المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الفقه الاسلامي واصوله
عدد المواضيع في هذا القسم 7456 موضوعاً
المسائل الفقهية
علم اصول الفقه
القواعد الفقهية
المصطلحات الفقهية
الفقه المقارن

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
تعريف بعدد من الكتب / العلل للفضل بن شاذان.
2024-04-25
تعريف بعدد من الكتب / رجال النجاشي.
2024-04-25
أضواء على دعاء اليوم الثالث عشر.
2024-04-25
أضواء على دعاء اليوم الثاني عشر.
2024-04-25
أضواء على دعاء اليوم الحادي عشر.
2024-04-25
التفريخ في السمان
2024-04-25

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


المقصود من قاعدة « لا ضرر ولا ضرار »  
  
1620   11:46 صباحاً   التاريخ: 5-7-2022
المؤلف : الشيخ محمد باقر الإيرواني
الكتاب أو المصدر : دروس تمهيدية في القواعد الفقهية
الجزء والصفحة : ج١، ص 118
القسم : الفقه الاسلامي واصوله / القواعد الفقهية / لا ضرر ولا ضرار /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 16-7-2022 1455
التاريخ: 20-9-2016 4021
التاريخ: 5-7-2019 1146
التاريخ: 29-7-2022 1265

إن أهم نقطة من نقاط البحث عن قاعدة لا ضرر هي هذه النقطة.

وقد اختلفت الاجابة عن هذا التساؤل، و نذكر المهمّ منها كما يلي :

أ- انّ المقصود النهي و إفادة تحريم الضرر تكليفا. و هذا الرأي ذكره الآخوند في الكفاية، و اختاره شيخ الشريعة الاصفهاني.

ب- ان المقصود نفي الضرر غير المتدارك. و هذا هو المنسوب للفاضل التوني.

ج- ان المقصود نفي تشريع الحكم الذي يستلزم الضرر و يسببه.

وهذا ما اختاره الشيخ الاعظم و الميرزا و السيد الخوئي.

د- ان المقصود نفي الحكم بلسان نفي الموضوع.

وهذا ما اختاره الآخوند الخراساني في الكفاية.

ويأتي فيما بعد إن شاء اللّه تعالى توضيح الفرق بين هذا الرأي و ما قبله.

و بعد هذا نأخذ بالتحدّث بشكل مختصر عن كل واحد من هذه الآراء، ثم بيان ما هو المختار.

توضيح الرأي الأول :

ان تفسير القاعدة بالتحريم التكليفي للضرر يمكن ان يتم بأحد الطرق الثلاث التالية:

أ- استعمال «لا» النافية في النهي بنحو المجاز و الاستعمال في المعنى غير الموضوع له.

ب- تقدير خبر محذوف، أي: لا ضرر جائز.

ج- ان تكون الجملة مستعملة في الإخبار عن النفي بقصد النهي، نظير استعمال جملة بعت بداعي الانشاء.

الدليل على الرأي الاول :

ان كيفية تخريج إرادة النهي من الحديث ليس بمهم، و إنّما المهم إقامة الدليل على اثبات ذلك.

وإذا رجعنا إلى كلمات شيخ الشريعة في رسالة لا ضرر وجدناه يذكر الوجوه التالية :

أ- ان الشائع من الاستعمال المذكور إرادة النهي، من قبيل {فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 197] ، {فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لَا مِسَاسَ } [طه: 97] ، و من قبيل قوله (صلّى اللّه عليه وآله وسلّم): «لا طاعة لمخلوق في معصية»‌ وفي مجمع البيان : معنى لا مساس: لا يمسّ بعض بعضا فصار السامري يهيم في البراري لا يمسّه أحد و لا يمسّ أحدا عقوبة من اللّه سبحانه له ، وكان إذا لقي أحدا يقول : لا مساس ، الخالق»، و «لا غشّ بين المسلمين».

إلى غير ذلك من الشواهد التي أكثر منها.

ومن الغريب في المقام ان الآخوند ذكر في الكفاية ان استعمال التركيب المذكور لإفادة النهي غير معهود، بينما شيخ الشريعة يقول: إنّ ذلك هو الشائع.

ثمّ إنّه إذا أشكلنا على شيخ الشريعة بأنّ استعمال التركيب المذكور في غير النهي معهود أيضا من قبيل «لا شكّ لكثير الشك»، «لا ربا بين الوالد و ولده» و أمثال ذلك.

