أقرأ أيضاً
التاريخ: 22-6-2016
1865
التاريخ: 21-2-2017
4828
التاريخ: 8-5-2022
1997
التاريخ: 23-6-2016
8289
|
إذا كان المشرع قد منح الخصوم سلطة اختصام الغير الذي كان يصح اختصامه في الدّعوَى عند رفعها ؛ وذلك كي يمكن حسم النزاع من كافة جوانبه بدعوى واحدة بدلاً من تعدد الدعاوى , لكي لا يضطر الخصم إلى رفع دعوى جديدة على من لم يختصم لاستصدار حكم جديد يحتج به عليه طالما أن حجية الحكم السابق قاصرة على أطرافه , فإن المشرع وجد أنه لتحقيق هذا الهدف على أكمل وجه يجب أن يكون هناك رقيب على الخصوم في ذلك , إذْ أنه إذا بدر منهم اهمالٌ مقصود أو غير مقصود أو كان هناك غش أو تواطؤ , فإن هذا الرقيب يتدخل لتصحيح الوضع , لكي تستكمل الدّعوَى أشخاصها (1), وهذا الرقيب هو المحكمة التي لها ان تختصم اي شخص من الغير , لتدارك اهمالهم ورد تحايلهم , طالما ان وجوده في الدّعوَى مفيداً لحل النزاع على أحسن وجه (2).
وبناء على ذلك سوف نتناول موقف التشريع المصري والفرنسي من نظام اختصام الغير بناء على أمر المحكمة على النحو الآتي :
اولاً : اختصام الغير بناء على أمر المحكمة في القانون المصري
لم تكن مجموعة المرافعات الأهلية أو المختلطة تعرف نظام اختصام الغير بناء على أمر المحكمة , وقد اخذ به المشرع المصري لأول مرة في مجموعة المرافعات الصادرة عام 1949 , وقننه في حالات محددة واردة على سبيل الحصر في المادة (144) منها , ولما صدرت المجموعة الجديدة عام 1968 , استبدلت هذه الحالات بقاعدة عامة نصت عليها المادة (118) وهو ما يتماشى مع ما يجب ان يكون للقاضي من دور ايجابي في تسيير الدّعوَى (3).
وقد مر نظام اختصام الغير بناء على أمر المحكمة في التشريع المصري بمرحلتين في هذا الخصوص :
المرحلة الأول : اختصام الغير بناء على أمر المحكمة على وفق المادة (144) من القانون الملغي اخذ قانون المرافعات المدنية والتجارية الملغي بمبدأ حق المحكمة في ادخال الغير في الدّعوَى ولو من تلقاء نفسها , وذلك في حالات خاصة تبرّر وجود هذا الحق استناداً إلى وجود مصلحة في تقصي الخصومة أو الخصوم أو تفادي المنازعة اللاحقة أو استنارة المحكمة في موضوع الدّعوَى , أو القضاء على الدعاوى الصورية اي التي يصورها الخصوم لكي ينطق القاضي بحكم على هواهم. وقد وردت هذه الحالات على سبيل الحصر في المادة (144) والتي تنص على ان ( للمحكمة ولو من تلقاء نفسها ان تأمر بإدخال :
أ- من كان مُخْتَصَما في الدّعوَى في مرحلة سابقة .
ب- من تربطه بأحد الخصوم رابطة تضامن أو حق أو التزام لا يقبل التجزئة .
ج- الوارث مع المدعي أو المُدّعى عليه أو الشريك على الشيوع لأي منهما إذا كانت الدّعوَى متعلقة بالتركة قبل قسمتها أو بعدها أو بالشيوع .
د- من قد يضار من قيام الدّعوَى أو من الحكم فيها إذا بدت للمحكمة دلائل جدية على التواطؤ أو الغش أو التقصير من جانب الخصوم .
وتعين المحكمة ميعاد لحضور من تأمر بإدخاله ومن يقوم من الخصوم بإعلانه )(4).
ويتبين من استقراء احوال اختصام الغير بناء على أمر المحكمة ان القانون قد رسم الدائرة التي يباح فيها الإدخال من جانب القاضي , بألّا تتسع الدّعوَى إلّا من جهة خصومها , على ان يبقى موضوعها وسببها في عمومهما كما كانا , وهذا على خلاف الإدخال من جانب الخصوم إذْ قد يترتب عليه تعديل في موضوع الدّعوَى أو في سببها فضلاً عن التعديل في أطرافها (5).
