أقرأ أيضاً
التاريخ: 27-04-2015
2493
التاريخ: 19-02-2015
24909
التاريخ: 10-10-2014
1752
التاريخ: 2023-12-17
1048
|
من هذا النمط الصحيح تأويلات مأثورة عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) ، كانت جارية مجراها الصحيح بشكل أدقّ.
وقبل أن نذكر موارد منها لابدّ من التنبيه على نقطة ، هي : أنّ الوضع عن لسان الائمة كثير ، وكذا دسّ أهل التزوير من الغلاة ـ ومنهم الباطنيّة ـ شيء وفير وقد ملأوا منها كتباً ودفاتر ، وربما وَسَمُوها باسم الشيعة ، ولها معنىً عامّ يشمل الإماميّة وغيرهم من المنتحلين بولاء أهل البيت في ظاهر الأمر ، وطابعهم المغالاة التي تأباها طبيعة مذهب الشيعة الأصيل ، وقد بُنيت أركانه على التحقيق والتدقيق ، وعلى أساس البرهان الحكيم ، ورفض الدخائل والمبتدعات في الدين من أوّل يومهم.
فها نحن اليوم في مواجهة لمّة من روايات مدسوسة ، وأحاديث موضوعة. هي بحطّ شأن الأئمة أشبه منها برفع موضعهم الكريم . وكانت جماعة جاهلة من أهل الغباء قد أولعوا بالوضع والدسّ في أحاديث أهل البيت ، وربّما كانوا {يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً}. والشيعة براء منهم {فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا} فاعتبر ولا تسترسل.
وبعد ، فإليك بعض ما صحّ من تأويلات جارية على منوالها المتين :
قال تعالى : {وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ * أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ * وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ} [الرحمن : 7 - 9].
قال الشيخ أبو جعفر الطوسي : «وقيل : المراد بالميزان : العدل ; لأنّ المعادلة موازنة الأسباب ، والطغيان : الإفراط في مجاوزة الحدّ في العدل» (1) .
وهذا أخذ بمفهوم الميزان العامّ ، لأنّ الموازنة هي المعادلة بين الأشياء ، وكذا بين الأمور ، فيشمل المحسوس والمعقول.
قال العلاّمة الطبطبائي : «المراد بالميزان : كلّ ما يوزن ، أي يقدَّر به الشيء ، أعمّ من أن يكون عقيدة أو قولا أو فعلا ، قال تعالى : {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} [الحديد : 25] فظاهره مطلق ما يميّز به الحقّ من الباطل ، والصدق من الكذب ، والعدل من الظلم ، والفضيلة من الرذيلة ، على ما هو شأن الرسول فيما يأتي به من عند ربّه» (2) .
وفي الأثر : «وبالعدل قامت السماوات والأرض» (3) .
وسئل الإمام الصادق (عليه السلام) : ما الميزان ؟ قال : «العدل» (4) .
وفي حديث آخر في قوله تعالى : {وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ} [الرحمن : 9] قال : «أطيعوا الإمام بالعدل ، ولا تبخسوه من حقّه» (5) .
وقال في قوله : {أَلاَّ تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ} : «لا تطغوا في الإمام بالعصيان والخلاف» (6) .
وعن الإمام أبي الحسن الكاظم (عليه السلام) في قوله تعالى : {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ} [آل عمران : 18] قال : «هو الإمام» (7) .
وسأل جابر بن عبدالله الأنصاري الإمام أبا جعفر محمّد بن علي الباقر (عليه السلام) عن الآية ، فقال : «أُولو العلم الأنبياء والأوصياء ، وهم قيام بالقسط» ثم قال : «والقسط هو العدل في الظاهر ، والعدل في الباطن أمير المؤمنين (عليه السلام) » (8) .
ومن ثمّ كان تأويل الميزان بالإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) ; لكونه معياراً لتمييز الحقّ عن الباطل ، وقد صرّح بذلك الإمام الصادق (عليه السلام) قال : «الميزان أمير المؤمنين (عليه السلام) » (9) .
وفي الحديث : «لأنا حجّة المعبود ، وترجمان وحيه ، وعيبة علمه ، وميزان قسطه» (10) .
وفي زيارة الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) تقول : «الإسلام على ميزان الأعمال» (11) . وفي زيارة أخرى : «أشهد أنّك حجّة الله بعد نبيّه (صلى الله عليه وآله) ، وعيبة علمه ، وميزان قسطه ، ومصباح نوره» (12) . وفي ثالثة : «يا ميزان يوم الحساب» (13) .
وفي ذلك سئل الإمام أحمد بن حنبل عن الحديث الذي يروى : أنّ علياً (عليه السلام) قال : «أنا قسيم النار» ، فقال أحمد : وما تنكرون من ذا ؟ أليس روينا أنّ النبي (صلى الله عليه وآله) قال لعلي : «لا يحبّك إلاّ مؤمن ، ولا يبغضك إلاّ منافق»؟ قالوا : بلى ، قال : فأين المؤمن؟ قالوا : في الجنّة ، قال : وأين المنافق ؟ قالوا : في النار ، قال أحمد : فعليٌّ قسيم النار (14) .
فالإمام أمير المؤمنين ـ عليه صلوات المصلّين ـ هو الفاروق الأكبر الذي يفرق به بين أصحاب النعيم وأصحاب الجحيم.