أجاب بأنّ الأمثلة المذكورة لا يصح الاستشهاد بها، لأنّ الشارع المقدّس قد أعطى للربا حكما معينا و هو الحرمة، و قد أثبت ذلك لطبيعيّه ، و اريد بالجملة المذكورة نفي الموضوع و تنزيله منزلة العدم بلحاظ بعض أ فراده، و كأنّه يراد أن يقال: هذا الفرد ليس من الربا، و من ثمّ لا يثبت له الحكم الثابت لطبيعي الربا و هو الحرمة؛ و أين ذلك من المقام الذي لا يوجد فيه حكم عام للضرر ليراد نفي ذلك الحكم من خلال تنزيل بعض أ فراده منزلة العدم.

ب- التمسك بالتبادر و ان الأذهان الفارغة من الشبهات العلمية لا تنسبق إلّا إليه.

ج- ان الوارد في الحديث انّ النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) قال لسمرة: إنّك رجل مضار و لا ضرر و لا ضرار على مؤمن. و هذا بمنزلة صغرى و كبرى، أي: إنّك مضار، و المضارة حرام. و هذا وجيه ، بينما لو كان المقصود أي: لا تمسّني.

نفي الحكم الضرري يصير المعنى: انّك رجل مضار، و الحكم الضرري منتف، و لا يظن بالأذهان المستقيمة ارتضاءه.

د- اتفاق أهل اللغة على فهم النهي من الحديث.

مناقشة أدلّة شيخ الشريعة :

ويمكن مناقشة الوجوه المذكورة بما يلي :

امّا الوجه الأول فلأنّ مجرد استعمال التركيب المذكور في جملة من الموارد لإفادة النهي لا يعني ان التركيب المذكور اينما ورد يلزم حمله على ذلك بل لا بدّ من ملاحظة المناسبات و النكات.

وفي المقام توجد بعض النكات التي تعيق عن ذلك، فان الضرر على ما تقدم هو نفس النقص بدون التفات إلى حيثيّة الصدور من الفاعل، و النهي عن نفس النقص لا معنى له. أجل الضرار حيث ان الملحوظ فيه حيثية الصدور من الفاعل فاستعماله لإفادة النهي وجيه، و يصير لا ضرار بمنزلة لا إضرار، أي: لا يضر بعضكم بعضا.

وعليه يتضح ان المناسب هو التفكيك بين جملة «لا ضرر» و جملة «لا ضرار»، فالثانية تفيد النهي دون الاولى؛ و لا ينبغي ملاحظة الجملتين كجملة واحدة بدون تفكيك بينهما، انّه خطأ لا توجيه له.

وظاهر كلمات المشهور و إن كان عدم التفكيك بينهما إلّا ان المناسب هو التفكيك.

وأمّا الوجه الثاني فعهدة دعوى التبادر عليه.

وأمّا الوجه الثالث فلأنّ استفادة الصغرى و الكبرى و إن كانت أمرا وجيها إلّا انّه يكفي لذلك تفسير فقرة لا ضرار بالنهي، و لا يتوقف على تفسير الفقرة الاولى- لا ضرر- بالنهي.

وأمّا الوجه الرابع فيرده ان فهم أهل اللغة لا حجيّة له، فان الحجّية لو كانت ثابتة لأهل اللغة فهي ثابتة في مقام تشخيص معاني المفردات دون معنى الجمل، فان ذلك اجتهاد محض منهم.

الاستدلال على الرأي الثاني :

وأمّا ما أفاده الفاضل التوني فيمكن ان يوجّه بأنّ الحديث نفى وجود الضرر خارجا، و حيث ان ذلك كذب فلا بدّ و ان نفترض تدارك الضرر الموجود خارجا، إذ بتداركه يكون وجوده كالعدم فانّ الضرر المتدارك في حكم العدم، و حيث انّه لا يمكن أن يكون المقصود انّ كل ضرر هو متدارك بالفعل و خارجا، لأنّ ذلك كذب أيضا، إذ ما أكثر الإضرار التي لم يتحقق تداركها بالفعل، فلا بدّ و أن يكون المقصود انّ كل ضرر خارجا هو محكوم شرعا بوجوب التدارك.

وبذلك يثبت ان كل ضرر هو محكوم بوجوب التدارك و الضمان شرعا، أي: نفهم من الحديث جعل الضمان شرعا لكل ضرر.

