أقرأ أيضاً
التاريخ: 3-8-2022
2322
التاريخ: 15-5-2017
8777
التاريخ: 19-3-2018
3347
التاريخ: 2023-09-06
915
|
تعتبر المساواة أساس العدل والحرية والسلام الاجتماعي ، على تقدير أن غايتها صون حقوق المواطنين وحرياتهم في مواجهة ص ور التمييز التي تقال عنها أو تفيد ممارستها ، وترجع أهمية هذا المبدأ الى أن النفس الإنسانية دقيقة جدا وسريعة التأثر الى درجة كبيرة ، فهي كالنابض الذي يهبط إلى أدنى ض غط وترتفع بارتفاعه بسرعة ، مثاله لو تبسمت في وجه شخص ما فسوف تنبسط أساريره ويتعامل معك باتزان ثم لو حبست في وجهه بعد ذلك تراه يفقد توازنه ولا تعود معاملته لك كما كانت أنفا فكيف يكون الأمر عندما يجد منك عدم مساواة في المعاملة ؟ إذن فمبدأ المساواة في المعاملة مهم جدا في توازن النفس ، فكما التوازن مهم في كل شيء إذ أدنى اختلال في توازن الأشياء يؤدي الى تخيطها أو خرابها كذلك الحال مع النفس البشرية (1) .
ولقد التفت الدين الإسلامي الحنيف إلى هذا المبدأ سابقة بذلك التشريعات والقوانين المعاصرة بقرون عديدة ، إذ أفز بالمساواة بين الناس دون تمييز بسبب اللون أو العرق أو الجنس قال تعالى (( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير )) (2) ولكن الشارع المقدس قم الناس الى ثلاث فئات حسب أعمالهم ( مؤمن ، وكافر ، ومنافق ) مما يفهم بأن القرآن والسنة الشريفة أو نظرة واقعية لا تعترف بالتقسيمات المتعارفة بين الناس كالتقسيمات الطائفية والعرقية واللغوية وغير ذلك من مما ذكرت ، ولكنه . الإسلام . يميز الناس حسب مواقفهم وأعمالهم ونوع اعتقادهم (3) .
ومن التطبيقات العملية التي حفظها لنا التاريخ ، إن الرسول الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) كان لا يدعى لنفسه قداس ولا امتياز وكان يقول دائما ( إنما أنا بشر مثلكم يوحى الي ... ) (4) ، وكان قدوة للمسلمين في توكيد معاني المساواة بين الرؤساء والمرؤوسين فقد قاضاه غريم له بدين وأغلظ الكلام على رسول الله ، فه به عمر بن الخطاب فقال الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ( مه يا عمر كنت أحوج الى أن تأمرني بالوفاء وكان أحوج أن تأمره بالصبر )(5)، وكذلك ما روي في المساواة عن أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب (عليه السلام) عندما كان خليفة للمسلمين ، فقد ورد في عهده الى العملاق) مالك بن الأشتر عندما ولاه مصر (... الناس صنفان إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق ) (6)، ولكن كما ذكرت بأن المساواة بين الناس تكون على أساس الإنسانية وفي مجال القضاء على أساس افتراض البراءة ، إذ أن نظرة الإسلام للمساواة ليست أمرأ واجبة في جميع الأحوال حيث ذكر الإمام علي (عليه السلام) في العهد نفسه لواليه بأن (لا يكون المحسن والشيء عندك بمنزلة سواء فإن ذلك تزهيد لأهل الإحسان في الإحسان وتدريبة لأهل الإساءة على الإساءة) (7) .
أما المقصود بالمساواة أمام المحكمة فتعني المعاملة بغير تمييز للمراكز القانونية الواحدة ، ويعتبر المساواة أمام القضاء عنصرا في مبدأ المساواة أمام القانون ، فالمساواة أمام القضاء جزء لا يتجزأ من عدالة المحاكمة ، ويتجلى هذا المبدأ بتمنع أصحاب المراكز القانونية أي أطراف الدعوى الجزائية بذات الحقوق والحريات فيتعين إتاحة إمكانية معقولة لكل طرف لعرض قضيته في ظروف لا تضعه في موقف سلبي بالنسبة للخصم ، فمتى خرم أحدهم من هذه الحقوق والحريات التي كفلتها الدساتير والتشريعات الجنائية وتمتع بها أخر ، كان النص القانوني الذي وضع هذا التمييز مخالفا لمبدأ المساواة فضلا عن مخالفته للحقوق والحريات التي أهدرها هذا النص وبالتالي يصاب بعدم المشروعية ، ويطلق على هذا المبدأ أيضأ تسمية (المساواة في الأسلحة ) إذ تتطلب المساوة أن لا يوضع المتهم في المحاكمة الجزائية بموضع ضعيف بالمقارنة مع الخصم (8).
