أقرأ أيضاً
التاريخ: 7-4-2016
2876
التاريخ: 7-4-2016
3182
التاريخ: 7-4-2016
3339
التاريخ: 7-4-2016
3275
|
تحليلان لأسباب الصلح :
التحليل الأوّل :
لقد حاول معاوية أن يظهر نفسه بأنّه رجل مسالم يدعو إلى السلام والصلح ، وذلك عبر رسائله إلى الإمام الحسن ( عليه السّلام ) التي يدعوه فيها إلى الصلح مهما كانت شروط الإمام ( عليه السّلام ) ، وقد اعتبر الباحثون أنّ الخطاب السلمي لمعاوية كان أخطر حيلة فتّت عضد الإمام ( عليه السّلام ) ، الأمر الذي أزّم ظروفه ( عليه السّلام ) ولم يكن للإمام خيار غير القبول بالصلح .
وفي هذا الصدد يقول الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء :
« . . . فوجد - أي الإمام الحسن ( عليه السّلام ) - أنّه لو رفض الصلح وأصرّ على الحرب فلا يخلو :
إمّا أن يكون هو الغالب ومعاوية المغلوب ، وهذا وإن كانت تلك الأوضاع والظروف تجعله شبه المستحيل ، ولكن فليكن بالفرض هو الواقع ، ولكن هل مغبة ذلك إلّا تظلّم الناس لبني أمية ؟ وظهورهم بأوجع مظاهر المظلومية ؟ فماذا يكون موقف الحسن إذا لو افترضناه هو الغالب ؟
أمّا لو كان هو المغلوب فأول كلمة تقال من كلّ متكلم : إنّ الحسن هو الذي ألقى بنفسه إلى التهلكة ، فإنّ معاوية طلب منه الصلح الذي فيه حقن الدماء فأبى وبغى ، وعلى الباغي تدور الدوائر ، وحينئذ يتمّ لمعاوية وأبي سفيان ما أرادا من الكيد للإسلام وإرجاع الناس إلى جاهليتهم الأولى وعبادة اللّات والعزى ، ولا يبقي معاوية من أهل البيت نافخ ضرمة ، بل كان نظر الإمام الحسن ( عليه السّلام ) في قبول الصلح أدقّ من هذا وذاك ، أراد أن يفتك به ويظهر خبيئة حاله ، وما ستره في قرارة نفسه قبل أن يكون غالبا أو مغلوبا ، وبدون أن يزجّ الناس في حرب ، ويحملهم على ما يكرهون من إراقة الدماء » .
إنّ معاوية المسلم ظاهرا العدّو للإسلام حقيقة وواقعا ، كان يخدع الناس بغشاء رقيق من الدين خوفا من رغبة الناس إلى الحسن وأبيه من قبل ، فأراد الحسن أن يخلّي له الميدان ، حتى يظهر ما يبطن ، وهكذا فعل .
وفور إبرام الصلح ؛ صعد المنبر في جمع غفير من المسلمين ، وقال :
« إنّي ما قاتلتكم لتصوموا ولا لتصلّوا . . » ! ! .
انظر ما صنع الإمام الحسن بمعاوية في صلحه ، وكيف هدّ جميع مساعيه وهدم كلّ مبانيه حتى ظهر الحقّ وزهق الباطل ، وخسر هنالك المبطلون ، فكان الصلح في تلك الظروف هو الواجب المتعيّن على الحسن ، كما أنّ الثورة على « يزيد » في تلك الظروف كان هو الواجب المتعيّن على أخيه الإمام الحسين ، كلّ ذلك للتفاوت بين الزمانين ، والاختلاف بين الرجلين ( أي : معاوية وابنه ) .
ولولا صلح الإمام الحسن - الذي فضح معاوية وشهادة الإمام الحسين ( عليه السّلام ) التي قضت على يزيد وانقرضت بها الدولة السفيانية بأسرع وقت - لذهبت جهود جدّهما بطرفة عين ، ولصار الدين دين آل أبي سفيان ، دين الغدر والفسق والفجور ، دين إبادة الصالحين واستبقاء الفجرة الفاسقين .