ولكن من هو الضامن؟

ان الحديث يدل على ان الضرر إذا كان منسوبا إلى شخص معين فهو الضامن، و هذا ما تدل عليه فقرة لا ضرار، حيث ان الضرار هو الضرر الملحوظ نسبته إلى الفاعل، فإذا نفي دلّ ذلك على انه ضامن.

وامّا إذا لم يكن الضرر منسوبا إلى شخص فالضامن هو الدولة أو بالأحرى هو بيت مال المسلمين، و هذا ما تدل عليه فقرة «لا ضرر»، لأنّ الضرر هو النقص من دون لحاظ نسبته إلى الفاعل، فنفيه يدل على وجوب ضمانه و ليس الضامن في مثل ذلك إلّا الدولة، إذ لا يوجد ما يمكن ان يكون ضامنا غيرها.

وتحقيق من هو الضامن قضية غير مهمة فيما نحن بصدده الآن، و إنّما المهم هو الالتفات إلى تقريب دلالة الحديث على مدعى الفاضل التوني بالشكل المتقدم.

وروح هذا التقريب قد تستفاد من عبارة الفاضل التوني حيث قال في الوافية: «إذ نفي الضرر غير محمول على نفي حقيقته لأنّه غير منفي، بل الظاهر ان المراد به نفي الضرر من غير جبران بحسب الشرع» (١).

مناقشة الرأي الثاني :

وقد يناقش هذا الرأي بما ذكره السيد الخوئي (٢)، من انّ لازم هذا الرأي تقييد الضرر بغير المتدارك و هو بحاجة إلى دليل لأنّه خلاف الاطلاق.

و يرده: ان بإمكان شيخ الشريعة ان يدّعي تارة بأنّي لا أدّعي تقييد لفظ الضرر بلفظ غير المتدارك ليكون ذلك بحاجة إلى قرينة، و إنّما أدّعي ان الشارع لمّا حكم بوجوب التدارك صحّ له ان ينفي الضرر و ينزّله منزلة العدم، فالضرر منفي خارجا باعتبار حكم الشارع بلزوم التدارك من دون ان نقيّد لفظ الضرر في الحديث.

كما ان بإمكان الفاضل التوني ان يختار التقييد و يقول: انّ الدليل عليه موجود بتقريب ان الشارع حينما أخبر بعدم تحقّق الضرر خارجا فذلك منه كذب من دون تقييد بالتدارك فصيانة لكلام الشارع من الكذب لا بدّ من التقييد.

والصحيح في مناقشته أن يقال: إنّ مجرد حكم الشارع بلزوم التدارك لا يكفي لتصحيح نفي الضرر خارجا، و إنّما المصحح لذلك هو تحقّق التدارك خارجا و بالفعل.

وإذا قيل : إنّ الشارع قد جعل لذلك قوة اجرائية، فباعتبار ذلك يكون التدارك في نظره جاريا مجرى الأمر الواقع و المتحقق.

كان الجواب : انّ الشارع و إن جعل قوة اجرائية لكن ذلك على مستوى التشريع لا على مستوى التكوين، و مجرد تشريع القوة الاجرائية بدون ان تمارس أعمالها تكوينا لا يصحح له الاخبار بانتفاء الضرر خارجا.

هذا مضافا إلى امكان ذكر جواب ثان، و هو: أنّ حمل الحديث على ما ذكره الفاضل التوني يلزم منه تخصيص الأكثر، فالانسان إذا عثر و انكسرت رجله لا يضمن ضرره أحد، و إذا احترقت داره أو كتبه بدون نسبة الاحراق إلى شخص لم يضمن أحد ذلك، و إذا مات ربّ الاسرة تضرّر أعضاؤها و لم يضمن ذلك أحد، و إذا مرض الإنسان و انحرفت صحته تضرّر و لم يضمن ذلك أحد، إلى غير ذلك من الأمثلة التي لا يكون الضرر فيها منسوبا إلى شخص معين.

أجل في خصوص القتل إذا فرض ان الشخص وجد مقتولا و لم يعرف قاتله، أو فرض انّ الزحام الشديد في منى أو عرفات أو صلاة الجمعة أودى بحياته أمكن الحكم بضمان ديته من بيت مال المسلمين، للخبر الصحيح عن الإمام الصادق (عليه السلام): قال: «قضى امير المؤمنين (عليه السلام) في رجل وجد مقتولا لا يدرى من قتله، قال: ان كان عرف له اولياء يطلبون ديته اعطوا ديته من بيت مال المسلمين، و لا يبطل دم امرئ‌ مسلم، لان ميراثه للإمام، فكذلك تكون ديته على الإمام و يصلّون عليه و يدفنونه. قال: و قضى في رجل زحمه الناس يوم الجمعة في زحام الناس فمات: أنّ ديته من بيت مال المسلمين» (3).