المرحلة الثانية : اختصام الغير بناء على أمر المحكمة على وفق المادة (118) من القانون النافذ لم يلجأ المشرع المصري في قانون المرافعات المدنية والتجارية النافذ إلى تحديد حالات الاختصام بأمر المحكمة على سبيل الحصر , كما كان هو الأمر بالنسبة للقانون الملغي , تاركاً للمحكمة نفسها تقدير كل حالة على حدة , ولكي لا تقف عاجزة أمام حالات مستجدة أو لا تدخل في التعداد الحصري , وتدعيماً لدورها الايجابي في الخصومة , فهي التي تقّدر ما إذا كانت مصلحة العدالة أو إظهار الحقيقة تستوجب اختصام أحد من الاغيار فتأمر به أو لا تستوجب فلا تأمر به (6). فوضع المشرع المصري قاعدة عامة للاختصام بأمر المحكمة (7).
وتتسع هذه القاعدة العامة الواردة في المادة (118) لتشمل الحالات التي كانت منصوصاً عليها في المادة (144) من القانون الملغي . وتشمل ايضاً غيرها من الحالات التي يمكن ان تنضوي تحت هذه القاعدة العامة . وبناء على ذلك يجوز للمحكمة ان تأمر بإدخال من كان مُخْتَصَما في الدّعوَى في مرحلة سابقة , أو من تربطه بأحد الخصوم رابطة تضامن أو حق أو التزام لا يقبل التجزئة أو الوارث مع المدعي أو المُدّعى عليه أو الشريك على الشيوع لأي منها إذا كانت الدّعوَى متعلقة بالتركة قبل قسمتها أو بعدها أو بالشيوع , كما يجوز حماية للغير ان تأمر باختصام من يضار من قيام الدّعوَى أو الحكم فيها إذا بدت للمحكمة دلائل جدية على التواطؤ أو الغش أو التقصير من جانب الخصوم , وللمحكمة ايضاً في جميع الحالات التي يتبين لها ان اختصام الغير في الخصومة يفيد في الوصول إلى الحقيقة ويحقق العدل , فان لها ومن تلقاء نفسها ان تأمر بإدخال هذا الغير حماية له أو لأحد الخصوم في الدّعوَى (8).
ويتبين من نص المادة (118) انها تهدف إلى تحقيق غرضين لا ثالث لهما :
الغرض الأول : الاختصام لمصلحة العدالة
ان الإدخال بأمر المحكمة يكون لمصلحة العدالة كلما بدا للمحكمة من خلال سير الخصومة ان لغير الخصوم علاقة برابطة الحق بشكل ما تقتضي إدخاله في الخصومة , ومصلحة العدالة ليست دائماً مستقلة عن مصلحة الخصوم الأصليين كما انها ليست دائما مرتبطة بها , فقد تكون مصلحة العدالة التي تدفع المحكمة للأمر بإدخال الغير مؤدية إلى مناصرة أحد الخصوم , كما قد تكون مستقلة عنها أو متعارضة معها (9). وتقوم المحكمة بهذا الاختصام لجعل الحكم الصادر في الدّعوَى حجة للغير أو عليه أو لمنع اعادة النزاع نفسه بين خصوم مختلفين (10).
ولذا فان مصلحة العدالة على هذا النحو تتحقق إذا بدا للمحكمة أن شخصاً من الغير هو صاحب الحق المُدّعى به , أو هو الملتزم الحقيقي فيما يطالب به المدعي , أو كانت له برابطة الحق موضوع الادعاء علاقة تجعله يتأثر بالحكم الذي سيصدر بشأنها , ومن امثلة الصنف الاخير من تربطه بأحد الخصوم رابطة تضامن أو حق أو التزام لا يقبل التجزئة (11) , والوارث مع المدعي أو المُدّعى عليه إذا كانت الدّعوَى تتعلق بالتركة , والشريك على الشيوع إذا كانت الدّعوَى تتعلق بالمال الشائع (12) , وكذلك كل من يكون مسؤولا عن الحق المُدّعى به كلياً أو جزئياً كالأمر بإدخال شركة التأمين المسؤولة عن الحق المُدّعى به (13). وهذا المثال الاخير الذي ذكرته المذكرة الايضاًحية لقانون المرافعات المصري غير صحيح لأن جواز اختصام شركة التامين عن الحق المُدّعى به يتضمن طلباً جديداً لم يطرحه الخصوم , إذْ تستطيع المحكمة ان توجه طلبات الخصوم نحو الغير ولا تستطيع ان توجه طلبا للغير لم يقدمه أحد الخصوم (14).