قال الإمام شهاب الدين ابن حجر الهيتمي : «أخرج الديلمي بإسناده الى أبي سعيد الخُدري عن النبي (صلى الله عليه وآله) في قوله تعالى : {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ} [الصافات : 24] قال : مسؤولون عن ولاية علي».
قال الهيتمي : «وكأنّ هذا هو مراد الواحدي بقوله : روي في قوله تعالى : {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْؤُولُونَ} أي عن ولاية علي وأهل البيت ، لأنّ الله أمر نبيّه (صلى الله عليه وآله) أن يعرّف الخلق أنهّ لا يسألهم على تبليغ الرسالة أجراً إلاّ المودّة في القربى ، والمعنى : أنّهم يُسألون : هل والُوهم حقّ الموالاة كما أوصاهم النبي (صلى الله عليه وآله) ، أم أضاعوها وأهملوها؟ فتكون عليهم المطالبة والتبعة!» (15) .
وقوله تعالى : {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ } [الملك : 30].
كانت الآية في ظاهر تعبيرها ذات دلالة واضحة أنّ نعمة الوجود ، ووسائل العيش و التداوم في الحياة كلّها مرهونة تحت إرادته تعالى ، وفق تدبيره الشامل ، ورحمته العامّة ، والله تعالى هو مهَّد هذه البسيطة بجميع إمكاناتها ; لإمكان الحياة عليها : {أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا} [النبأ : 6] ، {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} [الملك : 15].
هذا هو ظاهر الآية حسب دلالة الوضع وقرائن السياق.
ولكن للإمام أبي جعفر الباقر (عليه السلام) هنا بيان يمسّ جانب باطن الآية ، ودلالة فحواها العامّ ، قال (عليه السلام) : «إذا فقدتم إمامكم فلم تروه ، فماذا تصنعون؟» (16) .
وعن الإمام أبي الحسن الرضا (عليه السلام) : «ماؤكم أبوابكم الأئمة ، والأئمة أبواب الله (فَمَن يَأْتِيكُم بِمَاء مَعِين) أي يأتيكم بعلم الإمام» (17) .
وقد كانت استعارة الماء المعين للعلم النافع ، ولاسيّما المستند إلى الوحي من نبيّ أو وصيّ نبي أمراً معروفاً ، فكما أنّ الماء أصل الحياة الماديّة ، والموجب لإمكان المعيشة بسلام ، كذلك العلم النافع ، وعلم الشريعة بالذات ، هو الأساس لإمكان الحياة المعنويّة في سعادة وهناء {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} [الأنفال : 24].
فهنا قد لوحظ الماء ـ باعتباره منشأ الحياة ـ في مفهومه العامّ الشامل للعلم ، ليعم الحياة الماديّة والمعنويّة معاً.
وقوله تعالى : {فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ} [عبس : 24] أي : فليُمعن النظر في طعامه ، كيف مهّدته الطبيعة ، وعملت العوامل في تهيئته ، ليعرف مقدار فضله تعالى على العباد.
هذا وقد روى ثقه الإسلام الكليني بإسناده إلى زيد الشحّام قال : سألت الإمام جعفر بن محمّد الصادق (عليه السلام) قلت : ما طعامه؟ قال : «علمه الذي يأخذه عمّن يأخذه» (18) .
والمناسبة ظاهرة; لأنّ العلم غذاء الروح ، ولابدّ من الحيطة والحذر في الأخذ من منابعه الأصيلة ولاسيّما علم الشريعة وأحكام الدين الحنيف.
إلى غير ذلك من تأويلات متناسبة مع ظواهر الآيات ، استنبطها ذوو العلم من الأئمة الهداة ، ولدينا منها الشيء الوفير والحمد لله.
______________
1 . التبيان 9 : 456.
2 . الحديد (57) : 25.
3 . عوالي اللئالي لابن أبي جمهور الإحسائي 4 : 103 حديث 151.
4 . بحار الأنوار 10 : 187 ، نقلاً عن الاحتجاج 2 : 98.
5 . بحار الأنوار 24 : 309 حديث 12.
6 . تأويل الآيات لشرف الدين الاسترآبادي 2 : 633 حديث 5.
7 . تفسير العياشي 1 : 189 حديث 19.
8 . المصدر السابق : 188 ـ 189 حديث 18.
9. تأويل الآيات 2 : 633 حديث 5.
10 . بحار الأنوار 26 : 259 حديث 36.
11 . المصدر السابق 97 : 287 حديث 18.
12 . المصدر نفسه : 342 حديث 32.
13 . المصدر نفسه : 374 حديث 9 .
14 . طبقات الحنابلة 1 : 320 ، الإمام الصادق والمذاهب الأربعة لأسد حيدر 4 : 503.
15 . الصواعق المحرقة : 89 ، وراجع : شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني 2 : 160 ـ 161 باب 135.
16 . كمال الدين للصدوق 2 : 360 حديث 3.
17 . تأويل الآيات 2 : 708 حديث 14 ، والآية : 30 من سورة الملك (67) .
18 . الكافي 1 : 49 ـ 50 حديث 8 ، تفسير البرهان للبحراني 8 : 214 حديث 1.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|