الاستدلال على الرأي الثالث :

إنّ تفسير الحديث بنفي الحكم الضرري هو المعروف بين المتأخرين، و اختاره الشيخ الأعظم و الميرزا و السيد الخوئي.

و بناء على هذا التفسير يلزم الاستفادة الكثيرة من الحديث، حيث يثبت انّ كل حكم من الأحكام منفي حالة الضرر.

و تصوير هذا الاحتمال يمكن أن يكون بأحد أشكال ثلاثة:

أ- ان تقدر كلمة «حكم». اي: لا حكم ضرريا أو لا حكم ينشأ منه الضرر.

ب- ان لا تقدر كلمة «حكم»، بل تجعل كلمة الضرر بنفسها معبّرة عن الحكم، فعبّر بكلمة «ضرر» و قصد منها الحكم.

وعلى الاحتمال الأول لا تلزم المجازية في كلمة ضرر، بل تكون مستعملة في معناها بنحو الحقيقة، و إنّما العناية من حيث التقدير، من قبيل : {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82].

بينما على الاحتمال الثاني تلزم المجازية في استعمال كلمة الضرر حيث قصد بها غير معناها، و المصحح هو ان الحكم يستلزم الضرر.

ج- ان تكون كلمة «ضرر» مستعملة في نفس الحكم كما على‌ الاحتمال الثاني، و لكن يدعى هنا ان الاستعمال المذكور حقيقي و ليس بمجازي، بدعوى انّ المورد من موارد السبب و المسبب التوليدي، و استعمال لفظ المسبب التوليدي في السبب التوليدي استعمال عرفي حقيقي و ليس مجازيا، يقال: فلان أحرق الورقة. و الحال أنّه ألقاها، أو: فلان قتل فلانا.

والحال أنّه أطلق عليه الرصاص (4).

وهذا التقريب ذكره الشيخ النائيني.

مناقشة الرأي الثالث :

هذا ما يمكن به تقريب الرأي المذكور.

وهو وإن كان في نفسه وجيها إلّا ان تقريباته الثلاثة قابلة للتأمل.

اما الأول فلأنّه بحاجة إلى تقدير، و الدليل عليه مفقود، مضافا إلى ان الحكم لا يوصف بالضرر وإنّما هو ضرري.

وامّا الثاني فلأن استعمال الضرر و ارادة الحكم ليس عرفيا و لو بنحو المجاز.

وعلى تقدير التنزّل و صحة الاستعمال المذكور فالذي يصحّ هو‌ استعمال لفظ الضرار في الحكم لا لفظ الضرر فإن الضرر هو نفس النقص، و الحكم ليس نفس النقص بل هو يوجده و يحصّله، بخلاف ذلك في الضرار فانّ النسبة فيه ملحوظة.

وبذلك يتّضح و هن التقريب الثالث بالاولى.

هذا، و لكن و هن هذه التقريبات الثلاثة لا يعني و هن أصل الرأي الثالث، بل سيأتي تقريبه ببيان آخر إن شاء اللّه تعالى.

الاستدلال على الرأي الرابع :

والرأي الرابع يرى ان المقصود من الحديث نفي الحكم بلسان نفي الموضوع.

والفرق بين هذا الرأي و الرأي الثالث: أنّ الثالث يجعل كلمة الضرر مستعملة في الحكم و دالّة عليه، بينما هذا الرأي يرى أنّها مستعملة في الموضوع دون الحكم، ففي قولنا: الوضوء واجب يكون الوضوء بمنزلة الموضوع و الوجوب حكما، و على الرأي الثالث تكون كلمة «الضرر» مستعملة في الوجوب، بينما على الرأي الرابع تكون مستعملة في الوضوء.

هذا فارق.

وفارق ثان أنّه على الراي الثالث ينتفي الحكم كلّما استوجب الضرر، سواء كان الضرر بسبب موضوعه أو بعض مقدماته، و هذا بخلافه على الرأي الرابع فانه لا ينتفي إلّا إذا كان موضوعه ضرريا، و لا يكفي لانتفائه كون مقدماته ضررية.