وقد ترى المحكمة ان هناك أشخاصاً كان من الواجب رفع الدّعوَى عليهم , أو يكون من الافضل تواجدهم في الخصومة القائمة أمامها وفي حدود الطلبات المطروحة عليها , وهي تقوم بالتحقيق من ذلك من تلقاء نفسها (15).
والحقيقة ان أمر المحكمة بإدخال الغير في الخصومة يعدُّ تداركاً منها لما يجب على الخصوم الأصليين فعله أو لما كان يجب على الغير نفسه ان يفعله في حالة علمه بالخصومة , فالمحكمة في واقع الأمر تأمر بإدخال من كان للخصوم اختصامه أو من كان له ان يتدخل في الخصومة , وذلك قبل ان يصدر حكم وإن لم تكن له في مواجهته حجية قانونية إلّا أنه يمكن ان يضر به واقعياً (16).
الغرض الثاني : الاختصام لإظهار الحقيقة
ويقصد به الاختصام الذي لا يكون لإفادة الغير أو لإلزامه نتيجة ارتباطه بالحق المُدّعى به , وانما للمساعدة في اظهار من هو صاحب الحق في الدّعوَى المعروضة على القاضي من بين الخصوم الأصليين , ومن امثلة ذلك ان يكون المقصود من اختصام الغير هو ان يقدم للمحكمة أوراقاً تحت يده تبدو هامة لكشف الحقيقة (17), أو لسؤاله عن أمر ما , على انه لا يقصد من اختصام الغير عن طريق المحكمة ادخاله لمجرد سماع شهادته في أمر ما , فذلك أمر اجازه ونظمه قانون الاثبات (18).
وتجدر الاشارة إلى ان المحكمة في الاختصام لإظهار الحقيقة قد لا تأخذ رأي الخصوم في الأمر باختصام الغير , عكس الاختصام لمصلحة العدالة , إذْ يجب ان تأخذ رأيهم وذلك بسؤالهم عن سبب عدم اختصام هذا الغير , فقد تكون الرابطة القانونية بينه وبينهم أو بينه وبين أحدهم قد انقضت لسبب ما , كما إذا كان الحق قد سقط بالتقادم أو تنازل عنه صاحبه أو اتفق على التحكيم بصدده أو صدر فيه حكم (19).
والمحكمة هي التي تقدر اعتبارات العدالة أو إظهار الحقيقة لكي تأمر من تلقاء نفسها بإدخال الغير في الخصومة (20), اي هو مجرد رخصة تقديرية مخولة لها , ولذا فليس لأحد الخصوم ان ينعى عليها عدم استعمالها لها , ذلك ان بإمكانه هو ان يطالب بإدخال هذا الغير ان كان لذلك وجه (21).
ويذهب جانب من الفقه (22) إلى انه يجوز اختصام الغير بناء على أمر المحكمة أمام محكمة الدرجة الأولى والثانية سواء لتحقيق العدالة أو لإظهار الحقيقة , لكن يشترط في حالة الاختصام أمام محكمة الدرجة الثانية لتحقيق العدالة الّا يقدم طلبات جديدة من المُخْتَصَم أو الخصوم .
ويذهب بعض الفقه إلى امكانية اختصام الغير أمام محكمة الاستئناف من قبل المحكمة استناداً للمادة (118) في حالة واحدة فقط , وهي حالة إظهار الحقيقة , اما إذا اقتضت مصلحة العدالة هذا الاختصام , فإنه يمتنع على قاضي محكمة الاستئناف القيام بهذا الاختصام , وذلك على أساس ان مبدأ التقاضي على درجتين لا يجيز هذا الاختصام , باعتبار ان الغير المُخْتَصَم سوف يفقد أحدى درجتي التقاضي (23). في حين يذهب قسم اخر من الفقه إلى أنه لا يجوز في خصومة الاستئناف اختصام من لم يكن خصماً في الخصومة القضائية أمام محكمة أول درجة , سواء كان اختصامه بناء على أمر من المحكمة , أو بناء على طلب أحد الخصوم في الدّعوَى القضائية المطروحة عليها (24).
