التأثيرات في جغرافية المواصلات :

تتناول الجغرافيا عند دراسة الأقاليم الطبيعية في العالم، ومعرفة مدى ملاءمتها مع وسائل النقل والمواصلات، لأنها تدرس سطح الأرض وكافة الموارد الطبيعية والموارد المائية لتحديد مواقع شبكات الطرق المناسبة لربط الأقاليم ببعضها، باعتبار النقـل المحرك الأساسي للسياحة وشريانه الذي يعتمـد نمـوهـا وتطورهـا علـى مـدى تـوفر المواصلات أي سهولة الوصول، ووجود شبكة طرق حديثة ووسائل نقل مزودة بكافة الخدمات السياحية المناسبة الأقل إضراراً بالبيئة، وهذا مما ساعد المجتمعات على النمـو الحضاري والاتصال بالمجتمعات الأخرى.

حدث تحول في الحركة السياحية بعد الحرب العالمية الثانية، إذ دخلت السيارة في مجال السياحة من جهة، وأدخلت الطائرات في النقل السياحي عبر المسافات البعيـدة من جهة أخرى، وقد رافق هذا التطور زيادة ملحوظة في عدد السياح ،وتطوير أماكن المبيت التي بدأت تأخذ أشكالاً متنوعة، وتوفر قسطاً كبيراً من الراحة وبأسعار مناسبة، ويعزى هذا التطور في مجالي النقل بالسيارة والطائرة إلى الجهود الكبيرة في تطوير آلـة الحرب العالمية الثانية ولاسيما الطائرات ،التي استخدمت على نطاق واسع في الحرب العالمية الثانية، وقبل أن تنتهي فترة الخمسينات من القرن التاسع عشر، كانـت أعـداد السياح المنقولين بالطائرة تفوق أعـداد أولئك الذين سافروا بالسفن البخارية بين القارات ( بين اوروبا وأمريكا مثلاً ).

يؤدي تطور السياحة في كثير من الحالات إلى توسيع نظام المواصلات القائم وتحسينه ، أو إحداث نظام مواصلات جديد ، ولم يكن التطور السياحي مقصوراً على وسائل النقل أو أماكن المبيت فحسب، بل شمـل تـطـور التنظيم السياحي. فظهـور شركات النقل الجوي الخاصة ،  مما ساهم في بروز رحلات المجموعات السياحية المنظمة، إذ قامت الشركات السياحية بإعداد برامج سياحية تبدأ بنقل السياح ،وحجز الفنادق وتجهيز الطعام، وتنظيم رحلاتهم اليومية حتى العودة إلى الوطن الأم. ونظراً للإقبال الشديد على هذا النمط من السياحة المنظمة " holiday pakage " ، فقد تحقق مبدأ اقتصاديات الحجم ، الأمر الذي يعني تراجع كلفة سـفر الشخص الواحـد ، مما ساهم في تسارع ارتفاع أعداد السياح.

ومن الناحية المكانية ، فقد تركزت كل التطورات السابقة على تشجيع وتطـوير سياحة الشواطئ ، ولاسيما شواطئ البحر المتوسط في كـل مـن إسبانيا وايطاليا واليونان وجزر البليار وتونس وفي مرحلة متأخرة شواطئ تركيا....الخ . ومـن هنـا برزت السياحة الجماهيرية .ومن جهة أخرى ، فإنه لا بد من أخذ تكاليف الرحلة بكافة متطلبات ( السفر والإقامة والطعام .... الخ ) بعين الاعتبار، وترتبط تكاليف السفر بجملة من المتغيرات أهمهـا تكاليف النقـل ولا سيما بالطائرة ( تشمل 40% مـن التكاليف ) وبسعر الصرف للعملية المحلية، فتذبذب أسعار الدولار مثلاً تنعكس على القدرة على السفر وحتى على اختبار الهدف، ويضاف إلى ذلك تطور الأسعار في البلد المضيف ونسبة التضخم، ( برهم ،2008).

تكمن أهمية الترابط بين مواقع العرض ومواقع الطلب في إحداث التكامـل بينهما، فبدون الترابط بين العنصرين فإن ظاهرة السياحة لن تتحقق، ويمكننا القول أن التغير في طبيعة المواصلات قد ساهم في إحداث تغيير كبير في العرض السياحي، ويشتمل هذا التغيير على انتشار أوسع لمرافـق المبيت والخدمات السياحية الأخـرى وتنوع طبيعتها وأصبح هناك إمكانيات للإختيار بين المواقع (اشتداد المنافسة). وقد ظهر مفهوم "النموذج التجـاري ' Trader Model ويقصد بذلك الأفراد الذين عليهم الاختيار بين المناطق القريبة والأقل جاذبية وبين المناطق البعيدة والأكثر جاذبية. (برهم ،2008).

