أقرأ أيضاً
التاريخ: 23-3-2018
7545
التاريخ: 23-7-2016
27442
التاريخ: 14-08-2015
2168
التاريخ: 19-1-2020
1580
|
لا نجد لحازم رأياً جديد نافذاً في هذه المسألة التي شغلت اذهان شراح ارسطو من الفلاسفة العرب، على الرغم من كثرة آرائه الدقيقة، بل انه لم يبلغ في هذا المجال ما بلغه ابن سينا في تلخيصه(1) حقاً لقد ذهب ايضاً إلى ان الشيء يجب ان يحاكى بحسب ترتيب اجزائه فتكون محاكاته بالقول كمحاكاته بالرسم من حيث ترتب اجزائه على ما هي عليه في الطبيعة، بيد انه، على الرغم من ذلك لم يلبث ان نظر إلى الامر نظرة تقليدية ترى في تعدد الموضوع ضرباً من التجديد الذي ينقذ النفوس من السأم، وكأن افراغ القصيدة في قالب موضوع واحد ادعى إلى السأم من افراغها في عدة قوالب بين مدح، ونسيب، ووصف وتشبيه قال: (يجب في محاكاة اجزاء الشيء ان ترتب في الكلام على حسب ما وجدت عليه في الشيء، لأن المحاكاة بالمسموعات تجري من السمع مجرى المحاكاة بالمتلونات من البصر، وقد اعتادت النفوس ان تصور لها تماثيل الاشباح المحسوسة، ونحوها على ما عليه ترتيبها فلا يوضع النحر في صور الحيوان إلا تالياً للعنق، وكذلك سائر الاعضاء، فالنفس تنكر لذلك للمحاكاة القولية اذا لم يوال بين اجزاء الصور، على مثل ما وقع كما تنكر المحاكاة المصنوعة باليد اذا كانت كذلك)(2)، وربما كان هذا احد المواضع النادرة التي قارن فيها حازم بين الشعر والرسم(3)، وكما رأينا فقد نبه الدكتور محمد غنيمي هلال على ان قياس تجاور اغراض القصيدة بتجاور خلق الانسان (او خلق الحيوان عند حازم) هو ما جعل معنى الوحدة غامضاً في اذهان النقاد العرب، اذ ليس ثمة تناسب حقيقي بين اعضاء الخلق هذه، على نحو ما هو مطلوب في تناسب القصيدة، ومن ثم فالوحدة هنا انما هي ربط اجزاء متنافرة ، أو هي ــ كما اسماها الدكتور شكري عياد ــ وحدة تسلسلية وليست وحدة عضوية(4).
على ان حازماً لم يلبث ان صرح بمذهبه في تعدد اغراض
القصيدة، حرصاً على نشاط النفس، وتجنباً لسأمها، فهو يرى ان الحذاق من الشعراء
انما اثروا الانتقال من غرض إلى غرض لانهم وجدوا النفس تمل من الكلام في امر واحد،
وادركوا ان الميل بالكلام إلى انحاء متعددة يستأثر بانفعالات النفس، ويوقظ نشاطها:
(ان الحذاق من الشعراء . . . لما وجدوا النفوس تسأم التمادي على حال واحدة، وتؤثر
الانتقال من حال إلى حال، ووجدوها تستريح إلى استئناف الامر بعد الامر، واستجداد
الشيء بعد الشيء . . . اعتمدوا في القصائد ان يقسموا الكلام فيها إلى فصول ينحى
بكل فصل منحى من المقاصد، ليكون للنفس في قسمة الكلام إلى تلك الفصول، والميل بالأقاويل
فيها إلى جهات شتى من المقاصد، وانحناء شتى من المآخذ، استراحة واستجداد نشاط)(5)
ويبدو ان حازماً لم يقبل تعدد الاغراض فحسب، وانما راح يسوغه، ويلتمس له تعليلاً
نفسانياً، بل انه مضى فقال: ان القصائد اذا كانت تنقسم إلى بسيطة تشتمل على غرض
واحد، ومركبة تشتمل على غرضين، فإن القصائد المركبة اشد موافقة للنفوس، لهذا الامر
بالذات، ولذا فإنه لم يتردد في تفضيل تعدد اغراض القصيدة انطلاقاً من مبدئه في
موافقة النفوس: (والقصائد: منها بسيطة الاغراض ، ومنها مركبة ، والبسيطة مثل
القصائد التي تكون مدحاً صرفاً أو رثاء صرفاً، والمركبة هي التي يشتمل الكلام فيها
على غرضين، مثل ان تكون مشتملة على نسيب ومديح، وهذا شد موافقة للنفوس الصحيحة
الاذواق، لما ذكرناه من ولع النفس بالافتنان في انحاء الكلام، وانواع القصائد)(6).