ويمكن القول : إنَّ المشرع المصري بموجب المادة (218) من قانون المرافعات أوجب على القاضي اختصام من لم يختصمه الطاعن أو من لم يطعن في الحكم في الميعاد المقرر له والّا كان حكم المحكمة باطلا ؛ لان حكم تلك المادة يمثل قاعدة قانونية اجرائية متعلقة بالنظام العام (25). وكذلك فان سلطة القاضي تسمح له ان يأمر بإدخال الضامن في الدّعوَى الأصلية المرفوعة من أو ضد المضمون في مواجهة الغير (26).
ثانياً : اختصام الغير بناء على أمر المحكمة في التشريع الفرنسي
قرر المشرع الفرنسي اخيراً اختصام الغير بناء على أمر المحكمة في المادة (332) من قانون المرافعات المدنية الفرنسي والتي تنص على ان " القاضي يمكنه ان يدعو أيا من الخصوم إلى اختصام كل ذوي الشأن والذين يكون وجودهم ضروريا لحل النزاع , كما يمكنه في المواد الولائية أن يأمر رسمياً بإدخال الأشخاص الذين يمكن ان تتعرض حقوقهم أو التزاماتهم للخطر من صدور القرار " (27). إذْ لم يحدد المشرع الفرنسي حالات الاختصام بأمر المحكمة على سبيل الحصر وانما وضع قاعدة عامة للاختصام شأنه في ذلك شأن المشرع المصري في قانون المرافعات المدنية والتجارية النافذ , وانما اطلقه في حدود فكرة هامة هي فكرة " حسن الفصل في النزاع " , فللمحكمة ان تختصم اي شخص من غير الخصوم طالما كانت له مصلحة تتصل بالنزاع (28).
ويرى بعض الفقه الفرنسي ان اختصام الغير بناء على أمر المحكمة , هو الوجه الاشد في توسيع ولاية القاضي , بأنه يكون مقبولاً إذا كان ضرورياً لحل النزاع , وذلك لأن حل النزاع حلاً صحيحاً يفترض تحقيقاً شاملاً , ولا يتحقق هذا الّا في مواجهة الغير الذي تدخله المحكمة في الدّعوَى , كما لو كان المُدّعى عليه ينسب المسؤولية إلى هذا الغير , ومن المحتمل ان يكون هذا الاخير محقاً في ردها إلى المدعى عليه (29).
ومسألة ضرورة وجود شخص من الغير في الدّعوَى لحسمها , انما هي مسألة تقررها المحكمة بما لها من سلطة تقديرية , وهي غير مقيدة في ذلك باي قيد محدد , سوى ان توضح المحكمة مدى هذه الضرورة , ولكن ليس للمحكمة استناداً لتلك السلطة التي خولتها اياها المادة (332) ان تُعدل في موضوع النزاع (30).
ويستفاد من نص المادة (332) ان قانون المرافعات المدنية الفرنسي قد فرّق بين حالتين
اولاً : دعوة القاضي لأحد الخصوم باختصام الغير
رغم التجديدات التي أحدثها المشرع الفرنسي في قانون المرافعات المدنية النافذ , لكنه وعلى ما يبدو قد تأثر ببعض الاتجاهات الفقهية التي عارضت - من قبل - نظام اختصام الغير بناء على أمر المحكمة (31). ومن مظاهر هذا التأثر الفقرة الأولى من نص المادة (332) من قانون المرافعات المدنية والتي تجعل سلطة المحكمة قاصرة على مجرد دعوة أحد الخصوم إلى اختصام الغير وليس الأمر باختصام الغير من تلقاء نفسها (32). ولا شك في ان ذلك يعد بمثابة ارتداد عن الوضع الذي كان قد استقر عليه اغلب الفقه والقضاء التقليدي (33). ولهذا ذهب بعض الفقه (34) إلى ان الفقرة سالفة الذكر تؤكد بطريقة غير مباشرة على مبدأ سيادة الخصوم على الدّعوَى .
