تعريف الجغرافية السياسية:

لقد ظل العلماء قرونا طويلة يدرسون ويحللون العلاقات بين السلوك السياسي للجماعة والبيئة الطبيعية التى يعيشون فيها، ورغم ذلك فإن الجغرافية السياسية كعلم مستقل له ميدان خاص ومنهج متميز لم يظهر بشكل واضح إلا فى نهاية القرن التاسع عشر، ولذلك فإن إطار هذا العلم لم يتحدد إلا بالخطوط العريضة. فقد تعرض المهتمون بالجغرافية السياسية لتحديد المفهوم العام لها من خلال ما طرأ على علم الجغرافية عموما من تغير، كما ارتبط تعريفها ببعض العلوم الأخرى المرتبطة بها كالتاريخ والسياسة والعلاقات الدولية، ولذلك جاء التعريف معبرا عن وجهة نظر العلاقة بينها وبين هذه العلوم، وعن وجهة نظر ومفهوم ومجال دراسة كل مهتم بهذا الموضوع. ولكن معظم التعاريف جاءت متفقة إلى حد كبير فى المضمون رغم اختلافها فى الشكل والصياغة.

ولكن كثرة التعاريف للجغرافية السياسية تزيد الموضوع تعقيدا إذ يجب أن يتفق الجميع على تعريف جامع يقتنع به الجميع؛ لأن تعدد التعاريف وتباينها حتى من حيث الشكل يزيد الموضوع غموضا.

ومن بين أهم ما ورد من تعاريف للجغرافية السياسية ما يلى :

- يعرف فان فالكنبرج الجغرافية السياسية بأنها: الدول أو الوحدات السياسية التى تتناول دراسة كل دولة كوحدة تتميز بظروف خاصة فى الإنتاج والاستهلاك، والمساهمة فى تحقيق متطلبات السكان، كما تتناول مقومات تقدم الدولة وقوتها وعلاقتها بغيرها من الدول.

- ويعرف كرسى: الجغرافية السياسية بأنها :«تطبيق المبادئ الجغرافية على مشكلات السياسة الداخلية والخارجية، وهى بذلك تبحث فى الحقائق المتعلقة بالموقع والحدود السياسية والمساحة ومدى التماسك أو التجانس الداخلي للدولة» .

- وبومان يعرف الجغرافية السياسية بأنها: «العلم الذى يساعد على تحديد الأسباب الجغرافية المؤثرة فى السلوك السياسي للإنسان» .

- ويعرف ألكسندر: الجغرافية السياسية فى كتابه بعنوان (world political patterns) بأنها: دراسة الأقاليم السياسية التى ينقسم إليها سطح الأرض

كظاهرة من ظاهرات سطحها وأن طبيعة وكينونة ومدى هذه الأقاليم السياسية مرهون بالاختلافات للظواهر السياسية الموجودة فى العالم، كما يرى أن الجغرافية السياسية لا تهتم بشكل وتركيب الحكومة ذاتها أو بتقسيم الوظائف بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية أو ما إذا كانت الحكومة ديمقراطية أو ديكتاتورية .

-ويرى برنهس: أن الجغرافية السياسية تعد جزءا من جغرافية التاريخ أكثر من تبعيتها للجغرافية.

-أما نورمن بوندز :  فيعرف الجغرافية السياسية فى كتابه بعنوان

(political geography) بأنها: العلم الذى يهتم بالدولة أو الإقليم المنظم تنظيما سياسيا من حيث الوظيفة والموارد والمساحة وعوامل أو أسباب تكوينها، وأن الدولة تسعى لتوفر لشعبها خير ما يصبو إليه من رفاهية واستغلال وحرية.

- ويرى جاكسون فى كتابه (political and geography realtions) أن الجغرافية السياسية هى : علم دراسة الظاهرات السياسية فى ضوء إطارها المكاني سواء أكان ذلك يتضمن تحليل الحدود السياسية والأنماط الجغرافية الناجمة عن تطبيق سلطة الحكومة أو مدى استقرار الوحدات السياسية الجديدة.