ففي مثال الوضوء تارة نفترض ان الوضوء نفسه ضرري، و أخرى يفترض ان مقدمات تحصيل الوضوء تستوجب الضرر، ففي الحالة الاولى يرتفع وجوب الوضوء بدون فرق بين الاحتمالين، وفي‌ الحالة الثانية يرتفع وجوب الوضوء على الاحتمال الثالث و لا يرتفع على الاحتمال الرابع.

واستدل الآخوند على رأيه هذا بانّه: بعد عدم امكان إرادة نفي الحقيقة حقيقة، فاقرب المجازات هو نفيها ادعاء، مضافا إلى انّ التركيب المذكور كثيرا ما يستعمل في النفي الادعائي بخلاف غيره من المعاني.

مناقشة الرأي الرابع :

ويمكن ان يناقش الرأي المذكور بانّ فكرة نفي الحكم بلسان نفي موضوعه يصعب تطبيقها في المقام، ففي مثل قولنا: لا ربا بين الوالد و ولده. يمكن تطبيق الفكرة المذكورة، لأن الربا موضوع للحرمة فنفيه نفي لها، و في المقام حكم الضرر هو الحرمة و الضمان (5)، فإذا نفي لزم من ذلك نفي الحرمة و الضمان، و ذلك عكس المقصود.

وعليه فلتصحيح تطبيق الفكرة المذكورة لا بدّ من أخذ عنوان الضرر مشيرا إلى مثل الوضوء حتى يكون المنفي هو الوضوء و من ثمّ حكمه و هو الوجوب. و هذا قابل للتأمل لان التعبير عن الوضوء بالضرر الذي هو نفس النقص ليس عرفيا، فان الوضوء يستوجب الضرر و سبب له لا انّه نفسه.

و في المحاورات العرفية و ان كان قد يستعمل اللفظ أحيانا بنحو المرآتية إلى شي‌ء آخر، إلّا ان ذلك يختص بباب العنوان و المعنون، فالعنوان قد يطلق بنحو المراتبة على معنونه، و المصحح لذلك هو‌ الاتحاد الثابت بينهما، فالعنوان عين المعنون و متّحد معه، و هذا بخلافه في باب السبب والمسبب فانه لا يستعمل احدهما مرآة للآخر، فلا تستعمل كلمة النار مرآة للإحراق و لا بالعكس، و ما ذاك إلّا لعدم الاتّحاد بينهما.

والأمر في المقام كذلك فان الضرر مسبب عن الوضوء و ليس عينه و عنوانا له.

هذا مضافا إلى انّ فكرة نفي الحكم بلسان نفي موضوعه لا يمكن تطبيقها على المقام من جهة أخرى، باعتبار انّه عندنا مصطلحان:

موضوع و متعلّق، و الذي يصح نفي الحكم بنفيه هو الموضوع دون المتعلق، و في المقام الوضوء متعلق و ليس موضوعا فلا يصح بنفيه نفي الحكم.

ولتوضيح المصطلحين المذكورين نقول: انّ ما يلزم فرضه في المرتبة السابقة و بعد ذلك يثبت الحكم هو الموضوع. و امّا ما يكون الحكم مقتضيا لإيجاده أو نفيه، و يكون تحققه من نتائج الحكم بدون ان يلزم فرضه في المرتبة السابقة فهو المتعلّق.

ففي قولنا: يجب الحجّ على المستطيع يكون المستطيع موضوعا، لأنه متى ما فرض تحقّقه يثبت الحكم، بينما الحجّ متعلّق لأنه لا يلزم فرضه في المرتبة السابقة و بعد ذلك يتحقق الوجوب، بل ان الوجوب يحرك نحو تحقيقه، بخلاف ذلك في المستطيع، فانّ الوجوب لا يحرك نحو تحقيقه.

و في قولنا: الربا محرم، يكون الربا موضوعا للحرمة، لأنّه متى ما فرض صدق الربا على البيع أو القرض كان ارتكابه محرما، فالربا‌ موضوع و ارتكابه متعلق، و في مثل ذلك يصح نفي الحكم بلسان نفي الموضوع، فيقال مثلا: «لا ربا بين الوالد و ولده».

وهذا بخلافه في مثل الوضوء، فانّه متعلق حيث يجب ايجاده، لا انّه على تقدير فرض تحقّقه يصير واجبا.