ولأهمية هذا الإجراء فقد حرصت الدساتير موضوع المقارنة على النص عليه ، فقد كفل الدستور الفرنسي لعام 1958 في المادة (1) من إعلان حقوق الإنسان والمواطن الملحق بالدستور هذا الحق (يولد الناس أحراره ومتساوين في الحقوق ...) وقضت المادة (6) منه بان (...القانون يجب أن يكون واحدة بالنسبة للجميع سواء عن توفير الحماية أو فرض العقاب ...) ، وتضمن الدستور المصري لعام 1971 مواد، تؤكد هذا المبدأ فقد نصت المادة (40) (المواطنون لدى القانون سواء ، وهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة لا تمييز بينهم في ذلك بسب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة ) ، وأشار ضمنا في المادة (67) منه الى وجوب أن تراعي المحكمة هذا المبدأ من خلال إشارتها إلى أن المحكمة يجب أن تحاكم المتهم محاكمة قانونية تكفل له فيها ضمانات الدفاع عن نفسه ، وحرص الدستور اليمني لعام 1994 على النص على هذا المبدأ في المادة (41) التي تقرر (المواطنون جميعهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة ) ، وأكد الدستور العراقي لعام 2005 على هذا الحق في مواضع عديدة ، فقد نصت المادة (14) العراقيون متساوون أمام القانون دون تمييز بسبب الجنس أو العرق أو القومية أو الأصل أو اللون أو الدين أو المذهب أو المعتقد أو الرأي أو الوضع الاقتصادي أو الاجتماعي ) ، كما أن المادة (19) سادسة ) أكدت على حق الفرد في المساواة وذلك من خلال معاملته معاملة عادلة في الإجراءات القضائية 0 وحظي هذا الحق باهتمام المواثيق الدولية الخاصة بحقوق الإنسان ، فقد أكد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948على هذا المبدأ ، إذ نصت المادة (1) ( يولد جميع الناس أحراره ومتساوين في الكرامة والحقوق ) ، وأكدت المادة (10) ( لكل إنسان الحق على قدم المساواة التامة مع الأخرين الحق في أن تنظر قضيته محكمة مستقلة ومحايدة ...) ، وتضمن العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعام 1966نصة مشابها حيث أكدت المادة 1/14 (الجميع متساوون أمام المحاكم والقضاء ...)، كذلك أشارت الاتفاقية الأمريكية الحقوق الإنسان لعام 1969 الى هذا المبدأ اذ نصت المادة (2/8) (...لكل شخص على قدم المساواة التامة مع الجميع الحق في الحصول على الضمانات الدنيا في المحاكمة ... ولم شر الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان لعام 1950 إلى هذا المبدأ .
ولا يختلف الأمر كثيرة في القضاء الدولي الجنائي ، حيث حرصت الأنظمة الأساسية للمحاكم الدولية على التأكيد على مبدأ المساواة أمام المحكمة ، فقد أشار النظام الأساسي لمحكمة يوغسلافيا في المادة ( 1/21 ) بأن جميع الأشخاص متساوين أمام المحكمة ، وسار على ذات النهج النظام الأساسي لمحكمة رواندا في المادة (20/ 1) أما المحكمة الجنائية الدولية فقد ورد النص على هذا المبدأ في المادة 1/67 من النظام الأساسي إذ أشارت الى حق المتهم في المعاملة المتساوية من جانب المحكمة في القضايا الجنائية ، وتم التركيز على هذا المبدأ من جانبين على درجة كبيرة من الأهمية ، أولهما: المبدأ الذي يقضي بالمساواة في المعاملة بين الدفاع والادعاء العام على نحو يتيح لكلا الجانبين فرص متساوية في تحضير دفوعهم والترافع أمام المحكمة ، وثانيهما يقضي بأن للمتهم الحق في أن يعامل على قدم المساواة مع غيره من المتهمين بارتكاب جرائم مماثلة دون أدنى تمييز لمنصب أو قومية أو عرق ، وليس المقصود بالتساوي في المعاملة التطابق والتوافق ، بل تكون استجابة النظام القضائي الجنائي متماثلة عندما تكون الحقائق الموضوعية متماثلة أيضأ ، وينفث هذا المبدأ من الأصل عندما تصدر المحكمة قرارها على أسس لا تتسم بالمساواة .