ولقد انتهى به الامر إلى ان يعرض طرق الاحتيال في جمع طرفي القول في القصيدة، على
نحو محكم لا يختل به نظام القصيد، ويفرغ جهده في تبيان كيفية الجمع بين المدح
والنسب بما لا يورث نبوة في السمع، أو نفوراً، وذلك من خلال طريقتين:
أولاهما التدرج في
الانتقال بما يمت إلى الغرض الاول بسبب، وأخراهما الانتقال المفاجئ، من غير مقدمة،
سواء بموافقة، ام مناقضة، أما على سبيل التشبيه او المحاكاة، واما بالأضراب عن
مقصد، والاعتداد بآخر ، وصفوة القول اذن ان حازماً قد اظهر ولاءه الكامل للقصائد
"المركبة" ومن ثم فقد اخذ نفسه بوضع نظام القصيد من حيث البداية
والنهاية، على اساس هذا التركيب، فالمبادئ ينبغي ان تكون: (جزلة حسنة المسموع
والمفهوم دالة على غرض الكلام، وجيزة تامة)(7) والصدور (متناسبة النسج
حسنة الالتفاتات، لطيفة التدرج مشعشعة الاوصاف بالتشبيهات)(8) ولم ينس
حازم ان ينبه على ان يكون المديح بحيث يلائم النسيب، وهما اهم طرفي القصيدة: (ويجب
اني يكون التخلص لطيفاً، والخروج إلى المدح بديعاً، ويجب ان يكون صدر المديح حسن
السبك، ذا العبادات، مستطاب المعاني ليناسب ما اتصل به من النسيب)(9)
وها هنا فلا بد من القول ان ما يقال عن الاثر اليوناني في "منهاج" حازم
لا يظهر مطلقاً في كلامه على نظام القصيد، حيث يبدو نصيراً تقليدياً متزمتاً، لما
درج عليه النقاد في عمود الشعر، وكأنه نسي تماماً ما افضا فيه من الكلام على
المحاكاة، ومعانيها وطرقها، وجهائها ، وصدقها، فعاد يصوغ من الشعر قيوداً ينبغي ان
يضعها الشعراء كما يكتب لهم القبول، وهكذا في فبعد ان منح حازم الشعراء حق
التخييل، اذ جعله جوهر الشعر، وقدمه على الوزن عاد فوضع لهذا التخييل منهاجاً
دقيقاً يمنع الشاعر من التعبير عن نفسه، ويفرض عليه ان يحاكى انماطاً معينة من
المعاني ، حتى انه يذكر كلمة "انماط" نفسها، واين هو مجال التجديد اذا
كان الناقد يحدد للشاعر ما ينبغي ان يحتذيه في المدح او النسيب، او التأليف بينهما
ولا سيما اذا كان هذا الذي يحتذى يرجع إلى قيم تقليدية فيما يليق وما لا يليق على
هذا النحو: (ويجب ان يقصد في مدح صنف من الناس، إلى الوصف الذي يليق به، وان يعتمد