وانتقد الفقه الفرنسي لفظ " دعوة " - inviter - ؛ لأنه يجعل نص المادة (332) مرافعات عديم الفائدة أو من قبيل التزيد ؛ لأن القاضي يستطيع ان يدعو الخصوم بأن يقدموا له الايضاًحات اللازمة للفصل في الدّعوَى (35). كذلك يلاحظ ان قانون المرافعات المدنية لم يقرّر اي جزاء عند عدم امتثال من تدعوه المحكمة لاختصام الغير , الأمر الذي لا يجعل أمام المحكمة سوى المضي في نظر الدّعوَى والفصل فيها - رغم عدم قيام من كلفته المحكمة من الخصوم بإدخال الغير الذي يكون وجوده ضرورياً للفصل في النزاع , وهذا يجعل القرار الصادر في الدّعوَى غير كامل لأن كل الخصوم غير متواجدين في الدّعوَى (36).
وعلى العكس من الرأي اعلاه يرى بعض الفقه ان سلطة القاضي محدودة بموجب المادة (332/1) على مجرد دعوة الخصوم لإدخال الأشخاص اصحاب المصلحة الذي يبدو وجودهم ضرورياً لحسم النزاع . ويمكن القول ان المشرع يحاول بهذا النصّ تشجيع القاضي على القيام بدوره , وذلك بحثّهِ على الّا يتردد في عرض ما يراه على الخصوم لإدخال شخص من الغير , وقد يتردد أو يتجاهل الخصوم هذه الدعوة , خاصة إذا كان أحد الخصوم يعتقد ان له مصلحة في عدم إدخال الغير , وللقاضي في هذه الاحوال ان يقضي بالغرامة أو بعدم قبول الطلب الأصلي خاصة إذا كان موضوع النزاع غير قابل للتجزئة , على انه في كلّ حالة لا يمكن للقاضي ان يقضي ضد الغير الذي اختصمه من تلقاء نفسه , بإدانة لم يطلبها اي من الخصوم (37).
وعلى الرغم من الانتقادات التي وجهها الفقه الفرنسي للفقرة الأولى من المادة (332) من قانون المرافعات المدنية فان المشّرع لم يعبأ بذلك ولازال يصر على موقفه (38).
ثانياً : سلطة المحكمة بالأمر رسميا باختصام الغير في المواد الولائية
واضح من نص المادة (332/2) من قانون المرافعات المدنية انها تخول القاضي في المواد الولائية ان يدخل الأشخاص الذين يمكن ان تتعرض حقوقهم والتزاماتهم للخطر من صدور القرار, ويعكس هذا النص رغبة المشرع في حماية مصالح الغير قبل صدور القرار , إذْ يتمتع القاضي في عمله الولائي بدور ايجابي سواء في تقديره ملاءمة العمل أو القرار (39), ويرجع ذلك إلى عدم وجود مبدأ المواجهة بين الخصوم مثل العمل القضائي وذلك ان وجود خصمين يسمح بتوضيح الحقيقة في النزاع , وهو ما يحرم منه القاضي عند قيامه بالعمل الولائي , لذلك فان القاضي لا يصدر العمل المطلوب منه الّا بعد التأكد من الحقيقة , وفي جميع الاحوال فان ادخال الغير يخضع لتقدير القاضي في العمل الولائي (40).
كما منح المشرع الفرنسي في المادة (555) من قانون المرافعات المدنية لمحكمة الاستئناف سلطة الأمر باختصام الغير , إذا ما استدعى تطور النزاع اختصام هذا الغير , حتى ولو لم يكن قد سبق اختصامه أمام محكمة أول درجة (41) .
في حين يرى بعض الفقه (42) ان نص المادة (332) هو نص عام ومن ثم يمكن تطبيقه على خصومة أول درجة وكذلك في الاستئناف , ويضع حدا لكل تردد في الفقه والقضاء بإعطاء القاضي الحق في ان يأمر من تلقاء نفسه باختصام الغير . ولكن بعض الفقهاء يرفض أن يكون لقاضي الاستئناف السلطة نفسها فلا يستطيع ان يأمر من تلقاء نفسه حتى ولو بطريق غير مباشر باختصام الغير ويدينون مقدماً كل اصلاح يتعلق بهذه المسألة (43).