تعتبر وسائل النقل المختلفة من قطارات وحافلات وطائرات وسـفـن وقـوارب سياحية مكملة لهذه الخدمات نظراً لأهميتها الكبيرة في ربط الأسواق السياحية بمناطق ومقاصد الجذب السياحي، وتتميز هذه المرافق والخدمات بمواصفات عالمية ويتم تصنيفها وفق معايير دولية حتى تكون بالمستوى السياحي، أما وسائط النقل المستخدمة (Mode of Transport) فقد جاءت الوسيلة الأكثر استخداماً ه النقـل الجـوي لتحصل على 43,7%وجـاءت بعـدها وسيلة النقل البري (Land Transport بنسبة 41,4% و 7% النقـل بواسطـة السكك الحديــدية (Rail Way) و 8% النقل بواسطة السفن والبواخر (WTO ). (Sea Transport .(.2007 Transport)

كذلك لا ترتبط مواقع المدن دائماً بالبيئة الطبيعية، فاختيـار كـثـير مـن المـدن والقرى والموانئ كان لأسباب بشرية، وليس لأسباب طبيعية، فالمدن الدينية والتجارية والحربية والعواصم والمدن التي تعتبر مركزاً لشبكات المواصلات ومـا إليهـا لم تـكـن لتقوم لو لم يكن العامل البشري غالباً عليها ،وحسبنا أن ننظر إلى قناة السويس الـتي سبب فتحها ظهور مدن جديدة وتطور مدن قديمة واضمحلال مدن غيرها سواء على ضفتي قناة السويس نفسها، أو في جزر وسواحل البحرين المتوسط والأحمر.

وتعتبر وسائل الاتصال السريعة مثل: التليفونات والتلغراف والفاكس والبريـد من عوامل الجذب السياحي، وكلما توفرت هذه الوسائل في المناطق السياحية المختلفة كلما كان لها أثر فعال في السياحة، وتتميز حاليـا شـبكة وسائل النقل العالميـة بأنهـا متطورة الى مستوى عالي جدا، ويعتبر النقل من الركائز الأساسية الرئيسة للحركة السياحية ولا تظهر أهمية الأماكن الأثرية والسياحية إلا بوجود وسيلة نقـل للوصـول الى هذه الأماكن.

بما أن الغاية الرئيسة من الرحلات السياحية هي الاستمتاع المقرون بالراحة، فإن العوامل المرتبطة بسهولة الوصول إلى المواقع السياحية على درجة عالية من الأهمية، فكلما زادت سهولة الوصول ازدادت حوافز السفر إلى المقاصد السياحية، فالمناطق التي تتوفر لها رحلات سياحية جوية وبرية وبحرية منتظمة ومتكررة وسريعة تستطيع استقطاب أعداد أكبر من السياح والزوار، ولا بد "لسهولة الوصـول" أن تقترن بإجراءات الأمان والسلامة والمعلومات والإرشادات المرتبطة بهذه الإجراءات.

فبالإضافة إلى شبكات الطرق البرية والبحرية فإن توفر خدمات الخطوط الجوية المنتظمة والدقيقة والمريحة للمسافرين يسهم في زيادة جاذبية المملكة في أسواق السياحة والسفر ويعزز من سهولة الوصول إليها من هذه الأسواق. وتوضح البيانات أن أعداد المسافرين بواسطة الخطوط الجوية الوطنية (الملكية الأردنية) والخطوط الجوية الأخـرى (العربية والأجنبية) زادت من حوالي (1.8) مليون مسافر إلى أكثر من (2.3) مليـون مسافر خلال العقد الأخير من القرن العشرين.(الطائي ،2005).

وقد شجع التطور السريع والواسع في وسائل النقل البري والبحري والجـوي على ازدهار الحركة السياحية من خلال مرونة الحركة للأفراد والجماعات. ولا شك أن ثورة النقل الجوي كانت العامل الحاسم في إتاحة الفرص أمام مئات الملايين مـن البشر للانتقال والسفر بيسر وسهولة وراحة إلى جميع مناطق العالم السياحية، وتعززت حركـة النقـل الجـوي ممثلـة بـآلاف خطوط الطيران بوسائل الاتصالات الحديثة والتكنولوجيا المتقدمة التي حولت العالم إلى مـا أصـبح يطلق عليها بالقرية العالمية.(Global Village)

وتحول السفر إلى متعة واستجمام من خلال التطوير المستمر في وسائل الراحة المقدمـة للركـاب والمسافرين. ولهـذا اصـبـح الـسـفر والسياحة ( Travel and Tourism) وجهان لعملة واحدة عنوانها الاستجمام والاستمتاع بالتنوع الواسع من معالم ومواقع الجذب السياحي المنشرة في جميع القارات والدول في النصف الشمالي والنصف الجنوبي من الكرة الأرضية.(الطائي،2006).