أقرأ أيضاً
التاريخ: 30-07-2015
1106
التاريخ: 3-08-2015
1428
التاريخ: 2-12-2018
976
التاريخ: 3-08-2015
1450
|
ان من البديهي في العقول ان النبي لا يكون نبيا يتلقى اخبار السماء و يرويها للناس دينا يجب الرضوخ له و القبول به الا اذا كان مأمون الجانب في صدق الحديث، و عدم السهو، و الابتعاد عن الزلل، و الامتناع عن فعل المعصية- أية معصية-، و الالتزام بفعل الطاعة- أية طاعة-، لكي يكون منزها- الى درجة القطع واليقين- عما يوجب الشك في اقواله و اعماله و سائر تصرفاته.
وهذا ما أطلق عليه
علماء الكلام اسم «العصمة».
وتكون العصمة على هذا،
عبارة عن طاقة داخلية في نفس النبي تهيمن عليه فتمنعه من كل معنى من معاني ترك
الطاعة او فعل المعصية او زلل القول او تناقض التصرفات.
ومع معرفة دور النبي
في الحياة العامة يكون الاقرار بالعصمة ضروريا لا مفر من القول به و الاذعان له، و
على ذلك سار الفكر الشيعي الامامي مؤكدا وجوب العصمة و حتميتها، منفردا بقوله هذا
بين سائر خطوط الفكر الاسلامي الاخرى التي لم تجد ضرورة في تنزيه الأنبياء على هذه
الشاكلة من التنزيه المطلق، بما فيهم المعتزلة العقليون الذين ذهبوا- مع كل
تأكيدهم على عصمة الأنبياء عن فعل الكبائر- الى تجويز فعلهم الصغائر «التي لاحظ
لها الا في تقليل الثواب دون التنفير»(1).
وعلى الرغم من أن
المسألة لا تحتاج الى تطويل بحث و تفصيل دليل، لما ذكرناه من بداهة الموضوع، و من
شهادة الوجدان بأن النبي الذي لا يؤمن سهوه و زللـه و اشتباهه و ارتكابه المعاصي و
المنافيات لا يمكن تصديقه و اتباع اقواله و اطاعة اوامره و الانتهاء عن نواهيه.
أقول: على الرغم من
ذلك فان الموضوع قد اقتحم كل الكتب الكلامية المعنية بهذه المطالب، و كان من أهم
اسباب بروزه و اهتمام المهتمين به وجود بعض الآيات القرآنية الشريفة التي قد يشعر
ظاهرها بارتكاب الذنب وفعل المعصية من قبل النبي (صلى الله عليه وأله).
و لما كنا بصدد
استيعاب موضوع النبوة و تقييم مقامها الديني بميزانه الصحيح، كان لا بد لنا من
استعراض الآيات المشعرة بذلك و من بيان المقصود منها، حتى يتضح الامر لكل من التبس
عليه، و نقطع الطريق على حديث الشكوك و الشبهات بحجج القطع و اليقين و الفهم
الصحيح.
الآية الاولى- {لِيَغْفِرَ
لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} [الفتح: 2] حيث زعم
الزاعمون ان نسبة الذنب للنبي (صلى الله عليه وأله) في هذه الآية صريحة واضحة.
لقد ذكر المفسرون عدة
وجوه في بيان المراد من لفظ الذنب، و اوجه الوجوه في ذلك ما اختاره الشريف المرتضى(2)
رحمه الله- و هو من هو في العلم و اللغة و الادب-، فقد ذكر ان المراد من «ذنبك»:
ذنوب قومك أليك، لأن «الذنب» مصدر، و المصدر قد يضاف الى الفاعل كما نقول اعجبني
شعرك او أدبك او نثرك، حيث اضيف المصدر الى فاعله، و قد يضاف الى المفعول كما نقول
ساءني سجنك او مرضك، حيث اضيف المصدر الى من وقع عليه السجن و المرض و هو
المفعول.
ولفظة «ذنبك» في الآية
مضافة الى المفعول، و يقصد به الذنب الواقع على النبي (صلى الله عليه وأله) من
قومه من شتم و استهزاء و تكذيب و حرب و اذى، بل لا يلتئم سياق الآيات الا اذا
فسرنا الجملة على هذا النحو، قال تعالى {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا
* لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ
نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ} [الفتح: 1، 2] ، فلقد جاء الغفران مرتبا على الفتح، و لم يكن
في يوم النزول فتح، لان الآيات قد نزلت بعد صلح الحديبية، و قد سماه الله تعالى
فتحا لانه الطريق نحو فتح مكة و الممهد له، و بذلك يكون المعنى الكامل للآيات اذا
أردنا توضيحها- كالآتي:
انا فتحنا لك فتحا
مبينا ليغفر لاجلك الله ما تقدم من ذنب قومك نحوك و ما تأخر منه بعد هذا الصلح و
الى ان يتم الفتح و ليتم الله نعمته عليك بالفتح الكبير و النصر العظيم.
واذا كان «الذنب» هو
الذنب الذي فعله النبي (صلى الله عليه وأله) نفسه كما يبدو لغير المتعمقين فما
علاقة ذلك بالفتح و لماذا يترتب الغفران على هذا الفتح، بل لا نجد لهذا الترتب
معنى الا اذا كان للفتح ارتباط بغفران ذنب اولئك الذين أساؤوا للنبي ممن ستفتح
بلادهم للجيش النبوي و ينهار كيانهم الجاهلي.
الآية الثانية- {وَإِذْ تَقُولُ
لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ
زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ
وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ
مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا} [الأحزاب: 37] حيث ادعى المدعون ان في هذه الآية
عتابا و لوما للنبي على ما يخفيه في نفسه مما يخشى ان يقف الناس عليه.