وسار قانون المحكمة الجنائية العراقية العليا على نهج الأنظمة الأساسية للمحاكم الدولية الجنائية حيث نصت المادة (19/ أولا) (جميع الأشخاص متساوون أمام المحكمة ) ، مع ملاحظة أن قواعد الإجراءات وجمع الأدلة قد أعطت حقوقا للمتهم وبقية أطراف الدعوى على حد سواء ، فمن جهة يلحظ أن القاعدة (30) أوجبت على مدير الدائرة الإدارية أن يؤسس مكتب الدفاع لغرض ضمان حقوق المتهم من خلال تقديم المساعدة القانونية لأي متهم غير قادر على دفع مقابل لذلك ، بالإضافة إلى تقديم التسهيلات اللازمة لمحامي الدفاع لتمكينه من إعداد دفاعه ، من جهة أخرى يلحظ أن القاعدة (48) قد تضمنت تدابير لحماية الضحايا المجني عليهم والشهود بناء على مبادرة من محكمة الجنايات أو طرف من الأطراف أو المجني عليه أو الشاهد شريطة أن تكون هذه الإجراءات منسجمة مع حقوق المتهم ، وتمثلت هذه التدابير بمنع الإعلان للجمهور أو لوسائل الإعلام بالتعريف بمكان أو سجلات تعريف المجني عليه أو الشهود ، كذلك شطب الاسم أو المعلومات التعريفية - للمجني عليه والشهود - المدونة في المحاضر التابعة للمحكمة الجنائية العراقية العليا ، فضلا عن عدم السماح بتصوير الشهادة واستخدام أجهزة لتغيير الصوت ... إلخ .
وأرى أن هذا المبدأ خصوصا في جانبه الذي يتمثل في المساواة بالمعاملة بين المتهم والادعاء العام قد خرق عند التطبيق العملي لإجراءات محاكمة مسؤولي النظام السابق ، فمن جهة يلحظ أن المدعي العام وهو في أغلب الأحيان خصما للمتهم ويبذل قصارى جهده في سبيل دعم الأدلة التي يتقدم بها ضد المتهم ، تتوفر له فرصة الاتصال بالإعلام وعقد المؤتمرات الصحفية وعرض أفكاره وما يجري في المحكمة بحرية ، في حين أن هذا الأمر غير متوفر للمتهم ، لذلك من الأفضل بالمحاكم الدولية الجنائية والمحكمة الجنائية العراقية العليا أن لا تسمح للمدعي العام إبداء أي تصريح يخص القضية ، واذا رأت هذه المحاكم إن من حق الرأي العام الاطلاع على تفاصيل القضية من خلال عرض وجهة نظر الادعاء العام أمام الإعلام ، فمن الأفضل إعطاء الفرصة نفسها للمتهم عم بمبدأ المساواة وإلا فإنه يؤدي إلى اختلال التوازن في نفس المتهم كما ذكرت في بداية المطلب وهذا بدوره يؤثر في إعداد دفاعه ، الأمر الذي قد يشكك في عدالة المحكمة من حيث توفير أفضل الضمانات للمتهم .
_____________
1- أبد الله العظمى ، السيد صادق الشيرازي ، حلية الصالحين في ظل دعاء مكارم الأخلاق للإمام زين العابدين (عليه السلام ) ، ط 1، مؤسسة الرسول الأكرم ، بلا مكان طبع ، 1428 هـ ، ص 155 .
2- سورة الحجرات ، الآية (13) .
3- أيه الله العظمى ، محمد تقي المدرسي ، مقاصد السور في القرآن الكريم ، ط 1، مؤسسة احباب الحسين ، قم ، إيران ، 2006 ، ص10 .
4- سورة الكهف ، الآية (110) .
5- ينظر: عبد القادر عوده ، التشريع الجنائي الإسلامي مقارنا بالقانون الوضعي ، ج1 ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، لبنان ، 1954 ، ص 258
6- بنطرة الشيخ محمد عبده ، نهج البلاعة للإمام علي (عليه السلام ) ، مصدر سابق ، ص 88 ، وقال الأمين العام السابق للأمم المتحدة ( كوفي عنان ) إن هذه الوثيقة يجب أن تعلق في كل منظمة دولية ، خبر منشور على موقع الأنترنت ، www. Unami .net
7- ينظر : الشيخ محمد عبده ، نهج البلاغة للإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، ج4 ، مؤسسة الأعلمي ، بيروت ، بلا تاريخ طبع ص 89 .
8- ينظر: د. علي فضل أبو العينين ، ضمانات المتهم في مرحلة المحاكمة ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 2006 .
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|