في مدح واحد ممن يراد تقريظه ما يصلح له من تلك الفضائل وما تفرع عنها . . . فأما
مدح الخلفاء فيكون بأفضل ما يتفرع من تلك الفضائل، واكملها، كنصر الدين وافاضة
العدل ... ومدح الامراء يكون بالكرم، والشجاعة، ويمن النقيبة . . . ومدح الوزراء ،
ومن حل محلهم من الكتاب يكون بالعلم، والعلم والكرم، ومدح القضاة يكون بالعلم،
والتقى ، والديم، والنزاهة والعدل بين الخصوم)(10) وظاهر ان حازماً هنا
انما يقفو اثر قدامة(11)،الذي و ضع
أيضا معايير كل غرض من أغراض الشعر، وكذلك ابن سنان(12)، وهذا يعني ــ
مرة أخرى ــ انه لم يكد يخرج على ما تواضع عليه النقاد، على الرغم من اسرافه في
ايراد المصطلح اليوناني، وإلا فما الذي يعنيه الحديث عن "انماط" المدح،
عند ناقد يبدئ ويعيد في قيمة "التخييل" وقيمة "الصدق"؟ وكيف
يكون من يحتذى أحد هذه الانماط "مخيلاً" و "صادقاً" ما دامت
انماطاً وضعها غيره، ليحاكيها هو دون نظر إلى صلتها بمشاعره واخيلته؟ (فقد تبين من
هذا ان امداح الخلفاء يجب ان تكون نمطاً واحداً ينحى بأوصافها ابداً نحو الافراط،
وان امداح الامراء والوزراء والقضاة، ومن جرى مجراهم من كبار العلماء ينبغي ان
يكون كل واحد منها ثلاثة انماط، ينحى بالنمط الاعلى منحي الافراط، وينحى بالنمط
الادنى منحى الاقتصاد، وتكون اوصاف النمط الوسط اقتصادية مشوبة ببعض افراط، وذلك
بحسب ما بيناه من اختلاف درجات الممدوحين في ضخامة الخطط، وفخامة الولايات) (13)
اذن ان ترتب المدح يكون بحسب ترتب درجة الممدوح، لا بحسب شعور الشاعر، وطبعاً ان
هذا يحول دون صدق الشاعر، ويجعل الشعر معاداً مكروراً لدورانه على أشكال وانماط
معينة فإذا تذكرنا ان اكثر الشعر تشبيه، ادركنا خطر هذا "النمط" النقدي
على الخيال بما يفضي إليه من تكرار صور التشبيه على نحو مملول، وليت الامر اقتصر
على المديح فكما فعل قدامة من قبل، راح حازم يضع لكل غرض رسماً معيناً، حتى استوفي
الاغراض جميعها(14)، ولم يأت بمعنى جديد غالباً، وانما درج فيها على
المألوف الامور فالنسيب ينبغي ان يكون عذباً، والرثاء شاجياً، والفخر مدحاً
ذاتياً، والاعتذار لطفاً والهجاء ايلاماً، وهكذا بحيث يرجع الشاعر عندما يهم يقول
الشعر، لا إلى المشاعر الخاصة، وانما إلى المعايير العامة.