والوجه في اختصاص الفكرة السابقة بذلك هو الوجدان العرفي فهل ترى يصح ان يقال لا وضوء عند الضرر و يقصد بذلك انّه ليس بواجب؟ كلا لا يصح ذلك، و هذا بخلافه في مثل: لا ربا بين الوالد و ولده فانه يصح، إذ الربا إذا لم يتحقق لم تثبت الحرمة، و هذا بخلافه في الوضوء فانه إذا لم يتحقق لم يلزم انتفاء الوجوب.

ان ما ذكرناه مطلب وجداني. و نكتته هي أنّ الموضوع إذا لم يتحقق لم يتحقق الحكم، و لذا يصح التعبير بانتفاء الموضوع بقصد إفادة انتفاء الحكم، و هذا بخلافه في المتعلق فان انتفاءه لا يستلزم انتفاء الحكم، فمن لا يتوضأ عصيانا لا ينتفي الوجوب عنه، و من هنا لا يصح التعبير عن انتفاء هذا بانتفاء ذاك.

الصحيح أن يقال :

و الصحيح أن يقال انّه توجد لدينا فقرتان: فقرة «لا ضرر» و فقرة «لا ضرار»، و كل واحدة منهما يمكن ان يستفاد منها غير ما يستفاد من الأخرى، و لا ينبغي التعامل معهما بشكل واحد.

امّا فقرة «لا ضرر» فيمكن ان نستفيد منها انتفاء كل حكم يكون ثبوته مستلزما للضرر كما افاده الشيخ الاعظم، و لكن لا لأحد البيانات السابقة فانها ضعيفة كما تقدم، و انما ذلك من جهة ان كلمة الضرر تعني نفس النقص كما تقدم، و إرادة النهي عن ذلك غير محتملة كما‌ تقدم، اذ نفس النقص لا معنى للنهي عنه فما ذا يقصد اذن؟

انّ النبي (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) حينما يتكلم لا بدّ و انه يتكلّم بما هو شارع، و الشارع حينما يخبر عن عدم الضرر لا بدّ و أن يكون مقصوده نفي تحقّق الضرر من ناحية أحكامه و تشريعاته، انّ ذلك هو المناسب له.

وبذلك يثبت انّ المقصود نفي تحقّق الضرر في حق المكلّف من ناحية التشريع و الأحكام، فكل حكم يكون ثبوته مستلزما للضرر يكون منتفيا.

وفرق هذا التقريب عن التقريبات السابقة انّه على هذا التقريب لا نكون بحاجة إلى تقدير كلمة حكم، كما انّه لا يلزم استعمال كلمة الضرر في الحكم و إنّما المنفي هو نفس الضرر لكننا نقيد النفي و انّه نفي للضرر من ناحية الحكم و التشريع.

ولا يخفى انّه لو خلينا نحن و هذه الفقرة لأمكن ان نستفيد منها- اضافة إلى ما ذكرناه من انتفاء كل حكم ضرري- حرمة الاضرار بالآخرين و عدم اباحته، لأنّ الحكم بإباحته مستلزم للضرر (6) على الآخرين فيكون منتفيا.

وعليه فما رامه شيخ الشريعة من استفادة تحريم الضرر يكون ثابتا ضمن هذا التفسير أيضا.

هذا بالنسبة إلى فقرة «لا ضرر».

و اما بالنسبة إلى فقرة «لا ضرار» فيستفاد منها النهي عن‌ الاضرار و تحريمه كما رام ذلك شيخ الشريعة، حيث ان الضرار لوحظ فيه جنبة الصدور من الفاعل، و هو أشبه بكلمة اضرار، فكما انّه في جملة «لا اضرار» يستفاد النهي عن الاضرار كذلك في لا ضرار.

ونلفت النظر إلى ان تحريم الاضرار بدون تشريع وسائل وقائية تحول دون حدوث الضرر أو دون بقائه ليس عقلائيا، فالتحريم تكليفا للإضرار يلازم تشريع الوسائل المانعة من حدوث أو بقاء الضرر.

وبهذا يتّضح الجواب عن التساؤل الذي ستأتي الإشارة له إن شاء اللّه تعالى و هو: انّ المناسب لحرمة الاضرار منع دخول سمرة الى منزل الأنصاري دون الأمر بقلع النخلة.