وهذه الآية- كما يعرف
المطلعون- ترتبط بقصة زيد بن حارثة و زوجته زينب بنت جحش...
الآية الثالثة- {عَفَا
اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا
وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ} [التوبة: 43] حيث زعم بعضهم ان مخاطبة النبي بجملة «عفا
الله عنك» دليل على الذنب باعتبار ان العفو لا يكون الا حيث يكون الذنب.
والحقيقة ان معنى هذه
الآية لا يتضح للقارىء ما لم يقرأ ما سبقها و ما يليها مما يتم معناها و يبين
المراد منها، قال تعالى: {لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا
لَاتَّبَعُوكَ وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ
لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ
يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ
حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ * لَا
يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ
يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ *
إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ
الْآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ * وَلَوْ
أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً... الخ } [التوبة: 42 - 46].
ومن التأمل في هذه
الآيات نجد ان قوله «عَفَا اللَّهُ عَنْكَ» لم يكن عن ذنب بالمعنى الشرعي اي عن
مخالفة لحكم من احكام الله، و انما كان الغرض منه ارشاد النبي الى الاسلوب الذي
يتعرف بواسطته على الصادقين و الكاذبين من اصحابه الذين اعتذروا عن المشاركة في
الجهاد.
فلو لم يأذن لهم
بالتأخر لعرف الذين صدقوا و عرف الكاذبين، و لكن اذنه لأولئك الذين زعموا عدم
استطاعتهم المشاركة في الخروج قد اخفى حقيقة الصادق و الكاذب، حيث اعتذر الطرفان
فلم يمكن التمييز بينهما.
الآية الرابعة- {وَوَجَدَكَ
ضَالًّا فَهَدَى } [الضحى: 7] و الضلال خلاف العصمة قطعا.
والحقيقة ان الضلال في اللغة هو
الذهاب و الانصراف، و كان النبي- كما نعلم- لا يعرف كيف يعبد الله و كيف يقوم
بواجب التقرب إليه، فكان منصرفا عن العبادة بمعناها الخاص الى ان هداه الله الى
ذلك بإنزال رسالة الاسلام عليه، و الآية هي جزء من سلسلة آيات تعدد نعم الله على
النبي (صلى الله عليه وأله) و عنايته الكاملة به {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا
فَآوَى * وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى * وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى } [الضحى: 6
- 8] حيث دلت هذه الآيات على المقصود بوضوح، اذ ان الله تعالى قيض لمحمد اليتيم من
آواه و رباه، و هيأ له و هو الفقير من حباه و اغناه، ثم هداه الى الاسلام و الى
عبادة الله بعد ان كان ضالا عن ذلك اي منصرفا تائها لا يعرفه و لا يهتدي إليه.
الآية الخامسة-
{وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ } [الشرح: 2] والوزر في العرف العام هو الذنب.
والحقيقة ان الوزر في
اللغة هو الثقل، و انما سميت الذنوب اوزارا لأنها تثقل حاملها و تجهده. ويكون- على
ذلك- كل ما يثقل الانسان و يهمه و يجهده وزرا تشبيها له بالثقل الحقيقي كما شبه به
الذنب فسمي بذلك أيضا. والشيء الذي كان يثقل النبي و يجهده ويثير همه هو ما كان
عليه قومه من شرك و ضلال و اعراض عن الدعوة و عدم اذعان للرسالة و تمرد على الدين
الذي ارسل به، مضافا الى كونه مستضعفا امامهم و ليس له من العدة و العدد ما يصد
به اذاهم و شرورهم.
وهذا هو «الوزر» اي
الهم الثقيل الذي كان ينقض ظهر النبي الما و غما و تأثرا.
ولعل من أوضح الشواهد
على كون هذا المعنى هو المقصود بالآية تعقب ذلك بقوله تعالى: {وَرَفَعْنَا لَكَ
ذِكْرَكَ * فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا }
[الشرح: 4 - 6] حيث لا يلتئم رفع الذكر و بيان اليسر بعد العسر الا اذا كان
المقصود بالوزر هو الهم الثقيل الذي كان يحمله النبي نتيجة اعراض قومه عن الهدى و
الاسلام.
وبعد: فهذه هي «النبوة» بمعناها
العام، رسالة رائدة وهدي قائد ونظام رائع للحياة. وهذا هو «خاتم النبيين» المرسل الى
الناس { ... شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ
بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا} [الأحزاب: 45، 46] و الذي {مَا يَنْطِقُ عَنِ
الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 3، 4].
وليس لنا ما نختم به
هذا الحديث الا ان نقول: «ربنا آمنا بما انزلت و اتبعنا الرسول فاكتبنا مع
الشاهدين» و «الحمد لله الذي هدانا لهذا و ما كنا لنهتدي لولا ان هدانا الله».
________________
(1) مذاهب الاسلاميين/
الدكتور عبد الرحمن بدوي/ 1/ 478. ويراجع كتاب المنخول للإمام
الغزالي:
223-225، حيث ذكر المؤلف فيه عدم وجوب عصمة الأنبياء وزاد
على ذلك فقال:« انا نجوز أن ينبئ الله تعالى كافرا و يؤيده بالمعجزة» و علق محقق
الكتاب على ذلك في الحاشية فقال:« و خالف الروافض![ أي الشيعة الامامية] فذهبوا
الى امتناعها( أي المعصية)، و المعتزلة الا في الصغائر».
(2) تنزيه
الأنبياء:117.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|