وبصفة عامة لا يؤيد القضاء هذا الحل , فهو منقسم على نفسه فبعض الاحكام القضائية تجيز للقاضي وقف الفصل في الدعوى , ويترك للخصم ذي المصلحة مهمة اختصام الغير(44). وبعض الاحكام أجازت لمحكمة الاستئناف الأمر باختصام الغير (45) , وايدت الدائرة الاجتماعية بمحكمة النقض هذا القضاء مستندة إلى نص المادة (332)(46).
ويجوز اختصام الغير بقرار من المحكمة في الاستئناف اذا ما استدعى تطور النزاع ذلك حتى ولو لم يكن قد سبق اختصامه أمام محكمة الموضوع استناداً للمادة (555) من قانون المرافعات الفرنسي , واجاز المشرع الفرنسي للقاضي ان يلزم الغير بتقديم مستند يؤثر على مصير الدّعوَى استناداً للمواد (138-141) من قانون المرافعات المدنية الفرنسي (47), كما أَجازت المادة (10) من المجموعة المدنية الفرنسية معدلة بالقانون الصادر في 5 يوليو 1972 , للقاضي ان يلزم الغير بالمثول لأداء الشهادة بخصوص الواقعة المعروضة أمامه (48).
والاتجاه السابق من المشرع الفرنسي يعبر عن اتجاه وسياسة عامة له في قانون المرافعات المدنية من كفالة كل سبل التقاضي في الخصومة وتفعيل دور القاضي المدني فيها , كما انه أمر تحتّمه في بعض الحالات الضرورات العملية , إذْ قد يتبين للمحكمة مسألة تحتاج فيها لإدخال شخص من الغير , وهو ما يساعد العدالة على اداء دورها على نحو سليم (49).
__________
1- د. احمد مسلم , اصول المرافعات , دار الفكر العربي بالقاهرة , 1969 , ص 578.
2- د. احمد هندي , سلطة الخصوم والمحكمة في اختصام الغير , دار الجامعة الجديدة للنشر , 2006 , ص 139-140.
3- د. فتحي والي , مبادئ قانون القضاء المدني , ط2 , دار النهضة العربية - القاهرة , 1975 , ص 314-315 . د. عيد محمد القصاص , الوسيط في شرح قانون المرافعات المدنية والتجارية , ط1 , دار النهضة العربية - القاهرة , 2005 , ص 522.
4- ينظر في تفصيل هذه الحالات د. عبد المنعم الشرقاوي, الوجيز في قانون المرافعات المدنية والتجارية , دار النشر للجامعات المصرية - القاهرة ,1951 , ص 321-322.
5- د. عبد المنعم الشرقاوي, الوجيز في قانون المرافعات المدنية والتجارية , دار النشر للجامعات المصرية - القاهرة ,1951 , ص 322-323.
6- د. محمود محمد هاشم , قانون القضاء المدني , ج2 , دون ناشر , 1989 , ص 254 . د. احمد هندي , ارتباط الدعاوى والطلبات في قانون المرافعات , الدار الجامعية , 1991 ص 447 .
7- ينظر قرار محكمة النقض ذي الطعن رقم 1685 - لسنــة 60 ق - تاريخ الجلسة 11 / 06 / 1996 - مكتب فني 47 - ج 2 - ص 933 .
8- د. احمد مليجي , الموسوعة الشاملة في التعليق على قانون المرافعات , ج3 , ط7 , دار العلم والايمان للنشر والتوزيع , 2008 , ص 29-30 .
9- د. عيد محمد القصاص , الوسيط في شرح قانون المرافعات المدنية والتجارية , ط1 , دار النهضة العربية - القاهرة , 2005 , ص 523 . قارن : احمد ابو الوفا , المرافعات , ص 215 . ولديه ان مناط اختصام الغير ينتهي حتما بتحقيق مصلحة لأي من المدعي أو المُدّعى عليه أو الغير .
10- د. احمد مليجي , اختصام الغير وادخال ضامن في الخصومة المدنية , مكتبة عالم الكتب , دون سنة نشر , ص 311.
11- فيجب على المحكمة في هذه الحالات الأمر باختصام الغير في الدّعوَى . ينظر قرار محكمة النقض المصري ذي الطعن رقم 1685 لسنة60 والصادر بتاريخ 11/6/1996 . ويجب على المحكمة ان تحكم بعدم قبول الدّعوَى إذا كانت قد كلفت المدعي بإدخال خصوم جدد في الدّعوَى , ولم يقم بتنفيذ القرار , وكان الفصل في الدّعوَى لا يحتمل الّا حلاً واحداً . د. احمد مليجي , الموسوعة , مصدر سابق , ص 49 .