ويبدو ان لهذا
الامر صلة بتصور حازم للإبداع الشعري نفسه، فالحق ان هذا الابداع يخضع عنده لنظام
عقلي دقيق. جعل مهمة الشاعر ترتيب اجزاء النظام على نحو معين، فكأن فضل الشاعر
ينحصر في مدى قدرته على هذا الترتيب بالقياس إلى توفر قوى الشعر عنده وهي عشر قوى،
اولها: القوة على التشبيه، وآخرها القوة المميزة لحسن الكلام من قبيحه(15)،
وبديهي ان اي تصور لقيمة الخيال في الشعر، من حيث أثره في التعبير عن المشاعر
الصادقة، ينعدم ازاء ما يطلبه حازم من الشاعر، اذا ما اراد النظم، ان يضع امامه
اجزاء القصيدة، ويقوم بتركيبها ، ولننظر فيما يريده حازم من الناظم، اذ يقول
معقباً على وصية ابي تمام الشعيرة للبحتري: (ان الناظم اذا اعتمد ما امره به ابو
تمام، من اختيار الوقت المساعد، واجمام الخاطر، والتعرض للبواعث على قول الشعر،
والميل مع الخاطر كيف مال، فحق عليه اذا قصد الروية ان يحضر
مقصده في خياله وذهنه والمعاني التي هي عمدة له، بالنسبة إلى غرضه ومقصده،
ويتخيلها تتبعاً بالفكر في عبارات بدد، ثم يلحظ ما وقع في جميع تلك العبارات، او
اكثرها طرفاً، أو مهيئاً لأن يصير طرفاً، من الكلم المتماثلة المقاطع، الصالحة لأن
تقع في بناء قافية واحدة، ثم يضع الوزن والروي بحسبها لتكون قوافيه متمكنة تابعة
للمعاني لا متبوعة لها، ثم يقسم المعاني والعبارات على الفصول، ويبدأ منها بما
يليق بمقصده ان يبدأ به، ثم يتبعه من الفصول بما يليق ان يتبعه به، ويستمر هكذا
على الفصول ، فصلاً، فصلاً، ثم يشرع في نظم العبارات التي احضرها في خاطرة منتشرة،
فيصيرها موزونة اما بأن يبدل فيها كلمة مكان كلمة مرادفة لها، أو بأن يزيد في
الكلام ما تكون لزيادته فائدة فيه، أو بأن ينقص منه ما لا يخل به، أو بأن يعدل من
بعض تصاريف الكلمة إلى بعضها، أو بأن يقدم بعض الكلام، ويؤخر بعضاً، أو بأن يرتكب في
الكلام اكثر من واحد من هذه الوجوه)(16) ولعل هذا النص يفصح تماماً عن
التصور العقلي المحض لــ : "نظم"
أو "تركيب" القصيدة، حيث
يعمد الشاعر إلى احضار المقصد، والعبارة، والوزن ليحاول المواءمة بينها بما يراه
لائقاً، اما ان يعمد الشاعر إلى استلهام مشاعره او معانيه وصياغتها على نحو خيالي
يحاكى به ما هو ممكن منها، فذلك ما يبدو انه ظل غامضاً في اذهان محسوسة ايضاً،
والغريب ان حازماً كان قد تنبه إلى اهمية
صدور الشاعر عن عاطفة صادقة فيما يقوله من شعر، بحيث صرح ان أفضل الشعر ما
خالط الشاعر فيه ولع بفنه، غير انه جرياً على الميل العقلي الصرف قال ان من التطبع
ما يوازي الطبع، وانه قد يتأتى لشاعر ان يحسن تقليد المطبوعين من الشعراء،
"فلا يماز منهم"، ولا ضير في ذلك ما دام مجيداً (اعلم ان خير الشعر ما
صدر عن فكر ولع بالفن، والغرض الذي القول فيه، مرتاح للجهة والمنحى الذي وجه إليه
كلامه، لا قباله بكليته على ما يقول . . . ولهذا كان افضل النسيب ما صدر عن سجية
نفس شجية . . . وقد توجد لبعض النفوس قوة تتشبه بها فيما جرت فيه من نسيب، وغير
ذلك، على غير السجية بما جرى فيه على السجية من ذلك، فلا تكاد تفرق بينهما النفوس،
ولا يماز المطبوع فيها من المتطبع، فاذا اتفق مع هذا حسن النظم تناصر الحسن في
النظام، والمنحى، واعتم، فلم يكن فيه مقدح)(17) وبذكرنا هذا الكلام بما