ووجه الجواب: ان تحريم الاضرار منفكّا عن تشريع الوسائل الوقائية حيث انّه ليس عقلائيا فيكون أمر النبي (صلّى اللّه عليه وآله وسلّم) بقلع النخلة من هذه الناحية.

كما يتّضح من خلال ما ذكرناه وجه الارتباط بين تحريم الاضرار و تشريع حق الشفعة، ان ذلك من جهة ان بيع الشريك لحصته لما كان يولّد حقا للشريك الأول في المطالبة بالحصة لنفسه بازاء بذله للثمن، و لمّا كان منعه من إعمال حقه هذا اضرارا به فمن المناسب بعد حرمة الاضرار ثبوت حق الشفعة.

فالتناسب على هذا تناسب بين الفقرة الثانية و ثبوت حق الشفعة، و ليس تناسبا بين الفقرة الأولى و حق الشفعة.

____________

(١) الوافية: ١٩٤.

(٢) مصباح الاصول ٢: ٥٢٩.

(3) الوسائل: الباب ٦ من أبواب دعوى القتل و ما يثبت به ح ١.

(4) المقصود من السبب و المسبب التوليدي العلة التامّة ومعلولها، فان العلة التامّة متى ما تحققت سبّبت وولدت المعلول ، فالعلّة تسمّى بالسبب التوليدي، والمعلول يسمّى بالمسبّب التوليدي.

و مثال ذلك النار و الاحراق، فالنار سبب توليدي و الاحراق مسبب توليدي.

وفي مقابل هذا المصطلح الفعل المباشري، وهو الفعل الذي يصدر من الفاعل باختياره، فالانسان يشعل النار و يحصل بذلك الاحراق؛ ان اشعال النار فعل يصدر منه بارادته و اختياره، و يسمى بالفعل المباشري، و اما الاحراق فيصدر منه بدون اختياره، اذ اشتعال النار علّة تامة للإحراق بدون مدخلية للاختيار. و يسمى الاشعال بالسبب التوليدي و الاحراق بالمسبب التوليدي.

(5) فإنّ الحكم المتصوّر للضرر لو كان فهو الحرمة و الضمان- و لا يوجد حكم غيرهما- و إن كان في ذلك شي‌ء من المسامحة، باعتبار ان الضرر الذي هو نفس النقص لا حكم له، و إنّما المحرم و الموجب للضمان هو الضرار بمعنى الاضرار.

(6) غير أنّه يستفاد منها عدم اباحة الاضرار بالآخرين، و لا يستفاد منها عدم ثبوت اباحة اضرار الانسان نفسه، بخلاف ذلك في فقرة «و لا ضرار» فانّه يمكن ان يستفاد منها ذلك تمسكا بالاطلاق .

 




قواعد تقع في طريق استفادة الأحكام الشرعية الإلهية وهذه القواعد هي أحكام عامّة فقهية تجري في أبواب مختلفة، و موضوعاتها و إن كانت أخصّ من المسائل الأصوليّة إلاّ أنّها أعمّ من المسائل الفقهيّة. فهي كالبرزخ بين الأصول و الفقه، حيث إنّها إمّا تختص بعدّة من أبواب الفقه لا جميعها، كقاعدة الطهارة الجارية في أبواب الطهارة و النّجاسة فقط، و قاعدة لاتعاد الجارية في أبواب الصلاة فحسب، و قاعدة ما يضمن و ما لا يضمن الجارية في أبواب المعاملات بالمعنى الأخصّ دون غيرها; و إمّا مختصة بموضوعات معيّنة خارجية و إن عمّت أبواب الفقه كلّها، كقاعدتي لا ضرر و لا حرج; فإنّهما و إن كانتا تجريان في جلّ أبواب الفقه أو كلّها، إلاّ أنّهما تدوران حول موضوعات خاصة، و هي الموضوعات الضرريّة و الحرجية وبرزت القواعد في الكتب الفقهية الا ان الاعلام فيما بعد جعلوها في مصنفات خاصة بها، واشتهرت عند الفرق الاسلامية ايضاً، (واما المنطلق في تأسيس القواعد الفقهية لدى الشيعة ، فهو أن الأئمة عليهم السلام وضعوا أصولا كلية وأمروا الفقهاء بالتفريع عليها " علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع " ويعتبر هذا الامر واضحا في الآثار الفقهية الامامية ، وقد تزايد الاهتمام بجمع القواعد الفقهية واستخراجها من التراث الفقهي وصياغتها بصورة مستقلة في القرن الثامن الهجري ، عندما صنف الشهيد الأول قدس سره كتاب القواعد والفوائد وقد سبق الشهيد الأول في هذا المضمار الفقيه يحيى بن سعيد الحلي )