- أما إيست فيذكر فى كتابه (the natural of political and geography ) أن الجغرافية السياسية هي : الجغرافية العامة التى تهتم بالظاهرات السياسية واختلافها من مكان لآخر متأثرة بالبيئة الجغرافية.

- ويرى مودى فى كتابه (behind  history geography) أن الجغرافية السياسية هي : تحليل العلاقات بين البيئة والدولة من الوجهة السياسية.

- ويرى كاسبرسنى (the structure of political geography) أن الجغرافية السياسية هى: التحليل المكاني للظاهرة السياسية.

- ويعرف كوهين : الجغرافية السياسية فى كتابه بعنوان (geography and political in world divided) بأنها: الأسلوب الخاص أو الطريقة الخاصة لدراسة العلاقات الدولية.

- ويعرف هارتسهورن: الجغرافية السياسية فى كتابه بعنوان

(political geography  in the  modern world )  بأنها: دراسة العلاقة بين الأرض فى صورة الموقع والمساحة والموارد الاقتصادية والدولة فى صورة السكان من حيث قدراتهم وآراؤهم ودوافعهم الاجتماعية فى ضوء تباين ظاهرات سطح الأرض ودراسة العلاقات بين الدول فى ضوء العوامل الجغرافية.

- ويعرف ويتلسى: الجغرافية السياسية فى كتابه بعنوان :

the earth and state) )  بأن الوحدة السياسية تعد نواة الجغرافية السياسية، وأن القيمة السياسية للدولة ترتبط ارتباطا وثيقا بالظروف المناخية التى تشغلها الدولة وبأشكال سطح الأرض وبالموارد الطبيعية فى تلك المناطق.

- ويرى جونز : أن الوحدة السياسية التى تهتم الجغرافية السياسية بدراستها يمكن أن تكون ميدانا لتفاعل القوى السياسية فيها. ويشير إلى أن العقائد السياسية التى يدين بها السكان يمكن أن تولد قوة سياسية فى منطقة من الأرض، وتؤثر هذه المنطقة فيما بعد فى تطوير هذه العقائد ونشرها فى مناطق أخرى.

والوحدة السياسية التى تهتم الجغرافية السياسية بدراستها والتي يلعب الإنسان فيها دوره السياسي لها أبعاد عديدة، فهي تعد امتدادا أفقيا إذا نظرنا إليها من ناحية الشكل أو الحجم أو الموقع أو الموارد الطبيعية، كما تعد امتدادا رأسيا إذا نظرنا إليها من ناحية التفاعل الذى يقوم بينها وبين الإنسان الذى يعيش فيها، أو بينها وبين الأهداف التى يسعى الإنسان لتحقيقها والقوانين التى يسنها، والنشاط الاقتصادي والثقافي الذى يمارسه عليها. وهناك بعد ثالث يتمثل فى الزمن الذى يحدد التفاعل بين الامتداد الأفقي والامتداد الرأسي فى فترة معينة.

وفى ضوء ما سبق من التعاريف للجغرافية السياسية فإنه يمكننا القول بشكل عام بأنها: دراسة العلاقات بين السلوك السياسي للإنسان وبين البيئة الجغرافية وإلى أى حد تتأثر الظروف السياسية للمجتمع بالبيئة الجغرافية التى يعيش فيها الإنسان، وإلى أى مدى أثرت فى هذه البيئة، وهى أيضا دراسة الاختلافات والتشابه بين الأقاليم السياسية التى تترتب على طبيعة الحكم فى هذه الأقاليم. ونظام الحكم أو السيطرة فى أى إقليم من الأقاليم يؤثر فى العلاقات التى تقوم بين الدول التى توجد فى هذا الإقليم، ولذلك فإن الجغرافية السياسية عند دراستها للأقاليم السياسية تتناولها باعتبارها وثيقة الصلة بالشئون القومية والدولية بالإضافة إلى كونها جزءا من ميدان الجغرافية الإقليمية.