ولو قيل : لما ذا لم ينتهج الإمام الحسن ( عليه السّلام ) سبيل الشهادة كما فعل الإمام الحسين ( عليه السّلام ) ، فإنّ الحسين ( عليه السّلام ) أيضا كان يعلم أنّه لن يستطيع تحقيق النصر العسكري على يزيد ؟
فالجواب :
1 - إنّ معاوية كان يظهر الإسلام ، ويزيد كان يتجاهر بالفسق والفجور ، فضلا عن دهاء الأب وبلادة الابن .
2 - مثّلت خيانة الكوفيين بالنسبة إلى الحسين ( عليه السّلام ) خطوته الموفّقة في التمهيد لنجاحه المطّرد في التاريخ ، ولكنّها كانت بالنسبة إلى أخيه الحسن ( عليه السّلام ) ( يوم مسكن والمدائن ) عقبته الكؤود عن تطبيق عملية الجهاد ، فإنّ حوادث نقض بيعة الحسين كانت قد سبقت تعبئته للحرب ، فجاء جيشه الصغير يوم وقف به للقتال ، منخولا من كلّ شائبة تضيره كجيش إمام له أهدافه المثلى[1].
التحليل الثاني :
إن معاوية كان قد نشط في عهد الخليفتين الثاني والثالث بإمارته على الشام عشرين سنة ، تمكّن بها في أجهزة الدولة ، وصانع الناس فيها وأطمعهم به فكانت الخاصة في الشام كلّها من أعوانه ، وعظم خطره في الإسلام ، وعرف في سائر الأقطار بكونه من قريش أسرة النبي ( صلّى اللّه عليه وآله ) وأنّه من أصحابه ، حتى كان في هذه أشهر من كثير من السابقين الأولين الذين رضي اللّه عنهم ورضوا عنه ، كأبي ذرّ وعمّار والمقداد وأضرابهم .
هكذا نشأت « الأموية » مرّة أخرى ، تغالب الهاشمية باسم الهاشمية في علنها ، وتكيد لها كيدها في سرّها ، فتندفع مع انطلاق الزمن تخدع العامة بدهائها ، وتشتري الخاصة بما تغدقه عليهم من أموال الامّة ، وبما تؤثرهم به من الوظائف التي ما جعلها اللّه للخونة من أمثالهم ، تستغل مظاهر الفتح وإحراز الرضا من الخلفاء ، حتى إذا استتبّ أمر « الأموية » بدهاء معاوية ؛ انسلّت إلى أحكام الدين انسلال الشياطين ، تدسّ فيها دسّها ، وتفسد إفسادها ، راجعة بالحياة إلى جاهلية تبعث الاستهتار والزندقة وفق نهج جاهلي وخطة نفعية ترجوها « الأموية » لاستيفاء منافعها ، وتسخّرها لحفظ امتيازاتها[2].
والناس عامة لا يفطنون لشيء من هذا ، فإنّ القاعدة المعمول بها في الإسلام - أعني قولهم : الإسلام يجبّ ما قبله - ألقت على فظائع « الأموية » سترا حجبها ، ولا سيما بعد أن عفا عنها رسول اللّه وتألّفها ، وبعد أن قرّبها الخلفاء منهم ، واصطفوها بالولايات على المسلمين ، وأعطوها من الصلاحيات ما لم يعطوا غيرها من ولاتهم ، فسارت في الشام سيرتها عشرين عاما لا يتناهون عن منكر فعلوه ولا ينهون .
وقد كان الخليفة الثاني عظيم المراقبة لبعض عمّاله دقيق المحاسبة لهم دون بعض ، لا يأخذه في ذلك مانع من الموانع أصلا ، تعتع بخالد بن الوليد عامله على « قنسرين » إذ بلغه أنّه أعطى الأشعث عشرة آلاف ، فأمر به فعقله « بلال الحبشي » بعمامته ، وأوقفه بين يديه على رجل واحدة مكشوف الرأس على رؤوس الأشهاد من رجال الدولة ووجوه الشعب في المسجد الجامع بحمص ، يسأله عن العشرة آلاف أهي من ماله أم من مال الامّة ؟ فإن كانت من ماله فهو الإسراف واللّه لا يحبّ المسرفين ، وإن كانت من مال الامّة فهي الخيانة واللّه لا يحب الخائنين ، ثم عزله فلم يولّه بعد حتى مات .