تقدم من قول الفارابي، ان احمد انواع الشعر ما كان عن طبع، ولكن الفارابي كان اكثر
وضوحاً في تقرير ذلك من حازم الذي وازى بين المطبوع، والمتطبع المجيد، وها هنا فلا
بد من التساؤل عن سر التناقض الواضح بين الكلام على المحاكاة بما ينبئ عن تأثر بما
بأرسطو، وبين الكلام على طريقة النظم بما ينم على تأثر بالغ بمذاهب النقاد
التقليدية، فأما ان حازماً لم يتمثل النقد اليوناني تمثلاً صحيحاً، واما انه لم
يقبله قبولاً تاماً، واما انه اخفق في تلمس المقارنة الصحيحة بين طبيعة كل من
الشعر القصصي، والشعر العربي الغنائي، ويبدو انه كان له أمر نصيب بحيث ان عدم فهمه
للنقد اليوناني حق الفهم، افضى إلى عدم قبولاً كاملاً، ومن ثم الى التخبط بين
النظرية اليونانية، والتطبيق العربي ولا سيما انه كان يكرر اقوال من سبقه من
النقاد، امثال الفارابي، وابن سينا وعبد القاهر، دون ان يعني اطلاعه على ارسطو
شيئاً مذكوراً، وهكذا يمكن القول ان فضل حازم يتجلى في منهجه اكثر مما يتجلى في
فكره، لأنه لم يكد يأتي بجديد يذكر في مبادئ النقد وان كان قد أجاد عرض هذه
المبادئ في ثوبها اليوناني حيناً والعربي حيناً آخر وصفوة القول ان معنى المحاكاة
عنده ظل محصوراً في التشبيه الظاهر على نحو ما كان سائداً، فلم يتح له ان يضفي
عليه ما ينقله من تصوير الشيء) إلى تصوير "الفعل" ومن التعلق بــ
"الكائن إلى التعلق "بالممكن" مما كان كفيلاً بفتح آفاق جديدة امام
الخيال الشعري العربي.
_____________________
(1) انظر: فن
الشعر ص183.
(2) منهاج: ص104.
(3) ــ انظر
مقارنته في موضع آخر بين الشعر والنحت اذ يقول ان طريق وقوع التخييل في التي (اما
ان تكون بأن يتصور في الذهن شيء من طرق الفكر وخطرات البال، أو بأن تشاهد شيئاً
فتذكر به شيئاً، أو بأن يحاكى لها الشيء بتصوير نحتي او خطي أو ما يجري مجرى ذلك
او يحاكي لها صوته او فعله أو هيأته بما يشبه ذلك من صوت او فعل او هيأة) ص89
(4) انظر: كتاب
الشعر ص276.
(5) منهاج البلغاء
ص 295 – 296.
(6) المصدر نفسه
ص303
(7) ويبدو ان هذه
المسألة قد تمكنت من حازم حتى انه جعل من ضمن قوى الشاعر العشر عنده القوة على
الوصل، وهي القوة التاسعة: (القوة على تحسين وصل بعض الفصول ببعض، والابيات بعضها
ببعض، والصادق بعض الكلام على الوجوه التي لا تجد النفوس عنها نبوة) ص200
(7) منهاج
البلغاء: ص305.
(8) المصدر نفسه:
ص306.
(9) المصدر نفسه:
ص306.
(10) المصدر نفسه:
ص170-171.
(11) انظر: نقد
الشعر ص59، 123، 108، 116، 90، 118 حيث وضع قدامة معايير كل غرض.
(12) انظر: سر
الفصاحة ص242-243.
(13) منهاج
البلغاء: ص171.
(14) انظر: معايير
النسيب والرثاء والفخر والاعتذار والهجاء والتهاني ص351-353.
(15) انظر:
ص199-201.
(16) ص204
(17) ص: 341
دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) . |
جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) . وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً . |
الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل. |
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
لحماية التراث الوطني.. العتبة العباسية تعلن عن ترميم أكثر من 200 وثيقة خلال عام 2024
|
|
|