12- هذه الامثلة كانت واردة ضمن الحالات المنصوص عليها في المادة 144 من قانون المرافعات المصري الملغي
13- ذكرت المذكرة الايضاحية لقانون المرافعات المدنية والتجارية المصري النافذ هذا المثال كتأييد لضرورة وضع قاعدة عامة بدلا من تُعداد امثلة تعجز عن جمع كل الحالات المتوقعة .
14- د. احمد مليجي , الموسوعة , ج 3, ص 41 .
15- د. نبيل اسماعيل عمر , قانون اصول المحاكمات المدنية , منشورات الحلبي الحقوقية , 2008 , ص 308 .
16- د. عيد محمد القصاص , مصدر سابق , ص 524 .
17- د. عيد محمد القصاص , المصدر السابق , ص 524 .
18- د. احمد ابو الوفا , المرافعات المدنية والتجارية , منشأة المعارف بالإسكندرية , 1968 , ص 220-221 .
19- د. احمد ابو الوفا , المرافعات المدنية والتجارية , منشأة المعارف بالإسكندرية , 1968 , ص 200.
20- د. نبيل اسماعيل عمر , السلطة التقديرية للقاضي في المواد المدنية والتجارية , دار الجامعة الجديدة , 2008 ، ص 98.
21- قرار محكمة النقض ذي الطعن رقم 881 - لسنــة 45 ق - تاريخ الجلسة 19 / 03 / 1981 - مكتب فني 32 - ج 1 - ص 871 .
22- د. نبيل اسماعيل عمر , قانون اصول المحاكمات المدنية , منشورات الحلبي الحقوقية , 2008 , ص 308 . د. احمد ماهر زغلول , دعوى الضمان الفرعية , ط 2 , دون ناشر , 1986 , ص 104 , الهامش رقم 1 . د. احمد هندي , ارتباط الدعاوى والطلبات في قانون المرافعات , الدار الجامعية , 1991 , ص 450 .
23- د. محمود السيد عمر التحيوي , اجراءات رفع الدعوى القضائية الاصل والاستثناء , دار الجامعة الجديدة للنشر – الاسكندرية , 2003 , ص 675 .
24- د. محمود السيد عمر التحيوي , نطاق الدّعوَى القضائية في خصومة الاستئناف , ط1 , مكتبة الوفاء القانونية بالإسكندرية , 2011 ص 73 .
25- د. عز الدين الديناصوري وحامد عكاز , التعليق على قانون المرافعات , ط2, دون ناشر , 1982 , ص 153 .
26- د. احمد ماهر زغلول , مصدر سابق , ص 106 .
27- Art. 332 " Le juge peut inviter les parties à mettre en cause tous les intéressés dont la présence lui paraît nécessaire à la solution du litige .
En matière gracieuse, il peut ordonner la mise en cause des personnes dont les droits ou les charges risquent d'être affectés par la décision à prendre " .
28- د. احمد هندي , سلطة الخصوم , مصدر سابق , ص 156 .
29- نورماند , القاضي والنزاع , ص 98 . اشار اليه د. خليل جريح , محاضرات في نظرية الدعوى , مؤسسة نوفل , بيروت ,ط 2 , 1980 , ص 249 .
30- نقض مدني فرنسي - دائرة 2- في 5/10/1983 جازيت دي بالية 1984 – بانوراما – ص 44 . مشار اليه لدى د. احمد هندي , سلطة الخصوم والمحكمة في اختصام الغير , دار الجامعة الجديدة للنشر , 2006 , ص 156 .
31- وفي هذا يقول الاستاذ روجيه بيرو أن اختصام الغير بناء على أمر المحكمة غير فعال ويتعارض مع طبيعة المنازعات الخاصة .
Contraire 2 à l'esprit contentieux parive. R. Perrot l'effet de l'appel quant aux personnes . rapport journées . d'études chambre national des avous. Di Jon 29_30 oct 1973 . Gaz . Pal . 1974 .1. Doct. Spécialement no XIX p. 415 .