آخر مرحلة يصل اليها طالب العلوم الدينية بعد سنوات من الجد والاجتهاد ولا ينالها الا ذو حظ عظيم، فلا يكتفي الطالب بالتحصيل ما لم تكن ملكة الاجتهاد عنده، وقد عرفه العلماء بتعاريف مختلفة منها: (فهو في الاصطلاح تحصيل الحجة على الأحكام الشرعية الفرعية عن ملكة واستعداد ، والمراد من تحصيل الحجة أعم من اقامتها على اثبات الاحكام أو على اسقاطها ، وتقييد الاحكام بالفرعية لإخراج تحصيل الحجة على الاحكام الأصولية الاعتقادية ، كوجوب الاعتقاد بالمبدء تعالى وصفاته والاعتقاد بالنبوة والإمامة والمعاد ، فتحصيل الدليل على تلك الأحكام كما يتمكن منه غالب العامة ولو بأقل مراتبه لا يسمى اجتهادا في الاصطلاح) (فالاجتهاد المطلق هو ما يقتدر به على استنباط الاحكام الفعلية من أمارة معتبرة أو أصل معتبر عقلا أو نقلا في المورد التي لم يظفر فيها بها) وهذه المرتبة تؤهل الفقيه للافتاء ورجوع الناس اليه في الاحكام الفقهية، فهو يعتبر متخصص بشكل دقيق فيها يتوصل الى ما لا يمكن ان يتوصل اليه غيره.


احد اهم العلوم الدينية التي ظهرت بوادر تأسيسه منذ زمن النبي والائمة (عليهم السلام)، اذ تتوقف عليه مسائل جمة، فهو قانون الانسان المؤمن في الحياة، والذي يحوي الاحكام الالهية كلها، يقول العلامة الحلي : (وأفضل العلم بعد المعرفة بالله تعالى علم الفقه ، فإنّه الناظم لأُمور المعاش والمعاد ، وبه يتم كمال نوع الإنسان ، وهو الكاسب لكيفيّة شرع الله تعالى ، وبه يحصل المعرفة بأوامر الله تعالى ونواهيه الّتي هي سبب النجاة ، وبها يستحق الثواب ، فهو أفضل من غيره) وقال المقداد السيوري: (فان علم الفقه لا يخفى بلوغه الغاية شرفا وفضلا ، ولا يجهل احتياج الكل اليه وكفى بذلك نبلا) ومر هذا المعنى حسب الفترة الزمنية فـ(الفقه كان في الصدر الأول يستعمل في فهم أحكام الدين جميعها ، سواء كانت متعلقة بالإيمان والعقائد وما يتصل بها ، أم كانت أحكام الفروج والحدود والصلاة والصيام وبعد فترة تخصص استعماله فصار يعرف بأنه علم الأحكام من الصلاة والصيام والفروض والحدود وقد استقر تعريف الفقه - اصطلاحا كما يقول الشهيد - على ( العلم بالأحكام الشرعية العملية عن أدلتها التفصيلية لتحصيل السعادة الأخروية )) وتطور علم الفقه في المدرسة الشيعية تطوراً كبيراً اذ تعج المكتبات الدينية اليوم بمئات المصادر الفقهية وبأساليب مختلفة التنوع والعرض، كل ذلك خدمة لدين الاسلام وتراث الائمة الاطهار.


خلال الأسبوع الحالي ستعمل بشكل تجريبي.. هيئة الصحة والتعليم الطبي في العتبة الحسينية تحدد موعد افتتاح مؤسسة الثقلين لعلاج الأورام في البصرة
على مساحة (1200) م2.. نسبة الإنجاز في مشروع تسقيف المخيم الحسيني المشرف تصل إلى (98%)
تضمنت مجموعة من المحاور والبرامج العلمية الأكاديمية... جامعتا وارث الأنبياء(ع) وواسط توقعان اتفاقية علمية
بالفيديو: بعد أن وجه بالتكفل بعلاجه بعد معاناة لمدة (12) عاما.. ممثل المرجعية العليا يستقبل الشاب (حسن) ويوصي بالاستمرار معه حتى يقف على قدميه مجددا