وكم لعمر مع بعض عمّاله من أمثال ما فعله بخالد وأبي هريرة يعرفها المتتبّعون ! لكنّ معاوية كان أثيره وخلّصه ، على ما كان من التناقض في سيرتيهما ، ما كفّ يده عن شيء ولا ناقشه الحساب في شيء ، وربّما قال له :
« لا آمرك ولا أنهاك » ، يفوّض له العمل برأيه ، فشدّة مراقبة الخليفة الثاني ودقّة محاسبته كانت من نصيب بعض عمّاله ، ولم تشمل الجميع على حدّ سواء ، إذ أنّ معاوية - وهو عامله على الشام - كان طليق اليدين يفعل ما تشاء أهواؤه وما تبغيه شهواته .
وهذا ما أطغى معاوية ، وأرهف عزمه على تنفيذ خططه « الأموية » وقد وقف الحسن والحسين من دهائه ومكره إزاء خطر فظيع ، يهدّد الإسلام باسم الإسلام ، ويطغى على نور الحقّ باسم الحقّ ، فكانا في دفع هذا الخطر أمام أمرين لا ثالث لهما : إمّا المقاومة وإمّا المسالمة ، وقد رأيا أنّ المقاومة في دور الحسن تؤدي لا محالة إلى فناء هذا الصفّ المدافع عن الدين وأهله ، والهادي إلى اللّه عزّ وجل وإلى صراطه المستقيم .
ومن هنا رأى الحسن ( عليه السّلام ) أن يترك معاوية لطغيانه ، ويمتحنه بما يصبو اليه من الملك ، لكن أخذ عليه في عقد الصلح أن لا يعدو الكتاب والسنّة في شيء من سيرته وسيرة أعوانه ، وأن لا يطلب أحدا من الشيعة بذنب أذنبه مع الأموية ، وأن يكون لهم من الكرامة وسائر الحقوق ما لغيرهم من المسلمين ، وأن ، وأن ، وأن ، إلى غير ذلك من الشروط التي كان الإمام الحسن عالما بأنّ معاوية لا يفي له بشيء منها وأنّه سيقوم بنقائضها .
هذا ما أعدّه ( عليه السّلام ) لرفع الغطاء عن الوجه « الأموي » المموّه ، ولصهر الطلاء عن مظاهر معاوية الزائغة ، ليبرز حينئذ هو وسائر أبطال « الأموية » كما هم جاهليّون لم تخفق صدورهم بروح الإسلام لحظة ، ثأريّون لم تنسهم مواهب الإسلام ومراحمه شيئا من أحقاد بدر وأحد والأحزاب .
وبالجملة : فإنّ هذه الخطّة ثورة عاصفة في سلم لم يكن منه بدّ ، أملاه ظرف الإمام الحسن ( عليه السّلام ) إذا التبس الحقّ بالباطل ، وتسنّى للطغيان فيه سيطرة مسلّحة ضارية ، ما كان الحسن ( عليه السّلام ) ببادئ هذه الخطة ولا بخاتمها ، بل أخذها فيما أخذه من إرثه ، وتركها مع ما تركه من ميراثه ، فهو كغيره من أئمة هذا البيت ( عليهم السّلام ) يسترشد الرسالة في إقدامه وإحجامه ، امتحن بهذه الخطّة فرضخ لها صابرا محتسبا وخرج منها ظافرا طاهرا .
تهيّأ للحسن ( عليه السّلام ) بهذا الصلح أن يفرش في طريق معاوية كمينا من نفسه يثور عليه من حيث لا يشعر فيرديه ، وتسنّى له أن يلغم نصر الأموية ببارود الأموية نفسها ، فيجعل نصرها جفاء وريحها هباء .