مشار اليه لدى احمد صدقي محمود , اختصام الغير في الخصومة في قانون المرافعات المصري والمقارن , اطروحة دكتوراه مقدمة الى مجلس كلية الحقوق في جامعة القاهرة , 1991 , ص 153-154 .
32- Droit judiciaire privé, tome3, Procedure de premiere instance, 1991, p. 907.
33- احمد صدقي محمود , المصدر السابق , ص 154 .
34- Normand . principes disecteurs du procès . Juris . class . 1985 . facs . 151 . n 13 .
مشار اليه لدى احمد صدقي محمود , المصدر السابق , ص 154 .
35- Normand Fasc. Trim dr . Civ . 1982 . p 357; p. julien obs. D . 1978. I.R. sous cass soc . 8 Juin 1978 ; R. Perrot. rev. Trim dr . Civ . 1984 p. 264 et s ; R. Martin : Juris. Class . 1980 Fasc. 127. 1. n. 107.
مشار اليهم لدى احمد صدقي محمود , المصدر السابق , ص 154 .
36- احمد صدقي محمود , المصدر السابق , ص 155.
37- سوليس وبيرو , القانون القضائي الخاص , 1991 ص 907 . مشار اليه لدى د. احمد هندي , سلطة الخصوم , مصدر سابق , ص 157 .
38- ويستفاد ذلك من نص المادة ( 493 ) من قانون المرافعات المدنية الفرنسي والتي تنص على
Art. 493 “ L’ordonnance sur roviso est une roviso roviso ire rendue non contradictoirement dans les cas où le requérant est fondé à ne pas appeler de partie adverse “.
39-Martin , JCP 1976 . 1. 2787 (natiere gracieuse et ordonnance sur requite); JCP 1977 .1. 2837 (appel des ordonnance sur requite).
civ. 2e , 13 mai . 1987 : Bull .civ11, ne 112; RTD .civ1988.181, obs . pevret.
مشار للمصدر لدى د. هادي حسين عبد علي الكعبي , النظرية العامة في الطلبات العارضة , ط1 ، منشورات الحلبي الحقوقية , بيروت , 2011 , ص 306 .
40- احمد صدقي محمود , المصدر السابق , ص 158-159 .
41- د. احمد مليجي , اختصام الغير وادخال ضامن في الخصومة المدنية , مكتبة عالم الكتب , دون سنة نشر, ص 293.
42- تيري , ص 129 , نورمان , الرسالة 83 . مشار اليه لدى د. محمد نور شحاته , نطاق النزاع في الاستئناف في المواد المدنية , دار النهضة العربية - القاهرة , دون سنة نشر , ص 273 .
43- جلاسون وتيسيه , ص 642 . مشار اليه لدى د. محمد نور شحاته , نطاق النزاع , مصدر سابق , ص 273 .
44- نقض مدني فرنسي 30 ابريل 1954, بلتان 1954 -2- 162 . نقض مدني فرنسي 4 ابريل 1959, بلتان 2- بند648 , ص 421 . مشار اليه لدى د. محمد نور شحاته , نطاق النزاع , مصدر سابق , ص 273 .
45- عرائض 2 اغسطس 1876 سيري 1877 -1- 306. باريس 4 يوليو 1973 بلتان وكلاء الدعاوى عدد 60 , ص 16 . مشار اليه لدى د. محمد نور شحاته , نطاق النزاع , مصدر سابق , ص 273 .
46- نقض اجتماعي فرنسي 9 ابريل 1975 الاسبوع القضائي -4- ص 167. مشار اليه لدى د. محمد نور شحاته , نطاق النزاع , مصدر سابق , ص 273 .
47- Dagot , JCP. 1979 .1. 19036 (communication des actes notariés ).
مشار للمصدر لدى د. هادي حسين الكعبي , مصدر سابق , ص 307 .
48- د. احمد مليجي , اختصام الغير , مصدر سابق , ص 293-294 .
49- د. احمد ابراهيم عبد التواب محمد , النظرية العامة للتعسف في استعمال الحق الاجرائي – دراسة تأصيلية مقارنة - , ط1 , دار النهضة العربية - القاهرة , 2005-2006, ص 255 .
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
ضمن أسبوع الإرشاد النفسي.. جامعة العميد تُقيم أنشطةً ثقافية وتطويرية لطلبتها
|
|
|