرِفَهُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله وسلم): مَا قُلْتُ لَكُمْ إِلاَّ وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أُخْبِرَكُمْ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله وسلم): أَنَا الدَّلِيلُ عَلَى اللَّهِ (عز ّوجل) وَعَلِيٌّ نَصْرُ الدِّينِ وَ مَنَارُهُ أَهْلُ الْبَيْتِ وَهُمُ الْمَصَابِيحُ الَّذِينَ يُسْتَضَاءُ بِهِمْ، فَقَالَ عُمَرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَنْ لَمْ يَكُنْ قَلْبُهُ مُوَافِقاً لِهَذَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله وسلم) مَا وُضِعَ الْقَلْبُ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ إِلاَّ لِيُوَافِقَ أَوْ لِيُخَالِفَ فَمَنْ كَانَ قَلْبُهُ مُوَافِقاً لَنَا أَهْلَ الْبَيْتِ كَانَ نَاجِياً وَمَنْ كَانَ قَلْبُهُ مُخَالِفاً لَنَا أَهْلَ الْبَيْتِ كَانَ هَالِكاً)).
الكافي، الكليني: 8/ 333، كتاب الروضة، حديث الفقهاء والعلماء/ ح 518.
(5) كتاب الكافي، للشيخ محمد بن يعقوب الكليني، قيل فيه:
قال الشيخ المفيد، 413 هـ: "وهو من أجلّ كتب الشيعة وأكثرها فائدة".
وقال الشهيد محمد بن مكي، 786 هـ، في إجازته لابن الخازن: "كتاب الكافي في الحديث الذي لم يعمل الإمامة مثله".
وقال المولى محمد أمين، 1036هـ: "سمعنا من مشايخنا وعلمائنا انه لم يصنف في الإسلام كتاب يوازيه أو يدانيه".
قال الفيض: "الكافي.. أشرفها وأوثقها وأتمها وأجمعها؛ لاشتماله على الأصول من بينها وخلوه من الفضول وشينها".
الشيخ الكليني البغدادي وكتابه الكافي، ثامر العميدين: 154 ــ 155، المبحث الثاني شهرة الكتاب.
(6) انظر: الكافي، الكليني: 2/ 440، كتاب الإيمان والكفر، باب فيما أعطى الله (عزّ وجلّ) آدم (عليه السلام) وقت التوبة / ح1.
(7) في الكافي: "وأهوى".
(8) الكافي، الكليني: 2/440، كتاب الإيمان والكفر، باب فيما أعطى الله (عزّ وجلّ) آدم (عليه السلام) وقت التوبة/ ح 3.
(9) انظر: الكافي، الكليني: 2/ 440، كتاب الإيمان والكفر، باب فيما أعطى الله (عزّ وجلّ) آدم (عليه السلام) وقت التوبة/ ح2.
(10) محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي، أبو جعفر، نزيل الري، شيخنا وفقيهنا ووجه الطائفة بخراسان. ورد بغداد سنة خمس وخمسين وثلاثمائة، وسمع منه شيوخ الطائفة وهو حدث السن، كان جليلا حافظا للأحاديث، بصيرا بالرجال، ناقدا للأخبار، لم ير في القميين مثله في حفظه وكثرة علمه، له نحو من ثلاثمائة مصنف، ذكرنا أكثرها في كتابنا الكبير، مات رضي الله عنه بالري سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة.
خلاصة الأقوال، العلامة الحلي: 248/ الرقم 45.
(11) من لا يحضره الفقيه، الشيخ الصدوق: 1/ 133، باب غسل الميت/ ح9.
(12) إحياء علوم الدين، الغزالي: 4/ 13، كتاب التوبة، بيان أن التوبة إذا استجمعت شرائطها فهي مقبولة لا محالة.
(13) محمد بن مسلم بن رباح: أبو جعفر الأوقص الطحان، مولى ثقيف الأعور وجه من أصحابنا بالكوفة، ورع، فقيه، صاحب أبا جعفر وأبا عبد الله (عليهما السلام)، وروى عنهما، وكان من أوثق الناس.
رجال العلامة، العلامة الحلي: 149، القسم الأول فيمن أعتمد عليه. الفصل الثالث والعشرون، الباب الأول محمد/ الرقم 59.
(14) إشارة إلى قوله تعالى: ((وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئاتِ وَيَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ)) سورة الشورى/ 25.
(15) انظر: الكافي، الكليني: 2/ 434، كتاب الإيمان والكفر، باب التوبة / ح6.
(16) في الكافي: "قلت" بدل "قيل".
(17) الكافي، الكليني: 2/ 426، كتاب الإيمان والكفر، باب الاعتراف بالذنوب/ ح3.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|