لم يطل الوقت حتى انفجرت أولى القنابل المغروسة في شروط الصلح ، انفجرت من نفس معاوية يوم نشوته بنصره ، إذ انضمّ جيش العراق إلى لوائه في النخيلة ، فقال - وقد قام خطيبا فيهم - : « يا أهل العراق ! إنّي واللّه لم أقاتلكم لتصلّوا ولا لتصوموا ولا لتزكّوا ، ولا لتحجّوا ، وإنّما قاتلتكم لأتأمّر عليكم ، وقد أعطاني اللّه ذلك وأنتم كارهون ، ألا وأنّ كلّ شيء أعطيته للحسن ابن علي جعلته تحت قدميّ هاتين »[3].
ثمّ تتابعت سياسة معاوية ، تتفجر بكلّ ما يخالف الكتاب والسنّة من كلّ منكر في الإسلام ، قتلا للأبرار وهتكا للأعراض وسلبا للأموال وسجنا للأحرار ، ختم معاوية منكراته هذه بحمل خليعه المهتوك على رقاب المسلمين ، يعيث في دينهم ودنياهم ، فكان من خليعه ما كان يوم الطفّ ، ويوم الحرّة ، ويوم مكة إذ نصب عليهم العرّادات والمجانيق .
ومهما يكن من أمر فالمهمّ أنّ الحوادث جاءت تفسّر خطّة الإمام الحسن وتجلوها ، وكان أهمّ ما يرمي اليه سلام اللّه عليه أن يرفع اللثام عن هؤلاء الطغاة ، ليحول بينهم وبين ما يبيّتون لرسالة جدّه من الكيد ، وقد تمّ له كلّ ما أراد ، حتى برح الخفاء وآذن أمر الأموية بالجلاء ، والحمد للّه رب العالمين .
وبهذا استتبّ لصنوه سيد الشهداء أن يثور ثورته التي أوضح اللّه بها الكتاب ، وجعله فيها عبرة لأولي الألباب .
وقد كانا ( عليهما السّلام ) وجهين لرسالة واحدة ، كلّ وجه منهما في موضعه منها ، وفي زمانه من مراحلها ، يكافئ الآخر في النهوض بأعبائها ويوازنه بالتضحية في سبيلها ، فالحسن ( عليه السّلام ) لم يبخل بنفسه ، ولم يكن الحسين ( عليه السّلام ) أسخى منه بها في سبيل اللّه ، وإنّما صان نفسه يجنّدها في جهاد صامت ، فلمّا حان الوقت كانت شهادة كربلاء شهادة حسنيّة قبل أن تكون حسينيّة . وكان يوم ساباط أعرق بمعاني التضحية من يوم الطفّ لدى اولي الألباب ممّن تعمّق ، لأنّ الإمام الحسن ( عليه السّلام ) أعطي من البطولة دور الصابر على احتمال المكاره في صورة مستكين قاعد ، وكانت شهادة الطفّ حسنيّة أولا وحسينيّة ثانيا ؛ لأنّ الحسن أنضج نتائجها ومهّد أسبابها .
وقد وقف الناس - بعد حادثتي ساباط والطفّ - يمعنون في الأحداث ؛ فيرون في هؤلاء الأمويين عصبة جاهلية منكرة ، بحيث لو مثلت العصبيات الجلفة النذلة الظلوم لم تكن غيرهم ، بل تكون دونهم في الخطر على الإسلام وأهله . . . [4] .
[1] صلح الحسن للشيخ راضي آل ياسين : 371 - 372 .
[2] ) للتعرّف على عداء معاوية وموبقاته التي تمثّلت في تعطيله الحدود الإلهية وتحريف الأحكام الشرعية وشرائه لأديان الناس وضمائرهم وخلاعته ومجونه وافتعاله للحديث وغيرها من المنكرات الفظيعة ، راجع حياة الإمام الحسن : 2 / 145 - 210 .
[3] صلح الإمام الحسن : 285 عن المدائني ، وراجع أيضا شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 4 / 16 ، وتأريخ اليعقوبي : 2 / 192 .
[4] راجع مقدمة صلح الإمام الحسن للشيخ راضي آل ياسين .
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|